Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حضور عسكري متزامن لأميركا وروسيا في الجزائر فما المغزى؟

حل لواء من "أفريكوم" يقود 1900 عسكري وموظفين دوليين ورست قطع متطورة ضمن وحدات أساس للبحرية الروسية خلال يوم واحد

قاطرة روسية ترسو على الساحل الجزائري في إطار التعاون العسكري الثنائي (اندبندنت عربية)

ملخص

"هذه الزيارات تثبت مدى حنكة الدبلوماسية الجزائرية في ضمان علاقات متوازنة بين الطرفين بعيداً من سياسة التخندق، وتفضيل المصلحة في التعاون الأمني مع أميركا والشراكة العسكرية مع روسيا، وليس خفياً أو جديداً التنافس الشرقي الغربي على المنطقة".

أثار تزامن زيارات مسؤولين عسكريين روس وأميركيين إلى الجزائر نقاشات حول الأسباب التي تقف وراء هذا "التهافت"، لا سيما أنها تأتي خلال وقت يعيش العالم تطورات توحي بمشهد دولي جديد، ويشهد شمال أفريقيا ومنطقة الساحل تحولات "خطرة" تهدد بانزلاقات أمنية.

زيارة قائد العمليات الخاصة الأميركية

نزل قائد العمليات الخاصة الأميركية في أفريقيا اللواء كلود ك تيودور ضيفاً على الجزائر، على رأس وفد عسكري رفيع المستوى في زيارة تعد الأولى منذ حضور قائد القيادة الأميركية لأفريقيا "أفريكوم" لتوقيع مذكرة تفاهم وصفت بـ"التاريخية" حول التعاون العسكري في يناير (كانون الثاني) 2025، والتقى قائد القوات البرية الجزائرية الفريق مصطفى سماعلي.

وبحسب بيان لوزارة الدفاع الجزائرية، أجرى الطرفان محادثات ثنائية تناولت مجالات الاهتمام المشترك بحضور ضباط ألوية وعمداء وأعضاء الوفد الأميركي المرافق، وقال إن الجانبين أشادا بالعلاقات الثنائية الممتازة وبآليات التشاور والتعاون القائمة بين البلدين.

 

وأشارت السفارة الأميركية بالجزائر ضمن بيان تلقت "اندبندنت عربية" نسخة منه، إلى أن الجزائر تعد دولة رائدة إقليمياً ولها سجل حافل بالنجاح في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وتتعاون مع الدول المجاورة لتطوير قدراتها الأمنية، وأشارت إلى أن استمرار التعاون العسكري بين الجزائر والولايات المتحدة ما هو إلا دليل على الرؤية المشتركة لتعزيز السلام والاستقرار الإقليمي والدولي من خلال الحوار الاستراتيجي.

قطع روسية ترسو في الميناء

وخلال وقت كان المسؤول العسكري الأميركي يتباحث مع المسؤولين الجزائريين، رست مفرزة تابعة للأسطولين الروسيين للبحر الأسود والبلطيق، المكونة من الغواصة "نوفوروسيسك" والقاطرة البحرية للإنقاذ "لكوف غريبالسكي" بميناء الجزائر، في إطار التعاون العسكري الثنائي الجزائري - الروسي، حسب بيان لوزارة الدفاع الجزائرية.

تواجد رفيع المستوى لا روتيني

وما يسقط الحديث عن روتينية الزيارات، ميزات وقوة القطع البحرية الروسية التي رست بميناء الجزائر، وأيضاً مكانة العسكري الأميركي اللواء تيودور الموجود في منصبه منذ يونيو (حزيران) 2025، والذي يشرف على كامل نطاق أنشطة العمليات الخاصة الأميركية في أفريقيا، ويقود أكثر من 1900 عسكري أميركي وموظفين من مختلف الوكالات الحكومية وعسكريين دوليين يعملون في 19 دولة عبر أفريقيا وأوروبا.

كما أن الغواصة "نوفوروسييسك" الهجومية تعمل بالديزل والكهرباء، وتتميز بقدرتها العالية على التخفي حتى لقبت بـ"الثقب الأسود"، ويبلغ طولها نحو 74 متراً، فيما تستطيع الغوص حتى عمق 300 متر بسرعة تصل إلى 20 عقدة، وهي مجهزة بأنظمة متطورة لإطلاق الطوربيدات والصواريخ، مما يمنحها قدرة على ضرب أهداف برية وبحرية بدقة، إلى جانب تنفيذ مهام الاستطلاع والحماية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بينما القاطرة "ياكوف غريبيلسكي" هي مخصصة لأعمال السحب والإنقاذ في عرض البحر، وتعرف بقدراتها الكبيرة على المناورة في ظروف بحرية صعبة، فضلاً عن تجهيزها بوسائل إطفاء الحرائق ومعدات إنقاذ متطورة، مما يسمح لها بالقيام بعمليات دعم متعددة، وهي تستخدم في تموين السفن، ودعم الغواصات أثناء انتشارها، وكذا المشاركة في عمليات البحث والإنقاذ، لتصنف ضمن الوحدات اللوجيستية الأساس للبحرية الروسية.

