ملخص
تؤثر التغطية الإعلامية السلبية والمتحيزة للحرب السودانية على صناعة القرار السياسي في الغرب، ويمكن أن تؤدي إلى اتخاذ قرارات غير دقيقة أو تدخلات غير محسوبة، أو عقوبات يدفع ثمنها المدنيون، استناداً إلى تصورات غير مكتملة عن الواقع الميداني.
يعود ضعف التغطية الإعلامية للسودان جزئياً إلى عدم انتظام القوى الغربية في دعم أحد الأطراف عسكرياً، على عكس النزاعات الأخرى.
حمل تأثير تغطية وسائل الإعلام الخارجية حرب السودان التي اندلعت في الـ15 من أبريل (نيسان) 2023، بعداً ذا شقين، الأول أنها تعرضت لانتقادات بسبب قصور التناول، والثاني أنها في المرات القليلة التي انشغلت بها استندت إلى أفكار جاهزة وروجت لمعلومات ضبابية من مصادر غير مؤكدة وأحياناً متباينة، مما أسهم في تشكيل سردية الصراع.
سلطت الحرب في السودان الضوء على دور وسائل الإعلام العالمية في تصور الدول الأفريقية في العالم الغربي، إذ لا تزال الصور النمطية القديمة نفسها حية ونابضة بالحياة، كذلك حددت التغطية الإعلامية إشكالية طويلة الأمد بتأطير هذه التغطية وتقديمها في وسائل الإعلام الغربية، وفق مفهوم ومحددات معينة.
على رغم احتدام القتال في المناطق السكنية، التي لم تستثن المرافق الأخرى مثل المدارس والمستشفيات التي تعرضت للقصف الجوي من قبل الطيران الحربي للجيش السوداني، نتيجة احتماء قوات "الدعم السريع"، واتخاذ السكان في كثير من الأحيان دروعاً بشرية، فإن معاناة المدنيين ومآسيهم تكاد تغيب عن التغطيات المختلفة لوسائل الإعلام، بل لا تكاد تكون هناك تغطيات حية لهم، أسوة بحروب أخرى حاضرة تجري تغطياتها تحت نيران القصف، إذ ظل تركيز وسائل الإعلام في حالة السودان منصباً على مجريات القتال العامة وتوقعاتها من استوديوهات الأخبار وتصريحات طرفي الصراع.
كان بإمكان إجراء تغطية متوازنة إحداث تأثير في المستوى الدولي، الذي قد يعجل بتدخل الأمم المتحدة ومنظماتها أو قوى كبرى لإنهاء الصراع عبر إبراز آثار الصراع المسلح على المدنيين. فقد مهد توظيف الصحف العالمية صوراً صادمة لمواطنين تعرضوا للذبح والتصفية في حرب البوسنة، لتدخل عسكري دولي لإنهاء المذابح هناك. ولا يغيب عن البال أن طرفي النزاع في السودان يميلان في العادة إلى إخفاء خسائر المدنيين وحجب المعلومات المتعلقة بهم لأغراض دعائية، ولكن كان على وسائل الإعلام العالمية الوصول ما أمكن إلى المصادر المتاحة لوصف معاناة الناس وتأثر حياتهم بسبب الصراع والاقتتال الدائر.
وبالقدر ذاته تؤثر التغطية الإعلامية السلبية والمتحيزة في صناعة القرار السياسي في الغرب، حيث يعتمد صانعو السياسات بصورة كبيرة على وسائل الإعلام في تشكيل رؤيتهم للصراعات الدولية، ويمكن أن تؤدي هذه التغطية إلى اتخاذ قرارات غير دقيقة أو تدخلات غير محسوبة، أو عقوبات يدفع ثمنها المدنيون، استناداً إلى تصورات غير مكتملة عن الواقع الميداني.
