ملخص
تدعم جميع الأحزاب الممثلة في البرلمان تقريباً فكرة السيادة الكاملة على الجزيرة المغطاة بالجليد، والبالغة مساحتها 50 ضعف مساحة الدنمارك، لكن عدد سكانها أقل بـ100 مرة.
يدلي الناخبون في غرينلاند، الثلاثاء المقبل، بأصواتهم في انتخابات تشريعية تأتي عقب حملة تركزت في معظمهما حول تساؤل متى ستقطع البلاد العلاقات مع الدنمارك من دون الوقوع في قبضة الولايات المتحدة ورئيسها دونالد ترمب.
وأعطت تصريحات ترمب في شأن ضم غرينلاند، ونبرته التهديدية أحياناً، زخماً جديداً لحركة استقلال الإقليم الذي يتمتع بالحكم الذاتي.
ويشدد عديد من سكان الجزيرة البالغ عددهم 57 ألف نسمة، على أنهم لا يريدون أن يكونوا أميركيين ولا دنماركيين، إنما "غرينلانديون" فقط.
وتقول أستاذة العلوم السياسية في جامعة غرينلاند ماريا أكرين لوكالة "الصحافة الفرنسية"، إن "دونالد ترمب أثار قضية الاستقلال مرة أخرى".
وتضيف، "هذا ليس أمراً جديداً بالنسبة إلى سكان غرينلاند، لكنه يمنح صناع القرار والمسؤولين السياسيين الزخم الآن لتحقيق بعض الأهداف وهو ما لم يكن متوافراً أخيراً".
وحضرت مسألة الاستقلال بصورة رئيسة في الحملة، إلى جانب السياحة والتعليم والشؤون الاجتماعية ومصايد الأسماك التي تمثل 90 في المئة من صادرات الجزيرة الواقعة في المنطقة القطبية الشمالية.
وتدعم جميع الأحزاب الممثلة في البرلمان تقريباً فكرة السيادة الكاملة على الجزيرة المغطاة بالجليد، والبالغة مساحتها 50 ضعف مساحة الدنمارك، لكن عدد سكانها أقل بـ100 مرة.
ويدل تزايد رافعات البناء الشاهقة في سماء العاصمة نوك على المجتمع المتطور بسرعة في غرينلاند، الذي تم تهميش بعض سكانه من الإنويت، ومعظمهم من الصيادين.
وفي حين تبدو بعض الأزمات الاجتماعية ماثلة في الشوارع، تصبح أكثر وضوحاً في الإحصاءات، إذ تسجل غرينلاند أحد أعلى معدلات الانتحار في العالم، وحالات الإجهاض أكثر من الولادات، فيما يقل متوسط العمر المتوقع للرجال عن 70 سنة.
وبينما تدعم معظم الأحزاب المتنافسة على 31 مقعداً في البرلمان، الاستقلال، تختلف وجهات نظرها في شأن الجدول الزمني لذلك، إذ يفضل البعض "مساراً سريعاً"، بينما يؤثر البعض الآخر التمهل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن بين الأطراف الأكثر اندفاعاً حزب ناليراك القومي المعارض الذي كان حضوره طاغياً في الحملة الانتخابية.
ويريد الحزب أن يبدأ مسار الاستقلال على الفور. وهو نال في الانتخابات السابقة عام 2021، نسبة 12 في المئة من الأصوات.
ويقول يونو بيرثيلسن، أحد أبرز مرشحي ناليراك، لوكالة "الصحافة الفرنسية" إن "الاهتمام الذي نراه، ليس فقط من الولايات المتحدة ولكن في الأساس من العالم أجمع، الذي كان موجوداً منذ أعوام عدة، يتحول إلى مصلحتنا".
ورداً على سؤال عن متى يعتقد أن الاستقلال سيتحقق، أوضح بيرثيلسن "يمكننا التنبؤ بأنه سيحدث في غضون دورة انتخابية واحدة أو اثنتين"، علماً أن مدة كل منها أربعة أعوام.
لكنه يضيف أن "الأمر يعتمد على كيفية سير المفاوضات بين غرينلاند والدنمارك".
ونالت غرينلاند الحكم الذاتي في 1979 بعدما كانت مستعمرة دنماركية لأكثر من 300 عام. وبقيت مسائل مثل الشؤون الخارجية والدفاع تحت سلطة كوبنهاغن.
ومنذ عام 2009 أتاح قانون لغرينلاند بدء عملية الاستقلال من جانب واحد.
وينص القانون على إجراء مفاوضات بين حكومتي الدنمارك وغرينلاند للتوصل إلى اتفاق يتعين أن يوافق عليه برلمان الجزيرة، ويطرح على الاستفتاء فيها، وأن يصادق عليه البرلمان الدنماركي.
ويؤيد الائتلاف الحكومي المنتهية ولايته المكون من حزب رئيس الوزراء ميوت إيغيدي، إنويت أتاكاتيغيت (يسار-خضر) وحزب سيوموت الديمقراطي الاجتماعي، الاستقلال.
لكن رغم الانقسامات الداخلية فإنهما أقل اندفاعاً لتحقيق ذلك.
ويصران على وجوب أن تحصل الجزيرة أولاً على الاستقلال الاقتصادي. وتتلقى غرينلاند حالياً نحو 565 مليون دولار من كوبنهاغن بصورة إعانات سنوية، أي ما يناهز خُمس الناتج المحلي الإجمالي.
وتقول أيا شيمنيتس المنتمية لحزب أتاكاتيغيت وأحد ممثلي غرينلاند في البرلمان الدنماركي، إن "الحديث عن الاستقلال مطروح دائماً، هذا هو الهدف النهائي لكثير منا من سكان غرينلاند لكنه لن يتحقق إلا بعد 10 أو 20 سنة أو أكثر".
وتضيف، "من المهم أن نتحدث عن التنمية الاقتصادية في غرينلاند وكيفية القيام بذلك بطريقة أكثر استدامة".
وأبدى زعيم حزب سيوموت إريك ينسن، وزير المالية المنتهية ولايته، استياءه لأن قضية الاستقلال هيمنت، أقله في وسائل الإعلام، على القضايا التي تؤثر في الحياة اليومية لغرينلاند.
ويقول لوكالة "الصحافة الفرنسية"، إن مسألة الاستقلال "هي أيضاً جزء مهم من برنامجنا لكن الجميع هنا في غرينلاند يتحدثون عن الصحة والمدارس ودور الأطفال".
وفي شوارع نوك الباردة والعاصفة، تراوح آراء السكان بين الرغبة في الاستقلال والواقعية الاقتصادية.
ويقول المقاول بيتر ينسن، "بالطبع نريد الاستقلال عن الدنمارك، لأنه ينظر إلينا كشعب دون المستوى".
لكن مع الإعانات التي تقدمها فإنه يرى أن كوبنهاغن "أبقتنا في هذا (السجن)".
ولا يزال استغلال الموارد المعدنية في غرينلاند، الذي غالباً ما يعد منطلقاً اقتصادياً نحو الاستقلال، في مراحله الأولى.
ويعتقد أولي مولر المدير في شركة نقل أنه "يتعين علينا أن نفكر في كيفية تحقيق الاكتفاء الذاتي في الغذاء والوقود، لأن كل ما نحصل عليه يأتي من الخارج".
ويضيف، "كما ترون، فإن العالم ليس آمناً تماماً في الوقت الحالي".