ملخص
رحلة الحصول على مساعدات من "مؤسسة غزة الإنسانية" شاقة ومتعبة، إذ تعد مراكز توزيع المساعدات أشبه بالسجون، ويقف عدد من حراس الأمن يحملون أسلحة رشاشة خلف بوابات حديدية وسور من الشبك، وخمس نقاط تفتيش يمر عليها النازح بخلاف إجراءات البصمة الحيوية.
عند الساعة الرابعة فجراً قبل بزوغ النهار، خرج منتصر من خيمته وعزم التوجه إلى مركز توزيع المساعدات الذي تديره "مؤسسة غزة الإنسانية" المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل، لكن الخوف كان يسيطر على قلبه.
يقول منتصر "يدور في داخلي صراع قاس، جوع أطفالي يدفعني للذهاب إلى مركز توزيع المساعدات في رفح، وخوفي من الاعتقال وإطلاق النار يضغط عليَّ بعدم الذهاب لذلك المكان المشبوه، حيث تتولى شركة أميركية ومرتزقة إدارة المكان والجيش يوجد في المحيط".
رحلة مرهقة
لم يستمر هذا النزاع الداخلي طويلاً، وقرر منتصر الذهاب إلى مكان توزيع المساعدات عله يحصل على طرد غذائي يطعم بمحتوياته أطفاله، وبالفعل انطلق في رحلة شاقة وصفها بيوم الذل لكسر الجوع.
انطلق منتصر من خيمته إلى المكان المخصص لتجمع المواطنين مشياً على الأقدام، وقطع مسافة سبعة كيلومترات للوصول، ومن هناك بدأ رحلة مرهقة صوب مركز التوزيع.
يضيف منتصر "طول الطريق أسير على كعب رجلي مسافة طويلة جداً، فلا مواصلات للمكان، الحاجة الملحة للغذاء هي التي دفعتني للذهاب، إذ لا يوجد أكل في خيمتي والصغار يلحون في طلب الغذاء".
بعد السير لمسافة إضافية تقدر بنحو ثلاثة كيلومترات وصل منتصر إلى مركز التوزيع وصُدم مما رأى "إنها غيتوهات عازلة" يتابع الرجل حديثه ويشرح "عدد من حراس الأمن يحملون أسلحة رشاشة، يقفون خلف بوابات حديدية وسور من الشبك، وخمس نقاط تفتيش".
بصمة عين
أجبر منتصر على مشاركة مقاييس حيوية قبل الدخول إلى مركز توزيع المساعدات الذي يشبه معسكرات الاعتقال، إذ شارك بصمة عينه، وبعدها رفع ملابسه عن جسده، ومن دون أية بيانات لإثبات هويته دخل في مسار طويل يكتظ فيه آلاف الأفراد، لينتظر دوره في الحصول على طرد غذائي.
كان منتصر يراقب آلية توزيع المساعدات، كل خمس دقائق يسمح حراس الأمن لـ10 أفراد بالدخول ويغلقون البوابة خلفهم، ويصف مدة انتظار دوره "خمس ساعات لأصل، هناك آلاف الناس يكتظون في المكان وجميعنا جوعى".
فجأة سمع منتصر صوت إطلاق نار في الهواء من الدبابات التي رآها عن قرب في محيط مكان التوزيع، وعلى إثر ذلك فر الجائعون وغادروا المكان، ولم يحصل الأب على طعام لأطفاله وغادر المكان يطأطئ رأسه ويخشى رؤية أطفاله الذين يسألون عن الأكل.
ويعقب منتصر على تجربته الفاشلة "لن أذهب مجدداً حتى لو مات أحد أبنائي من الجوع، كل شيء هناك ذل وامتهان للكرامة، طوابير طويلة لا نهاية لها ومسافة طويلة تقطع الأنفاس والمواصلات ممنوعة، والأقسى من ذلك لا نظام ولا آلية لتوزيع المعونات، أما مركز التوزيع فإنه سجن كبير يوزع الأكل والوجبات علينا".
تجربة مهينة
على مدار الأيام الثلاثة الماضية اختبر آلاف الغزيين مشقة السير لمسافات طويلة جداً للوصول إلى موقع توزيع المساعدات الإنسانية الذي تشغله إسرائيل وأميركا باسم "مؤسسة غزة الإنسانية"، وأكد جميعهم أنهم عاشوا الذل والموت، فيما لم يتمكن بعض من تحمل مشقة العودة من مكان التوزيع.
يقول عطوة "ذهبت إلى مكان توزيع المساعدات وكنت جائعاً طوال الطريق، ما صبرني على هذه الحال أملي في تسلم طرود غذائية، كل خطوة أقترب من موقع التسليم كان الخوف من الاعتقال والتفتيش يسيطر على عقلي وقلبي".
ويضيف المتحدث "رأيت أناساً عائدين يحملون الطرود حينها تشجعت كثيراً، وهذا ما دفعني لتحمل لهيب الشمس الحارقة والوقوف في طابور طويل داخل ممر ضيق لأتسلم الغذاء لأسرتي، كانت تجربة قاسية مهينة لا تلبي الحد الأدنى من حاجات المدنيين".
