ملخص
الغثيان والتقيؤ وأوجاع الجسم وتساقط الشعر هي الأعراض المباشرة للعلاج الكيماوي الذي يتلقاه الطفل والتي يجري التركيز عليها غالباً.
ربما تكون إصابة طفل بالسرطان من أصعب التجارب التي يمكن أن يمر بها الأهل، كما أنها مرحلة في غاية الصعوبة يمر بها صغير، فتطبع في ذاكرته إلى الأبد وتسلب منه شيئاً من طفولته.
ولا ينكر من مروا بهذه الإصابة في مرحلة الطفولة أنها أحدثت تغييراً جذرياً في حياتهم وشخصياتهم، لكن إضافة إلى التغيير الذي تحدثه هذه التجربة من الناحية النفسية، وما لها من آثار على شخصية الطفل وحياته حتى بعد التعافي والخروج منها، ثمة مضاعفات بعيدة المدى يكون لها الأثر الأكبر في حياتهم. فالكل يعلم أن للعلاج الكيماوي والعلاج بالأشعة آثاراً جانبية عدة.
وإلى جانب تلك الحال المباشرة والآنية التي يعانيها الطفل في فترة المرض والعلاج، هناك تأثير آخر لا يقل وطأة في حياته في المدى البعيد، ويتمثل في آثار العلاج على الخصوبة لديه. فصحيح أن تعافي الطفل من المرض أولوية، إلا أن ما للعلاج من تداعيات على خصوبته في المستقبل مشكلة تستحق أن تؤخذ في الاعتبار.
أثر على الجنسين
الغثيان والتقيؤ وأوجاع الجسم وتساقط الشعر هي الأعراض المباشرة للعلاج الكيماوي الذي يتلقاه الطفل والتي يجري التركيز عليها غالباً. وفيما بات من الممكن السيطرة على معظم هذه الآثار الجانبية للعلاج بفضل الأدوية المتوافرة التي تساعد على تحسين إدارة فترة المرض والعلاج، تبقى تلك البعيدة المدى الأكثر تأثيراً وأهمية لاعتبارها ترافق المريض حتى بعد أعوام من تعافيه ربما، وتحدث تغييراً في حياته وتؤثر في مستقبله.
وقد يؤثر العلاج الكيماوي في خصوبة الطفل سواء كان ولداً أو فتاة، وفيما من الممكن أن يكون موقتاً أحياناً، ثمة احتمال أن يكون هذا التأثير دائماً، وهناك عوامل عدة تؤثر في ذلك، أبرزها سن الطفل في فترة العلاج ونوع العلاج الكيماوي والجرعة المستخدمة.
ويقول طبيب أمراض الدم والأورام للأطفال في مركز سرطان الأطفال في لبنان الدكتور ميغيل عبود إن التأثير يختلف بين علاجات السرطان في الخصوبة، إلا أن معظم البروتوكولات المعتمدة حالياً لمعالجة الأطفال مدروسة، وتعتمد بصورة لا تؤثر فيها بالحد الأدنى في الخصوبة لديهم.
ويضرب مثالاً بأكثر السرطانات شيوعاً لدى الأطفال (سرطان الدم الليمفاوي الحاد) الذي لا يؤثر علاجه في الخصوبة. أما في العلاج المعتمد لسرطان الدماغ، فمن الممكن أن يكون له تأثير في الخصوبة إذا ترافق مع علاج بالأشعة، مع الإشارة إلى أن العلاج بالأشعة في موضع الأعضاء التناسلية يؤثر بصورة خاصة في الأعضاء التناسلية، وهذا الأثر يختلف بحسب أعمار الأطفال على القدرة على الإنجاب.
وبحسب عبود فإن 50 في المئة من العلاجات المعتمدة حالياً لا تؤثر في الخصوبة، لكن سواء كان الضرر دائماً أو موقتاً، يجري البحث مع الأهل حول الحلول التي يمكن اللجوء إليها، إذا كان الأطفال من البالغين. فمن الممكن أخذ البذرة من الولد وحفظها في بنك الحيوانات المنوية، أو البويضات من الفتاة لحفظها لها في مركز حفظ البويضات حفاظاً على فرص الإنجاب، مع الإشارة إلى أنه في لبنان ثمة حرص خاص وتشدد في هذا المجال أكثر من فرنسا التي تعتبر من أكثر البلاد اهتماماً بهذا الموضوع. وحتى ضمن البروتوكولات التي قد لا تتخذ فيها إجراءات لحفظ فرص الإنجاب في بلاد أخرى، ثمة حرص على اللجوء إليها في لبنان.
الحل متوافر للعلاج بالأشعة
إذا كان العلاج بالأشعة سيعتمد في موضع قريب من الأعضاء التناسلية، يمكن اللجوء إلى جراحة مسبقة تسمح بإبعاد الأعضاء التناسلية، من مبيض أو خصيتين، من موضع الأشعة لتوفير الحماية التامة، وبعد العلاج يمكن إعادتها لمكانها. أما أخذ الأنسجة من المبيض والخصيتين لحفظها وتنميتها، فعملية لا تزال قيد التجربة ولا يلجأ إليها.
ومن الحلول المتاحة أيضاً للفتيات البالغات أن يُعطى الدواء لوقف الدورة الشهرية وكأنها في مرحلة انقطاع طمث موقتة، وهي الطريقة التي تعتمد للكبار، إلا أن هذه الطريقة ليست بفاعلية حفظ البويضات.
