Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إلغاء "ميتا" للرقابة "منفعة" لويكيبيديا وأخواتها... كيف؟

التزام الموسوعة بالتحقق من معلوماتها سيجعلها لاعباً رئيساً في المشهد الرقمي خصوصاً إذا ما أدى القرار إلى زيادة المحتوى المضلل

هناك حاجة إلى تحقيق التوازن بين حرية التعبير ومنع الضرر في المشهد الرقمي (أ ف ب)

ملخص

سيلجأ مستخدمون كثر إلى الموسوعة كمصدر موثوق للمعلومات التي يتم التحقق منها من قبل محرريها المتخصصين والأكاديميين، مما سيرفع عدد مستخدميها ويعزز سمعتها كمورد مرجعي للمحتوى الواقعي، ويمكن أن يدفع ذلك شركة "ميتا" وغيرها إلى إقامة شراكات مع "ويكيبيديا" والمنصات المماثلة لضمان الوصول إلى المعلومات الدقيقة بسهولة.

سرعان ما بدأ النقاش حول العالم بين مرحب ومعترض على قرار الرئيس التنفيذي لشركة "Meta Platforms" مارك زوكربيرغ في يناير (كانون الثاني) الجاري، بإنهاء برنامج التحقق من المعلومات من قبل جهة ثالثة، الذي كان متبعاً على منصات ميتا. وشمل القرار منصات "فيسبوك" و"إنستغرام" و"Threads" في الولايات المتحدة الأميركية. وكان هذا البرنامج يهدف إلى مراجعة المحتوى الكاذب أو المضلل الذي ينشر على منصات وسائل التواصل الاجتماعي التابعة للشركة، والإبلاغ عنه، ثم وضع علامة عليه بعد تصنيفه، من قبل جهات خارجية وشراكات مع منظمات مستقلة.

وقال زوكربيرغ، إن شركته ستلجأ إلى استخدام نظام جديد يسمى "ملاحظات المجتمع" Community Notes، بدلاً من الاعتماد على مدققي الحقائق الخارجيين، ويسمح النظام الجديد المشابه للنظام الذي يستخدمه إيلون ماسك على منصة "إكس" للمستخدمين بالمساهمة والمشاركة في تدقيق وتصنيف ونقد المعلومات المتوافرة مما يساعد في تقييم موثوقيتها من قبل الجمهور نفسه.

انتقادات في وجه الرقابة

اتخذ مارك زوكربيرغ وشركته الأم "ميتا" هذا القرار بسبب تزايد الاتهامات الموجهة إلى الشركة من مجموعات مختلفة، سياسية واجتماعية وثقافية وأيديولوجية وفكرية وفلسفية، بالتحيز في تعديل المحتوى. وكان مسؤولون في الشركة قد أعلنوا سابقاً أن برنامج التحقق من المعلومات الذي تقوم به جهات خارجية كان مكلفاً مالياً ويتطلب كثيراً من العمل المضني للتمكن من فرز المعلومات، والأهم أن المعلومات تخضع في تصنيفها إلى أمزجة المدققين خصوصاً المؤدلجين منهم الذين قد يصنفون المعلومات بالمضللة أو الكاذبة لأنها لا تتناسب مع توجهاتهم الفكرية أو السياسية أو الثقافية.