خمس حلابات
مر عطوة على خمس حلابات للفحص الأمني، وطلب منه حراس الأمن الكشف عن بطنه للتأكد من عدم حمل سلاح، ثم دخل وتسلم الطرد من دون إظهار وثيقة شخصية، ويتابع "في الداخل توجد المساعدات داخل شاحنات متوقفة في مكان واسع حملت الطرد وخرجت من المكان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كان الطرد يزن نحو 25 كيلوغراماً وبداخله كمية بسيطة من السكر والطحين والزيت وبعض المعلبات، حمله بتثاقل شديد وتعب منه كثيراً، فالطريق طويل ولا مواصلات والشمس حارقة، وعند العصر وصل إلى الخيمة. ويعقب عطوة قائلاً "رحلة قاسية جداً لأجل لقمة الطعام، على الغالب لن أكررها إذا بقيت الحال هكذا".
طرد ثقيل ولا مواصلات
لم يحصل إسماعيل خلال اليوم الأول على طرد غذائي بسبب تدافع آلاف المدنيين، وقرر أثناء اليوم الثاني العودة لتسلم حصة غذائية، قائلاً "مشوار مهين ومذل، لكن لا يوجد حل غير هذه المساعدات، رحلة الذهاب مشقة أما رحلة العودة فهي عذاب حقيقي".
حصل بالفعل إسماعيل على حصة غذائية كانت ثقيلة للغاية، فاضطر إلى تفحصها وتفريغ جزء من محتوياتها، ويضيف "المكان بعيد جداً ومن دون مواصلات لن ينجح المشروع بتاتاً، كثر ممن استلموا الطرود اضطروا إلى رمي بعض الأغراض لتخفيف الحمل، وعشت لحظات عصيبة بسبب الفوضى والتدافع وإطلاق النار".
كأنه مركز اعتقال
في مناخ صحراوي مغبر كان يسير يونس متجهاً إلى تسلم المساعدات، ويقول "هذه الآلية صعبة وغير مناسبة فالمكان بعيد ومخيف، وعلى رغم ذلك تحملت لأجل إشباع بطون صغاري. الفوضى تعم الأرجاء والتدافع في كل زاوية، وكنا نرى جنود ودبابات الجيش قريبة من المكان".
يضيف يونس "كأننا في ساحة حرب ومركز اعتقال، كنت قريباً من الموت، والنجاة من مركز توزيع المساعدات أمر صعب، ولن أعود مجدداً، ولا أنصح أي أحد بالذهاب، مخاطرة عالية وأجبرني عليها الجوع".
لم يتوقع يونس أن تكون آلية التوزيع بهذا السوء والمخاطرة، ويوضح "هناك أشخاص خلفك وأمامك في طابور طويل وضيق. المشهد مخز وما من معاملة إنسانية، وعجز المشروع عن تلبية حاجات السكان الذين يعانون الجوع الشديد، والناس يائسون وجائعون وفي النهاية لم أصل ولم أستلم أية مساعدات".
انتقادات
تقر "مؤسسة غزة الإنسانية" بفقدان السيطرة على مركز التوزيع نتيجة الأعداد المهولة من الجائعين، وذكرت في بيان لها أنها "وزعت ما يقارب 14550 صندوقاً غذائياً، يكفي كل صندوق لإطعام 5.5 أشخاص لمدة 3.5 يوم، بإجمالي 840262 وجبة".
لم تعجب آلية توزيع المساعدات الجديدة سكان غزة ووجدت انتقادات دولية وأممية، ويقول مقرر الأمم المتحدة الخاصة بالسكن بالاكريشنان راجاغوبال "طريقة توزيع المساعدات الإنسانية في غزة سادية بامتياز، ولا يمكن التصدي للأزمة في غزة من خلال استغلال المساعدات الإنسانية لتمرير خطط سياسية وعسكرية، غزة أصبحت أكثر الأماكن جوعاً على وجه الأرض".
ووجه الاتحاد الأوروبي انتقادات حادة إلى إسرائيل، وذكر أنه لا يمكن التسامح مع الآلية الجديدة لتوزيع المساعدات، ومن الضروري عدم تسييس أو عسكرة الغذاء تحت أي ظرف.
فشل أم نجاح؟
أما مدير مكتب الإعلام الحكومي إسماعيل الثوابتة فيقول "المشروع الإسرائيلي لتوزيع المساعدات داخل المناطق العازلة فشل فشلاً ذريعاً، أي مشروع يعتمد مناطق عازلة أو ممرات إنسانية تحت إشراف الجيش الذي يجوع المواطنين ويقتلهم ويبيدهم، يعد نسخة حديثة من الغيتوهات العنصرية".
أما في إسرائيل، فإن منسق أنشطة الحكومة داخل المناطق الفلسطينية غسان عليان يرى أن هذا المشروع ناجح وقد يثبت فعاليته خلال الأيام المقبلة، ويسلب من "حماس" قدرتها في الاستيلاء على الإمدادات الغذائية.