ويقول عبود، "أحياناً، يكون الوقت ضيقاً ولا يكون من الممكن انتظار فترة أسبوعين أو أكثر لجمع البويضات وحفظها قبل بدء العلاج، لكن في معظم الحالات من الممكن القيام بذلك والحفاظ على فرص الإنجاب مستقبلاً للطفل".
ولا يختلف أثر العلاج على الخصوبة بحسب الحالة، وفق عبود، بل بحسب نوع العلاج المعتمد، فعندما تستخدم أدوية كثيرة بجرعات عالية، من الممكن أن تؤثر في الخصوبة على المدى البعيد. وبالنسبة إلى الأطفال الصغار الذين هم دون سن البلوغ، قد لا يكون هناك مفر من اللجوء إلى أدوية معينة أو بروتوكولات تؤثر في الخصوبة في حالات معينة، وتكون المخاطرة ضرورية لأن حياة الطفل على المحك. لكن عندما يكون ذلك ممكناً، تعتمد بروتوكولات بجرعات أقل من هذه الأدوية التي لها أثر على الخصوبة، ومن المفترض ألا تؤثر عندها.
ويتابع أن "هناك حرصاً قدر الإمكان على خفض الجرعات للأطفال الصغار، حتى لا تؤثر العلاجات في الخصوبة لديهم، وتعتمد البروتوكولات المناسبة. فكلها مدروسة لحد أدنى من هذا الأثر الجانبي البعيد المدى أو غيره مثل الأثر على القلب الذي كانت هناك علاجات تؤثر فيه واستُبدلت".
في كل الحالات، يعرض على الأهل دوماً اتخاذ الإجراءات اللازمة حفاظاً على القدرة على الإنجاب عندما يكون الطفل بالغاً، أو يجري تعديل البروتوكولات لتكون أخف وطأة مع الحرص على فاعليتها في الوقت نفسه لإنقاذ حياة الطفل. وفي علاجات السرطان من نوع "هودجكينز" كانت تؤثر في الخصوبة لكنها استبدلت بأدوية أخرى لا تؤثر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب طبيبة أمراض الدم والأورام للأطفال الدكتورة رولا فرح صياد، يعمل العلاج الكيماوي على تدمير الخلايا السرطانية، لكنه لا يميز بينها والخلايا السليمة التي تنقسم بسرعة، مثل خلايا المبيضين لدى الإناث وخلايا الخصيتين لدى الذكور. وهذا التأثير قد يسبب ضرراً دائماً أو موقتاً للخلايا التناسلية، مما يؤثر في الخصوبة مستقبلاً. وبصورة خاصة لدى الفتيات، توضح أنه يمكن للعلاج الكيماوي أن يسبب تلفاً في المبيضين، مما يؤدي إلى قلة إنتاج الهرمونات الجنسية وانقطاع مبكر للطمث، وضعف أو توقف الإباضة".
وفيما بعض الفتيات قد لا يُصبن بالعقم الفوري، تظهر لديهن مشكلات في الخصوبة في مرحلة البلوغ أو بعدها. أما لدى الأولاد فيمكن أن يؤثر في إنتاج الحيوانات المنوية من خلال تلف خلايا الخصيتين، وقد يؤدي إلى انخفاض عدد الحيوانات المنوية. أيضاً يؤدي إلى العقم الدائم في بعض الحالات، بخاصة إذا كان العلاج في مرحلة ما قبل البلوغ، وأحياناً، تستأنف وظيفة الخصيتين بعد أعوام من نهاية العلاج.
ووفق ما توضحه صياد، تسبب بعض أنواع الأدوية الكيماوية مزيداً من الأذى على الخصوبة مثل الأنثراسيكلينات أو الألكيلات، وبصورة خاصة تزيد الجرعات العالية خطر العقم، كما أن هناك تأثيراً للعمر عند العلاج. فقد تكون لدى الأطفال الأصغر سناً فرصة أفضل للتعافي، لكنهم يبقون عرضة للخطر، وكذلك لمدة العلاج والحاجة إلى علاجات أخرى مثل الإشعاع أو زراعة النخاع العظمي تأثير.
حلول قيد التجربة
للحفاظ على خصوبة الأطفال، تشير صياد إلى أنه لا تزال بعض الاختيارات قيد التجربة، وتشمل للفتيات تجميد نسيج المبيض، وللأولاد تجميد نسيج الخصية. وأياً كان الحل الذي يُعتمد، تشدد صياد على أهمية مناقشة الاختيارات للحفاظ على الخصوبة قبل بدء العلاج، فهناك سبل وقائية لحماية الخصوبة لدى الصبي والفتاة قبل بدء العلاج الكيماوي، لكن فاعلية هذه الوسائل تختلف بحسب العمر ومرحلة البلوغ ونوع السرطان ونوع العلاج المستخدم.
كما يجب متابعة الأطفال بعد الشفاء من السرطان من خلال فحوص هرمونية وتقويم الوظائف التناسلية عند البلوغ، إذ يعتبر الدعم النفسي مهماً جداً للأطفال وأسرهم في ما يخص المستقبل والقدرة على الإنجاب. أما في ما يتعلق بالآثار الجانبية القصيرة المدى والمباشرة للعلاج، فأصبح من الممكن السيطرة على معظمها بالأدوية.