Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

طيف مجاعة وتصعيد: غزة في مرمى نيران "عربات جدعون"

العملية العسكرية الإسرائيلية تشهد تصعيداً هو الأعنف منذ هجمات السابع من أكتوبر

 أشخاص يحملون صناديق إعانات إغاثية من "مؤسسة غزة الإنسانية" (أ ف ب/ غيتي)

ملخص

ترزح غزة تحت قصف هو الأعنف منذ بدء الحرب، وسط حصار متعمد للمساعدات وارتفاع مهول في أعداد الضحايا والجوعى. إسرائيل تمضي في عملية عسكرية شاملة لتفكيك القطاع، بينما تتحكم جهة مدعومة أميركياً بتوزيع الإغاثة في ظل اتهامات بالفوضى والتمييز وغياب الرقابة.

مرّ نحو 80 يوماً على شن إسرائيل غارات استباقية ضد غزة في مارس (آذار) الماضي، أدت عملياً إلى وضع حد لوقف إطلاق نار هش مع "حماس" واستئناف الصراع.

وبعد شهرين أطلقت حكومة بنيامين نتنياهو عملية "عربات جدعون"، وهي تصعيد في العمل العسكري في غزة بهدف السيطرة على القطاع بأكمله، وشملت إصدار أوامر إخلاء جماعية واتخاذ إجراءات لفرض قيود على تدفق المساعدات، وسط تقارير واسعة النطاق عن نقص حاد في الغذاء.

ووفقاً لأحدث الأرقام الصادرة عن وزارة الصحة التابعة لـ "حماس"، فقد بلغ عدد الضحايا الفلسطينيين في غزة 54607 قتيلاً فيما أصيب 125341 آخرين، وذلك منذ هجمات "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 التي لقي فيها 1200 شخص مصرعهم.

ومنذ انهيار وقف إطلاق النار في منتصف مارس الماضي صعدت إسرائيل بصورة كبيرة من هجماتها على غزة فسجلت نحو 1500 غارة، ويعد شهر مايو (أيار) الماضي أكثر الأشهر دموية منذ السابع من أكتوبر 2023، وفقاً لمنظمة بيانات أحداث ومواقع الصراعات المسلحة (ACLED) غير الربحية المتخصصة في النزاعات.

في الوقت نفسه تواجه غزة مجاعة وشيكة وأزمة مساعدات مستمرة، فمنذ أوائل مارس الماضي منعت المساعدات من دخول القطاع لأكثر من شهرين، ولم يسمح بدخول أي طعام إلى غزة، مما أجبر المخابز ومنظمات خيرية مثل "مطبخ الغذاء العالمي" على إيقاف عملياتها هناك.

وفي الـ 19 من مايو الماضي أعلنت إسرائيل أن الإعانات ستدخل غزة أخيراً، ولكن فقط من خلال "مؤسسة غزة الإنسانية" (GHF) التي أنشئت حديثاً والمدعومة من قبل الولايات المتحدة.

ودخلت شاحنات الإسعافات الأولية إلى غزة في الـ 25 من مايو الماضي، غير أنها لم تدخل إلا لأسبوع واحد قبل أن تجمد "مؤسسة غزة الإنسانية" عملياتها الثلاثاء الماضي في أعقاب مقتل 58 فلسطينياً قرب مراكز التوزيع في جنوب غزة.

وتوقف توزيع المساعدات مجدداً الجمعة الماضي بعدما أعلنت المؤسسة والولايات المتحدة أن الاكتظاظ جعل استمرار العمليات غير آمن، وفي اليوم التالي جرى تعليق التوزيع مرة أخرى بعد أن أعلنت المؤسسة أنها تواجه تهديدات من "حماس".

وأوضحت محللة الصراعات سلمى عيسى لـ "اندبندنت" أنه "إضافة إلى التصعيد في العمليات العسكرية في كل أنحاء غزة، تدهور الوضع الإنساني بصورة أكبر مع افتتاح 'مؤسسة غزة الإنسانية' المدعومة من الولايات المتحدة"، مضيفة أن "منظمة بيانات أحداث ومواقع الصراعات المسلحة سجلت ما لا يقل عن ثلاث حوادث مميتة مرتبطة بمراكز توزيع إعانات 'مؤسسة غزة الإنسانية' خلال الأسبوع الأخير من مايو الماضي وحده، مما يؤكد ارتفاع مستوى انعدام الأمن المحيط بتسليم المساعدات".

