ملخص
تصل أكثر من 98 في المئة من واردات إسرائيل من طريق البحر
من الصعب حساب حجم الخسائر التي منيت بها التجارة الإسرائيلية نتيجة الحرب على غزة التي تقارب العام الآن بدقة، لكن هناك مؤشرات إلى تضرر الملاحة البحرية، في الأقل لفترات قصيرة بالنسبة إلى الموانئ الكبرى مثل حيفا وأشدود على البحر المتوسط، أما الموانئ الأصغر مثل ميناء إيلات على خليج العقبة فتوقف عن العمل تقريباً مع هجمات الحوثيين في اليمن على الملاحة عبر باب المندب والبحر الأحمر.
حتى ما قبل بدء الحرب على غزة مطلع أكتوبر (تشرين الأول) 2023، بلغ إجمال الواردات الإسرائيلية من السلع 17.5 مليار شيكل (4.7 مليار دولار)، تأتي نسبة 49 في المئة من الواردات من دول أوروبية ونسبة 25 في المئة من دول آسيوية، مقابل نسبة 20 في المئة من صادرات السلع الإسرائيلية كانت لآسيا.
وبحسب تقديرات تقرير لوزارة الزراعة الأميركية قبل عامين، تعتمد إسرائيل بصورة شبه حصرية على الواردات لاستهلاكها من السكر والزيوت النباتية والبذور الزيتية والأعلاف والحبوب وغيرها من المواد الخام اللازمة للصناعة الغذائية، وتعتمد صناعة اللحوم على استيراد الحيوانات الحية، وتستورد ما يقارب ثلاثة أضعاف ما تصدره من المنتجات الغذائية والزراعية، وتنتقل هذه البضائع عبر موانئ أشدود وحيفا بصورة رئيسة، بينما يركز ميناء عسقلان على البحر المتوسط على نقل النفط والمشتقات، في حين يعمل ميناء إيلات في أكثر من تجارة، لكنه في الغالب ميناء استيراد السيارات من دول آسيا.
أهمية الموانئ
ويعتمد الاقتصاد الإسرائيلي بصورة كبيرة على التجارة البحرية، إذ يصل أكثر من 98 في المئة من واردات إسرائيل من طريق البحر، النسبة الكبرى منها عبر موانئ على البحر المتوسط ونسبة 40 في المئة منها من خلال البحر الأحمر عبر قناة السويس، بينما يمثل ميناء إيلات نسبة خمسة في المئة فقط من التجارة البحرية الإسرائيلية.
ومنذ بداية الحرب، وتحسباً لاحتمال وصول النيران إلى ميناء عسقلان القريب من حدود قطاع غزة ولأنه ميناء للنفط والغاز بصورة رئيسة، عطلت إسرائيل عمداً العمل في الميناء لفترات، علاوة على أن الناقلات والسفن التابعة لشركات أجنبية لجأت إلى تفادي عسقلان وأشدود وتحويل وجهة سفنها إلى ميناء حيفا الكبير في الشمال.
ونتيجة لتحويل السفن وجهتها، أصبح ميناء حيفا يعاني التكدس أحياناً، بخاصة كلما انطلقت صواريخ من غزة تجاه أي من الموانئ القريبة مثل عسقلان وأشدود.
وفي الأسابيع الأولى للحرب العام الماضي كانت السفن تنتظر مدة أطول ربما بأسبوعين للدخول إلى ميناء حيفا مما يعني تأخيراً في تسليم السلع والبضائع يكلف مستخدمي الشحن البحري كثيراً.
في منتصف الشهر الأول للحرب حولت شركة النقل والشحن البحري التايوانية "إيفر غرين" وجهة سفينة تابعة لها من ميناء أشدود إلى ميناء حيفا، وكانت تلك أول سفينة تحول وجهتها هكذا بسبب الحرب، إذ بررت الشركة الخطوة بأنها نتيجة "استمرار الوضع غير الآمن".
وتكررت بعدها عمليات تحويل السفن إلى حيفا حتى إن طوابير الانتظار كانت أحياناً تستطيل لتبلغ عشرات السفن الواقفة بانتظار دخول الميناء.
إفلاس إيلات
إضافة إلى أخطار تعرض الموانئ القريبة من قطاع غزة أو تلك المستهدفة من الحوثيين في اليمن، عانى القطاع أيضاً مثل قطاعات أخرى في الاقتصاد الإسرائيلي ضغط نقص العمالة مع استدعاء مئات الآلاف من جنود الاحتياط بعضهم يعمل في قطاعات اقتصادية مختلفة.
وقدرت بعض التقارير الإعلامية الإسرائيلية أن ميناء أشدود شهد نقصاً في العمالة نتيجة استدعاء نسبة 10 في المئة من العاملين فيه.
ويظل ميناء إيلات في الجنوب الأكثر تضرراً من الحرب، بخاصة بعد تصاعد هجمات الحوثيين على الملاحة في البحر الحمر، واستهداف مدينة إيلات بصواريخ ومسيرات الحوثي وربما أيضاً من جماعات موالية لإيران في العراق.
ومع أن تلك الهجمات لم تسبب خسائر مباشرة تذكر، بل إن بعض مقذوفات الحوثيين سقطت في سيناء المصرية المجاورة، إلا أن استمرار الهجمات ومخاوف السفن من الاتجاه إلى إيلات أديا إلى تحويل أكثر من 80 في المئة من نشاط الميناء إلى موانئ الشمال.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقللت إسرائيل من أهمية توقف ميناء إيلات شبه الكامل، لكن المسؤولين المحليين في المدينة أعلنوا في يوليو (تموز) هذا العام عن شبه "شلل تام" في المدينة التي تعتمد اقتصادياً بصورة كبيرة على الميناء وأعماله. ونقلت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية قبل شهرين عن الرئيس التنفيذي لميناء إيلات جدعون غولبر قوله إن "العمل في الميناء توقف كلياً لعجز السفن عن الوصول إليه بسبب هجمات الحوثيين في البحر الأحمر".
وأضاف أنه جرى إغلاق الميناء منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 "بسبب الأزمة المستمرة في البحر الأحمر، وانتقلت نشاطاته إلى ميناءي أشدود وحيفا، وسرح عدد كبير من العمال، بل إن بعض التقارير تحدثت عن إفلاس إيلات".
الشمال والبدائل
نجحت إسرائيل إلى حد كبير في تفادي الضرر المؤثر بشدة نتيجة أزمة الموانئ، جزئياً عبر زيادة تشغيل موانئ الشمال مثل حيفا وأيضاً عبر زيادة الشحن البري للسلع والبضائع. وعلى رغم الأخطار والتعقيدات التي تواجه الشحن البري، وأيضاً زيادة الكلفة واحتمالات التأخير، فإن ذلك ساعد على تخفيف تبعات تعطل الموانئ، بينما تظل الكلفة المالية نتيجة أزمة الموانئ مكوناً مهماً من عبء كلفة الحرب بصورة عامة، بخاصة أن بعض خطوط الملاحة التي تتعامل مع الموانئ الإسرائيلية اضطرت إلى استخدام طريق رئيس الرجاء الصالح بديلاً عن باب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس.
وضاعف ذلك من المدة الزمنية لرحلاتها، فضلاً عن زيادة كلفة الوقود، وأيضاً علاوة التأمين ضد الأخطار التي زادت في بعض الحالات بنسبة أكثر من 250 في المئة.
ويخشى الآن من احتمال توسع الحرب إلى جبهة الشمال مع لبنان، إذ إن ذلك يزيد الأخطار على ميناء حيفا الذي أصبح الميناء الأهم بالنسبة إلى التجارة البحرية الإسرائيلية.
صحيح أنه في ظل التراشق المستمر بين إسرائيل و"حزب الله" لم يستهدف الميناء بالنيران، لكن ذلك لن يكون مضموناً في حال اتساع الحرب وشن إسرائيل هجوماً على لبنان.