من شأن خطة بوريس جونسون القاضية بانسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي بنهاية الشهر الحالي أن تفرض خطيّن حدوديّين جديدين على إيرلندا الشمالية وهو ما يرعب التجار المحليين.
فالاقتراح البريطاني باستبدال الحدود الحالية، أو شبكة الامان، المثيرة للجدل والذي عُرض أمام الاتحاد الأوروبي يوم الأربعاء سيترجم عبر إقامة حواجز جمركية على التجارة بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا بالإضافة إلى نقاط تفتيش حدودية على طول البحر الإيرلندي.
وفيما حذّر رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، رئيس الوزراء البريطاني، من وجود "بعض الإشكاليات" في اقتراحه، إعتبر رئيس الفريق المكلّف بتنسيق شؤون بريكست في البرلمان الأوروبي غاي فيرهوفشتات إنه "غير إيجابي إطلاقاً" ولم يوفّر الضمانات الضرورية لإيرلندا.
لكن يونكر رحّب أيضاً "بالتقدم الإيجابي" في مجالات مثل توافق القواعد الرقابية بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا وفرض الرقابة على السلع الآتية من البر البريطاني. وفي اتصال هاتفي مع جونسون، قال إن المفوضية ستدرس النص القانوني الذي قدّمته بريطانيا "بموضوعية وحسب معاييرنا المعروفة".
ومن جهته، قال جونسون للرئيس إن خطّته "تسوية عادلة ومنطقية" محذراً من أن فشل الطرفين في التوصل لاتفاق سيمثل "فشلاً في إدارة شؤون الحكم نتحمّل كلنا مسؤوليته".
,تعتقد رئاسة الوزراء البريطانية أنها ستتأكد بحلول يوم السبت من احتمال التوصل إلى صفقة بريكست نظامية. وفي حال عدم إمكانية حصول ذلك، سيواجه جونسون خيار مواصلة ما تعهد به، أي "الذهاب حتى النهاية" والانسحاب من دون اتفاق من الاتحاد الأوروبي في 31 أكتوبر (تشرين الأول) أو طلب تمديد المهلة من بروكسيل.
وناقش رئيس الوزراء البريطاني الخطط في اتصال هاتفي أجراه مع المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، ورئيس الوزراء الإيرلندي، ليو فارادكار، وسوف يترأّس اجتماعاً استثنائياً يوم الخميس قبل أن يدلي هو أو وزير الدولة المكلف بملف بريكست ستيفن باركلي ببيان أمام مجلس العموم.
وقال فارادكار الذي تعتبر موافقته أساسية في أية صفقة إن الاقتراحات "لا تلبي كلياً أهداف شبكة الأمان الحدودية" ولكنه وعد بدراستها بشكل أكبر قبل حديثه مع السيد جونسون الأسبوع المقبل.
وكُشف عن "العرض الأخير" للمملكة المتحدة بعد ساعات من إلقاء جونسون خطابه الافتتاحي أمام مؤتمر حزب المحافظين السنوي حين هاجم البرلمان لرفضه تنفيذ الخروج من الاتحاد الأوروبي ولقي تصفيقاً وتهليلاً إثر تصريحه "نستطيع تنفيذ بريكست وعلينا القيام بذلك وهذا ما سنفعله بالتأكيد".
وقال "لو كان البرلمان برنامجاً من تلفزيون الواقع لكنا جميعنا طُردنا من الغابة الآن. والحقيقة المؤسفة هي أن كلمة الناخبين تؤثر في برنامج الواقع ’أنا شخصية شهيرة‘ أكثر مما تؤثر في مجلس العموم هذا الذي يرفض أن ينفّذ بريكست ويرفض القيام بأي عمل بنّاء ويرفض تنظيم انتخابات".
وكرر تشديده على التنازلات التي قدمتها المملكة المتحدة عبر قبولها بتطبيق قوانين السوق (الأوروبية) الواحدة في إيرلندا الشمالية وفرض الرقابة السلع التي تعبر البحر الإيرلندي في محاولة ظاهرية منه لرمي أي فشل محتمل في التوصل إلى صفقة على تعنت بروكسيل.
ويشمل العرض خططاً تبقى إيرلندا الشمالية بموجبها خاضعة لقوانين الاتحاد الأوروبي على نطاق الجزيرة كاملة ليس في ما يعني الزراعة والسلع الغذائية فحسب بل أيضاً البضائع المصنّعة. ويعطي "قفل ستورمونت" البرلمان والحكومة في بلفاست السلطة من أجل الانسحاب من هذه القوانين في العام 2025 ولكن هذا يعني أن الخطة متوقفة على إعادة العمل بالمؤسسات التي سيعُاد العمل بها بحلول يونيو (حزيران) المقبل.
ووفقاّ لاقتراحات جونسون، على الطرفين الالتزام بتفادي إقامة نقاط تفتيش حدودية لكن كافة البضائع المنتقلة بين الجمهورية الإيرلندية وإيرلندا الشمالية، في ما خلا بعض صغار التجار الحاصلين على إعفاءات، ستخضع للتفتيش الجمركي، إما الكترونياً أو عبر تفحصها مباشرة في موقع التاجر أو في سلسلة التوريد.
وبفضل "صفقة جديدة من أجل شمال إيرلندا" سيضخّ التمويل في البنية التحتية وقطاع الأعمال في المقاطعة إضافة إلى مبلغ المليار جنيه استرليني الذي توفّر نتيجة لدعم الحزب الاتحادي الديمقراطي حكومة تيريزا ماي في العام 2017.
أما الجنيه الاسترليني فتراجع خلال النهار على خلفية القلق من خطة جونسون حول بريكست.
وقالت المجموعة التجارية لمصنّعي إيرلندا الشمالية إن الاقتراح "أسوأ من عدم الاتفاق بالنسبة للشركات في إيرلندا الشمالية".
وأضافت المجموعة أنّ فرض الرسوم الجمركية على التجارة بين الشمال والجنوب سينتج عنه "تدمير" قطاع الزراعة وصناعة الأغذية فيما تنفصل الشركات المجاورة للحدود عن زبائنها وسلسلات توريدها.
ورحّب الحزب الاتحادي الديمقراطي باقتراحات جونسون "باعتبارها أساساً من أجل تواصل العلاقة الجدية والمستدامة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة". ويعتبر نواب الحزب العشرة مهمون جداً لتعزيز أمل رئيس الوزراء الضعيف بالحصول على دعم أغلبية مجلس العموم لخطته.
لكن أعضاء حزب ألستر الوحدوي وصفوا الاقتراحات بأنها "مقلقة للغاية" فيما قالت زعيمة حزب شين فين ماري لو مكدونالد إنها "غير قابلة للتطبيق ولا مقبولة".
ومن جهته، هاجم زعيم حزب العمال، جيريمي كوربين، الخطة واعتبرها "أسوأ من خطة تيريزا ماي" محذراً من أنها ستقود المملكة المتحدة نحو "نظام إزالة الضوابط التنظيمية وتقليص الأسعار" وستقوّض اتفاق الجمعة العظيمة.
وأشار المتحدث بشؤون بريكست في حزب الديمقراطيين الأحرار إلى أن "هذه الاقتراحات تؤكد ما نعرفه بالفعل وهو أن بوريس جونسون لا يملك بديلاً ناجعاً عن شبكة الأمان الحدودية".
"ومن السخيف التفكير في أن حلّ بوريس جونسون كي يضمن عدم ترسيم حدود إيرلندية هو ترسيم حدودين".
وفي رسالة من أربع صفحات موجّهة إلى يونكر، وصف السيد جونسون خطته على أنها "تسوية عادلة ومنطقية" من شأنها توفير الأساس "لمفاوضات سريعة تفضي إلى حلٍّ" يمكّن المملكة المتحدة من الانسحاب بطريقة نظامية في عيد هالوين.
وكتب يونكر أنّ "الحكومة ترغب بالتوصل إلى اتفاق وأنا متأكد أن هذه رغبتنا جميعاً. وسيُعد فشلنا في التوصل إلى اتفاق إخفاقاً في إدارة شؤون الحكم نتحمّل كلنا مسؤوليته. وقد تعامل أسلافنا مع أعتى المشاكل . لا بدّ إذاً أننا نقدر على حل هذه المشكلة".
وتابع يقول "على الطرفين الآن التفكير إذا كانا مستعدين بما فيه الكفاية من أجل المساومة وتخطي المواقف الحالية كي نتوصل إلى اتفاق في الوقت المناسب. نحن على استعداد لهذا وتحمل هذه الرسالة ما هو برأيي تسوية منطقية تفسح المجال أمام المساومة حيث أعتقد أن الصفقة يمكن أن تتضح معالمها".
ولفتت النائب عن حزب العمال، ماري كري، وهي داعمة بارزة لحملة صوت الشعب الداعية إلى استفتاء ثانٍ في مسألة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي إلى أنّ الصفقة التي اقترحها جونسون "تحنث بكل الوعود التي قطعها أمام الناس في حملة الاستفتاء كما بالوعود العظمى التي قطعناها على شعب إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا في اتفاق الجمعة العظيمة".
وأضافت أنه بدلاً عن التجارة "من دون قيود" التي وعد بها خلال حملة التصويت من أجل الانسحاب في العام 2016، يعرض السيد جونسون "إقامة حواجز جمركية في إيرلندا وفي الموانئ حول المملكة المتحدة".
وتابعت إن رفض رئيس الوزراء تطبيق سياسة تضع الجميع على قدم المساواة في مجال التنظيم القانوني سيجعل من المملكة المتحدة "مكان تنزيلات في أوروبا حيث يقبض العمال أسوأ الرواتب ويعتمدون على قوانين الحد الأدنى للأجور فيما يدفع الأثرياء أقل الضرائب فيتحول البلد من جديد إلى الرجل السيء في أوروبا حيث يرمي الملوثون المحليون والخارجيون مخلّفاتهم".
© The Independent