تغطية محدودة
قالت المحللة السابقة للشؤون الأفريقية في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، هولي بيركلي فليتشر، والكاتبة في معهد لوفير "لا تحظى أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وأحد أكثر صراعاتها تعقيداً، إلا بتغطية إعلامية محدودة للحرب المستمرة منذ ما يقارب عامين في السودان والناجمة عن صراع على السلطة بين القوات المسلحة السودانية وقوات ’الدعم السريع‘ شبه العسكرية"، وأضافت "بعض أسباب قلة التغطية مفهومة، أولاً، حتى قبل بدء الحرب كان من الصعب الوصول إلى السودان خارج العاصمة الخرطوم التي مزقتها الحرب، أما اليوم فقد أصبح الوصول إليها شبه مستحيل، لكن هناك أسباباً أخرى أقل أهمية بكثير، مثل انتشار الجهل واللامبالاة تجاه أفريقيا في الغرب، حتى بين الطبقات المتعلمة، كانت أفريقيا في قاع أولويات السياسة الخارجية الأميركية على مدى إدارات عدة، بما في ذلك إدارة الرئيس جو بايدن، الذي لم يزر القارة إلا في الأشهر الأخيرة من رئاسته".
وأكدت أنه "عادة ما تنتقد التغطية الإعلامية المحدودة للحرب هذا النقص في الاهتمام، بينما تجادل بأن هناك مزيداً مما يمكن للولايات المتحدة فعله، هناك صناعة منتقاة من الانتقادات الموجهة لسياسة الولايات المتحدة تجاه السودان، مليئة بمحللين يدعون وجود حلول أفضل لإنهاء الحرب. بصورة جماعية تعد وصفاتهم متناقضة وغير واقعية، يقولون إنه يجب على الولايات المتحدة أن تشارك بصورة كبرى، ولكن أيضاً تمكين الدول الأفريقية من معالجة أزماتها الخاصة. يجب على الولايات المتحدة أن تشدد قبضتها على الجهات الفاعلة السيئة، لكن العقوبات في جوهرها بلا جدوى، ويجب على الولايات المتحدة أن توقف الإبادة الجماعية والمعاناة، لكن وجود القوات على الأرض غير مجد. ينبغي للولايات المتحدة التركيز على بناء قدرات المدنيين، الذين تلقوا بالفعل ملايين الدولارات من المساعدات من دون جدوى تذكر، وينبغي للولايات المتحدة مواجهة نفوذ الجهات الخارجية، التي اختارت جانباً عسكرياً".
وأفادت "لا يوجد كثير، إن وجد، مما تستطيع الولايات المتحدة فعله لإنهاء الحرب في السودان. لا يبدي المتحاربون رغبة تذكر في وقف القتال، وإجبارهم على ذلك سيتطلب على الأرجح نهجاً قاسياً غير عملي ولا مناسب في سياق السياسة الخارجية لما بعد الحرب الباردة".
روايات أحادية
طوال عامين من الاشتباكات العنيفة بين القوات المسلحة وقوات "الدعم السريع"، ظلت الحكومة السودانية تتهم وسائل الإعلام الخارجية بتحريف الحقائق حول النزاع الدائر، والانحياز لرواية قوات "الدعم السريع".
في تصريح رسمي أشار وزير الثقافة والإعلام السوداني خالد الإعيسر إلى أن التغطية الإعلامية الغربية تفتقر إلى التوازن، إذ تظهر قوات "الدعم السريع "كطرف شرعي في النزاع، بينما تتجاهل جرائمها ضد المدنيين، واستهدافها المؤسسات الحكومية والإعلامية، وأضاف الوزير أن بعض الجهات الإعلامية الأجنبية تتبنى روايات غير دقيقة تعزز الانقسام الداخلي وتضر بالسلام والاستقرار في السودان.
وأفاد المسؤول السوداني بأن هناك جهات سياسية داخلية مدعومة من الدول الغربية تعمل على تشويه صورة الحكومة السودانية، إذ وصف تلك الجهات بأنها "اختطفت انتفاضة الشعب لدعم أجندات خارجية تتلاقى مع مصالح قوات ’الدعم السريع‘"، وخص بالذكر تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية السودانية (تقدم)، متهماً إياها بالتعاون مع "الدعم السريع" لتعزيز نفوذها السياسي على حساب الدولة.
من جهته أكد الجيش السوداني أن قوات "الدعم السريع" تستهدف المنشآت الحيوية، بما في ذلك مؤسسات الإعلام السودانية، في محاولة لفرض سيطرتها الإعلامية على المشهد السياسي والعسكري، ووفقاً للتصريحات الرسمية فإن هذه الهجمات أدت إلى خسائر كبيرة في البنية التحتية لوسائل الإعلام المحلية، مما أثر سلباً في قدرتها على نقل الأخبار من منظور وطني.
