ملخص
حتى السينمائيون المشاركون في التصويت أنفسهم أصبحوا غير راضين عن طريقة اختيار الفيلم الذي يمثل مصر في مسابقة الأوسكار، فبخلاف عدم الرضا عن مستوى الأعمال لأسباب كثيرة، وحتى وتيرة الإنتاج، فإن الإجراءات التي يجري الاعتماد عليها في هذه العملية أصبحت مثار جدل وشكوك، ورغم الاحتفاء باختيار فيلم "عيد ميلاد سعيد" هذا العام، لكن أيضاً لم يخل الأمر من امتعاض من طريقة عرضه ومشاهدته
لغط الأوسكار يبدأ مبكراً جداً في مصر، ففي حين أن الجدل الواسع حول اختيارات أعضاء أكاديمية الجوائز السينمائية العالمية الأشهر ينطلق عادة في ديسمبر (كانون الأول) مع إعلان ترشيحات القوائم الطويلة، ثم يزداد اشتعالاً في فبراير (شباط) مع صدور القائمة القصيرة التي تضم خمسة أفلام فقط مرشحة للجوائز في كل فئة.
لكن الوسط السينمائي في القاهرة يبدو مستنفراً قبل ذلك بأسابيع طويلة، إذ لا يكاد يمر عام إلا وتثار تعليقات متشككة حول مستوى الفيلم الذي تختاره اللجنة المختصة، لتمثيل البلاد في فئة أفضل فيلم روائي دولي، أي غير ناطق باللغة الإنجليزية، وهذه المرة تساءل المتابعون عن معنى اختيار اللجنة ترشيح فيلم لم يعرض من الأساس تجارياً في السينما حتى كتابة هذه السطور، في حين أنه من شروط قبوله في جوائز أكاديمية علوم وفنون الصور المتحركة "أوسكار" أن يكون قد عرض تجارياً بهدف الربح لمدة أسبوع في الأقل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فيلم "هابي بيرث داي - عيد ميلاد سعيد" من تأليف وإخراج سارة جوهر في تجربتها الروائية الأولى، وبطولة نيللي كريم وحنان مطاوع وشريف سلامة، وقع عليه الاختيار بصورة مفاجئة، ليمثل مصر في نسخة الأوسكار 98، في حين لم يكن قد جرى إدراجه في القائمة التي أعلنت في قائمة اللجنة المخولة باختيار الفيلم الذي يمثل مصر في الأوسكار والمشكلة من نقابة السينمائيين عن إعلان انطلاق اجتماعاتها الأولية.
وعلى رغم أن الفيلم حصد ثلاث جوائز بارزة في مهرجان ترابيكا السينمائي 2025 الذي أقيم بنيويورك، بينها أفضل فيلم وأفضل إخراج وتحمس للمشاركة في إنتاج النجم العالمي جيمي فوكس، فإن الجدل الذي رافق اختياره فتح ملف أزمات فيلم الأوسكار المصري المتكررة، فعلى رغم مرور 67 عاماً على المشاركة الأولى لمصر بالأوسكار، فإنها لم تحقق إنجازاً بالوصول إلى القوائم القصيرة حتى الآن، إذ يرى بعضهم أن التميز الفني في بعض الأوقات لا يكون سبباً وحيداً للتأهل، ويرى آخرون أن مستوى الإنتاجات في السنوات الأخيرة لا يرقى للمشاركة أصلاً، وفريق ثالث يشير إلى أن هناك أزمة في الشفافية والإجراءات المتبعة داخلياً، إضافة إلى عدم وجود خطة فنية أو تسويقية ملائمة.
عروض سرية لفيلم مميز فنياً
التميز الفني الذي يحظى به العمل، لم يشفع له عند الفئة المعترضة على الطريقة الغامضة التي أصبح فيها الفيلم المختار للمشاركة في المسابقة، ليأتي التبرير بأن اللجنة شاهدت العمل بصورة استباقية وقبيل أيام من عرضه تجارياً، إذ من المفترض أن يعرض في الـ17 من سبتمبر (أيلول) الجاري، مما يعني أنه سيلتزم بالشروط لأن لجنة الأوسكار وضعت موعداً أقصى للعرض التجاري، وهو نهاية اليوم الأخير من الشهر الجاري، لكن الفيلم يبدو وكأنه فيلم اللحظات الأخيرة أو كمن قدم أوراقه قبيل غلق الباب بدقائق، وفي حين هناك فريق يحتفي، هناك فريق يتشكك ويتساءل، بخاصة أن ما قيل بعد الاجتماعات الأولى للجنة أن المفاضلة كانت بين أفلام عدة، بينها "البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو"، لتأتي النتيجة بفيلم ثالث لم يكن مدرجاً بالأساس.
