ملخص
الخدمة العسكرية في بريطانيا قد تعود بالنفع على الشباب إذا طبقت بعدالة وشمول، بتعزيز الانضباط والهوية الوطنية، لكنها تظل مرفوضة إذا فرضت على الفئات المهمشة وحدها أو استخدمت كعقوبة بدلاً من أن تكون واجباً مدنياً مشتركاً.
على عكس معظم أقراني، فقد حملت بندقية، ليس هذا فحسب، بل حتى أنني تعلمت كيفية تفكيكها وإعادة تركيبها في 60 ثانية. يعود ذلك لأنني كنت طالبة في قوات الاحتياط التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني، أشارك في العروض العسكرية، وأخوض تدريبات المغامرات، وأتعلم أساليب الطيران والانضباط، ونوعاً من رباطة الجأش لا تكتسبه إلا حين يصرخ في وجهك رجل بدين يرتدي قبعة عسكرية قبل الساعة السادسة صباحاً.
لكن هذه التجربة، على قيمتها، لا تزال بعيدة كل البعد من الاستعداد للقتال، أو القتل، أو الموت من أجل الوطن، فذلك نوع مختلف تماماً من الالتزام.
ومع ذلك فإن إعلان كير ستارمر عن المراجعة الدفاعية الجديدة، التي تشمل ضمن توصياتها مقترح اعتماد "أعوام فراغ" من الدراسة [توقف موقت عن الدراسة] من أجل التدريب العسكري لتجهيز بريطانيا للحرب ومعالجة نقص التجنيد في القوات المسلحة، قد يصبح هذا الخيار واقعاً يواجهه كثر، سواء أرادوا ذلك أم لا.
أما أنا، فهل من الممكن أن أتطوع للدفاع عن بريطانيا؟ نعم، ولكن بشرط واحد: ألا يقتصر التطوع على البعض منا فقط.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الحال التي نعيشها الآن ليست متكافئة، فالخدمة العسكرية في المملكة المتحدة، للأسف، تستهدف وتجذب بصورة غير متناسبة الشباب من الخلفيات الأقل حظاً، أولئك الذين يكافحون لإيجاد غاية أو فرصة. فهم يرونها سبيلاً للحصول على التدريب، أو الدخل، أو التوجيه. وهذا ما يشير إليه بحث أجرته "الشبكة الدولية لحقوق الطفل"، إذ وجد أنه بين عامي 2013 و2018، كان تجنيد الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 16 و17 سنة في الجيش في إنجلترا أعلى بنسبة 57 في المئة في الدوائر الخمس الانتخابية الأكثر فقراً مقارنة بالدوائر الخمس الأغنى.
مع المقترحات الأخيرة لتجنيد السجناء لتخفيف الازدحام في السجون، يصبح من الصعب عدم ربط الخدمة العسكرية بالعقاب، إذ ثمة إيحاء بأنها قد تصبح عقوبة للمحرومين، بدلاً من كونها واجباً مدنياً مشتركاً بين الجميع.
هل ينبغي لجيل الشباب، وبخاصة الشبان، أن يزدهروا بفضل القليل من المهارة والانضباط؟ بصراحة، نعم. أعتقد أن كثيراً منهم سيفعل. لقد انقلب العالم رأساً على عقب، وباتت العزيمة والمرونة الحقيقتان، وحتى أمر تقليدي كالشرف، من النوادر هذه الأيام. يمكن لبرنامج الخدمة الوطنية الشامل، عسكرياً كان أم مدنياً، أن يضفي هيكلية وهدفاً حيث هناك الحاجة الشديدة إليهما.
ولكن بقدر ما أرى فوائد الخدمة، يمكنني أيضاً أن أتعاطف مع أقراني الذين يرفضون رفضاً قاطعاً فكرة الدفاع عن بلد يشعرون أنه أهملهم ولا يزال يعاقبهم. بين يناير (كانون الثاني) ومارس (آذار) عام 2025، كان هناك 620 ألف شاب وشابة تراوح أعمارهم ما بين 16 و24 سنة عاطلين من العمل، وفقاً لمكتب الإحصاءات الوطنية. كذلك لا يزال الجيل زد يتعافى من آثار جائحة "كوفيد"، وهذا حتى من دون ذكر أزمة غلاء المعيشة، وتضخم الإيجارات، واستحالة احتمال امتلاك منازلهم الخاصة.
ومع ذلك إذا طبقت الخدمة العسكرية بشكل صحيح وعادل، فقد تكون في الواقع جيدة بالنسبة إليهم، إذ توفر لهم دخلاً ثابتاً، ومهارات حياتية، وإحساساً بالغاية.
ومن المهم كذلك الإشارة إلى أن كثيراً من الدول حول العالم قد طبقت بنجاح نماذج التجنيد الإجباري على مر الأعوام، كما فعلت بريطانيا خلال الحرب العالمية الأولى.
في سويسرا، على سبيل المثال، التجنيد الإجباري ليس مثيراً للجدل، بل إلزامي حتى يومنا هذا. يطلب من كل مواطن سويسري ذكر الخضوع لتدريب عسكري أساس لمدة 18 إلى 21 أسبوعاً في سن الـ18 تقريباً، تليه خدمة الاحتياط الإلزامية، التي تشمل الذهاب لدورات تدريبية تنشيطية مدة ثلاثة أسابيع كل عام على مدى العقد التالي.
إنه التزام مكثف، لكنه ينشئ أمة تعتبر فيها الجاهزية العسكرية أمراً طبيعياً وليس مسيساً. بعد إكمال الدورات، يتحلى الشباب بروح من الانضباط، وهوية وطنية مشتركة، والأهم من ذلك، المعرفة أنهم في أوقات الأزمات مستعدون للدفاع عن وطنهم. لا حاجة إلى التخبط لملء الصفوف، ولا للاعتماد المفرط على فئة اجتماعية واقتصادية معينة لأن المسؤولية مشتركة. هل أصاب السويسريون في ذلك؟ في عالم غير مستقر كعالمنا، يبدو نموذجهم أقرب إلى بعد النظر وليس مجرد إرث قديم.
لقد تذوقت طعم الانضباط العسكري في المدرسة، إذ كان مطلوب منا أن نتدرب ضمن قوة المتدربين المشتركة كل يوم أربعاء بعد الظهر مدة عام كامل. ما أتذكره أكثر ليس الأيام التي قضيناها في التدريب البحري أو التخييم تحت ملاءة بسيطة، بل المعلمين الذكور وهم يصدرون الأوامر لفتيات في عمر الـ13 بينما كن واقفات يرتجفن خلال تدريبات إطلاق النار وتدريبات التشكيل. في ذلك الوقت، بدا الأمر سخيفاً بل مخيفاً. لكن بالنظر إلى الماضي، علمني شيئاً لم أتوقعه: أن أتصرف بشجاعة، وأن أجتهد، وأحافظ على هدوئي، وأواصل حياتي.
التجنيد الإجباري ليس بالأمر الجديد، لكن السؤال الذي يجب أن نطرحه الآن هو إن كان لا يزال له مكان في بريطانيا الحديثة؟ وإن كنت تعتقد أنه أمر عفا عليه الزمن، فاسأل نفسك: إذا خضنا حرباً غداً، فهل نحن مستعدون لها؟
© The Independent