وأكدت "مؤسسة غزة الإنسانية" أنها تعمل جنباً إلى جنب مع منظمات أخرى في محاولة لمنع وقوع مزيد من الحوادث، وفي مقابلة مع قناةABC News ، قال الرئيس التنفيذي الجديد القس جوني مور "أختلف جذرياً مع فرضية أن عمليتنا تعرض الناس للخطر بما لا يتناسب مع هدفها الإنساني، وأنا لا أفعل هذا من أجل أن يموت أحد".

4335 حالة وفاة في غزة منذ انتهاء وقف إطلاق النار، بحسب وزارة الصحة التابعة لـ "حماس"

 

ما حجم المساعدات التي تدخل غزة؟

منعت إسرائيل دخول جميع المساعدات إلى غزة لما يقارب ثلاثة أشهر، بين الثاني من مارس والـ 20 من مايو الماضيين، وخلال تلك الفترة واجه سكان غزة البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة نقصاً في الغذاء، وتعرض 500 ألف شخص إلى خطر المجاعة، طبقاً لتقرير صادر عن خبراء في الأمن الغذائي بالتعاون مع الأمم المتحدة، كما ارتفعت أسعار المواد الرئيسية بصورة مهولة، إذ تراوح سعر كيس الدقيق (25 كيلوغراماً) ما بين 235 و520 دولاراً، وفقاً للأمم المتحدة، وفي أواخر مايو الماضي صرح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأن نحو 160 ألف منصة من الإمدادات الإغاثية (9 آلاف شاحنة) كانت جاهزة كي تدخل غزة.

+3000 في المئة نسبة الزيادة في سعر الدقيق خلال الحصار (الأمم المتحدة)

 

ولا يزال الغموض يكتنف التقارير المتعلقة بكمية المساعدات التي دخلت غزة حتى بعد انتهاء الحصار، وطبقاً لما ذكرته "هيئة الإذاعة البريطانية" BBC فإن متوسط ​​عدد شاحنات المساعدات التي دخلت غزة يومياً قبل الحصار كان 116 شاحنة، وقد أشرفت "مؤسسة غزة الإنسانية "على كل عمليات توزيع المساعدات منذ نهاية الحصار، مما يعني أن الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى غير قادرة على تتبع كمية المساعدات الموزعة.

وأفادت "مؤسسة غزة الإنسانية" بأنها سلمت قرابة 5.8 مليون وجبة خلال أسبوع، اعتباراً من اليوم الذي بدأ فيه توزيع المساعدات في الـ 27 من مايو الماضي، إلا أن غياب الشفافية والرقابة الصارمة على توزيع المساعدات يجعل هذه الأرقام غير قابلة للتحقق من قبل أي طرف مستقل.

2 إلى 3 وجبات أسبوعياً للشخص الواحد في غزة، وفقاً لأرقام "مؤسسة غزة الإنسانية"

 

وحتى إن كانت الأرقام صحيحة فإنها تعني توزيع أقل من ثلاث وجبات للشخص الواحد خلال سبعة أيام، على كامل سكان غزة البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة، وتتكون الحصص الغذائية التي توزعها "مؤسسة غزة الإنسانية" من الرز والدقيق والفاصوليا المعلبة والمعكرونة وغيرها، ويتطلب معظمها معدات طهي وإمكان الحصول على مياه نظيفة ووقود.

وذكر مسؤولون في الأمم المتحدة أيضاً بأن الكميات المحدودة من المساعدات التي سمح لهم بتوزيعها تقتصر على الدقيق، من دون أية وجبات جاهزة للأكل، وبعد استئناف توزيع المساعدات لفترة وجيزة الخميس الماضي إثر توقف دام يومين، أفادت "مؤسسة غزة الإنسانية "بأنها وزعت 25000 صندوق غذائي، أي ما يعادل 1.5 مليون وجبة، ولكن كانت هناك فترات توقف أخرى بدءاً من الجمعة الماضي وحتى نهاية الأسبوع.

 

وذكرت "مؤسسة غزة الإنسانية" السبت الماضي أنها كانت غير قادرة على توزيع أية مساعدات إنسانية بسبب "تهديدات مباشرة" من "حماس" ضد عملياتها، وقالت في بيان لها إن "هذه التهديدات جعلت من المستحيل المضي قدماً اليوم من دون تعريض أرواح الأبرياء للخطر"، مضيفة "لن تثنينا هذه التهديدات ونحن ملتزمون بمواصلة تقديم المساعدات بصورة آمنة ومستقلة، ونعمل حالياً على تعديل عملياتنا لمواجهة هذه التهديدات واستئناف التوزيع في أسرع وقت ممكن"، وفي المقابل قال مسؤول في حركة "حماس" لوكالة "رويترز" إنه لا علم له بأية تهديدات من هذا النوع.

