ملخص
أدى تلوث المراعي الطبيعية بسبب القذائف والانفجارات إلى انتشار الأمراض وسط المواشي في المناطق ذات النزاع النشط، والمعروفة تاريخياً بإنتاج الثروة الحيوانية مثل دارفور وكردفان وبعض مناطق النيل الأزرق.
تتزايد المخاوف من فقدان السودان ثروة حيوانية هائلة، بخاصة بعد نفوق مئات المواشي في المناطق المعروفة تاريخياً بإنتاج الثروة الحيوانية، مثل ولايات دارفور الخمس وكردفان الثلاث والنيل الأزرق، نتيجة العطش ونقص الأمطار والأعلاف.
ودفع الجفاف ونقص المراعي الطبيعية أسعار الأعلاف إلى مستويات غير مسبوقة، في وقت تغيب الحلول البديلة لتعويض ملاك المواشي الذين يواجهون نقص الغذاء الحيواني، فمنذ اندلاع الحرب فقد السودان ثروة حيوانية هائلة في ولايتي الجزيرة والخرطوم نتيجة تلوث المراعي الطبيعية بسبب القذائف والانفجارات، مما أدى إلى انتشار الأمراض وسط المواشي.
شح المياه
ويقول فضل الله مكين، وهو أحد ملاك المواشي في منطقة أبو حراز غرب السودان، إن "آلاف القطعان من الضأن والماعز مهددة بالنفوق بسبب قلة المياه ونقص مساحات المراعي نتيجة تصاعد وتيرة المعارك، مما أسهم في صعوبة التنقل خلال فصل الخريف الماضي وموسم الأمطار الحالي، بسبب أخطار الطرقات في ظل انتشار المجموعات المسلحة"، مضيفاً أن "الآبار ونقاط تجمع المياه التي قامت بحفرها السلطات المحلية لسقاية المواشي في فصل الصيف شارفت على النضوب، كما أن نقص الأمطار هذا العام أسهم في تفاقم الأزمة بصورة كبيرة".
وتابع مكين أن "همنا الوحيد هو العثور على منطقة فيها بعض المياه والكلأ، حيث نمكث بضعة أيام في انتظار البحث عن أماكن بديلة، إلا أن مساعينا تبوء بالفشل بسبب عدم توافر المراعي الكافية في بعض المناطق الآمنة"، موضحاً أن "الحرب أجبرت أصحاب المواشي على التنقل ودخول بيئات جديدة، مما يجعلها عرضة للإصابة بالأمراض في ظل عدم وجود رقابة تقي هذ المواشي من الأخطار".
انخفاض الأمطار
وفي السياق ذاته يشير عمر الماحي، وهو راعي قطيع أبقار بمنطقة الردوم في ولاية جنوب دارفور، إلى أن "المربين اضطروا إلى استئجار الصهاريج لنقل المياه من المدن إلى مناطق الرعي لسقاية الماشية بعد نفوق قطعان الضأن والماعز بصورة مستمرة، في وقت يعجز الملاك عن حل الأزمة"، لافتاً إلى أن "المجاري التي يفترض أن تنقل المياه في موسم الأمطار باتت ملاذاً للرمال والعشب اليابس لانخفاض معدلات هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة".
وطالب الماحي السلطات المحلية بضرورة انتشال آلاف رؤوس المواشي من أخطار الجفاف وخصوصاً في ولاية جنوب دارفور التي تتميز بثروة حيوانية وحركة نشطة في التجارة، إذ تضم أكبر وأهم سوق كان يغذي العاصمة الخرطوم قبل اندلاع الحرب بأنواع مختلفة من القطيع.
تلوث المراعي
وعلى الصعيد نفسه أوضح أحد ملاك المواشي بمنطقة الكرمك في ولاية النيل الأزرق ويدعى إدريس عابدين أن "عاملي نقص المراعي وشح المياه ألحقا أضراراً بالغة بقطاع الثروة الحيوانية، فضلاً عن تغيير حركة الحيوانات في مساراتها من الشمال إلى الجنوب والعكس خلال فصول العام، ثم لم يعد بالإمكان سلك هذه الطرق بسبب العمليات العسكرية".
وزاد عابدين أن "الأعلاف لم تعد متوافرة بالسهولة نفسها كما كانت في الماضي، والأمور باتت صعبة للغاية والغلاء أضر بكل شيء، ومع توقف الصادرات وحركة الأسواق في ولايات البلاد المختلفة نفدت المدخرات المالية للمربين والملاك"، مردفاً أن "تلوث المراعي الطبيعية بسبب القذائف والانفجارات أدى إلى انتشار الأمراض وسط المواشي في المناطق ذات النزاع النشط، والمعروفة تاريخياً بإنتاج الثروة الحيوانية مثل دارفور وكردفان وبعض مناطق النيل الأزرق".
عجز وفشل
وعلى نحو متصل أشار المتخصص في الشأن الاقتصادي حازم حميدة إلى أن "السودان يعتبر من أغنى الدول العربية والأفريقية بالثروة الحيوانية، مما يستوجب المحافظة عليها وعدم التغاضي عن الخدمات التي تساعد في تنميتها، ولا سيما توفير المياه في أماكن الرعي وحل أزمة الأعلاف بصورة عاجلة، وهي خطوات ليست ذات كلفة عالية ويمكن تنفيذها بكل سهولة ويسر"، مضيفاً أنه "على رغم هذه المقومات ظلت الثروة الحيوانية قطاعاً هامشياً في خطط الحكومات المتعاقبة، ولم تتجه الحكومات السابقة لإنشاء مزارع حديثة ومصادر مياه غير تقليدية لمجابهة آثار الجفاف".
وتابع حميدة أن "السودان يتميز بالمراعي الطبيعية في مدن ومناطق عدة، إضافة إلى الأنهار والخزانات والسدود، وبالتالي فإن وجود أزمة مياه لسقاية المواشي وأعلاف الغذاء الحيواني يمثل كارثة حقيقية وعجزاً وفشلاً للمسؤولين من هذا القطاع"، مبيناً أن "الحرب أثرت بصورة كبيرة في قطاع الصادرات وبخاصة الإبل والأبقار، إذ كانت مصر سوقها الرئيس، كما أن انعدام الأمن أثر في المسارات والطرقات مما أدى إلى تحجيم وتقليل كمية الثروة الحيوانية الآتية للأسواق، وكذلك تقلصت صادرات الضأن والماعز نتيجة توقف المسالخ في العاصمة الخرطوم إذ باتت خارج الخدمة، وينشط مسلخ سواكن فقط لكن أخطار الطرقات تسببت في عدم وصول الماشية بكميات معقولة إلى شرق البلاد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الثروة الحيوانية
وتعد الثروة الحيوانية في السودان أحد أهم مصادر النقد الأجنبي من عائدات صادرات المواشي والأبقار إلى الخارج بمتوسط سنوي يصل إلى مليار دولار، وفق إحصاءات حكومية، إذ يستفيد نحو 26 مليون سوداني من قطاع الثروة الحيوانية بصورة مباشرة، بحسب بيانات البنك الدولي، في بلد يعد من أكبر المصدرين للماشية في قارة أفريقيا، كما تشكل المهن المرتبطة بهذا القطاع وعلى رأسها التربية والرعي، حرفاً أساسية لكثير من المواطنين، إلا أن الصراع المسلح وتداعياته أديا إلى انهياره مما دفع المستوردين نحو البحث عن بدائل للسوق السودانية.
ويعد السودان من أغنى الدول العربية والأفريقية بثروته الحيوانية، إذ تقدر أعداد الحيوانات بـ 103 ملايين رأس، منها 30 مليون بقرة و37 مليون رأس غنم و33 مليون رأس ماعز و3 ملايين من الإبل.