ملخص
في الماضي، كنا نقلق من فرط استهلاك الأطفال للكثير من الحلويات وما يصاحب ذلك من إدمان على السكر - وما زال هذا الهاجس حاضراً - لكن هذا المستطيل الصغير يتسبب بإدمان أكبر بكثير
شعرت ببعض الارتياح في الفترة الأخيرة. بعد مدة بدت لي طويلة، بدأ البالغون بالوقوف في وجه هيمنة الهواتف الذكية والتأثير السلبي الذي تسببه للأطفال الصغار.
في منطقة هيرتفوردشير، حيث أسكن، وقّع مئات أولياء الأمور على "ميثاق الآباء"، وهو جزء من حملة "طفولة خالية من الهواتف الذكية"، يتعهدون بموجبه بعدم شراء هاتف ذكي لأطفالهم قبل بلوغهم سن الرابعة عشر. واليوم، أرسل ناشطون رسالة مفتوحة لوزيرة التربية بريدجيت فيليبسون يحثونها فيها على اتخاذ إجراءات وتقييد استخدام الهواتف الذكية في المدارس.
في وقت سابق من العام الحالي، كشفت دراسة أجرتها هيئة تنظيم الاتصالات البريطانية "أوفكوم" Ofcom أن 25 في المئة من الأطفال بين الثالثة والرابعة من العمر يمتلكون هاتفاً ذكياً وأن 50 في المئة من الأطفال تحت سن الثالثة عشر لديهم حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي. واليوم فقط، رفعت أكثر من عشر ولايات أميركية، إضافة إلى مقاطعة كولومبيا، دعوى قضائية على "تيك توك"، متهمة إياها بأنها تسبب "تأثيرات سلبية في الصحة النفسية للمستخدمين".
هل من العجب بأن الأطفال يستهلون العام الدراسي وهم يحاولون التمرير على صفحات الكتب كما يفعلون على الشاشات، أو أن تعلمهم منصات التواصل الاجتماعي كلمات جديدة بدلاً من القاموس؟ أهلاً بكلمة "ميونغ" mewing [تقنية وضع اللسان بطريقة معينة داخل الفم بهدف تحسين مظهر الوجه والفك بمرور الوقت].
لم أسمح لأولادي باقتناء هاتف ذكي قبل أن ينتقلوا إلى مرحلة الدراسة الثانوية- على رغم أن عديداً من زملائهم في الفصل كانوا يمتلكونه في المرحلة الابتدائية. بالنسبة إلى ولديّ، كان ذلك في عمر الثالثة عشر بينما كانت ابنتي بعمر الحادية عشرة. والفارق الذي رأيته في اقتناء هاتف في وقت أبكر كان ملموساً.
تحمّل الابن البكر، كما يحدث عادة، قيوداً أكثر صرامة. في البداية، لم نعطه هاتفاً ذكياً، بل هاتفاً بسيطاً. ومع الوقت، أدركنا أن هذا يعني العزلة الاجتماعية والإحباط بسبب صعوبة استخدامه للرد على الرسائل والطريقة القديمة التي تتطلب الضغط على أزرار الأرقام للرد بـ"نعم" أو "لا"، أعطيناه أحد هواتفنا الذكية المستعملة عند ترقية هواتفنا بشكل مجاني.
لم يمتلك أبناؤنا أي هواتف جديدة. بل اقتنوا هواتفنا القديمة التي تلبي حاجاتهم على رغم مشكلات البطارية. هم يعلمون أن امتلاك أحدث إصدارات الهواتف قد يجعلهم عرضة للسرقة.
من اللافت أن ترى المدارس وهي تتولى زمام الأمور. طرحت مدرسة ابني أخيراً حافظة "يوندر" لقفل الهواتف. في بداية اليوم الدراسي، يضع كل التلاميذ من الصف الأول حتى الخامس هواتفهم في الحافظة ويقفلونها باستخدام القواعد الموجودة في المدارس. ويعودون في نهاية اليوم لكي يفتحوها.
