Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

منازل الخرطوم تحكي للعائدين أهوال السلب والنهب

تفاجأ أصحابها بأنها باتت جدراناً بلا أبواب أو نوافذ وطاولت السرقة الأثاث والمقتنيات

فقد أغلب النازحين منازلهم  بسبب الحرب إذ تحولت إلى بيوت أشباح (اندبندنت عربية - حسن حامد)

ملخص

نفذت شرطة ولاية الخرطوم حملات استهدفت أسوق بيع المنهوبات، بخاصة سوق صابرين شمال أم درمان، كما شملت الحملة الأمنية أسواقاً أخرى نشطت خصيصاً لبيع المسروقات وأسفرت عن ضبط كميات وافرة من الأواني المنزلية والأجهزة الكهربائية والأثاثات والحديد الخردة، إضافة إلى ملابس النساء والأطفال، بحسب بيان الشرطة.

مزقت الحرب الدائرة بين الجيش وقوات "الدعم السريع" منذ اندلاعها في منتصف أبريل (نيسان)2023 أوصال الأسر السودانية وحولتهم إلى نازحين ولاجئين حاملين هموماً لا تحصى، وهم في حال صراع بين اليأس وأمل العودة لبناء ما دمرته الحرب.

تفاجأ غالب العائدين إلى العاصمة الخرطوم أن منازلهم أصبحت جدراناً بلا أبواب، حيث نهبت بواسطة عصابات مدججة بالسلاح مع المقتنيات والمنقولات والأصول، في ظل عدم توافر التدابير الأمنية اللازمة أثناء الحرب، لا سيما أن السرقة امتدت إلى اقتلاع النوافذ والأسطح المعدنية لتباع بأثمان زهيدة مع جهل تلك العصابات للقيمة المعنوية لما بداخل المنازل من مقتنيات كونها شاهدة على آلاف الذكريات والقصص والحكايات والأسرار.

مشاعر حزن عميقة تخيم على معظم مواطني العاصمة، بخاصة ربات البيوت اللاتي يعملن على حفظ النسيج الأسري، بينما تنتظرهن تحديات صعبة في ظل نفاد المدخرات وفقدان مصادر الدخل.

حملات شرطية

نفذت شرطة ولاية الخرطوم حملات استهدفت أسوق بيع المنهوبات، بخاصة سوق صابرين شمال أم درمان، في إطار جهودها لمكافحة مظاهر الانفلات التي أفرزتها الحرب، وبحسب بيان لها، فإن الحملة الأمنية شملت أسواق أخرى نشطت خصيصاً لبيع المسروقات وأسفرت عن ضبط كميات وافرة من الأواني المنزلية والأجهزة الكهربائية والأثاثات والحديد الخردة، إضافة إلى ملابس النساء والأطفال.

وأشار البيان إلى توقيف متهمين يحملون السلاح يروعون السكان وينهبون المنازل والمحال التجارية نهاراً جهاراً.

وأوضح مدير دائرة الجنائيات بشرطة ولاية الخرطوم اللواء شرطة عبدالكريم حمدو أن نسبة أقسام الشرطة في الولاية التي باشرت عملها الآن أكثر من 90 في المئة، مؤكداً أن مسؤولية الأمن في العاصمة أصبحت على عاتق الشرطة، حيث نصبت ارتكازاتها في كل الشوارع الرئيسة بمدن العاصمة الثلاثة.

وأكد حمدو أن الشرطة وضعت يدها على كميات كبيرة من المنهوبات المنزلية إلى جانب المركبات الخاصة، داعياً المواطنين إلى التوجه إلى الأقسام التي فتحت أبوابها ومعاينة مفقوداتهم والتعرف عليها.

وأشار مدير دائرة الجنائيات بشرطة ولاية الخرطوم إلى ارتفاع عدد البلاغات المتعلقة بانتهاكات الميليشيات بعد عودة المواطنين وتفقد منازلهم.

قيمة معنوية

من جانبها تقول ربة المنزل منال محجوب التي تسكن ضاحية الفتيحاب في أم درمان "جيراني الذين كانوا عالقين قبل إجبارهم من قبل أفراد من ’الدعم السريع‘ على مغادرة منزلهم قسراً أخبروني أن عصابات تحمل السلاح اقتحمت منزلي، الذي تركناه خوفاً من الانتهاكات الجسيمة التي طاولت السكان، بخاصة النساء، وبعد استرداد الجيش أجزاء واسعة من العاصمة من منطقتنا تمكن جاري من دخول منزلنا وتصويره لنا وهو فارغ من كل الممتلكات ودمرت معالمه حتى صار هيكل غطت مساحاته الغبار والقمامة".

وأضافت "الغريب في الأمر أن اللصوص قاموا باقتلاع أبواب منزلنا من الجدران، مما ضاعف حزني على فقداني تعب سنوات طوال، بخاصة ونحن نعاني مرارات اللجوء وهموماً لا تحصى، فضلاً عن أن شعوري بالحزن ليس بسبب القيمة المادية للأبواب والنوافذ، وإنما القيمة المعنوية، فمن قام بنزعهم لا يدري أنها شاهدة على آلاف الأسرار والذكريات والقصص التي كانت تعم أرجاء المنازل".