وهذا يعني أنه لن يتم وضع علامة على المحتوى، تشير إلى أنه "كاذب" أو "مضلل" أو "غير موثوق" أو "صحيح"، بناء على المراجعات التي تجريها الجهات الخارجية المتعاقدة مع الشركة الأم، بل وضع مسؤولية تعديل المحتوى المنشور بين يدي مجتمعها أو الجمهور الذي يعطي للشركة نفسها معنى وجودها ونقله من سلطة الشركة المباشرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان أن أعلن مفكرون وساسة غربيون عن أن الرقابة التي تمارسها وسائل التواصل الاجتماعي على ما ينشره الجمهور أسوأ من الرقابة التي كانت تمارسها الأنظمة السياسية الحكومية، فهي تقوم على قمع وحظر الكلام أو المعلومات التي تعدها غير مقبولة أو ضارة أو حساسة أو غير مريحة في رأيها. وهو ما قد لا يتوافق مع رأي الجمهور أو بعضه. وكان هذا المنع يتم بناء على شعارات فضفاضة مثل حماية الأمن القومي ومنع نشر المعلومات التي قد تهدد سلامة الأمة، أو للحفاظ على النظام الاجتماعي عبر قمع المحتوى الذي قد يحرض على العنف أو الاضطرابات الاجتماعية. وكان هناك مجموعة من الاعتراضات التي تتناول تحديد "المعايير الأخلاقية" والتي بسببها يمنع نشر مواد تعدها الشركة "فاحشة" أو "مسيئة" أو لا تتماشى مع مفاهيم التوافق الاجتماعي العام.

وكان منتقدو الرقابة على وسائل التواصل قد عدوا أن قرارات بعض مدققي الحقائق الذين تتعاقد معهم الشركة الأم تعكس ميولاً سياسية أو أيديولوجية، مما يؤدي إلى قرارات غير عادلة، خصوصاً أن حجم المحتوى الهائل جعل من التحقق الشامل أمراً شبه مستحيل بوجود تسرب حاد في المنشورات من بين الشقوق في السدود الرقابية. ورغم أن برنامج التحقق من المعلومات كان جزءاً من استراتيجية لتحقيق التوازن بين حرية التعبير والحاجة إلى إنشاء بيئة رقمية آمنة فإن هذه القيود هي نفسها مما أسهم في إنهاء البرنامج.

الرأي المضاد

ورغم الترحيب الذي لقيه القرار الجديد بتخفيف الرقابة ووضعها بين سلطات المستخدمين أنفسهم فإن بعض المنتقدين أعربوا عن مخاوفهم من أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى زيادة المعلومات المضللة والمحتوى الضار على منصات "ميتا"، وفي الوقت نفسه استنكرت منظمات التحقق من المعلومات ما يشاع عن كون عملها يعادل عمل الرقابة الكلاسيكية، وبرأيها أن تقييم المعلومات أمر ضروري للخطاب العام، خصوصاً بعد الانتقادات التي تلت الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، بسبب انتشار سريع لمعلومات كاذبة وللدعاية المبطنة لمرشح معين عبر بث معلومات تسمى "نظريات المؤامرة"، التي زعم البعض أنها أثرت في الرأي العام الأميركي ومن ثم على نتائج الانتخابات. وهذا ما أثار نقاشات ظهرت سريعاً في الولايات المتحدة حول التوازن بين حرية التعبير والمسؤولية عن منع انتشار المعلومات المضللة الضارة، وطاول النقاش المعلومات الكاذبة التي قد تنشر حول مواضيع مثل الصحة، على سبيل المثال في مرحلة انتشار فيروس "كوفيد 19"، التي أدت إلى رفض عدد كبير من المواطنين تلقي اللقاح لعدم تصديقهم قصة الفيروس كلها، وهذا ما أدى إلى عواقب وخيمة في العالم الحقيقي.

يرى مراقبون، من وجهة نظر مختلفة عن المعارضين أو المرحبين بالقرار، أن ترك الرقابة بيد الجمهور سيدفع المستخدمين إلى مزيد من التشكك في المعلومات التي يواجهونها، وهذا ما قد يؤدي إلى تحول كل مستخدم إلى رقيب في حد ذاته، وهذا ما سيزيد الاعتماد على المصادر الموثوقة، مثل "ويكيبيديا" وغيرها من المواقع التي تعطي زوارها حق نقد المعلومات الموجودة فيها أو اقتراح تعديلها أو تصحيحها وفقاً لمصادر أكاديمية وجامعية وبحثية وعلمية وموثوق بصحتها في عالم الاتصال وشبكاته.

