ملخص
تجلى الانقسام الداخلي حول قانون "الحشد الشعبي" خلال الجلسات البرلمانية حين شهدت انسحاب عدد من النواب، بينما ترى لجنة الأمن والدفاع أن القانون يتضمن إعادة هيكلة تنظيمية كاملة، ويهدف إلى حماية حقوق المقاتلين وعائلات الشهداء، وضمان انضباط المؤسسة ضمن إطار الدولة.
في توقيت بالغ الحساسية وفي ظل تعقيدات المشهد الأمني والسياسي الإقليمي، يتقدم مشروع قانون "هيئة الحشد الشعبي" ليشكل أحد أبرز العناوين في مسار السيادة العراقية وما يرافقها من تجاذبات دولية، ولا سيما من الولايات المتحدة التي أبدت اعتراضاً صريحاً على التشريع المرتقب في مجلس النواب، فخلال الأيام القليلة الماضية استكملت رئاسة البرلمان العراقي القراءة الثانية لمشروع "قانون هيئة الحشد الشعبي" بحضور 172 نائباً، وسط انسحاب عدد من الكتل السياسية وتحفظات بعض القوى، بينما أعلنت قوى "الإطار التنسيقي" وتحالف "إدارة الدولة" تمسكها بتمرير القانون في أقرب فرصة ممكنة.
ومن جانبها أكدت الحكومة أن هذا المشروع يأتي ضمن البرنامج الحكومي المصادق عليه برلمانياً بوصفه خطوة في إصلاح المنظومة الأمنية وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية، وشدد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في بيان صدر عقب اتصال هاتفي تلقاه من وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، على أن القانون المطروح لا يخرج عن سياق تنظيم عمل مؤسسة عسكرية وطنية، وأنه جزء من عملية إصلاح مؤسسي شامل يشمل الأجهزة الأخرى مثل جهازي المخابرات والأمن الوطني، لافتاً إلى أن "الحشد الشعبي" يعمل ضمن صلاحيات القائد العام للقوات المسلحة ويحظى بغطاء قانوني منذ تأسيسه، مما يجعل من إعادة صياغة قانونه خطوة تنظيمية وإدارية لا أكثر.
وأشار البيان أيضاً إلى الهجمات الأخيرة التي استهدفت منشآت نفطية في محافظات كركوك وصلاح الدين وإقليم كردستان، موضحاً أنها تمثل تهديداً مباشراً للاقتصاد العراقي وتستدعي تعاوناً أمنياً مكثفاً مع شركاء العراق، وبخاصة التحالف الدولي، وربط رئيس الوزراء بشكل غير مباشر توقيت تلك الهجمات مع توقيع اتفاقات استثمار نفطية مع شركات أميركية، معتبراً أن ذلك يستدعي الحذر والانتباه إلى التوقيتات والرسائل غير المباشرة.
موقف أميركي حاد اللهجة
في المقابل صدر موقف أميركي حاد اللهجة عبر المتحدثة باسم الخارجية تامي بروس التي اعتبرت أن تمرير "قانون الحشد الشعبي" يتعارض مع أهداف الشراكة الأمنية الأميركية - العراقية، "ويمنح شرعية لفصائل مرتبطة بكيانات وقادة إرهابيين"، بحسب تعبيرها، مؤكدة أن واشنطن "ستتخذ الإجراءات المناسبة ضد أية مؤسسة مالية تخدم هذه الكيانات".
كما حذرت بروس من أن إقرار القانون يمثل خطراً حقيقياً على مستقبل التعاون الأمني ويوفر مظلة قانونية لفصائل تهدد أمن القوات الأميركية ومصالحها الاقتصادية في العراق، مشيرة إلى أن هذه الخطوة "تكرس النفوذ الإيراني داخل العراق وتعرقل الجهود الدولية لدعم استقراره".