سباق أميركي روسي

وسبق أن زار نائب رئيس لجنة الدفاع والأمن الروسية يوري فاليائيف الجزائر على رأس وفد رفيع المستوى، وحظي باستقبال من طرف الأمين العام لوزارة الدفاع الجزائرية محمد الصالح بن بيشة، وجاء ضمن بيان الوزارة أن المحادثات تناولت مجالات الاهتمام المشترك، على غرار اللجنة المختلطة المكلفة التعاون العسكري التقني، موضحاً أن الطرفين أشادا بالعلاقات الثنائية الممتازة، وآليات التشاور والتعاون بين البلدين.

وحضر منذ أسابيع قائد القيادة العسكرية في أفريقيا "أفريكوم"، الفريق أول مايكل لانجلي، الذي حظي باستقبال من الرئيس الجزائري تبون، وأشاد بالدور الريادي والمحوري الذي تؤديه الجزائر في مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار بمنطقة الساحل، وقال إن الجزائر تتقاسم بعض المخاوف مع الولايات المتحدة الأميركية في شأن توسع التنظيمات المتطرفة العنيفة في جميع أنحاء أفريقيا وجنوب الصحراء وتحديداً بمنطقة الساحل.

وأكد لانجلي أن الجزائر أدت دوراً ريادياً في مكافحة الإرهاب في الماضي والحاضر في جميع أنحاء هذه المنطقة، مبرزاً الدور المحوري الذي تضطلع به الجزائر في تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار بالمنطقة الأفريقية.

تنافس متحكم فيه

وفي السياق، يعد الباحث في الشؤون الأفريقية والمتخصص في العلاقات الدولية مبروك كاهي، أن زيارة قائد العمليات الخاصة الأميركية في أفريقيا اللواء كلود ك تيودور، تعكس مدى الثقة التي يضعها صانع القرار للولايات المتحدة الأميركية، والانخراط الجدي في التعاون الأمني لمكافحة الجماعات الإرهابية داخل منطقة الساحل، وكذا شبكات الجريمة المنظمة في منطقة غرب المتوسط، كما تعكس محورية الجزائر كنظام ثابت وأساس استقرار المنطقة، مما يؤكد أن الأعوام السابقة للتعاون كان لها ثمارها ونتائجها التي استفاد منها الجانبان الأميركي والجزائري، مضيفاً بخصوص زيارات الروس، أنها تمثل حجم التعاون العسكري الوثيق لا سيما بعد صفقات التسليح النوعية التي قام بها الجيش الجزائري لتحديث أسطوله الجوي بطائرات الجيل الخامس والقاذفات التكتيكية، وتعد من ثمار الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس تبون إلى موسكو، وتوقيع عدد من الاتفاقات المهمة والاستراتيجية سواء في الجانب العسكري الذي يمثل العمود أو الميادين الأخرى.

 

ويواصل كاهي أن هذه الزيارات تثبت مدى حنكة الدبلوماسية الجزائرية في ضمان علاقات متوازنة بين الطرفين بعيداً من سياسة التخندق، وتفضيل المصلحة في التعاون الأمني مع أميركا والشراكة العسكرية مع روسيا، مشيراً إلى أنه ليس خفياً وليس جديداً التنافس الشرقي الغربي على المنطقة، إذ إن روسيا في عهد بوتين تنتهج سياسة كسر الأطواق الأطلسية، والبحث عن مناطق نفوذ جديدة في الأراضي الجافة سواء الساحل الأفريقي عبر قوات "فاغنر" سابقاً والفيلق الفريقي حالياً، أو القرن الأفريقي من خلال بناء قواعد عسكرية، وأضاف أن العلاقات الروسية - الجزائرية تاريخية وتعمل موسكو على الاستثمار في هذا الجانب بعد فقدانها عدداً من الحلفاء، وتمدد "الناتو" إلى أقصى شمالها الغربي بانضمام بعض الدول الاسكندنافية، موضحاً في ما يتعلق بالولايات المتحدة، أنها أكبر مستثمر أجنبي في مجال الطاقة بالجزائر، وتعمل على تعزيز نفوذها عبر التعاون الأمني والاستخباراتي، وختم بأن هناك تنافساً حقيقياً بين الشرق والغرب، لكن صلابة النظام الجزائري جعلت من هذا التنافس متحكماً فيه ويصب في مصلحة البلاد.

تسابق على النفوذ

يرى مدير مركز "جي أس أم" للأبحاث والدراسات في موسكو بروسيا الاتحادية آصف ملحم أن "الجزائر فاعل رئيس في شمال أفريقيا والساحل، وهي معنية بصورة مباشرة باستقرار المنطقة، ولا يمكن أن تنجح محاولات التشويش على دورها الدبلوماسي الرصين أو إقصائها من أية عملية سياسية أو أمنية إقليمية"، وقال إن دورها سيبقى قيادياً في الساحل والقارة السمراء، مضيفاً أن روسيا لا مناص لها من التنسيق مع الجزائر في ما تعلق بملفات الساحل وأفريقيا، وهذا الأمر يفهمه الكرملين ويستوعبه جيداً.

ويواصل ملحم أن ما حصل ويحصل في منطقة الساحل الأفريقي مثير للاهتمام، فبين عامي 2020 و2023 حدث 20 انقلاباً ومحاولة انقلاب، كما سجل بين عامي 2010 و2019 نحو 36 انقلاباً ومحاولة انقلابية، مما دفع بكثير من المتابعين إلى تسمية هذه المنطقة بـ"حزام الانقلابات"، مبرزاً أنه يمكن تقسيم تفسيرات الانقلابات خلال الوقت الراهن إلى عوامل عدة، منها التنافس الجيوسياسي والتسابق على النفوذ بين روسيا وأميركا، والصراع بين الديمقراطية والاستبداد، وأشار إلى أن تفشي الفقر وغياب الشرعية والعوامل الاقتصادية والهيكلية لها دور كبير في تدهور الأوضاع الأمنية والاجتماعية وتهلهل استقرار المنطقة.

واشنطن من دون ملل تترقب

يبدو أن واشنطن ومن دون ملل تحاول استقطاب الجزائر إلى جانبها، عبر اغتنام فرصة توترها الخفي مع موسكو بعد الاختلافات المسجلة على مستوى ملفات دولية عدة وأهمها التقارب مع الرباط ووجودها اللافت في منطقة الساحل، وهو ما تروج له السفيرة الأميركية بالجزائر، إليزابيث مور أوبين، التي طلبت لقاء مع صحافيين بمقر السفارة. وأكدت أن التعاون العسكري بين الجزائر والولايات المتحدة الأميركية يمتد إلى وقت طويل، وأبرزت أن توقيع مذكرة التفاهم خلال يناير الماضي بين قائد القيادة العسكرية الأميركية لأفريقيا الجنرال لانغلي، ورئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أول شنقريحة، عزز الرؤية المشتركة من أجل الاستقرار الإقليمي.

وأوضحت المسؤولة الأميركية أن التفاعل العسكري بين البلدين متواصل، مشيرة إلى زيارة المدمرة "شرمان" إلى الجزائر، وإلى برنامج سلامة الطيران بين الجيشين، وإلى مشاركة بعثة حكومية جزائرية في حفل تنصيب القيادة الجديدة لـ"أفريكوم" بمدينة شتوتغارت، في سابقة هي الأولى من نوعها، إذ أتيحت لها فرصة عقد لقاءات مع مسؤولين كبار، من بينهم الجنرال لانغلي والجنرال أندرسون.

الوقوف على مسافة متكافئة

وتلتزم مختلف الأطراف الجزائرية والأميركية والروسية الصمت إزاء ما يتعلق بالزيارات اللافتة، والاكتفاء ببيانات أو تصريحات دبلوماسية مقتضبة "تزعم" بأنها تندرج في إطار التعاون الثنائي وتنسيق العمل في ما يتعلق بالملفات ذات الاهتمام المشترك مثل مكافحة الإرهاب، مما يجعل المشهد ضبابياً ويفتح المجال أمام التأويلات والاستنتاجات، لكن يبقى عنوان "التنافس الغربي الشرقي" أو "معركة التموقع بين واشنطن وموسكو"، أبرز ما يمكن إطلاقه على توالي زيارات المسؤولين العسكريين إلى الجزائر التي وجدت نفسها في قلب استقطاب حاد، تجتهد للحفاظ على نقطة توازن فيه بين الطرفين.

وتعمل الجزائر من أجل الحفاظ على مستوى من العلاقات المتوازنة والوقوف على مسافة متكافئة بين موسكو والقوى الغربية، في ظل الاستقطاب الحاصل، إذ أكد الرئيس تبون في مرات عدة أن الجزائر سياسياً وأيديولوجياً بلد غير منحاز، لا إلى الأميركيين ولا إلى غيرهم، وشدد قائد أركان الجيش الجزائري السعيد شنڨريحة خلال لقاء سابق مع قائد "أفريكوم" مايكل لانجلي على أن الجزائر تتشبث بمبدأ عدم الانحياز، وهي غيورة على استقلالها وقرارها السياسي، وتتعامل في إطار خدمة مصالحها مع دول صديقة كثيرة تربطها معها علاقات عسكرية واقتصادية.

المزيد من تقارير