وتتهم إسرائيل حركة "حماس" بسرقة المساعدات، وهو ما تبرر به فرض قيود صارمة على دخولها، وفي المقابل تنفي الأمم المتحدة وجود استيلاء منهجي على المساعدات يحول دون وصولها إلى المدنيين.

تصعيد ميداني واسع منذ انتهاء الهدنة

شهد مايو الماضي تحولاً لافتاً في الإستراتيجية الإسرائيلية، فمن خلال عملية "عربات جدعون" التي انطلقت في الشهر نفسه، تسعى إسرائيل إلى الاستيلاء على كامل قطاع غزة والتأسيس لوجود مستدام فيه، وتشمل العملية تهجيراً واسع النطاق للسكان نحو مناطق خاضعة لرقابة مشددة في الجنوب، ومنذ انتهاء وقف إطلاق النار في الـ 18 من مارس الماضي، قتل 4335 فلسطينياً في قطاع غزة، بحسب وزارة الصحة التي تديرها "حماس".

وخلال الفترة ذاتها شنت إسرائيل أكثر من 2100 هجوم عن بعد (بما في ذلك القصف الجوي واستخدام الطائرات المسيرة والمدفعية والصواريخ والألغام)، بحسب قاعدة بيانات منظمة بيانات أحداث ومواقع الصراعات المسلحة.، وكانت 77 في المئة من هذه الهجمات من خلال الطائرات أو الطائرات المسيرة.

6 من كل 10 هجمات في غزة استهدفت مدنيين

 

وبذلك يصل العدد الإجمالي للهجمات عن بعد إلى 15500 منذ السابع من أكتوبر 2023، بينها أكثر من 9700 ضربة جوية، وتشير البيانات إلى أن أكثر من 60 في المئة من هذه الهجمات استهدفت مدنيين، طبقاً لسجلات منظمة بيانات أحداث ومواقع الصراعات المسلحة.

 

وفي خطاب ألقاه أواخر مايو الماضي، نفى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن تكون بلاده تستهدف المدنيين عمداً، في حين يؤكد الجيش الإسرائيلي مراراً أنه لا يستهدف سوى "حماس"،
وقال نتنياهو إن " الادعاء الكاذب الأول الذي يوجه ضدنا هو أننا نقتل المدنيين عن عمد، لقد أرسلنا ملايين الرسائل النصية وملايين المكالمات والنداءات والمنشورات الورقية نطالب فيها المدنيين بالمغادرة لأننا سندخل"، مضيفاً "لهذا السبب فإن نسبة المدنيين إلى المقاتلين الذين قتلوا، في أكثر المناطق الحضرية كثافة في الحروب الحديثة، هي الأدنى في حرب غزة".

وتابع "نحن نلاحق 'حماس' ولا نلاحق السكان المدنيين، سواء بالسماح لهم بمغادرة ساحات القتال، ولكن أيضاً بإمدادهم بالمتطلبات الأساس من طعام وماء ودواء، ولقد زودناهم بـ 1.8 مليون طن من الطعام والمساعدات".

وشنت "حماس" والجماعات المسلحة الفلسطينية سبع هجمات صاروخية على إسرائيل منذ انتهاء وقف إطلاق النار، وفقاً لسجلات منظمة بيانات أحداث ومواقع الصراعات المسلحة نفسها، ويشار إلى أن هذه البيانات تجمع من مصادر إعلامية وتقارير رسمية، ولم يجر التحقق منها بصورة مستقلة، وبالتالي ينبغي التعامل معها كأرقام تقريبية مع احتمال وجود هجمات لم توثق.

سجل شهر مايو الماضي 690 غارة جوية بطائرات حربية ومسيرة شنها الجيش الإسرائيلي على غزة، متجاوزاً حتى عدد الضربات في الشهر الأول الذي تلى هجمات أكتوبر 2023 عندما جرى تسجيل 673 غارة، وفقاً لمنظمة بيانات أحداث ومواقع الصراعات المسلحة، وقالت السيدة عيسى، وهي مديرة أبحاث الشرق الأوسط في "منظمة بيانات أحداث ومواقع الصراعات المسلحة" لـ "اندبندنت"، "لقد جلبت فترة ما بعد وقف إطلاق النار تصعيداً كبيراً في الأعمال العدائية تميز بغارات جوية مكثفة وعمليات برية موسعة، إضافة إلى تحول ملاحظ في الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية في غزة"، مضيفة أن "هذا التصعيد اتسم بزيادة في وتيرة الضربات الجوية والمسيرة بمستوى من الشدة لم تسجله 'منظمة بيانات أحداث ومواقع الصراعات المسلحة' منذ الأيام الأولى للحرب عام 2023".

وتابعت، "أدى الإعلان عن عملية 'عربات جدعون' في مايو الماضي إلى خلق نمط عنف مستمر ومكثف إضافي في غزة، فيما شنت إسرائيل حملة عسكرية شاملة واستأنفت العمليات البرية علاوة على حملة القصف الجوي".

690 غارة جوية ومسيرة نفذها الجيش الإسرائيلي في غزة خلال مايو 2025 وحده

 

وقد تركزت هذه الضربات على مختلف مناطق القطاع، مع كثافة ملاحظة في خان يونس، حيث نُسب نحو 37 في المئة من مجمل الغارات الشهر الماضي إلى استهداف ما وصفه الجيش الإسرائيلي بمراكز إرهابية تابعة لـ "حماس" داخل المدينة، وتشير تقارير إسرائيلية إلى أن القيادي البارز في "حماس"، محمد السنوار قتل هناك الأسبوع الماضي.

وفيما يقول الجيش الإسرائيلي إنه يسعى إلى ممارسة "ضغط هائل" على "حماس" وتوسيع "سيطرته العملياتية"، ذكر نتنياهو في بيان له صدر الشهر الماضي "نحن نخوض قتالاً واسع النطاق، مكثفاً وكبيراً، وهناك تقدم، وسنسيطر على كل مناطق القطاع، هذا ما سنفعله".

دمار واسع النطاق في غزة

وتواصل القوات الإسرائيلية تنفيذ تفجيرات موجهة وجرف للبنى التحتية داخل غزة، خارج إطار الضربات الجوية، وتشمل هذه العمليات تدمير أنفاق ومراكز قيادة تابعة لـ "حماس"، إضافة إلى مئات التفجيرات المستهدفة لمبان سكنية ومستشفيات ومقار حكومية ومحال تجارية وغيرها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتتوافق هذه الممارسات مع تصريحات أدلى بها مسؤولون إسرائيليون، بينهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش الذي توعد بأن "غزة ستدمر بالكامل"، في حين وصف الرئيس الأميركي دونالد ترمب غزة بأنها "موقع هدم" في وقت سابق من هذا العام، لتشجيع الفلسطينيين على المغادرة.

وقد ازداد هذا الدمار بصورة ملاحظة منذ نهاية وقف إطلاق النار، بحسب "منظمة بيانات أحداث ومواقع الصراعات المسلحة"، إذ جرى تسجيل 191 حال تدمير للممتلكات قام بها جيش الدفاع الإسرائيلي في غزة منذ مارس الماضي وحده، ومعظم هذه الممتلكات هي منازل سكنية، ولا سيما في مدينة غزة وخان يونس ورفح.

إن الحجم الدقيق للأضرار غير معروف، غير أن "وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (أونروا) تقدر أن 92 في المئة من جميع المنازل السكنية في قطاع غزة قد دمرت، وفي الوقت نفسه يشير تحليل صور الأقمار الاصطناعية من "برنامج الأمم المتحدة للتطبيقات التشغيلية للأقمار الاصطناعية" UNOSAT)) إلى أن أكثر من 70 ألف مبنى هُدم بالكامل في القطاع، مع إلحاق أضرار جسيمة بـ 18 ألف مبنى آخر، فيما لحقت أضرار متوسطة بـ 52 ألف مبنى، كما تضرر 81 في المئة من الأراضي الزراعية في غزة جراء الصراع، بحسب أحدث تقرير صادر عن "برنامج الأمم المتحدة للتطبيقات التشغيلية للأقمار الاصطناعية" في أبريل (نيسان) الماضي، مما أعاق بصورة كبيرة إمدادات الغذاء المحلية وسط نقص واسع النطاق.

وإذ يستمر تفاقم الأزمة فإن إسرائيل تواجه ضغوطاً دولية متواصلة، وقد ضمت المملكة المتحدة الأربعاء الماضي صوتها إلى 13 دولة أخرى في دعم قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار ورفع القيود المفروضة على دخول المساعدات من قبل إسرائيل، بيد أن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض ضد هذه الخطوة، على أساس أن القرار لم يكن مرتبطاً بالإفراج عن الرهائن الباقين الذين جرى احتجازهم في السابع من أكتوبر 2023، ولم يوجه الإدانة لـ "حماس"، كما لم يصر على نزع سلاح الجماعة المسلحة وانسحابها من غزة.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير