ملخص
لا تمر دورة من دورات "موازين"، أحد أكبر المهرجانات الموسيقية في العالم، من دون نقد واحتجاج، غير أن دورته الـ20 التي اختتمت أول من أمس الإثنين، قد تكون شهدت أكبر قدر من الانتقادات الموجهة من الجمهور والإعلام على السواء.
علاوة على الاحتجاجات المرتبطة بالموازنة الضخمة للمهرجان، واحتكار الموسيقى لجزء هائل من الموازنة العامة وموازنة الخواص على حساب ألوان ثقافية وفنية أخرى، ثمة احتجاجات موازية مرتبطة بالتنظيم. فقد شهدت بعض الفضاءات تدفقاً هائلاً للجماهير، وفي المقابل لم يكن المكان قادراً على استيعاب هذه الأعداد، مما أدى إلى نوع من الفوضى اضطر معها المكلفون بالأمن إلى وضع حواجز حديدية لمنع الجماهير المتدفقة من الوصول إلى فضاءات العرض، على رغم حجز التذاكر، فضلاً عما حصل في الشوارع المفضية لمنصات السهرات من ارتباك مروري.
عاد فن الراب من جديد ليفتح نقاشاً ساخناً في المواقع الإعلامية المغربية ووسائل التواصل الاجتماعي، إذ رأى كثر أن ثمة فرضاً لذوق موسيقي في صورة قسرية، وبرمجته في التظاهرات الثقافية والفنية الكبرى، بل والترافع عنه بصور مختلفة. ولا يتعلق الأمر بالراب كفن يعبر عن احتجاجات الشباب وأحلامهم ومواقفهم، بل بنوع من الغناء يعتمد على الكلمات النابية، وتوجيه الإشارات والرسائل السلبية للمراهقين، وتمجيد ظواهر الانحراف لدى الشباب. وأثارت سهرة منصة السويسي لمؤدي الراب طه فحصي المعروف بلقب "طوطو" (28 سنة) كثيراً من الجدل، وهو الذي سبق أن حكم عليه بالسجن ثمانية أشهر موقوفة التنفيذ بتهمة الإخلال بالحياء العام، وحضر سهرته ما يفوق 300 ألف من الشباب، وهو رقم لم يتسن للمطرب صابر الرباعي مثلاً، الذي اضطرت إدارة المهرجان إلى السماح بالدخول المجاني للجمهور بعدما بدا الفضاء المخصص لسهرته متخففاً من الحضور الذي لم يتجاوز بضع مئات.
وكانت الأسئلة المرتبطة بحفل طوطو من قبيل: هل تغير ذوق المغاربة إلى هذا الحد؟ وهل قطعت الأجيال الجديدة مع التراث الموسيقي؟ وهل الانحراف والخروج عن القيم الجميلة ضرورة لتقديم هذا اللون الغنائي؟
أزمة شيرين
من جهة أخرى، استاء الجمهور الذي حضر سهرة شيرين من اعتمادها تقنية "بلاي باك" في تقديم أغانيها المبرمجة ضمن السهرة الختامية على منصة النهضة، ولم يكن هذا الاستياء محصوراً في ساحة المنصة، بل امتد إلى وسائل التواصل التي عرفت تداولاً كبيراً لهذا الموضوع. ورأى المتتبعون أن هذه التقنية لا تبدو منسجمة على الإطلاق مع اللون الغنائي الذي تقدمه شيرين. ولم يتوقف انتقاد الجمهور عند غياب صوت الفنانة المصرية وحضورها الباهت على المنصة، بل إلى تأخرها لساعات عن موعدها المعلن، فضلاً عن خروجها المتكرر إلى الكواليس، وفرضها شروطاً غريبة على لجنة التنظيم.
اللافت أن انتقادات شيرين كانت على نطاق واسع عبر صفحات "فيسبوك" و"إنستغرام" و"إكس" فضلاً عن الصحافة الإلكترونية، مما دفع محامي الفنانة المصرية إلى إصدار بيان يعلن فيه أن ما تتعرض له شيرين هو حملة ممنهجة يعرف من يقف وراءها، وأنه سيتبع الإجراءات القانونية اللازمة. وعانى جمهور كاظم الساهر من غياب التكييف داخل مسرح محمد الخامس، حتى إن الفنان العراقي أبدى أثناء الحفل نوعاً من الاستغراب أو الاستهجان من وجود مراوح تقليدية على الخشبة، إضافة إلى ذلك لم يجد عدد من محبي الساهر مقاعد مخصصة لهم على رغم حجزهم تذاكر الحفل، فضلاً عن الإحراج التقني الذي سببته جودة المعدات الصوتية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستاء الجمهور من أسعار تذاكر سعد لمجرد الذي عاد إلى الغناء في المهرجانات المغربية بعد خروجه من أزمة قضائية معقدة، إذ يراوح المقابل المادي لتذاكر الفنان المغربي الشاب ما بين 100 و175 دولاراً، وهو ما يحول دون حضور كبير من متابعيه، معظمهم من فئة الشباب. وتأسف متابعو "موازين" على نشاط السوق السوداء في بيع التذاكر، مما يسيء لسمعة المهرجان.
أسماء عالمية
وشهدت الدورة الـ20 من مهرجان موازين تحقيق رقم كبير على مستوى المتابعة، إذ حضر لفعاليات المهرجان نحو 3.75 مليون من محبي الموسيقى، وفق بلاغ لجمعية "مغرب الثقافات" وهي الإطار المشرف على هذه التظاهرة. وتابع الفعاليات بصورة مباشرة نحو 500 صحافي من جنسيات مختلفة، وشارك في الدورة الأخيرة نحو 100 فنان وفنانة يمثلون أنماطاً موسيقية مختلفة من الطربي والروحي إلى الشبابي والشعبي من بلدان متباعدة جغرافياً وثقافياً.
وتأسس مهرجان موازين عام 2001 برعاية ملكية، وتقوم فكرته على استضافة مختلف أنماط الموسيقى في العالم، وإحياء سهرات كبرى في ثماني منصات فضلاً عن شوارع العاصمة، هذه المنصات هي السويسي وساحة النهضة وشالة ويعقوب المنصور وضفة بورقراق وشاطئ سلا، إضافة إلى مسرح محمد الخامس وقصر الفنون. واستطاع المهرجان أن يستقطب في دوراته المتعاقبة مشاهير الموسيقى والغناء في العالم أمثال سيزاريا إيفورا وويتني هيوستن وكيني روجرز، وليونيل ريتشي وماريا كاري وشاكيرا وريهانا ونيكي ميناج وإنريكي إيغليسياس وستينغ، وجنيفر لوبيز وكريس براون وتشارلز أزنافور ويوسف إسلام (كات ستيفنس سابقاً) وغيرهم.
وبخصوص العالم العربي استضاف المهرجان أسماء عديدة من مختلف البلدان العربية، أما أبرز هذه الأسماء فيمكن استحضار وردة ونعيمة سميح وميادة الحناوي ومحلم بركات وجورج وسوف وعبدالوهاب الدكالي ومحمد عبده، وكاظم الساهر وهاني شاكر ووليد توفيق ولطفي بوشناق وماجدة الرومي وأصالة نصري ونجوى كرم وغيرهم.
وطرحت الدورة الأخيرة للمهرجان، قياساً مع الدورات السابقة، أسئلة مرتبطة بمدى جدية الجهات المسؤولة وقدرتها على التفاعل مع الإقبال الجماهيري المتزايد. وهي أسئلة مرتبطة أكثر بالتخوف على مستقبل هذه التظاهرة الكبرى والتوجس من اختلال موازين المهرجان.