رفض واسع من قبل القوى السياسية الشيعية
أما في الداخل العراقي فقوبلت التصريحات الأميركية بموجة رفض واسعة من قبل القوى السياسية الشيعية وعلى رأسها "الإطار التنسيقي"، وقال النائب علي الفتلاوي في تصريح صحافي إن القانون "يمثل إرادة وطنية خالصة، وإن الحشد الشعبي أثبت بطولاته في المعارك ضد الإرهاب، وهو اليوم بحاجة إلى تنظيم قانوني عادل لا تدخلات خارجية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشدد الفتلاوي على أن "الإطار التنسيقي" ماض في تمرير القانون وفق الأطر الدستورية والتشريعية وبدعم شعبي واسع، معتبراً أن ما يصدر عن واشنطن "يمس سيادة الدولة العراقية".
وتجلى الانقسام الداخلي كذلك في الجلسات البرلمانية، فشهدت الجلسة الأخيرة انسحاب عدد من النواب في وقت استكملت فيه لجنة الأمن والدفاع مراجعتها النهائية لفقرات القانون الذي صيغ بالتنسيق بين رئاسة "هيئة الحشد الشعبي" والحكومة العراقية، ويؤكد عضو اللجنة النائب علي البنداوي أن القانون يتضمن إعادة هيكلة تنظيمية كاملة ويهدف إلى حماية حقوق المقاتلين وعائلات الشهداء، وضمان انضباط المؤسسة ضمن إطار الدولة.
ورفض البنداوي في تصريحاته وجود أي نفوذ خارجي داخل الحشد، مشيراً إلى أن “الذرائع الأمريكية واهية ولا تستند إلى حقائق"، ومؤكداً أن "الحشد الشعبي مؤسسة وطنية ممولة من الدولة وتأتمر بأوامر القائد العام للقوات المسلحة".
من جهته أوضح النائب الأول لرئيس البرلمان محسن المندلاوي أن القانون الجديد سيحل محل القانون رقم (2016) ويتضمن آليات لتطوير العمل الإداري واستحداث تشكيلات جديدة ومنح الهيئة صلاحيات تنفيذية ضمن حدود المؤسسة الأمنية، بما يضمن تنظيم العلاقة مع باقي الأجهزة.
وعلى رغم التقدم في المسار التشريعي فإن رئيس مجلس النواب محمود المشهداني أثار جدلاً واسعاً بعد تصريح تلفزيوني كشف فيه عن تلقي قيادات سياسية عراقية رسائل أميركية تطالب بدمج "الحشد الشعبي" ضمن المنظومة الأمنية، وتقييد استقلاله الإداري والتنظيمي، وهذه التصريحات قوبلت بانتقادات لاذعة ودفعت بعض النواب إلى جمع تواقيع لإقالته.
ضرورة مؤسسية لتأطير عمل "الحشد"
ويرى خبراء أمنيون في مشروع القانون ضرورة مؤسسية لتأطير عمل "الحشد" ضمن القوانين الوطنية، مؤكدين أن التعامل مع هذه المؤسسة يجب أن يكون بمنطق الدولة وبعيداً من التسييس والاستقطاب الخارجي.
وبينما يتمسك البرلمان بإنجاز التشريع ترتفع الأصوات التحذيرية من واشنطن، مما ينذر بأزمة دبلوماسية محتملة قد تنعكس على ملفات التعاون الأمني والدعم المالي والاستثمار النفطي، غير أن الحكومة العراقية تصر على المضي في برنامجها الإصلاحي وتؤكد أن مصالح الدولة العراقية فوق كل اعتبار.
وبهذا المعنى يتجاوز "قانون الحشد الشعبي" كونه تشريعاً تنظيمياً ليغدو مؤشراً على اتجاهات الدولة العراقية في مرحلة ما بعد الحرب على الإرهاب، وسط بيئة إقليمية مضطربة وشراكات دولية باتت على المحك، وبينما تواصل قوى الداخل دفاعها عن القانون كاستحقاق وطني، تبقى الأنظار شاخصة نحو البرلمان حيث الكلمة الأخيرة ستكون لصناع القرار التشريعي.