Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لبنان بين حربين: إسرائيلية أو إيرانية

لاريجاني منّن اللبنانيين أنه لا يحمل ورقة مثل باراك ولكن ورقته الفعلية كانت التهديد بفتنة داخلية

رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني يلتقي رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام في القصر الحكومي في بيروت، 13 أغسطس 2025 (أ ف ب)

ملخص

تجاهلت طهران على مدى علاقة نظامها الخميني بلبنان وجود الدولة اللبنانية، بل ووجود الشعب اللبناني بتنوعه وتعدد انتماءاته الدينية والثقافية، ومارست عن عمد سياسة الهيمنة على ما أمكنها من جمهور الطائفة الشيعية عبر الحزب المسلح الذي أسسته لتفرض عبره هيمنتها على البلاد، وقاوم اللبنانيون هذه الغطرسة المتمادية على مدى عقود فجرت مواجهتهم بإرهاب منظم وحملات تخوين بادعاء التخاذل أمام العدو، لكن تجربة حرب الإسناد التي خاضتها إيران عبر لبنان ضد ذلك العدو والنتائج المريعة التي أسفرت عنها، ثم قبولها اتفاقاً هو بمثابة إقرار بالهزيمة وفشل للشعارات السابقة، جعل غالبية لبنانية تحسم توجهها سعياً إلى بناء واقع جديد على مستوى الدولة وعلاقتها بالميليشيات، فقد حان الوقت للخروج من عباءة إيران الدينية المسلحة.

كانت النتيجة الملموسة الأبرز لزيارة الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني إلى لبنان هي الإسهام في بلورة وتظهير موقفين متناقضين، الأول الموقف الرسمي اللبناني الذي أبلغه رئيس الجمهورية جوزاف عون ثم رئيس مجلس الوزراء نواف سلام إلى المسؤول الإيراني، ومضمونه رفض التدخلات الإيرانية في الشؤون اللبنانية من جهة، وتمسك السلطات اللبنانية بقرارها نزع سلاح الميليشيات باعتبار التسلح حقاً حصرياً للدولة، والثاني وهو النقيض، ما أطلقه الأمين العام لـ "حزب الله" نعيم قاسم غداة مغادرة لاريجاني، وفيه أنه لن يتخلى عن سلاحه وسيواجه قرار الحكومة ملوحاً بحرب أهلية.

في خلاصة الموقفين لا مفاجآت، فالحزب الذي أنشأته إيران في لبنان لا يزال عند دوره عنصراً من عناصر القوة الإيرانية، على رغم فقده كثيراً من قدراته في مواجهة إسرائيل منذ أن تورط في حرب مساندة حركة "حماس" وطوفانها ضد تل أبيب، وهو إذ يواصل خطابه المطلوب عن المقاومة ويلقي على الدولة هذا العبء لم يطلق رصاصة واحدة على الجيش الإسرائيلي في النقاط التي يحتلها بمحاذاة الحدود، ولم يفعل شيئاً رداً على قيام إسرائيل باغتيال 250 من قادته وعناصره منذ توقيعه مع إسرائيل اتفاق وقف العمليات العدائية في الـ 27 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 بتشجيع ورعاية من لاريجاني نفسه الذي حضر إلى بيروت في تلك الأيام ليوعز بالسير في الاتفاق، بعد أن أودت الحرب الإسرائيلية قد بحياة الصف القيادي الأول في الحزب المذكور، وبنسبة كبيرة من قدراته.

أما الموقف الرسمي اللبناني في استجابته للمبادرات الأميركية والعربية فكان ترجمة لجملة مبادئ أساس هدفها إخراج البلاد من الأزمات التي تتخبط فيها منذ عقود، وأحد أسبابها الأساس ذلك الإصرار الإيراني على استعمال لبنان منصة في صراعات وطموحات ملالي بلاد فارس، فلم يكن برنامج الحكومة اللبنانية الذي أثار غضب الإيرانيين و"حزب الله" أميركياً بقدر ما هو برنامج دولة سيدة وحرة، لكن إيران التي استثمرت كثيراً وطويلاً في البنية الطائفية اللبنانية لم تفكر بغير استمرار نفوذها لدى توقيع اتفاق الـ 27 من نوفمبر 2024، ثم لدى انصراف الدولة اللبنانية إلى محاولة تطبيق موجباته بما يخدم برنامجها في إعادة النهوض والإعمار، واستعادة السيادة والقرار الشرعي.

كانت إيران تعتقد أن موافقتها على وقف الأعمال العدائية بين "حزب الله" وإسرائيل خريف العام الماضي، وهو ما سعت إليه إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن ممثلة في المبعوث آموس هوكشتاين، سيتيح إعطاء فرصة لحزبها لالتقاط الأنفاس بانتظار تغييرات في الظروف المحيطة، وراهنت في حينه على تغيير في السياسة الأميركية بعد إعلان فوز الرئيس دونالد ترمب بأيام، وتقدمت بورقة عمل نشرتها في صيغة بيان صادر عن بعثتها لدى الأمم المتحدة في نيويورك إثر اجتماع مطول بين رئيس بعثتها أمير سعيد إيرواني ومستشار ترمب الصاعد إيلون ماسك، ونفت حدوثه لاحقاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان لافتاً في البيان الإيراني الذي صدر قبل أسبوعين من الاتفاق في شأن لبنان قوله "ستنتهي الحرب في لبنان وتستمر قوات 'يونيفيل' في أداء مهمتها، وسيجري تنفيذ القرار رقم (1701) بالكامل"، وقد ورد هذا التأكيد ضمن سلسلة وعود إيرانية موجهة إلى الرئيس الذي سيتسلم مهماته في وقت لاحق، ومنها على نحو خاص القول "سيُعلن وقف النار في غزة وسيعود الأمن البحري إلى البحر الأحمر وخليج عدن، وسترفع ظلال الحرب عن دول المنطقة وسيتوقف خطاب الكراهية ضد اليهود والمسلمين"، وأخيراً "لن يجري استنزاف صدقية الحكومة الأميركية السياسية، فيما سيجري توجيه مئات المليارات من الدولارات إلى تعزيز النمو وتحسين الصحة والتغذية والتعليم لشعوب المنطقة".

في مناخ محاولة التقرب إلى إدارة ترمب وتحت ضغط الآلة العسكرية الإسرائيلية، سارت طهران في اتفاق الـ 27 من نوفمبر 2024، فقد كانت تعتقد أن المماطلة في تنفيذه ممكنة كما حصل مع تنفيذ القرار الدولي (1701) الصادر إثر حرب عام 2006، وفي الأثناء تتبلور العلاقة مع ترمب وإدارته ويعاد ترميم أجنحة "محور المقاومة" المتكسرة.

ولم يكن سقوط الرئيس بشار الأسد وهربه من سوريا في سرعة قياسية وارداً في الحسابات الإيرانية، وبهذا التحول الدراماتيكي فقدت طهران عنصراً رئيساً تستند إليه للهرب من موجبات الاتفاق في لبنان، عدا عن أنها فقدت هي نفسها نقطة ارتكازها التوسعية في المشرق العربي بعد انهيار نظامها ووجودها في سوريا، وقد تجاهلت طهران على مدى علاقة نظامها الخميني بلبنان وجود الدولة اللبنانية، بل وجود الشعب اللبناني بتنوعه وتعدد انتماءاته الدينية والثقافية، ومارست عن عمد سياسة الهيمنة على ما أمكنها من جمهور الطائفة الشيعية عبر الحزب المسلح الذي أسسته لتفرض عبره هيمنتها على البلاد، وقاوم اللبنانيون هذه الغطرسة المتمادية على مدى عقود فجرت مواجهتهم بإرهاب منظم وحملات تخوين بادعاء التخاذل أمام العدو، لكن تجربة حرب الإسناد التي خاضتها إيران عبر لبنان ضد ذلك العدو، والنتائج المريعة التي أسفرت عنها، ثم قبولها اتفاقاً هو بمثابة إقرار بالهزيمة وفشل للشعارات السابقة، جعل غالبية لبنانية تحسم توجهها سعياً إلى بناء واقع جديد على مستوى الدولة وعلاقتها بالميليشيات، فقد حان الوقت للخروج من عباءة إيران الدينية المسلحة.

في رحلته السابقة إلى لبنان خريف العام الماضي، لم يكن لاريجاني يتمتع بأي صفة رسمية غير صفة مستشار المرشد علي خامنئي، ويومها قالت الصحف الإيرانية إن لاريجاني أعيد للواجهة، وفي زيارته الأخيرة جاء بصفته أميناً عاماً لمجلس الأمن القومي إضافة إلى تمثيله المرشد الأعلى، وكان لافتاً أنه في أول رحلة له خارج إيران بصفته الرسمية الجديدة، قصد أن يزور بغداد ثم بيروت في مهمة محددة وهي ضمان دور "الحشد الشعبي" في العراق والحفاظ على موقع "حزب الله" في لبنان.

تحدثت القيادة الإيرانية خلال المناسبة عن "حاجة المنطقة إلى فهم مختلف حتى تتمكن طهران من حماية أمنها" (تحليل لوكالة "مهر")، وفي طهران نقاش حول ما يعنيه هذا الفهم المختلف وأشكال ترجمته، وهل هو في الذهاب إلى التفاوض مع أميركا بأي ثمن، وهو أمر مطروح بقوة، أو في إعادة تنشيط أوراق المساومة في لبنان والعراق واليمن ورفع مستوى التحدي سعياً إلى شروط تفاوض أفضل؟

منّن لاريجاني اللبنانيين أنه ليس مثل المبعوث الأميركي توم باراك الذي حمل إليهم ورقة عمل محددة يريد فرضها، لكنه طرح فعلياً ورقة عمل مضادة قوامها شل السلطة المركزية اللبنانية ونسف قراراتها السيادية، وفي هذا الفصل الأخير من فصول التدخل الإيراني في الشؤون اللبنانية وضعت إيران اللبنانيين بين معادلتين مثيرتين للعجب والأسى والاستنكار، فإما استئناف لحرب يخوضها بنيامين نتنياهو تسفر عن مزيد من الموت والدمار ضد "حزب الله" ومناصريه، وإما حرب أهلية يهدد الحزب بتنشيطها ضد بقية اللبنانيين، وفي الحالين تحاول إيران البحث عما يعزز آمالها بتفاوض مجدٍ مع الولايات المتحدة الأميركية.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء