ملخص
ألمح مصدر عسكري سوري سابق إلى أنه "بعد عام 2015 لوحظ خلاف خفي بين العسكريين من الجانبين الروسي والإيراني، لا سيما بعد تنسيق موسكو مع تل أبيب في شأن العمليات العسكرية والضربات التي تشنها إسرائيل على مواقع إيرانية في الأراضي السورية".
لم تعد العلاقة بين روسيا وإيران كما سابق عهدها، هكذا تبدو الصورة في أعقاب حرب يونيو (حزيران) الماضي، صقور الحكم هناك باتوا على يقين بعدم جدية التحالف العسكري مع القيصر الروسي المشغول بمستنقع القتال الدائر على الأرض الأوكرانية، ومراقبة سماء البلاد من هجمات المسيّرات.
تصريحات مثيرة للجدل فجرها عضو "مجمع تشخيص مصلحة النظام" الإيراني محمد صدر أفادت بتسليم روسيا معلومات دقيقة عن الأنظمة الدفاعية الإيرانية إلى إسرائيل خلال حرب الـ12 يوماً في يونيو الماضي، ويعتقد مراقبون أن العلاقة الروسية - الإيرانية ليست كسابق عهدها، إذ لا يمكن إطلاق اتهامات كهذه من قبل مسؤول رفيع المستوى ما لم تكن مدروسة بعناية.
خلافات دفينة
في الأثناء تحقق الأجهزة الأمنية الإيرانية في شأن صحة المعلومات التي كشفها محمد صدر، ويرى فريق من المتابعين بأن العلاقة التي ربطت موسكو وتل أبيب دفعتهما إلى تنسيق عملياتهما العسكرية في سوريا بطريقة عالية المستوى، جعلت الفريق الإيراني يشكك بتصرفات الجانب الروسي في ذلك الحين.
وألمح مصدر عسكري سوري سابق إلى أنه "بعد عام 2015 لوحظ خلاف خفي بين العسكريين من الجانبين الروسي والإيراني، لا سيما بعد تنسيق موسكو مع تل أبيب في شأن العمليات العسكرية والضربات التي تشنها إسرائيل على مواقع إيرانية في الأراضي السورية".
التحالف "كلام فارغ"
وكان المسؤول الإيراني محمد صدر حمّل تل أبيب مسؤولية استهداف الرئيس الإيراني السابق، إبراهيم رئيسي في برنامج "سينرجي" على شبكة الإنترنت، وقال إن "الروس سلموا إسرائيل معلومات عن مراكز الدفاع الجوي الإيراني"، وأشار إلى أن روسيا كانت من أولى الدول التي اعترفت بإسرائيل بعد تأسيسها، وعبّر عن اعتقاده أن التحالف الإستراتيجي مع موسكو يعد "كلاماً فارغاً"، وتابع "لقد سلمت روسيا منظومة الدفاع إس 400 لتركيا، وهما على خصومة، بينما نحن الذين نتحدث عن تحالف إستراتيجي مع الروس لم نحصل عليها، ولطالما طُرح موضوع شراء مقاتلات سوخوي 35، ومع أنهم باتوا يمتلكون ’سو 50‘، إلا أنهم لم يبيعوا لنا حتى ’سو 35‘".
في المقابل يرى خبراء في السياسية الروسية أن هذه التصريحات لا تعكس الواقع، فالعلاقات بين البلدين في أعلى مستوياتها، ولم تتأثر حتى بعد تصريحات صدر، معتبرين أنها "حديث غامض وغير معروف الدوافع، لكن الكرملين التزم الصمت ولم يأبه بها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الطرف الثالث
أما المتخصص الروسي في الشؤون السياسية، الدكتور رولاند بيجاموف فلفت إلى أن "محاولة إلقاء اللوم على روسيا يعود إلى فشل الدفاع الإيراني في صد الهجمات الإسرائيلية، وثانياً يبدو لي أن الشخصية التي تدين روسيا لا تدرك قدرات إسرائيل القوية والهائلة في وسائل الاستطلاع الفضائي، ولجهة ما تملكه من شبكات وعملاء داخل إيران، ولا داعي لروسيا أن تسلمها شيئاً".
وأردف "وعندما يعتقد ويصر السيد محمد صدر على أنه لا بد من إعادة النظر بالشراكة الإستراتيجية مع روسيا يبدو أنه نسي المقولة الرومانية القديمة:’العقد هو شريعة المتعاقدين‘، وأن اتفاق الشراكة بين البلدين لا ينص على ضرورة تدخل روسيا والدفاع عن إيران في حال نشوب صراع مع أي طرف ثالث".