 

 

وتابعت "بكل تأكيد أن حالي تنطبق على كثير من الأسر، لكن عند العودة سنعمل على إعادة ما دمرته الحرب بسبب القذائف والمدفعيات والسرقات، وسنعيد الأبواب والنوافذ وترميم الجدران على رغم أنها عملية مكلفة للغاية بالنظر لفقد معظم المواطنين لمدخراتهم في مناطق النزوح واللجوء، لكن بالإمكان إعادة القليل من تعب العمر الذي سلب بغير وجه حق".

وتساءلت ربة المنزل قائلة: متى ستقفل أبواب الجحيم التي لا تزال مفتوحة على مصراعيها في ظل استمرار الانتهاكات والتشريد وموت الأطفال تضوراً؟ مطالبة الأطراف المتنازعة وقف لعنة الحرب وإنهاء عبث المنازل والمحافظة على قيمتها الأسرية، فضلاً عن أن الأسر في حال نزاع، إذ إن الأنباء الواردة من الذين اختاروا العودة أن هناك انفلاتاً أمنياً وعصابات تسطو على المنازل، إضافة إلى أن مسيرات "الدعم السريع" لا تزال تحلق في سماء أم درمان.

حماية قانونية

أما المواطن محمود عبدالرحمن الذي وصل للاطمئنان على منزله في ضاحية جبرة جنوب الخرطوم قال إن "الحرب ألحقت بنا أضراراً يصعب تعويضها في الوقت الحالي، في ظل عدم وجود منافذ للدخل"، متابعاً "منزلي يقع في منطقة كانت تحت سيطرة ’الدعم السريع‘، ولم يتبق شيء يمكن أن أنظر إليه داخل المنزل سوى الجدران التي كانت شاهدة على أن اللصوص والعصابات المسلحة من عناصر ’الدعم السريع‘ يقتحمون البيوت دون مراعاة حرمتها".

وواصل حديثه "منزلي أصبح شبحاً مخيفاً بعدما كان يضج بالحيوية والأثاثات الباهظ، لا سيما أن زوجتي كانت تسخر راتبها الشهري لتكملة وتجديد كل ما يلزم المنزل من أجهزة كهربائية ومفروشات، فهي لديها عشق واهتمامات بجلب المقتنيات القيمة دون مراعاة لقيمتها الباهظة ما دام تمتلك القدرة على شرائها". وأردف "فرار الأسر للحفاظ على سلامة الأرواح كان عاملاً مساعداً للعصابات، التي نفذت السرقة من طرق ممنهجة بنقل المقتنيات بواسطة شاحنات على مراحل، فضلاً عن أن قوات ’الدعم السريع‘ وفرت لهم الحماية القانونية، لذا كانت السرقة تتم في وضح النهار".

ونبه عبدالرحمن إلى أنه "أمام تحدٍّ لإعادة تطبيع حياتهم من الصفر، لكن لا بد من الجهات الأمنية المتخصصة القضاء على الظواهر السلبية في ظل مباشرة الشرطة مهامها وحماية المواطنين".

آثار نفسية

على الصعيد نفسه أوضحت المتخصصة الاجتماعية أحلام يوسف أن "الحرب مزقت النسيج الأسري في المجتمعات السودانية واستباحت حرمات المنازل في ظل غياب أصحابها الذين فروا من ويلاتها إلى داخل البلاد وخارجها". وقالت "آثار نفسية عميقة تعانيها الأسر، بخاصة النساء وهن يتابعن أخبار منازلهن أثناء الحرب التي طاولها الخراب والسرقة وتحطيم الذكريات المفرحة والحزينة وضحكات الأطفال أثناء لعبهم والتي كانت تملأ فناءات المنازل الواسعة، وفي تقديري أن ما فقدته الأسر معنوياً ومادياً جدير بترك حسرة وأثر نفسي طويل المدى عند اجترار الذكريات مع الصعوبة في الوقت الحالي استعادة بعض الممتلكات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولفتت إلى أنه "من المؤسف حتى بعد تحرير الخرطوم واستعادتها من قبضة ’الدعم السريع‘، لا تزال عمليات النهب مستمرة من قبل الأجانب والنازحين الذين اتخذوا منازل المواطنين سكناً لهم، إلى جانب الذين يقيمون في الضواحي العشوائية القريبة من مدن العاصم الثلاثة، إذ يمارس هؤلاء ترويع السكان العالقين والعائدين وهم يعانون تقلبات نفسية واجتماعية واقتصادية معقدة".

جبر الضرر

في حين يرى المحامي السوداني عبدالرحمن هارون أنه عندما تتوقف للحرب بصورة نهائية ويعود المواطنون إلى مناطقهم بصورة آمنة يجب على الدولة أن تشرع في تعويضهم وجبر الضرر عما فقدوه من ممتلكات، وفي المقابل يحق للمواطن مقاضاة أي طرف تسبب في ضرره خلال الحرب حتى لو كان عسكرياً بحسب التشريعات التي نص عليها القانون". واستطرد "كذلك يحق للمواطن المطالبة بالتعويض، ولا أتوقع أن يكون هناك تنازلاً عن الحق الخاص، إذ إن حجم الأضرار كبيرة فقد معها المواطن كل ما يملك".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير