ملخص
من حاويك انطلقت المواجهات بين السلطات السورية الجديدة ومهربين لبنانيين وبقايا نظام بشار الأسد، فيما تزداد المخاوف من اتساع دائرة التوترات لتتحول إلى عمليات تهجير للعائلات المقربة من النظام البعثي وحلفائه، وتشكل القرى المتداخلة بين البلدين "حزام توتر" بين الدولتين.
دقت الاشتباكات المسلحة على الحدود الشرقية قبل ساعات جرس الإنذار حول مستقبل العلاقة بين لبنان وسوريا، بسبب الطبيعة الجغرافية للمنطقة، وسيطرة قوى غير نظامية على معابر حدودية ومناطق شاسعة، ورواج تجارة السلاح والمخدرات وصناعة الكبتاغون وازدهارها بصورة استثنائية خلال مرحلة ما قبل سقوط نظام بشار الأسد، ناهيك بإهدار فرصة غير مسبوقة على حلفاء الأسد وإيران والقوى التي فرضت حضورها وصيغتها العابرة للحدود.
واتصل الرئيس اللبناني جوزاف عون الجمعة، بالرئيس السوري أحمد الشرع للتهنئة واتفقا على التنسيق لضبط الوضع على الحدود اللبنانية السورية ومنع استهداف المدنيين.
الرئيس عون اتصل بالرئيس السوري أحمد الشرع للتهنئة واتفقا على التنسيق لضبط الوضع على الحدود اللبنانية السورية ومنع استهداف المدنيين
— Lebanese Presidency (@LBpresidency) February 7, 2025
في الحقيقة ليست المشكلة بالمستجدة أو وليدة الساعات الماضية، إذ شكلت المنطقة الحدودية المتداخلة من الجنوب إلى البقاع الشمالي وصولاً إلى أكروم ووادي خالد تحدياً لبسط سلطة الدولة اللبنانية، وتحولت تاريخياً إلى خاصرة رخوة بفعل غياب الإنماء المتوازن وعدم حضور الدولة، إضافة إلى العامل السوسيولوجي والاجتماعي، إذ اعتبرت شريحة كبيرة من السكان أنها امتداد لسوريا الكبرى.
حاويك البداية
للمرة الأولى منذ سقوط الأسد دخلت القوات السورية الجديدة بلدة حاويك التي تقع بين القصر جهة البقاع وأكروم من جهة عكار، وتعتبر واحدة من القرى اللبنانية الواقعة داخل الأراضي السورية ويقطنها مواطنون من الجنسيتين، وأكثريتهم لبنانية، فانتشرت أخبار عن أعمال تهجير وتعديات على الأهالي وأملاكهم وأعمال قصف عنيفة للبلدة ومحيطها، إضافة إلى انتشار إشاعات عن مقتل نوح زعيتر تاجر المخدرات ذائع الصيت، ناهيك بتوسع نطاق المواجهات بين القوات السورية الجديدة ومجموعات لبنانية مسلحة وبقايا النظام السابق، التي نجم عنها أسر عنصرين من "هيئة تحرير الشام" واغتنام بعض العتاد، إضافة إلى مصرع شاب لبناني وأنباء عن أسر 18 عنصراً من "حزب الله"، علماً أنه لم يصدر أي تعليق من الحزب حول هذه التطورات.
"اندبندنت عربية" تقصت حقيقة ما حصل، وأكد شهود من منطقة وادي خالد والبقاع سماعهم أصوات إطلاق رصاص من أسلحة متوسطة ورشاشة، إضافة إلى صوت انفجارين، وكشف أحد أعيان آل الجمل عن حصول تواصل مع السلطات الجديدة في أعقاب سقوط الأسد بهدف تسوية أوضاع المسلحين الموجودين في هذه البلدة وتسليم السلاح، متحدثاً عن "جهد بناء لم يتكلل بالنجاح"، ويصف أحد سعاة الصلح الأوضاع بغير المستقرة بفعل عدم استسلام مجموعات من أتباع النظام السابق، ويقول "دعتنا السلطة الجديدة إلى الاجتماع أكثر من خمس مرات وقمنا بجهود من أجل لملمة الأوضاع ولكن لم ننجح".
ويؤكد الساعي نزوح أهالي البلدة التي تقع في سوريا نحو بلدة القصر والجانب اللبناني، فيما اتجه آخرون نحو الجرود، مشيراً إلى أنه "يفصلها ساتر ترابي أقامه السوريون على الأراضي اللبنانية ويحمل أهلها الجنسية اللبنانية"، ويشبه وضعهم بالمختلط على غرار ما هو عليه واقع وادي خالد وقراها المتداخلة مع ضفتي النهر الجنوبي الكبير، إذ ينتشر الزواج بين العائلات المنتشرة بين لبنان وسوريا، وتغيب عنها خدمات الحكومة اللبنانية.
من جانبه أفاد الإعلام الرسمي السوري مساء الخميس بإطلاق "عنصرين من القوات الأمنية السورية كانا خطفا في وقت سابق خلال حملة في قرية حدودية مع لبنان بهدف مكافحة التهريب"، وفق وصفه.