وكانت حرب الـ12 يوماً اشتعلت في ساعات الفجر الأولى من يوم الـ13 من يونيو (حزيران) الماضي، حين شنت تل أبيب هجوماً مفاجئاً بغارات جوية مكثفة على عشرات الأهداف الإيرانية بهدف وقف تطوير سلاح نووي إيراني، وأطلقت اسم عملية "الأسد الصاعد" على الهجوم الذي استهدف مواقع نووية ومنشآت عسكرية وقادة وعلماء نوويين وأنظمة دفاع جوية في إيران التي ردت بإطلاق صواريخ وطائرات مسيرة، وسمت تلك العملية "الوعد الصادق 3".
اللافت للنظر هو كشف إيران شبكة عملاء على أراضيها أثناء الحرب مرتبطة بالموساد الإسرائيلي بعد اعتقالات واسعة، وسط إدانة الأمم المتحدة لاستهداف الأقليات العرقية والدينية من قبل النظام الإيراني بعد طرد آلاف الأفغان، واعتقال صحافيين ومدافعين عن حقوق الإنسان.
مصالحة فردية
في غضون ذلك وعلى خلفية تصريحات صدر، قدم مستشار وزير الخارجية الإيراني، محمد حسين رنجبران استقالته من منصبه إثر الجدل الذي أثاره الأول، وذكر رنجبران في منشور على منصة "إكس"، أن "مصالح النظام والبلاد، وتجنب الجدل غير الضروري تعلو على أية مصلحة شخصية أو فردية".
وتحركت النيابة العامة في طهران باتجاه رفع دعوى قضائية ضد صدر وفتح ملف رسمي في حقه، وذكرت الخارجية الإيرانية أن ما قاله يعبر عن "آراء شخصية"، ولا يعكس الموقف الرسمي للبلاد، وأكدت أن الاتهامات التي ساقها "غير صحيحة ولا تستند إلى معلومات موثقة".
في المقابل، يملك محمد صدر نفوذاً عسكرياً وسياسياً بصفته عضواً في "مجمع تشخيص مصلحة النظام" منذ عام 2017، وهو مقرب من الدائرة العليا في صنع القرار، فهو ابن شقيق الإمام موسى الصدر (مؤسس حركة أمل في لبنان)، وصهر ياسر الخميني، نجل أحمد الخميني، حفيد مؤسس النظام الإيراني، والمرشد السابق الخميني، وشغل منصب معاون الشؤون العربية والأفريقية في وزارة الخارجية في عهد الرئيس الإيراني السابق، محمد خاتمي وكان مستشاراً رفيعاً لوزير الخارجية السابق، محمد جواد ظريف".
في المقابل وفي حرب الـ12 يوماً، اكتفى الكرملين بإدانة الهجمات دونما التحرك بأي عمليات عسكرية، أو ممارسة أي ضغوط دبلوماسية وفق أوساط إيرانية مراقبة، ويأتي هذا الموقف الذي أثار استغراب المتابعين الإيرانيين من موقف الروس، بخاصة في ظل ما يجمع بين البلدين من معاهدة شراكة إستراتيجية لتوطيد أواصر العلاقة بينهما في قضايا التعاون العسكري، لكن المتخصص الروسي، بيجاموف يرد على ذلك بالقول إن "إيران لم تطلب من الروس أي دعم أو مساعدة في الحرب الإيرانية".
ويعتقد الباحث الروسي أن "ما حدث يعكس موقف بعض التيارات في طهران وهي بالمناسبة قد تكون من التيار المحافظ أو قد تكون ليبرالية، ومن الذين لديهم نوع من التحفظ حيال الشراكة مع روسيا".
ويؤكد بيجاموف أن بلاده تنطلق في تعاونها مع إيران "من مبدأ الشراكة الإستراتيجية"، وهذه الشراكة حسب رأيه "ليست علاقات تحالف عسكري"، ويرى أن "هناك فرقاً كبيراً بين اتفاق الشراكة الروسية مع إيران واتفاق الشراكة مع كوريا الشمالية الذي نص على إمكانية مشاركة الطرفين في الصراع مع طرف ثالث، وبخاصة أن بيونغ يانغ شاركت في الدفاع عن الأراضي الروسية في كورسك ضد التوغل الأوكراني".
يأتي كل ذلك وسط الاتصالات السرية والعلنية بين الجانبين الإيراني والروسي في شأن البرنامج النووي الإيراني، والتهديدات الأوروبية بإعادة فرض العقوبات على طهران، لا سيما الاقتراح الفرنسي البريطاني الألماني بتفعيل "آلية الزناد" التي ينص عليها الاتفاق النووي المبرم مع إيران عام 2015 بحلول نهاية أغسطس (آب) الجاري، ما لم توافق طهران على الحد من تخصيب اليورانيوم، وعلى استئناف التعاون مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.