وهذا يعني كذلك بأن طلاب الصف الخامس الذين يخرجون من حرم المدرسة خلال ساعة الغداء لتناول الطعام عليهم الدفع إما نقداً أو ببطاقة بنكية. يعتقد ابني، الذي بالكاد نجا من هذا الإجراء لأنه في الصف السادس، أن ما يجري قاس بعض الشيء. صحيح أنه إجراء شديد جداً ويضيف إلى مهام الموظفين، لكن هذا يوفر على المدرسين عبء التعامل مع انشغال الطلاب بالهواتف خلال الدروس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الأبحاث أظهرت أن هذا النظام زاد من تفاعل الطلاب ورفع مستوى التحصيل الأكاديمي والتفاعل الاجتماعي الحقيقي في أوقات الاستراحة. باعتبارنا أولياء أمور، ندفع نحو 25 جنيهاً استرلينياً مقابل الحافظة، وإن كنا لا نرغب بشراء واحدة، فمن غير المسموح بتاتاً إحضار الهواتف إلى المدرسة. وإن اضطر الآباء إلى الاتصال بأبنائهم، يمكنهم أن يتركوا لهم رسالة عند مكتب الاستقبال كما في الماضي. بالنسبة لي، هذا يمنح الأطفال فرصة للراحة من الرسائل المزعجة أو القلق المستمر من الأهل.
تشترط مدرسة ابنتي على الطلاب أن يغلقوا هواتفهم ويضعوها داخل خزاناتهم خلال اليوم الدراسي، على رغم شكوكي بأن البعض يتفحصها خلسة خلال الفسحات والغداء.
أعجبتني جدية تعامل المدارس مع هذا الموضوع، لكن من دون تعاون الأهل، فإن الجهود تبقى غير كافية. يبدو أن المدارس تتحمل عبئاً متزايداً من سحب الهواتف إلى دعوة خبراء للحديث عن الإباحية ووسائل التواصل، بينما نحن الأهل نتجنب النقاشات الصعبة أو الصدام مع أبنائنا.
ليس الأمر سهلاً. لدي العديد من الأصدقاء الذين واجهوا غضباً غير مسبوق من أبنائهم عندما حاولوا فرض قيود على استخدام الهواتف.
في منزلي، أنا أمنع شخصياً استخدام الهاتف حول المائدة أو في المطاعم، أو أثناء وجود ضيوف. لكن كيف يمكننا وضع حدود لأبنائنا عندما نعاني لفرضها على أنفسنا؟
في إحدى الأمسيات، دخلت ابنتي البالغة من العمر 14 سنة غرفة نومي. فقلت لها وأنا في السرير وأمسك بهاتفي "تذكري أن تضعي هاتفك في الطابق السفلي قبل أن تخلدي إلى النوم". لم تفُتني ملاحظة نفاقي الهائل عندها.
في الماضي، كنا نقلق من فرط استهلاك الأطفال للكثير من الحلويات وما يصاحب ذلك من إدمان على السكر (وما زال هذا الهاجس حاضراً) لكن هذا المستطيل الصغير يتسبب بإدمان أكبر بكثير، حيث يمنحهم دفعات مستمرة من الدوبامين.
خلال الجائحة، أصبح الاعتماد على التكنولوجيا ضرورة، حتى أن العديد من البالغين اعترفوا بصعوبة العودة للتفاعل الشخصي مرة أخرى. على الأقل، كنا قد تعلمنا تلك المهارات عندما كنا أطفالاً. لكن العديد من الأطفال لم يحظوا حتى بفرصة البداية.
أرى بنفسي أطفالاً غير قادرين على النظر في عينيك أو إجراء محادثة بسيطة. أصبح من الشائع أن يرسل الأصدقاء رسائل نصية عند وصولهم إلى المنزل بدلاً من قرع الجرس والتفاعل مع أحد البالغين. وقد أصابني الذهول عندما اقترحت على أحد أبنائي أن يتصل بمدرب القيادة لتحديد موعد وقال: "ماذا؟ أتصل بهم؟".
كبالغين، نحن أسرى هواتفنا الذكية بالقدر نفسه - لكن عقولنا على الأقل تسنّت لها فرصة التطور والنمو قبل أن تصل إلينا.
لا يقع اللوم على الأطفال، على رغم أننا نتذمر ونشتكي من ذلك. لقد فعلنا هذا بهم وعلينا مساعدتهم للخروج من هذا الوضع. الأبوة ليست مجرد اسم؛ إنها أيضاً فعل.
© The Independent