وأضاف وزير الإعلام أن السودان يعمل حالياً على بناء مؤسسات إعلامية جديدة لتعويض الخسائر، مشيراً إلى أن الأضرار التي لحقت بقطاع الإعلام تقدر بملايين الدولارات، كذلك شدد على أهمية تعزيز الخطاب الإعلامي الوطني لمواجهة "الحملات التضليلية" التي تستهدف صورة السودان في الخارج.
وأكدت الحكومة السودانية بمواجهة الدعاية الإعلامية المضادة، مع الاستمرار في جهودها لاستعادة الأمن والاستقرار في البلاد، وفي هذا السياق دعا المسؤولون السودانيون المؤسسات الإعلامية الدولية إلى التزام الحياد والموضوعية، ونقل الصورة الكاملة للأحداث بدلاً من تبني روايات أحادية تخدم مصالح أطراف معينة في النزاع.
حملات ممنهجة
من جانبها، أعربت قوات "الدعم السريع" عن استيائها من التغطية الإعلامية الغربية للنزاع الدائر في السودان، متهمة بعض وسائل الإعلام بانتهاج سياسة منحازة لمصلحة الجيش السوداني، مما يؤدي إلى تشويه الحقائق وإغفال بعض جوانب الصراع. وفي بيان صادر في الـ13 من أغسطس (آب) الماضي، وجهت القوات انتقادات حادة إلى عدد من القنوات التلفزيونية والمنصات الإعلامية، متهمة إياها بتبني مواقف تدعم طرفاً دون الآخر، وهو ما اعتبرته خرقاً لمبادئ الحياد والموضوعية الصحافية، ودعت هذه الوسائل إلى تقديم تغطية متوازنة تعكس الواقع على الأرض من دون انحياز، مؤكدة أن "الشفافية والمهنية يجب أن تكون أساس التغطية الإعلامية للنزاع".
وفي السياق ذاته، أشار نائب قائد قوات "الدعم السريع"، الفريق عبدالرحيم حمدان دقلو، خلال خطاب ألقاه أمام عناصر من قواته، إلى وجود حملات إعلامية ممنهجة تهدف إلى استفزاز قواته وتشويه صورتها أمام الرأي العام، معتبراً أن هذه الحملات تأتي ضمن مساعٍ للتأثير في معنويات المقاتلين والنيل من موقفهم الداعم للشعب السوداني، وأكد دقلو أن "هذه الحملة الإعلامية لن تثني القوات عن مهامها، بل ستزيدها عزيمة وإصراراً على المضي قدماً في تحقيق أهدافها".
في تطور آخر يعكس الانقسام داخل صفوف القوات، أعلن خمسة من أعضاء المجلس الاستشاري لقائد "الدعم السريع" في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، انشقاقهم وانضمامهم إلى الجيش السوداني. وأوضح المنشقون في تصريحاتهم أن قائد "الدعم السريع" حميدتي يسعى إلى الاستحواذ على السلطة، متهمين إياه بتوظيف وسائل الإعلام لتحقيق أهداف سياسية، كذلك كشفوا عن أن الإعلام الداعم لقوات "الدعم السريع" يدار من خارج السودان، عبر شركة إسرائيلية، مشيرين إلى أن بعض التسجيلات المنسوبة إلى حميدتي "مفبركة" وتستخدم لأغراض تضليلية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قنبلة جيوسياسية
أوردت الكاتبة ماتيلدا مالينسون في مقال لها بعنوان: أزمة منسية... لماذا لا يتحدث أحد عن السودان؟ أنه "على رغم التغطية المكثفة للنزاعات في غزة وأوكرانيا، لا يحظى الصراع الدامي في السودان باهتمام يوازي حجم الكارثة الإنسانية التي يشهدها. السودان، الدولة الواقعة في شرق أفريقيا تبلغ مساحتها ثلاثة أضعاف مساحة أوكرانيا وغزة مجتمعتين، ويشتبه في أن أعداد القتلى فيها يفوق تلك في غزة بخمسة أضعاف، ومع ذلك فإن هذا الصراع لا يزال مهمشاً على الساحة الإعلامية الدولية".
وأضافت "في ظل استمرار الاشتباكات العنيفة نظم ناشطون احتجاجات ووقفات في دول عدة للضغط على وسائل الإعلام لتسليط الضوء على المأساة الإنسانية في البلاد. وعلى رغم الاعتراف الدولي بأن السودان يعاني (الأزمة المنسية)، فلا يزال تسليط الضوء الإعلامي عليه ضعيفاً".
