ملخص
وضع الاقتصاد في بريطانيا وأوروبا ليس جيداً على الإطلاق، فالناتج المحلي الإجمالي لاقتصادات الاتحاد الأوروبي لا ينمو بأكثر من واحد في المئة.
منتشياً بالاضطراب في حكومة حزب "العمال" برئاسة كير ستارمر، دعا زعيم اليمين المتطرف نايجل فاراج حزبه "إصلاح بريطانيا" للاستعداد لانتخابات مبكرة.
ويرى غالب المحللين والمعلقين البريطانيين أن خروج نائبة رئيس الوزراء أنجيلا راينر من الحكومة بعد كشف تهرب ضريبي شكل ضربة أخرى لحكومة ستارمر التي تعاني، وأن التعديل الوزاري على رغم أنه يعكس توجه ستارمر بفريقه نحو اليمين أكثر، فربما لا يحل مشكلات الحزب والحكومة.
على رغم أن دعوة فاراج قد تكون مغرقة في التفاؤل وأن احتمال الانتخابات المبكرة يبدو بعيداً جداً، فإن هناك مؤشرات قوية على صعود اليمين المتشدد في كل أنحاء أوروبا باستثناءات قليلة.
تقول افتتاحية مجلة "إيكونوميست" ضمن عددها الأخير هذا الأسبوع إن من يسعون إلى تدمير "المؤسسة"، أي اليمين المتطرف، قد ينتهي بهم الأمر إلى إدارتها، لكن إدارة الاقتصاد تختلف عن انتقاده من موقع المعارضة خارج السلطة، وغالباً ما يأتي اليمين المتشدد بسياسات شعبوية من خفض الضرائب وزيادة مخصصات الإعانات، كوسيلة لزيادة دخل الأفراد بصورة مباشرة حتى من دون مبررات في الواقع الاقتصادي.
يتقدم اليمين المتشدد على القوى السياسية التقليدية بصورة كبيرة في استطلاعات الرأي داخل بريطانيا وفرنسا وألمانيا، ويحكم هذا اليمين في إيطاليا، وتمكن في هولندا من المشاركة ضمن ائتلاف حاكم لفترة.
وفي بولندا أزاح مرشح اليمين المتشدد مرشح الوسط للرئاسة، ويتوقع أنه بحلول عام 2027 سيكون اليمين المتشدد في السلطة داخل بلدان تملك نصف الناتج المحلي الإجمالي لأوروبا.
وضع أوروبا اقتصادياً
تعتمد السياسات الشعبوية الاقتصادية لليمين المتشدد على مزيج من خفض الضرائب وزيادة المخصصات المالية المباشرة للمتقاعدين وكبار السن على حساب الشباب والعاملين، ويتصورون أن بإمكانهم ضبط الدفاتر وحسابات الموازنة بإجراءات توفير ضخم من خفض الإنفاق على المهاجرين، ووقف الهدر في القطاع العام والخدمات، وتقليص المخصصات للمفوضية الأوروبية في بروكسل.
وعلى سبيل المثال، تتضمن وعود حزب "ريفورم" إنفاقاً هائلاً بنحو 200 مليار جنيه استرليني (266 مليار دولار)، أي ما يصل إلى نسبة خمسة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي كزيادة في الإنفاق العام.
وبحسب تقديرات الحزب اليميني المتطرف، فإن هذا الإنفاق على خفض الضرائب وزيادة مخصصات المتقاعدين سيمول جزئياً بتوفير 100 مليار جنيه استرليني (133 مليار دولار)، عبر إجراءات تقشف تتضمن خفض خمسة في المئة من موازنات كل الوزارات والإدارات الحكومية.
ويقدر الحزب أن بإمكانه توفير 42 مليار جنيه استرليني (56 مليار دولار) من وقف الهجرة إلى بريطانيا و10 مليارات جنيه استرليني (14 مليار دولار) من الإدارة الجيدة لمعاشات تقاعد القطاع العام، إلا أن كل تلك التقديرات تبدو غير واقعية، ليس فقط كما ترى المجلة في افتتاحيتها بل بحسب كثير من الاقتصاديين.
وضع الاقتصاد في بريطانيا وأوروبا ليس جيداً على الإطلاق، فالناتج المحلي الإجمالي لاقتصادات الاتحاد الأوروبي لا ينمو بأكثر من واحد في المئة، وهي نسبة متدنية جداً، وارتفع العائد على سندات الخزانة البريطانية طويلة الأجل لمدة 30 عاماً إلى نسبة 5.7 في المئة مطلع الشهر، وهي أعلى نسبة عائد على السندات السيادية منذ ربع قرن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبعدما أعلن رئيس الحكومة الفرنسية فرنسوا بايرو عن تصويت ثقة في حكومته ارتفع العائد على سندات الخزانة الفرنسية طويلة الأجل لمدة 30 عاماً إلى نسبة 4.46 في المئة، وهي نسبة العائد الأعلى منذ عام 2008، أما الاقتصاد الألماني أكبر اقتصاد في أوروبا، فلم يحدث فيه أي نمو في الناتج المحلي الإجمالي تقريباً منذ عام 2019.
وعود وتحديات
ربما يكون صحيحاً أن اليمين المتطرف أكثر تشدداً وهو في المعارضة وما إن يفوز بالسلطة يخفف من حدة سياساته الاقتصادية الموعودة، فعلى سبيل المثال يدعو اليمين المتشدد في غالب الدول إلى التخلي عن العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) والخروج من الاتحاد الأوروبي، لكن تلك الدعوات تبقى رمزية أكثر منها واقعية، وبخاصة بعد التحول لدى من صوتوا لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، وإن كان حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف لا يزال يتبنى الدعوة للخروج من الاتحاد الأوروبي.
لكن الوضع الحالي للاقتصاد الأوروبي والتحديات التي يفرضها قد تشجع اليمين المتشدد على المضي قدماً في سياساته الشعبوية حين يصل إلى السلطة. وبحسب تحليل المجلة، فان ذلك سيكون أكبر ضربة قاصمة لآفاق الرخاء الأوروبي، فاليمين المتشدد يتخذ موقفاً مناوئاً من الإدارة التكنوقراطية، ومن بين وعوده حماية الناخبين من المنافسة، أي الاتجاه نحو الحمائية والانعزالية.
المشكلة أن الحكومات الحالية في الدول الأوروبية التي لم يصل اليمين المتشدد إلى الحكم فيها تتبنى سياسات قريبة من ذلك في سياق محاولتها كسب أصوات الناخبين، وتلك أسوأ وصفة لمستقبل أوروبا الاقتصادي على الإطلاق. وفي ظل خشية الحكومات من الإصلاح الاقتصادي ينتعش اليمين المتشدد أكثر وتلقى وعوده الاقتصادية صدى لدى الناخبين لأنها شعبوية تماماً، على رغم ما تمثله من تهديد لوضع القارة الاقتصادي.
والنتيجة المتوقعة لوصول اليمين المتشدد إلى السلطة في دول أوروبا هي التباطؤ الاقتصادي إلى حد الجمود وربما الدخول في ركود، علاوة على أن أسواق السندات لن تبقى مستقرة، وقد يهدد اضطرابها مع ارتفاع العائد على السندات وانهيار قيمة الدين السيادي تفاقم مشكلات عجز الموازنة، وعدم قدرة الحكومات على الاقتراض لتمويل الإنفاق العام.