ملخص
لا يوجد حالياً سوى ست دول تمتلك غواصات نووية، إذ تمتلك الولايات المتحدة، أكبر أسطول نووي في العالم ولديها 66 غواصة، يليها روسيا 31 غواصة ثم الصين 12 غواصة، فيما تحوز كل من فرنسا وبريطانيا تسع غواصات لكل منهما، والهند لديها غواصتان فقط.
تجسد الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية قمة الهندسة البحرية الحديثة، إذ توفر قدرات استراتيجية تضاف إلى قدرة تحمل لا مثيل لها، ويمثل تطويرها نقلة نوعية في مجال الدفاع البحري، لا سيما أنها أعادت فعلاً تشكيل توازن القوة البحرية عالمياً.
بدأ تطوير الغواصات النووية في منتصف القرن الـ20 لتكون بمثابة تقدم استراتيجي في التكنولوجيا البحرية، أما أولى الغواصات النووية في العالم فقد أطلقتها الولايات المتحدة عام 1954 وحملت اسم "يو أس أس نوتيلوس"، مظهرة بذلك إمكاناتها الهائلة في تحقيق قدرة تحمل تحت الماء، ومثل هذا الابتكار نقطة تحول مهمة عن نماذج الديزل والكهرباء التقليدية.
وأعطت الغواصات النووية المبكرة الأولوية للموثوقية والسلامة التكنولوجية، مما أدى إلى تحسينات مستمرة في تصميم المفاعلات وأنظمة التحكم، ومع مرور الوقت زادت هذه التحسينات من المدى التشغيلي، وقدرتها على التحمل تحت الماء وإنتاج الطاقة، وتالياً مكنت الغواصات من البقاء مخفية فترات طويلة من دون الظهور على السطح، وقد أرست هذه التطورات أسس الغواصات النووية الحديثة المستخدمة اليوم.
مكونات الغواصات النووية
تعتمد الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية على مكونات عدة رئيسة تمكنها من العمل فترات طويلة تحت الماء، إذ يقع المفاعل النووي في قلب الغواصة، وهو يوفر الطاقة اللازمة للدفع والأنظمة، ويستخدم هذا المفاعل عادة اليورانيوم المخصب كوقود، إلى جانب قلب مصمم لعمر خدمة طويل.
يشغل المفاعل توربيناً بخارياً أو محركاً يعمل بدورة "رانكن"، محولاً الحرارة النووية إلى طاقة ميكانيكية، وتشغل هذه الطاقة مروحة الغواصة، مما يسمح لها بالعمل تحت الماء لأشهر من دون الصعود إلى السطح، لذا يوفر نظام الدفع قدرة تحمل وسرعة عالية.
وتعد أنظمة التحكم أساسية في إدارة التفاعل النووي بأمان وكفاءة، وتشمل هذه الأنظمة قضبان التحكم التي تنظم عملية الانشطار، والمبادلات الحرارية التي تنقل الحرارة بعيداً من القلب، والدروع الإشعاعية لحماية الطاقم والمكونات الحساسة.
مزايا الدفع النووي في الغواصات
يوفر الدفع النووي للغواصات قدرة تحمل ونطاقاً تشغيلياً لا مثيل لهما، فعلى عكس الغواصات التقليدية التي تعمل بالديزل والكهرباء، يمكن للغواصات التي تعمل بالطاقة النووية البقاء مغمورة تحت الماء أشهراً من دون الحاجة إلى الصعود إلى السطح أو التزود بالوقود، وهذا ما يعزز فاعليتها الاستراتيجية ويسمح بالمراقبة المستمرة وقدرات الاستجابة السريعة.
وتمنح كثافة الطاقة العالية للمفاعلات النووية المدمجة هذه الغواصات سرعة ومرونة فائقتين، وبذلك يمكنها عبور مسافات محيطية شاسعة بسرعة، مع الحفاظ على وجود سري في مناطق رئيسة، وتعد هذه القدرة على الحركة أمراً بالغ الأهمية للهيمنة العسكرية والردع الاستراتيجي.
الفرق بين الغواصات النووية والتقليدية
تختلف الغواصات النووية وغير النووية اختلافاً كبيراً في التصميم والقدرات والقدرة التشغيلية، ويبرز فهم هذه الفروق أدوارها الاستراتيجية واختلافاتها التكنولوجية.
تستخدم الغواصات النووية المفاعلات النووية لتوليد الطاقة، مما يوفر مدى تشغيلياً وقدرة تحمل غير محدودة تقريباً، في المقابل، تعتمد الغواصات غير النووية على محركات الديزل أو البطاريات، وهذا ما يحد من مدة تحملها تحت الماء ويتطلب صعوداً متكرراً إلى السطح أو الغوص لإعادة الشحن.
ويمكن للغواصات النووية العمل تحت الماء أشهراً من دون الصعود إلى السطح، بينما تحتاج الغواصات غير النووية عادة الصعود إلى السطح كل بضعة أيام لإعادة شحن البطاريات، فيما تمتلك الغواصات النووية مفاعلات متطورة، مما يتطلب بروتوكولات صيانة وسلامة متخصصة.
وغالباً ما تستخدم الغواصات النووية في مهام الردع الاستراتيجي والمهام البعيدة المدى، أما الغواصات غير النووية فتستخدم بصورة رئيسة للدفاع الساحلي والتدريب ومهام الدوريات.
ويتطلب بناء الغواصات النووية كلفاً أعلى وبنية تحتية أكثر تعقيداً مقارنة بنظيراتها غير النووية، وهذه الاختلافات تجعل الغواصات النووية وغير النووية مناسبة لتطبيقات عسكرية متنوعة تعتمد بناءً على الحاجات الاستراتيجية.
ما الدول التي تمتلكها؟
لا يوجد حالياً سوى ست دول تمتلك غواصات نووية، إذ تمتلك الولايات المتحدة، أكبر أسطول نووي في العالم ولديها 66 غواصة نووية، ويتكون سلاح الغواصات الأميركي من أربع فئات تشغيلية، "أوهايو" و"لوس أنجليس" و"سي وولف" و"فرجينيا"، وجميعها مجهزة بالطاقة النووية.
وتحتل روسيا المرتبة الثانية في القائمة بمجموع 31 غواصة نووية، وتمتلك البحرية الروسية حالياً 10 غواصات صواريخ باليستية تعمل بالطاقة النووية ومسلحة نووياً من فئتين، خمس غواصات من طراز "دلتا" وخمس من طراز "بوري".
بعد ذلك تأتي الصين، التي تمتلك 12 غواصة نووية، ست منها غواصات هجومية تعمل بالطاقة النووية من فئة "شانغ"، وتشمل الأنواع الأخرى الغواصات من طراز 091، و094، و095 من فئة "هان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانبها تشغل البحرية الملكية البريطانية تسع غواصات نووية، خمس منها غواصات هجومية من فئة "أستوت"، وأربع غواصات صواريخ باليستية من فئة "فانغارد"، ويجري حالياً بناء فئة أخرى من الغواصات البريطانية، تسمى فئة "دريدنوت".
وتمتلك فرنسا تسع غواصات نووية أيضاً، ومن بين الغواصات النووية التي تمتلكها فرنسا فئة "روبيس" وفئة "سوفرين" وفئة "تريومفان" وفئة "باراكودا"، ومن المقرر أن تحال غواصات فئة "روبيس" إلى التقاعد بحلول عام 2030.
وانضمت الهند في الأعوام الأخيرة إلى هذه القائمة، إذ تمتلك حالياً غواصتين نوويتين، وأعلنت عن أولى غواصاتها "أريهانت" عام 2009 ودخلت الخدمة عام 2016، وبنيت داخل الهند بمساعدة روسية، أما غواصتها النووية الثانية "أريغات" فدخلت الخدمة العام الماضي، وهذا ما عزز مكانة الهند الدفاعية البحرية في العالم.
حجم الطاقم
يراوح حجم طاقم الغواصة النووية عادة بين 110 و160 فرداً، بما في ذلك الضباط والجنود، ويختلف هذا العدد باختلاف فئة الغواصة، ومهمتها المحددة، وما إذا كان على متنها ركاب أو متخصصون.
وغالباً ما تحمل الغواصات النووية أفراداً إضافيين لمهام محددة أو تمارين تدريبية، يمكن أن يشمل هؤلاء "الركاب" جنود البحرية الخاصة، ومشاة البحرية، أو المتخصصين الفنيين، مما يزيد بصورة كبيرة من إجمال عدد الأفراد على متنها، وعلى سبيل المثال يبلغ عدد طاقم غواصات فئة "سي وولف" 140 فرداً، بينما يبلغ عدد أفراد فئة "أستوت" 109 أفراد، وفئة "لوس أنجليس" 16 ضابطاً و127 مجنداً.
أفضلها في العالم
مع نهاية الحرب الباردة طورت البحرية الأميركية غواصات "يو أس أس فرجينيا" للعمل في المياه الساحلية والعميقة على حد سواء، وأصبحت هذه الغواصة الأكثر فتكاً كونها قادرة على تنفيذ مهام مكافحة الغواصات ومكافحة السطح والحرب الضاربة والحرب غير النظامية، إضافة إلى مهام الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، ويمكن استخدام غواصة فئة "فرجينيا" لتقديم الدعم لقوات العمليات الخاصة، والمشاركة أيضاً في أدوار حرب الألغام.
وفي الترسانة الروسية البحرية الضخمة، تعتبر غواصات فئة "ياسن-أم" الأفضل، فهي متعددة الأغراض وقادرة على حمل أسلحة مختلفة، بما في ذلك أحدث صواريخ كروز "تسيركون" بعيدة المدى فائقة السرعة، وتحوي هذه الغواصات 10 منصات لإطلاق صواريخ كروز عمودية، ويمكن تجهيزها بصواريخ كروز من طرازي "كاليبر-بي أل" و"أونيكس" كأسلحة هجومية أساسية.
وتعد غواصات فئة "أستوت" التابعة للبحرية الملكية البريطانية أول غواصات نووية في العالم تصمم بتقنية ثلاثية الأبعاد بمساعدة الحاسوب، وعلى رغم أنها لا تضاهي شهرة نظيراتها الأميركية أو الروسية، فإنها تعتبر من بين الأفضل على مستوى العالم.
جهزت هذه الغواصات البريطانية بكثير من التقنيات الرائدة، كتقنية فيديو عالية المواصفات، تمكن الطاقم من مسح الأفق والحصول على رؤية بزاوية 360 درجة لمواجهة أي تهديد محتمل، إضافة إلى ذلك وعلى عكس الغواصات النووية الأخرى، طورت فئة "أستوت" لاستخدام أحدث التقنيات المضادة للصوت، وزود كل هيكل بأكثر من 39 ألف شريحة صوتية تخفي بصمة السونار، وتسمح للغواصات بالانزلاق عبر الماء بصمت شبه تام.
الأهمية الاستراتيجية
تتمتع الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية بقيمة استراتيجية بالغة الأهمية بفضل قدرتها الفريدة على التحمل وقدراتها التشغيلية، فهي تمكن القوات البحرية من إبراز قوتها عالمياً من دون الحاجة إلى إعادة إمداد سطحية، مما يعزز الأمن القومي ويزيد من نفوذها، كذلك فإن قدرتها على التخفي ووجودها المستمر تحت الماء يجعلانها عناصر حيوية في الدفاع البحري الحديث.
ويختلف الانتشار العالمي للغواصات التي تعمل بالطاقة النووية بين القوى البحرية الرائدة، وتعكس أنماط انتشارها أولويات استراتيجية مثل الردع والهيمنة الإقليمية وتأمين المصالح البحرية، وغالباً ما تعمل هذه الغواصات في المياه الدولية، محتفظة بوجود سري يعقد جهود كشف عنها من قبل الخصوم.
التحديات التكنولوجية والابتكارات المستقبلية
تتعلق التحديات التكنولوجية في الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية بصورة أساسية بضمان سلامة وموثوقية المفاعلات النووية العاملة في ظروف قاسية، وتهدف الابتكارات إلى تحسين العمر التشغيلي للغواصات النووية وقدرات التخفي وكفاءة الطاقة، وتستكشف البحوث الحالية تطورات مثل تصميمات خاصة للمفاعلات والمواد المحسنة وتقنيات الأتمتة.
وتعمل الدول التي تمتلك غواصات نووية في الوقت الراهن على تصميم مفاعلات أصغر وأكثر أماناً وكفاءة، تقلل من أخطار الحوادث، إلى جانب دمج الذكاء الاصطناعي لتحسين السلامة التشغيلية والملاحة والصيانة، واعتماد تقنيات تركز على تقليل النفايات المشعة وتقليل الأثر البيئي.