Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما بين تشرشل والمتنبي!

كثيرا ما ادعى أغلب الأدباء أن لا علاقة لهم بالسياسة، أما الساسة فلا علاقة لهم بالأدب كما يظهر، لكن أن ينال سياسي جائزة نوبل للآداب فأمر ملفت

تمثال لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرشل في العاصمة البريطانية لندن ( أ ف ب )

كلما فكرت في كتابة المقالة السياسية التي أكتب خطر في بالي ونستون تشرشل وحصوله على جائزة نوبل للآداب، مندهشا من حصوله على كتابته لمذكراته لتلك الجائزة، متسائلا ما العلاقة بين الأدب والسياسة؟، الخيال أس الأدب والسياسة فن الممكن كما تعلمنا منذ نعومة الأظافر، متذكرا أن تشرشل كسياسي محنك كثيرا ما عوقب باعتباره صاحب خيال متطرف، خيال السياسي ذا ما جعله شخصية أستثنائية في العالم السياسي، وما جعلت جائزة نوبل تُبرر لنفسها على الأقل هذا الاستحقاق.

والكاتب الناثر في الثقافة العربية كالكاتب عبد الحميد هو الوزير وهو كاتب الدولة وبهذا إذا كان الشعر ديوان العرب فإن النثر ديوان الدولة العربية، النثر فن الخطابة وفن الرسالة. المقالة في هذه الثقافة، وبهذا فإن الكتابة في ديوان الدولة بحاجة لكاتب مميز إلى جانب أنه ذكي هو حذق محنك يجيد الكتابة ،فرسائل الدولة من لزوم ما يلزم أن تكون جزلة مسبوكة ولا تخل بالمعنى.

أدب رسائل ووثائق الدولة لم يحظ بالاهتمام اللازم، وقاعدة هذا الإهمال أن النثر في العربية أستحواذ الشعر على حصته من المبحث والدراسات النقدية والثقافية، بل أن هذا النوع من الكتابة لم يلتفت إليه بالدرجة التي يستحق، فالكتابة السياسية والصحفية مجملة تبدو وكأنها كتابة (العرض حالجي) أي كاتب عرائض ليس إلا، وكأن كتابة المقالة السياسية وما في حكمها ليست حتى من الكتابة التي كثيرا ما مارسها أدباء ونقاد ومفكرون، ويتم الاهتمام بما يكتبون اهتماما جمًا في كتابتهم غير السياسية التي لا تنال من البحث والاستقصاء والنقد حتى القليل مما تناله كتاباتهم الأخرى، في حين أن الكتابات السياسية في وقتها نالت الردود وأثارت الجدل وخلقت الحوار وطورت الوعي والفكر السياسيين.

ومن حقائق هكذا كتابة أنها عمقت الرؤية الفكرية ، كما أنها طورت أساليب الكتابة بشكل لا يُختلف عليه، وكانت المركز الرئيس في الصحافة حيث عُرفت بكتابة الرأي ،ما عنى أنها التعبير المباشر عن حرية الرأي من عدمه ، وبالتالي من خلالها أصبح الكاتب فاعلا ومؤثرا في الرأي العام ،بل وأنها جعلت من البعض الكاتب الجماهيري أي النجم ما سوق كتابته الأخرى التي بذلك باتت كتابة شهيرة ،وكنماذج لذلك كتابات محمود عباس العقاد ،وطه حسين، وغارسيا ماركيز ،وأمبرتو ايكو .... وهلم، وهناك من كتب القليل من المقالات السياسية لكن ما كتب ساهم في أنتشاره وسعة قرائه كالكاتب صادق النيهوم.

أما من كُتاب المقالة السياسية الأشهر في عالم الصحافة فقد برزوا ككتاب رأي لكن قبل بأساليبهم المميزة وسبكهم، وجزالة لغتهم، فكانت كتاباتهم النثرية كما كتابات أدبية شيقة وشفافة وواضحة وعميقة، وأن هذه  المقالات تُقارب الكتابة النثرية لشعراء وأدباء مميزين في كتابة النثر سواء كتبوا في السياسة أو غيرها مثل نزار القباني ،ومحمود درويش ،ويوسف القويري، وهناك كُثر من كُتاب المقالة السياسية المميزين الذين ارتقوا بالكتابة حتى كانت كتاباتهم من متن ديوان النثر العربي ،كما سعيد فريحه،ومحمد حسنين هيكل الذي جملته مصاغة بدقة ومحاكة بحنكة مبدع في العربية  ،ومن فن الكتابة في الغرب من خلال اللغة الانجليزية اللغة الأم لتلك الكتابة، وأضف أن هؤلاء أي كُتاب المقالة الصحفية وخاصة السياسية منهم من يكاد أنفرد بالكتابة الساخرة وفيهم نجد الأدب الساخر العربي كما سعيد فريحه.

المقالة الصحفية والسياسية منها تثير مسألة العلاقة بين الأدب وفنونه والسياسية وإجرأيتها،ولاشك أن المُشترك الرئيس وحتى في التفاصيل يكمن ألا وهو الخيال، الخيال شيطان الشعر كما أنه شيطان السياسة فدون خيال ليس ثمة آداب ودونه السياسة ميتة، الخيال جناح الفنون والآداب والسياسة، والسياسي بهذا كمن له عيني زرقاء اليمامة. فالخيال ليس مجداف الرؤيا والرؤية فحسب بل والأساليب أيضا ،ولهذا فإن بين الأدب وكتابة السياسة وشائج ، فاللغة التي هي منزلة الوجود لا تركب في المقالة السياسة إلا كفرس جموح لأن الكاتب السياسي في الأخير كما منجم عقلاني ليس إلا...

جائزة تشرشل نوبل منحتها لهذا الجموح المخيال فيما كتب، ونستون تشرشل الذي كتب كما عاش: المتخيل العقلاني يفك عقال العقل بخيال فنان مارس التشكيل فرسم وكتب ما يرسم، وبهذا عالج الوقائع كجامح يرى ما لا يُرى، وكأنه المتنبي أو نقيضه من يذهب إلى الشعر من خلال الولاية، كماكر ساخر من عُرف بالسخرية والتهكم حتى أمسى جحا تنسبُ إليه السخرية السياسية التي لا نسب لها.

خلاصة القول الكاتب السياسي كما المتنبي!.   

المزيد من آراء