وأوردت "يواجه أكثر من 25 مليون سوداني أزمة غذائية حادة في ظل انتشار السلاح أكثر من توفر المواد الغذائية الأساس، بينما يضطر البعض إلى تناول الحشائش للبقاء على قيد الحياة. منذ اندلاع الحرب في أبريل الماضي بين الجنرالين المتناحرين نزح أكثر من 11 مليون شخص، مما أدى إلى أكبر أزمة نزوح في العالم، بخاصة بين الأطفال. والتقديرات الرسمية لعدد القتلى تراوح ما بين 15 و150 ألفاً، ولكن مع إغلاق 80 في المئة من المستشفيات يصعب الحصول على أرقام دقيقة. في المقابل لا تحظى هذه الكارثة الإنسانية بالاهتمام العالمي اللازم، إذ وردت أوكرانيا 470 مرة في بيانات الحكومة البريطانية هذا العام، مقابل 60 مرة فقط للسودان، كذلك نشرت صحيفة ’نيويورك تايمز‘ مقالات عن غزة أكثر بعشرة أضعاف من السودان".
وترى الكاتبة "لا ينبغي أن تكون المعاناة الإنسانية موضع مقارنة، لكن الواقع هو أن الأزمات غالباً ما تتنافس على الاهتمام الإعلامي والمساعدات الدولية. ويعود ضعف التغطية الإعلامية للسودان جزئياً إلى عدم انتظام القوى الغربية في دعم أحد الأطراف عسكرياً، على عكس النزاعات الأخرى"، وتابعت "على رغم ذلك تصف مجلة ’الإيكونوميست‘ السودان بأنه قنبلة جيوسياسية موقوتة، ومع ذلك لا يزال السودان غائباً عن التغطية الإعلامية على رغم تداعياته العالمية، بما في ذلك تدفقات الهجرة".
مفاهيم خاطئة
قال الباحث في قسم أفريقيا والشرق الأوسط بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية جيريت كورتز "على رغم حجم الكارثة الإنسانية التي خلفتها الحرب في السودان، فإنها لم تحظَ بتغطية إعلامية دولية تتناسب مع خطورتها، مقارنة بالصراعات الأخرى، مثل أوكرانيا وغزة.
على سبيل المثال، خلال العام الماضي ذكرت المستشارية الألمانية أوكرانيا في 190 بياناً صحافياً، والسودان ثلاث مرات فقط، خلال الفترة نفسها، نشرت صحيفة ’نيويورك تايمز‘ عدداً من المقالات التي ذكرت غزة، يفوق ما نشرته عن السودان بـ10 أضعاف، وأكثر من 13 ضعفاً من المقالات التي ذكرت أوكرانيا. وبينما مول نداء الأمم المتحدة العاجل للأراضي الفلسطينية بنسبة 104 في المئة فقد مول نداء عام 2024 للسودان بأقل من ستة في المئة، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، قبل أن يتعهد مؤتمر باريس بتقديم ملياري دولار أميركي إضافيين في الـ15 من أبريل".
وأوضح "بدا السودان غائباً عن العناوين الرئيسة، ليس بسبب نسيانه، بل نتيجة للجهل والتبسيط المخل والانحيازات السياسية والإعلامية. يفضل الصحافيون والمحللون الدوليون اختزال تعقيدات الحرب في روايات مبسطة، غالباً على حساب الحقيقة، مما يعيد إنتاج ثلاثة مفاهيم رئيسة خاطئة".
أورد كورتز "المفهوم الأول سردية (الصراع المنسي) تعفي الجهات الدولية من مسؤولياتها، بينما يظهر الواقع أن ضعف الاهتمام نابع من سياسات متعمدة، وليس مجرد غياب الوعي، فالمساعدات الموجهة للسودان ضئيلة مقارنة بأزمات أخرى، بينما تسهم الحكومات الغربية في تفاقم الأزمة عبر خفض موازنات الإغاثة ودعم سياسات الهجرة التي تزيد من معاناة النازحين، كذلك أسهمت الأطراف المتحاربة نفسها في التعتيم الإعلامي من خلال قمع الصحافة وفرض قيود على التغطية الميدانية".
