ملخص
عبر مسؤولو "بنك إنجلترا" عن ثقتهم في أن أسعار الفائدة المرتفعة تؤتي ثمارها، وأن التضخم سيعود إلى مستوى اثنين في المئة بحلول أوائل عام 2027.
تبدو بريطانيا كم يعيش حالاً من التضخم الاقتصادي الخاص، فالمملكة المتحدة لا تزال تعاني أعلى معدلات التضخم بين الاقتصادات الغربية الكبرى على رغم أن موجة زيادة الأسعار التي أعقبت جائحة "كوفيد-19" تراجعت في معظم دول العالم المتقدم.
عاود التضخم الارتفاع مرة أخرى بالمقارنة مع ذروته في أواخر عام 2022، إذ ارتفعت أسعار المستهلكين بنسبة 3.5 في المئة في أبريل (نيسان) مقارنة بـ2.6 في المئة في مارس (آذار)، مما يعني أن "بنك إنجلترا" لا يزال أمامه كثير من العمل ليصل إلى هدفه البالغ اثنين في المئة.
ماذا حدث للتضخم؟
وارتفع معدل التضخم في بريطانيا عندما خرجت الاقتصادات من جائحة كورونا، إذ بدأ الناس بإنفاق المدخرات التي جمعوها خلال فترات الإغلاق، بينما واجهت الشركات صعوبات في تلبية الطلب المرتفع وسط اضطرابات سلاسل الإمداد.
وقفزت أسعار الطاقة بعد الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، وأسهم تراجع أسعار الطاقة في خفض التضخم، إلا أن معدل التضخم في المملكة المتحدة ظل أعلى من مثيله في معظم دول أوروبا القارية، فمعدل التضخم في فرنسا في أبريل بلغ 0.9 في المئة، وفي ألمانيا 2.2 في المئة، وهو يتماشى مع متوسط منطقة اليورو ذات الـ20 دولة.
ما سبب ارتفاع التضخم؟
تعد بريطانيا أكثر اعتماداً من غيرها من الاقتصادات الكبرى على الغاز المستورد لتلبية حاجاتها من الطاقة، وارتفعت أسعار الغاز البريطاني بصورة كبيرة عام 2022، ولم تعد إلى مستويات ما قبل الجائحة. وبموجب نظام "التسعير الحدي" في بريطانيا، يتحدد سعر الكهرباء بأغلى مصدر للطاقة أكثر من 90 في المئة من الوقت، مما يجعل الغاز مؤثراً أساساً في أسعار الكهرباء.
لكن الطاقة ليست القصة الكاملة، إذ أدى نقص العمالة بعد الجائحة إلى زيادة الأجور، ونفذت نقابات العاملين في السكك الحديد والقطاع العام إضرابات للمطالبة بزيادات في الرواتب أثناء وبعد صدمة التضخم.
وواصلت الأجور الأساسية السنوية ارتفاعها بمعدل 5.6 في المئة في الربع الأول من عام 2025، وهو أعلى من النطاق الذي يراه "بنك إنجلترا" (3 في المئة إلى 3.5 في المئة) متوافقاً مع هدف تضخم اثنين في المئة ونمو إنتاجية بين واحد في المئة و1.5 في المئة.
وأسهمت الحكومة في زيادة الضغوط التضخمية عبر رفع الحد الأدنى للأجور الوطنية، وهو الحد الأدنى الذي يجب أن يدفعه أصحاب العمل للعاملين فوق سن 21 بنسبة 9.7 في المئة، و9.8 في المئة، و6.7 في المئة على التوالي خلال السنوات الثلاث الماضية. وفي أبريل الماضي فرضت الحكومة ضريبة جديدة على الرواتب بقيمة 26 مليار جنيه استرليني (35 مليار دولار)، ونقل بعض أصحاب العمل هذا العبء إلى العملاء من خلال رفع الأسعار.
مشكلة التضخم ببريطانيا
ويؤدي التضخم إلى زيادة كلفة المعيشة ويؤثر في النشاط الاقتصادي، بخاصة بالنسبة إلى العمال في القطاعات التي لا تتماشى فيها زيادات الأجور مع ارتفاع الأسعار، ويعد التضخم المرتفع أكثر قسوة على ذوي الدخل المنخفض، إذ يخصصون نسبة أكبر من دخلهم للضرورات. وأظهرت البيانات الرسمية أن أسعار الغذاء ارتفعت بنسبة 3.4 في المئة في أبريل مقارنة بالعام السابق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
غالباً ما يعيد البريطانيون تمويل قروضهم العقارية بصورة أكثر تكراراً مقارنة بنظرائهم في الولايات المتحدة وأوروبا القارية، مما يعني أن عديداً من الأسر معرضة لأسعار الفائدة المرتفعة التي فرضها "بنك إنجلترا". وعلى رغم أن كلفة الاقتراض تم خفضها أربع مرات إلى 4.25 في المئة من ذروتها البالغة 5.25 في المئة، فإنها تتراجع بصورة أبطأ مقارنة بمنطقة اليورو التي خفضت أسعار الفائدة سبع مرات إلى 2.25 في المئة من 4 في المئة، وغالباً ما يعاني الأشخاص في سن العمل أكثر من غيرهم، لأن الأجيال الأكبر سناً تمتلك منازلها بالفعل وتتلقى معاشات تقاعدية مرتبطة بالتضخم.
ماذا عن "بريكست"؟
تشير الدراسات إلى أن "بريكست" كان له دور واضح في مشكلة التضخم، إذ توضح أبحاث من كلية لندن للاقتصاد أن ثلث التضخم في أسعار الغذاء في المملكة المتحدة بين نهاية 2019 ومارس 2023 كان سببه "بريكست"، إذ أضافت الكلفة الحدودية الإضافية نحو 7 مليارات جنيه استرليني إلى فواتير البقالة. وحذرت عضو لجنة السياسة النقدية في "بنك إنجلترا" كاثرين مان من أن الحواجز التجارية الجديدة جعلت المملكة المتحدة "حالاً فريدة". وأبرمت الحكومة العمالية اتفاقاً مع الاتحاد الأوروبي لتقليل الاحتكاكات الحدودية على المواد الغذائية، لكن الهدف الأكبر هو التوصل إلى اتفاق أوسع يشمل جميع السلع.
عوامل أخرى مؤثرة
ويؤكد الاقتصاديون أن بريطانيا تعاني مشكلة في الإنتاجية تتفاقم مع الوقت، فعندما يكون أداء القوة العاملة ضعيفاً، تنتج السلع والخدمات بمعدل أقل وكلفة أعلى لكل وحدة، مما يحد من قدرة الاقتصاد على النمو دون إثارة التضخم. وفي الربع الأول من عام 2025، كانت الإنتاجية، كما تقاس بالإنتاج لكل عامل، سلبية، إذ تراجعت بنسبة 0.7 في المئة وفقاً لمكتب الإحصاءات الوطنية.
وتأتي إنتاجية المملكة المتحدة خلف ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة ضمن مجموعة السبع، وتتساوى تقريباً مع إيطاليا وكندا، لكنها تتفوق على اليابان. وأسهمت مستويات الهجرة المرتفعة منذ عام 2010 في دعم معدل النمو بالمملكة المتحدة، مما أخفى ضعف الإنتاجية، ويلقى اللوم على ضعف الاستثمار من قبل الشركات والحكومة منذ الأزمة المالية عام 2008 في الأداء الهزيل للإنتاجية.
هل ينخفض التضخم قريباً؟
عبر مسؤولو "بنك إنجلترا" عن ثقتهم في أن أسعار الفائدة المرتفعة تؤتي ثمارها، وأن التضخم سيعود إلى مستوى اثنين في المئة بحلول أوائل عام 2027. وأظهرت سوق العمل في المملكة المتحدة علامات واضحة على التباطؤ، مما قد يقلل من الضغط التصاعدي على الأجور.
وكشف مسح أجراه "بنك إنجلترا" لأصحاب الأعمال أن نمو الأجور سيكون نحو 3.5 في المئة بحلول نهاية عام 2025، فيما تسهم الحروب التجارية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترمب أيضاً في دعم عملية خفض التضخم في المملكة المتحدة، إذ تعيد الدول المصدرة، مثل الصين، توجيه شحناتها نحو دول منخفضة الرسوم الجمركية مثل بريطانيا.
متى ستخفض الفائدة؟
يرفض بنك إنجلترا تقديم تقدير لمعدل الفائدة "النهائي"، وهو المستوى الذي ستستقر عنده كلفة الاقتراض عندما يعمل الاقتصاد بكامل طاقته ويصبح التضخم عند اثنين في المئة، ويعتقد معظم الاقتصاديين أنه يراوح ما بين 3 و3.5 في المئة. وقال العضو الخارجي في لجنة السياسة النقدية آلان تايلور إنه يعتقد أن المعدل سيستقر عند نحو 2.75 في المئة.