Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نجاة النجاح الكويتي!

يُرجع البعض الأسباب إلى برميل النفط... في صيغة الذم ليغطون عوار مصابهم... دون أن ينتبهوا أن المال دون عقل عاقل لم ولن يصنع حياة

جناح المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت خلال معرض الشارقة للكتاب (وكالة الأنباء الإماراتية)

1-

كتبتُ ونشرتُ أول مقال بـ"اندبندنت عربية"، (ما بين تشرشل والمتنبي)، يتناول مسألة كتابة مقالة الرأي، بخاصة السياسي منها، مشيراً إلى العلاقة بين السياسة والآداب، من حيث الأسلوب، ومن حيث المَوْضُوعة، فالرأي ليس مجرد تعليق على ما يحدث. الرأي، في هكذا كتابة، يفضّل أن تكون له علائق بما يحدث، مباشرة أو غير مباشرة، وإن ناء فيكون على قرب، بهذا تكون المقالة تسليط ضوء، يربط بين القارئ والكاتب بالحدث.

لقد كنتُ أفكر في ذلك، حين أردت أن أحدّد موضوعة مقالة هذا الأسبوع، فالأحداث تتداعى، عن الحروب ما تشتعل باطراد، وكأنما الحرب الصغيرة جلّابة لغيث الحرب. فالتدخل التركي في سوريا الساعة تباشيرهُ غائمة في سماء سوريا منذ أمد. السؤال الذي شغلني، في هذا الخضم المضطرد، أن الحرب دلائل فشل، ما بدا وأنه لازمة العرب، خلال عقود، منذ نهاية عقد السبعينيات في الأقل، وللتحديد مع قيام الثورة الإسلامية الإيرانية 1979. فبروز المشروع الديني للسيطرة على السلطة، والهيمنة المطلقة والكلية، على ما يدعى (مشروع النهضة)، ما يبرر به تيار الإسلام السياسي هذه المذبحة التي هي ناتج مماحكاته، فقتاله في معارك لا تنتهي إلا لتبدأ، عليه ازدهر الخراب.

الآن وهنا، ما هو المفارق، لذا الحال المهيمن، الجاعل الخراب يزدهر، في هذا أبتغي تسليط الضوء، فالتنبيه لمشروع صغير، مفارق وقوي فاعل، فيما هو ضد الحرب، مخصب الأرض للسلام، للسلم الاجتماعي، ما هو سماد الاستقرار، أس بناء المجتمعات فالدول.

2-

كان وما زال المشروع الثقافي، ما يميز دولة الكويت، في المحيط العربي، ما جعلها بحق عاصمة الثقافة العربية الراسخة! فـ(العربي) المجلة، صدر عددها الأول عام 1958، ولم تتوقف عن الصدور، حتى ساعة المحنة، احتلال الديكتاتور صدام حسين للكويت، فلقد صدرت بالقاهرة حتى تحرير بلادها.

مجلة (العربي) الشهرية لم تتوقف عن الصدور، عن التوزيع من عمان حتى تطوان، مع ثمن زهيد وجودة طباعة متصاعدة، وإن في حال تحرير متباين، الأهم أن (العربي) أس مشروع ثقافي، توطد ونما، فكان المشروع الثقافي التنموي العربي الوحيد، ما استمر وما طال جمهور العرب، على مستويات ثقافية عند الرسالة والمتلقي: (عالم المعرفة) الكتاب الشهري النوعي، (عالم الفكر) المجلة الفصلية الأكاديمية المحكمة، (الثقافة العالمية) المجلة العلمية المترجمة المواكبة، (إبداعات) الكتاب الشهري المترجم في الآداب، مع كتاب (روائع المسرح العالمي)، ثم مجلة (الفنون) العربية الشهرية. هذا يوضح الركائز الرئيسة للمشروع الواضح المبني على ركائز، تعكس رؤية شاملة واستقرارا لا يحيد، ولا يرتج مع النوائب والمحن، فمن يبني يضع في حسبانه الرياح والعواصف والشح، فتقلب السنون.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المفارقة أن بعضاً من أبناء الدول، ما تعثرت مشاريعها بخاصة الثقافية، يرجعون نجاة النجاح الكويتي إلى (برميل النفط)، في صيغة الذم ليغطون عوار مصابهم، دون أن ينتبهوا أن المال دون عقل عاقل لم ولن يصنع حياة، وأن المؤسسة الثقافية الكويتية، كما تبين النتائج، تأسست ضمن معايير، سليمة منفتحة متطورة، لا أيديولوجية لكن علمية موضوعية، شارك في صوغها خبراء عدة، منهم الخبراء العرب الراسخون في العلم، فمنهم من اتخذ من الكويت الملاذ، بهذا وغيره هو مشروع عربي، من أسه حتى رسالته فالمتلقي، ويمكن للعرب أن يعتبروه مشروعهم الناجح، لأن الناشر الكويتي، شاركه الخبير العربي كمثل (الدكتور أحمد زكي)، ومتلقيه العربي أيضا، سأشير لنمذجة هذا الاستنتاج، بأن بمعرض القاهرة للكتاب، السنوي الأكبر في المنطقة، يكون جناح الكويت فيه كعبة الرواد من التلميذ حتى البروفسور، من العرب والعاربة.

3-

أما كون هذا المشروع الثقافي الناجح يتيماً في دنيا العرب، فلا أظن أن ثمة مجادلاً في هذا، ونجاحه طال العربي، من الصحراء الموريتانية إلى الصحارى الكبرى، حتى الربع الخالي، في المبحث والباحث والتلقي، ما جعله أس أي مكتبة، ومن لزوم ما يلزم للباحث العربي، وحتى للباحث في الشأن العربي، حتى أن نجاحه في المترجم أساسا شكل في هذا للشأن العربي مساحة معقولة.

أما كون نجاة النجاح الكويتي لافتا للنظر، في هذا الخضم العربي المتضارب، ما تعمه الحروب الظاهرة وغيرها، فلا أظن في هذا أيضا يمكن الجدال، وأن ينجو المشروع الثقافي الكويتي فلا بد من مساهم، جسور ومكابد قابض على الجمر، لأن الثقافة، التي هي الحياة، تهون عند الحرب لدى البشر كافة منذ قابيل وهابيل، لكن يمكن ملاحظة أن البلد الصغير القديم، كالكويت أو النرويج، ما في محل جغرافي مميز، وتاريخ راسخ الثراء ولو في الكفاف، يعد بلدا مستقرا منفتحا، جاذبا قويا واضحا. فجاذبية المستقر قوية، وكما رأينا فإن في الاستقرار قوة، ما وفّر نجاة النجاح الكويتي، رغماً عن أي شوائب تعكّر النهر ما لا تجتازه مرتين، أو كما قولة الفيلسوف الإغريقي هرقليطس!                   

اقرأ المزيد

المزيد من آراء