أحد أبرز النقاد الفاعلين في المشهد الثقافي، رفض الكشف عن هويته، قال إن الموقف بأكمله يبدو محيراً، ومربكاً، ولا يليق، متسائلاً "كيف تشاهد اللجنة عملاً وتحكم عليه قبل الجمهور؟"، وتابع "المؤكد أن الفيلم لم يكن موجوداً بالطبع في قائمة مشاهدات اللجنة وفقاً للأخبار المتداولة، كما أن المصوتين كانوا أقل بكثير من عدد اللجنة الأصلي (23)، لأن التصويت حضوري، لكن في اجتماع التصويت تغيب كثيرون ولم يحضر سوى 16، وعلى ما يبدو وكما هو واضح جرى إبلاغ الجميع تليفونياً أن هناك فيلماً آخر، وتمت مشاهدته في نسخة خاصة قبل العرض التجاري بأسبوعين في الأقل، وبالصدفة يبدو بمستوى أفضل من بقية الأعمال، والغريب أن الفيلم سيعرض تجارياً خصيصاً لوقت قصير لهذا الغرض، بخاصة أنه فيلم افتتاح الدورة الثامنة المقبلة من مهرجان الجونة، أي أن عرضه الأول كان يجب أن يكون في أكتوبر (تشرين الأول) تزامناً مع المهرجان، وليس قبلها لأن هذه هي الأصول المتبعة".
كانت السنوات الأخيرة شهدت وجوداً عربياً مميزاً في القوائم القصيرة للأوسكار أفضل فيلم غير ناطق بالإنجليزية، وبينها أفلام من تونس والجزائر والأردن ولبنان وفلسطين، وكان كثير منها يحمل طابعاً إنسانياً وهماً يرتبط بظروف المنطقة سياسياً واجتماعياً، كذلك فإن فيلم "عيد ميلاد سعيد" تدور أحداثه في يوم واحد حول تحديات تواجهها المطلقات في حياتهن اليومية، كما يتطرق بصورة شاعرية وإنسانية إلى قضية أطفال الشوارع.
ويعتبر كثيرون الفيلم عذباً ومميزاً، وبينهم المخرج والمنتج شريف مندور، الذي عبر من خلال تدوينة له عن إعجابه بالفيلم، لكنه قال عن اختياره لتمثيل مصر في فئة أفضل فيلم دولي بمسابقة الأوسكار، إنه لن يقود لا إلى الجائزة ولا حتى إلى القائمة القصيرة أو حتى الطويلة، وذلك لغياب الرؤية والاستراتيجية، والتغطية الإعلامية الدولية وشركات التوزيع القوية وخطط التسويق المدروسة، منهياً تدوينته بـ"الخلاصة أن الطريق إلى الأوسكار لا يبدأ فقط من أفلام جيدة ولجنة الاختيار ولا النوايا الطيبة، بل من مشروع وطني يرى السينما قوة ناعمة، يستثمر في الجودة، مع حملات دعائية احترافية تتبناها الدولة لعدم مقدرة المنتجين عليها. من دون ذلك ستبقى مصر خارج المنافسة، مهما كان تاريخها السينمائي".
النقطة التي نبه إليها المخرج شريف مندور، تحدث عنها كثيرون في وقت سابق، لكنها لم تلق بالاً من قبل القائمين على صياغة المشهد السينمائي في مصر، وهي أن مشاركة الأفلام في مهرجانات دولية كثيرة تتيح لها فرصة مشاهدة أكبر من المصوتين في لجنة الأوسكار أنفسهم، ومن هنا تحظى بفرصة أكبر، لا سيما أنه نظراً إلى أن الأعضاء يكون مطلوباً منهم مشاهدة عشرات الأفلام فقد يجدون أنفسهم يميلون إلى ما قد شاهدوه قبلاً، وبهذا تضيق قائمة الاختيار لتتضمن الأعمال التي حظيت بفرص عروض أكثر وتغطية إعلامية عالمية ببساطة.
تاريخ من اللغط
وعلى ذكر التاريخ السينمائي فقد حظيت أفلام مصرية بارزة بدخول مسابقة أفضل فيلم أجنبي في الأوسكار، بينها "باب الحديد" و"دعاء الكروان" و"القاهرة 30" و"أم العروسة" و"المصير" و"بحب السما" وغيرها، بينما كان قد عبر الفنان أحمد زكي قبل رحيله بسنوات عدة عن غضبه، بسبب استبعاد فيلمه "أرض الخوف" لداوود عبدالسيد عام 2000، من المشاركة، وذلك بسبب مشكلات إجرائية، إذ كان يبحث عن طريقة لإثبات أن فيلمه يستوفي الشروط للمشاركة، بخاصة أنه جرى إبلاغه أن سبب الاستبعاد أنه عرض تجارياً قبل عام ونصف عام تقريباً من موعد المسابقة، في حين أن الشروط هي ألا تتجاوز المدة 12 شهراً.
ومن أبرز شروط المشاركة في مسابقة الأكاديمية الأميركية لعلوم وفنون الصور المتحركة "أوسكار" لعام 2026 أن يكون الفيلم عرض في صالات السينما المحلية في الفترة بين الأول من أكتوبر 2024 والـ30 من سبتمبر 2025، إضافة إلى بقية الشروط المعروفة، وهي أن يكون منتجاً خارج الولايات المتحدة وألا تقل مدته عن 40 دقيقة، وأن يكون غالبية صناع العمل من الدولة التي يمثلها، وأن تكون لغته بنسبة تزيد على 50 في المئة غير إنجليزية.
وفي حين شهد العام الماضي اختيار فيلم "رحلة 404" بطولة منى زكي وإخراج هاني خليفة لتمثيل مصر في مسابقة أفضل فيلم أجنبي بالأوسكار، وقبلها فيلم "فوي فوي فوي" بطولة محمد فراج ونيللي كريم، فإن عام 2022 شهد امتناع اللجنة عن ترشيح أي عمل، لعدم وجود ما يرقى للمستوى حينها، إذ أصدرت وقتها نقابة المهن السينمائية بياناً فندت فيه الأسباب، في حين انقسمت آراء النقاد وقتها، فمنهم من وجد أن الأزمة تتمثل في ندرة الإنتاجات وجودتها بسبب التعنت الرقابي، وكذلك بسبب مفهوم الفيلم الصالح لتمثيل مصر في المنافسة، مستغربين من رفض اختيار أفلام ناجحة تجارياً، بحجة أنها ليست أفلام مهرجانات.
لكن اللافت أنها لم تكن الواقعة الأولى التي تمتنع فيها مصر عن اختيار فيلم لتمثيلها في الأوسكار، فالمؤسسات المعنية لم تكن تهتم لسنوات طويلة بالانتظام في المشاركة من الأساس، ولم يكن مستوى الإنتاج هو السبب في كل مرة، بل إن اللجنة في إحدى المرات نسيت الموعد المحدد لإرسال الفيلم الذي وقع عليه الاختيار، وتكرر الأمر كثيراً، وفي أوقات أخرى لم يكن هناك اهتمام على رغم تميز الأعمال، والنتيجة أن عدد الأفلام المصرية المرسلة للأوسكار لم يتجاوز الـ39 فيلماً بما فيها فيلم هذا العام، في حين أن السينمائيين المصريين حرصوا على المشاركة في مسابقة أفضل فيلم دولي التي بدأت بعد انطلاقها بعامين تقريباً.
حجب المشاركة
من جهتها ترى الناقدة فايزة هنداوي، التي شاركت لست مرات متتالية في عضوية لجنة اختيار الفيلم الذي ينافس على الأوسكار، أنها تؤيد فكرة الحجب تماماً، وتتمنى تفعيلها لحين إصلاح أوضاع السينما المصرية التي تعاني لأسباب لا تخفى على أحد، من وجهة نظرها. تقول "منذ سنوات ونحن نعاني كي نجد فيلماً يصلح للمنافسة، وبالطبع لا يصل إلى أية قوائم، فنحن نختار أفضل (السيئ)، ولهذا أؤيد فكرة الامتناع عن الترشيح، لأننا منذ عقدين من الزمان تقريباً توقفنا عن إنتاج أعمال كبيرة ومهمة، حتى لو هناك أعمال جيدة، لكنها لا تضاهي ما كان ينجز حتى السنوات الأولى من الألفية سواء في ما يتعلق بالأفكار وسقف الرقابة وجودة التنفيذ، ولهذا تتكرر مشكلات الاختيار كل عام".
وتوضح هنداوي أن أعمال اللجنة من المفترض أن تنتهي بحد أقصى منتصف سبتمبر، وإذا كان هناك فيلم مدرج للعرض التجاري بعد تلك الفترة يجري مشاهدته في نسخة خاصة في ما بينهم، وعلى رغم تكرر هذا الموقف لكن هنداوي تراه أمراً غير منطقي، وتعتقد أن تأجيل عرض الفيلم التجاري إلى ما بعد الـ30 من سبتمبر سيكون أجدى، وحينها سيكون مؤهلاً للاختيار في العام التالي.
وعن تجربتها في لجنة اختيار الفيلم المنافس في الأوسكار قالت "من الطبيعي أن يقابل تشكيل أية لجنة فنية بمصر بجدل واعتراضات، وأن يجري التعليق سلباً أو إيجاباً على قراراتها، لكن بصورة عامة فحضور الجلسات يكون مفيداً للغاية، والنقاشات تكون ثرية بين النقاد وصناع السينما، كما أنني ضد اقتراح الاكتفاء بتصويت اللجنة إلكترونياً لضمان احتساب جميع الأصوات حتى من لم يحضروا جلسة التصويت، لأن الحضور يعطي فرصة لتبادل الملاحظات وإقناع الأطراف بوجهات نظر معينة لمحاولة اختيار أفضل عمل، لكن تبقى مسألة فيلم اللحظة الأخيرة من الإشكالات التي ينبغي إيجاد حل لها، إضافة بالطبع إلى عدم وجود فيلم مهم وكبير".