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) عن المكتب الإعلامي بمحافظة حمص (وسط) "تمكنت إدارة أمن الحدود من تحرير عنصرين اختطفتهما مجموعة من المطلوبين المتورطين في تهريب الأسلحة والممنوعات عبر الحدود السورية - اللبنانية"، وكانت الوكالة نقلت في وقت سابق عن المصدر ذاته إنه "في إطار الجهود المستمرة لضبط الحدود السورية - اللبنانية، أطلقت إدارة أمن الحدود حملة موسعة في قرية حاويك الحدودية، بهدف إغلاق منافذ تهريب الأسلحة والممنوعات".
وأضافت "وقعت اشتباكات بين قوات أمن الحدود وعدد من المطلوبين، مما أسفر عن اختطاف عنصرين من قواتنا أثناء قيامهما بواجبهما"، مشيرة إلى "توقيف عدد من المطلوبين المتورطين في عمليات تهريب غير مشروعة" وضبط كميات من الأسلحة و"الممنوعات" في حوزتهم.
استهداف المخدرات
ترفض السلطات الجديدة في سوريا محاولات وضعها في مواجهة العشائر اللبنانية، ويؤكد رئيس قسم في الأمن العام السوري مهند سويدان لـ"اندبندنت عربية" عن "علاقة احترام مع العشائر اللبنانية"، متحدثاً عن مواصلة السلطات عملية فرض الأمن داخل الأراضي السورية ومحاربة تجارة المخدرات ونقل السلاح ومهربي المخدرات.
يقول سويدان "لم نقترب قطعاً باتجاه الأراضي اللبنانية"، مكرراً "تاجر السلاح والمهرب لا يمثل إلا نفسه فهو لا ينتمي إلى عشيرة أو دولة"، إذ "يقوم هؤلاء بتهريب المخدرات إلى سوريا ويهربون السلاح بوجهة معاكسة من سوريا إلى لبنان"، وتمكنت السلطات من إحباط شحنات سلاح عدة مهربة ومخدرات في منطقة ريف القصير، إضافة إلى تهريب أشخاص وشبيحة مطلوبين لمصلحة الدولة السورية.
ويكشف سويدان عن اعتقال خمسة مهربين، وفي المقابل أسر هؤلاء عنصرين من القوات السورية والسيارة الخاصة بهم، لافتاً إلى أن "هناك تواصلاً مع الدولة اللبنانية والجهات الرسمية لإطلاق الأسرى".
ويعقب على ما يشاع عن "تقييد الحدود النظامية السورية في مقابل استمرار المعابر غير الشرعية بالعمل"، وينفي تلك المعلومات "غير الدقيقة والمبالغ فيها"، التي تهدف إلى تشجيع عمليات التهريب، مؤكداً أن "أبواب سوريا مفتوحة أمام المواطنين اللبنانيين كافة من دون وجود أية عقبات من خلال معبر جوسيه والمعابر الرسمية".
بداية مرحلة خطرة
يتوجس لبنانيون من أوضاع المناطق الحدودية بين لبنان وسوريا، ويقرأ العميد المتقاعد عادل مشموشي في مشهد المرحلة المقبلة منطلقاً من السقوط المفاجئ للنظام وواقعة هرب عدد كبير من ضباط وعناصر النظام السابق، و"الأنصار" أي عناصر الميليشيات الرديفة نحو لبنان بسبب عدم وجود بديل آخر، ناهيك بتهريبهم كميات كبيرة من السلاح والذخائر، ويتطرق إلى ازدهار عمليات التهريب على جانبي الحدود بين لبنان وسوريا، متحدثاً عن مجموعات ضالعة بتهريب الأسلحة والمخدرات والسلع المختلفة والمواد الاستهلاكية والمواد الغذائية والطاقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما ينوه إلى عامل آخر شديد التأثير، فالنظام الإيراني لم يستوعب بعد خسارة الساحة السورية، وهو يظن أنه قادر على إرباك النظام الجديد والضغط عليه، وربما إسقاطه بسبب عدم إحكام القبضة على مختلف المناطق السورية، والحفاظ على خطوط إمداد "حزب الله" عبر الخط الساحلي والقرى المجاورة للأراضي اللبنانية.
يتابع مشموشي أن "حزب الله" لم يستكمل انسحابه من سوريا على رغم سقوط النظام، فهو من ناحية أسهم في تهجير بعض المجموعات السكانية وأحل مكانهم مناصرين خلال الفترات السابقة، كما أقام استثمارات في الداخل السوري"، وهو ما أكدته شهادات عائدين لسوريا، إذ تحدثوا إلى "اندبندنت عربية" عن عثورهم على أسلحة وعتاد ومنشورات ورايات داخل منازلهم التي يبدو أن عناصر حزبية قطنتها، ومن هنا يتخوف مشموشي من المستقبل ومن استمرار المناوشات بين أنصار الحزب ومن ضمنهم عشائر، والسلطات الجديدة في سوريا.
ينبه الخبير العسكري إلى ضرورة حسم التحدي الأمني وفرض السلطة الرسمية هيبتها على ضفتي الحدود ومعالجة الأوضاع في البقاع الشمالي وغياب الدولة عن المنطقة، مستبعداً القدرة على قمع عمليات التهريب بالمطلق بسبب وعورة التضاريس الجغرافية، إذ تغلب على المنطقة الأودية والجبال وتداخل القرى وتمدد الحزب داخل الأراضي السورية، فعلى سبيل المثال قام مهربو المازوت بتمديد أنابيب عبر الحدود تحت الأرض، ويقترح تشكيل لجنة من ضباط في الجيش والأمن العام والجمارك وإدارة مكافحة المخدرات في البلدين لمنع توسع نطاق الصدامات.
خريطة متداخلة
تشهد المناطق الحدودية بين لبنان وسوريا تداخلاً اجتماعياً وجغرافياً، إذ تنتشر بعض العائلات والعشائر على حافتي الحدود، كما توجد مجموعة من القرى اللبنانية واقعة داخل الأراضي السورية، وتواصلت "اندبندنت عربية" مع وجهاء في محاولة لرسم خريطة للمناطق المتداخلة بين لبنان وسوريا، بدءاً من حاويك الواقعة ضمن الحدود السورية في محازاة أكروم وجزء ضمن الأراضي اللبنانية، وينقسم سكانها بين عائلات لبنانية وسورية تقطنها عائلات الجمل وزعيتر ونون وعشائر أخرى، فيما يتحدث أحد المطلعين على الأوضاع في حاويك عن أن "أبو جبريل نون مسؤول ’حزب الله‘ الذي أدار المعارك في المناطق الحدودية هو من حاويك"، مما يعطي البلدة رمزية بفعل الحضور الحزبي البارز بين سكانها اللبنانيين، ومن ثم تأتي بلدة جرماش التي تقطنها عشيرة آل جعفر، وتنقسم بين جزء لبناني في البقاع وجزء آخر في الداخل السوري، ثم تأتي قرية هيت القريبة من أكروم، وتقطنها عائلات من وادي خالد، و90 في المئة من سكانها من اللبنانيين.
أما البويت فهي قرية داخل سوريا وسكانها من أهالي وادي خالد، وتليها قرية أم حارتين الملاصقة لقرية الكنيسة اللبنانية، ويتوزع سكانها بين العلويين والسنة وتبعد 200 متر جنوب الكنيسة، تليها قرية الناعم الواقعة إلى جانب الكنيسة من جهة الشرق، وتسكنها عائلات من الطائفة العلوية، ومن ثم تأتي قرية ذبين شرق الكنيسة وسكانها من الطائفة العلوية، ثم قرية الجوبانية وأهلها من الطائفة العلوية يحملون الجنسية اللبنانية والسورية، وهي متاخمة لقرية قرحا اللبنانية التي يسكنها آل عبيد ممن تعود أصولهم للبقاع.
وتعد قرية لفتايا شرق قرحا إحدى القرى المتداخلة، وفي الاتجاه شمالاً تقع بزنايا التي يسكنها أبناء الطائفة العلوية وتبعد 300 متر عن بلدة حنيدر اللبنانية، قبل الوصول إلى قرية تل فرح التي يسكنها لبنانيون منحدرون من وادي خالد وتبعد نحو 100 متر فقط عن المجدل داخل وادي خالد، وتقع بعدها العويشات التي يغلب على سكانها حاملو الجنسية اللبنانية، وتبعد 100 متر عن العماير التي ينتمي أهلها للطائفة السنية، تليها قريتا مراسي وبعيون اللتان تبعدان 300 متر عن الهيشة في وادي خالد ويسكنها علويون، وصولاً إلى قرية المشيرفة التي تضم سكاناً مختلطين من حاملي الجنسية اللبنانية والسورية، وتتنوع الانتماءات الطائفية لسكانها بين السنة والروم والعلوية، فيما تقع آخر القرى المتداخلة في العريضة الشرقية التي لا تبعد إلا أمتاراً معدودة من بني صخر اللبنانية وسكانها من السنة.
ويؤكد أهالي منطقة وادي خالد وجود معبر شرعي وحيد هو "جسر قمار" في قرية المشيرفة، إضافة إلى عشرات المعابر غير الشرعية التي أسهمت في انسياب الحركة بين البلدين، على رغم تعرض المعابر النظامية لقصف إسرائيلي مستمر خلال الحرب الأخيرة.
ويوضح هؤلاء أن غالبية سكان القرى المتاخمة من اللبنانيين، وأدى تدخل ميليشيات لبنانية في الحرب السورية إلى تهجير بعض الأهالي، لأن "سكان قرى غرب العاصي هم من السوريين وتهجروا إلى وادي خالد، وبعد سقوط النظام عاد هؤلاء لمنازلهم بعد سقوط النظام، ووجدوها سويت في الأرض".