وتابع "المفهوم الثاني وصف الحرب بأنها حرب الجنرالين بين عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو (حميدتي) يقلل من عمق الأزمة، فالصراع ليس مجرد طموح شخصي، بل هو امتداد لعقود من عسكرة الدولة والتنافس على السيطرة على قطاع الأمن، الذي استخدمته الأنظمة المتعاقبة لإخضاع المناطق المهمشة. نشأت قوات ’الدعم السريع‘ من ميليشيات ’الجنجويد‘، التي كانت أداة الدولة السودانية لقمع التمرد، قبل أن تتحول إلى قوة مستقلة تنازع الجيش السلطة".
وواصل "أما المفهوم الثالث فهو تصنيف الحرب كحرب بالوكالة مما يضفي طابعاً خارجياً على نزاع محلي جوهري، ويطمس مسؤولية الفاعلين المحليين، لا سيما أن الأطراف السودانية تقاتل أولاً وقبل كل شيء من أجل مصالحها".
صورة مجتزأة
قالت الباحثة في مركز "ويلسون" جولييت لانسي "تمثل التغطية الإعلامية للحروب والصراعات عاملاً أساساً في تشكيل الرأي العام وتوجيه السياسات الخارجية. في سياق الحرب السودانية عكست وسائل الإعلام الغربية أنماطاً متكررة من التحيز والتشويه، مما يستدعي تحليلاً نقدياً لمدى التزامها الموضوعية والمهنية في نقل الأحداث".
وأوضحت "تعتمد وسائل الإعلام على آلية تحديد الأجندة، إذ لا تكتفي بإعلام الجمهور عن القضايا، بل تؤثر في إدراكه لها عبر تحديد أولويات التغطية وإبراز جوانب معينة منها. ويتجاوز تحديد الأجندة مجرد اختيار المواضيع ليشمل التأطير، الذي يوجه طريقة تفكير الجمهور من خلال ربط القضايا بسمات محددة، في حالة الحرب السودانية أدى هذا التأطير إلى تصوير النزاع من زوايا محدودة، تركز على الفوضى والعنف من دون معالجة الجذور السياسية والتاريخية للصراع".
وأوردت العوامل المؤثرة في التغطية الإعلامية الغربية للحرب السودانية، "العامل الأول هو التركيز على الإثارة والدراما الإنسانية، إذ اعتمدت التغطية الإعلامية الغربية على نهج الإثارة، إذ ركزت على مشاهد الدمار والنزوح من دون تقديم خلفيات تحليلية تعكس تعقيدات الصراع. عزز هذا النهج الصورة النمطية التي تصور أفريقيا كمسرح دائم للفوضى، متجاهلاً الأبعاد البنيوية والسياسات الدولية التي تؤدي إلى تفاقم الأزمات".
وأضافت "العامل الثاني هو إغفال الأبعاد السياسية والاقتصادية للصراع، فعلى رغم الأهمية الجيوسياسية للسودان، تفتقر التغطية الإعلامية الغربية إلى التحليل العميق للأبعاد السياسية والاقتصادية المؤثرة في النزاع. ونادراً ما تتناول التقارير دور القوى الإقليمية والدولية، أو تأثير العقوبات والسياسات الخارجية الغربية على الأزمة، وبهذا تُقدم صورة مجتزأة لا تعكس الديناميات الحقيقية للصراع".
وذكرت "العامل الثالث هو تأطير السودان ضمن ثنائية الضحية والجلاد، بأن تبنت بعض التقارير الإعلامية الغربية سرديات تبسيطية تصور أحد الأطراف كالمسؤول الوحيد عن العنف، متجاهلة تعدد الفاعلين في المشهد السوداني وتعقيداته. هذا التأطير يسهم في إعادة إنتاج الصور النمطية حول الدول الأفريقية باعتبارها عاجزة عن إدارة شؤونها الداخلية، مما يؤدي إلى تشويه فهم طبيعة الصراع وأسبابه العميقة".
وأفادت "أما العامل الرابع فهو تهميش الأصوات السودانية المحلية، إذ نادراً ما تعتمد وسائل الإعلام الغربية على روايات الصحافيين والمحللين السودانيين، مما يؤدي إلى تغطية منحازة وغير متوازنة. إن إقصاء وجهات النظر المحلية يحرم الجمهور العالمي من رؤية أكثر دقة، ويعزز هيمنة السرديات الخارجية على تحليل الصراع".