لكن هناك من يعتقد أن هذا النظام يمكن أن يستغله متدخلون مضللون، ينسلون من بين الجمهور العام. وربما يتمكن ممولون في مواقع إلكترونية من بث معلومات مختلفة في ظل قدرة الجمهور على المشاركة في تقييم المعلومات، وهذا ما سيؤدي في النهاية إلى سيطرة المعلومات التي يبرزها التمويل أو التكثيف في نشرها، فيصبح الأمر برمته كما لو أنه صراع يحسمه الأقوى وجوداً على الشبكات.

قد يصبح تحقيق التوازن بين حرية التعبير والحاجة إلى منع الضرر تحدياً كبيراً في المشهد الرقمي، وقد ترفع الحكومات المركزية أو الشمولية والعسكرية من منسوب التدقيق في ما يرد على منصات التواصل الاجتماعي من قبل مواطنيها. أو بالعكس قد تفرض دول مثل الاتحاد الأوروبي، غرامات عالية على المحتوى الضار، وهذا يعني انقساماً متزايداً بين الرقابة التنظيمية القوية وتلك التي تعتمد على التنظيم الذاتي للمنصة.

ويلخص مهتمون هذا الأمر برمته بأنه في حين يهدف قرار "ميتا" إلى تعزيز حرية التعبير والحد من التحيز، فإن التأثيرات طويلة المدى قد تنشئ بيئة أكثر استقطاباً على الإنترنت، وإلى قيام تحدي ما بين الحكومات والمنافسين والمستخدمين والمجموعات السياسية والأيديولوجية التي ستتمكن من الوصول إلى جمهور أكبر من دون المرور برقابة التحقق من صحة المعلومات.

استفادة "ويكيبيديا"

يقول عاملون في مجال المعلوماتية على شبكة الإنترنت، إن موسوعة "ويكيبيديا" الحرة وغيرها من المواقع المعروفة بموثوقيتها كموسوعات الجامعات المعروفة، ككامبريدج والسوربون أو موسوعة المعارف العالمية أو مواقع المعلومات التقليدية التي كانت موجودة تلفزيونياً أو إذاعياً قبل أن تنتقل إلى شبكة الإنترنت، ستكون المستفيد الأكبر من قرار وقف الرقابة المسبقة على المعلومات.

وستستفيد "ويكيبيديا" بصورة غير مباشرة من قرار "ميتا" لأنه مع انتشار المعلومات المضللة المحتملة على منصات التواصل الاجتماعي، سيلجأ مستخدمون كثر إلى الموسوعة كمصدر موثوق للمعلومات التي يتم التحقق منها من قبل محرريها المتخصصين والأكاديميين، مما سيرفع عدد مستخدميها ويعزز سمعتها كمورد مرجعي للمحتوى الواقعي، ويمكن أن يدفع ذلك شركة "ميتا" وغيرها إلى إقامة شراكات مع "ويكيبيديا" والمنصات المماثلة لضمان الوصول إلى المعلومات الدقيقة بسهولة.

وقد تؤدي هذه العملية إلى تضخم محتوى هذه المواقع الموثوقة بسبب تدفق المحررين إليها وارتفاع عدد مساهمات ذات المحتوى الجيد، فبطبيعة الحال سيؤدي قرار وقف الرقابة المسبقة إلى بحث الجمهور عن بدائل صارمة في معايير التحرير الحقيقية، والتزام "ويكيبيديا" بالحياد والتحقق من معلوماتها سيجعلها لاعباً رئيساً في المشهد الرقمي وفي توفير معلومات مجانية ودقيقة مع انخفاض تعديل المحتوى والرقابة عليه خصوصاً إذا ما أدى هذا القرار إلى زيادة في المعلومات المضللة.

اقرأ المزيد

المزيد من علوم