ملخص
خلص التقييم إلى أن الاختيارات السياسية وضغوط الإنفاق المستقبلية تضع المالية العامة للبلاد على مسار غير مستدام
حذر مكتب مسؤولية الموازنة البريطانية (هيئة الرقابة المستقلة على المالية العامة) من أن مستويات الدين العام البريطاني قد تصل إلى 300 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في غضون العقود القليلة المقبلة، أي تتضاعف ثلاث مرات عن مستوياتها الحالية.
وأشار المكتب في تقييم حديث له نشرته وسائل الإعلام أمس الجمعة إلى أن من أهم التحديات أمام الحكومات مسألة التغير المناخي وزيادة نسبة كبار السن ما بين السكان.
وخلص التقييم إلى أن الاختيارات السياسية وضغوط الإنفاق المستقبلية تضع المالية العامة للبلاد على مسار غير مستدام.
وجاء نشر التقرير قبل أول موازنة ستعلنها وزيرة الخزانة في الحكومة العمالية الجديدة راتشيل ريفز بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وهي الموازنة التي يتوقع أن تتضمن زيادة في الضرائب وخفضاً في الإنفاق العام لتوفير ما يصل إلى 20 مليار جنيه استرليني (26.25 مليار دولار).
وكانت ريفز اتهمت حكومة حزب المحافظين السابقة بأنها تركت عجزاً خفياً في الموازنة يصل إلى 22 مليار جنيه استرليني (28.87 مليار دولار)، في المقابل نفى وزير الخزانة السابق جيريمي هنت ذلك، متهماً حكومة العمال بالبحث عن ذريعة لزيادة الضرائب على المواطنين.
لكن تقييم مكتب مسؤولية الموازنة رسم صورة قاتمة تفرض على الحكومات، أياً كانت محافظة أو عمالية، ضرورة اتخاذ إجراءات قاسية لتفادي وصول مستويات الدين العام إلى الحد غير المستقر.
تضاعف المديونية وتفاقم العجز
يصل حجم الدين العام البريطاني حالياً إلى ما يقارب حجم الاقتصاد (نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 98 في المئة).
ومع أنه يظل أقل في مداه عن نظيره في الولايات المتحدة، إذ تصل نسبة الدين العام إلى الناتج المحلى الإجمالي عند 120 في المئة في واشنطن، إلا أن الاقتصاد الأميركي قوي ومرن بما يكفي لتحمل ذلك.
أما الاقتصاد البريطاني فقد شهد تضاعف الدين العام لثلاثة أضعاف منذ الأزمة المالية العالمية في 2009 ليصل إلى 2.5 تريليون جنيه استرليني (3.28 تريليون دولار).
وتوقع تقرير مكتب مراقبة الموازنة أنه على مدى الـ50 عاماً المقبلة ارتفع الإنفاق العام من 45 في المئة إلى 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما تظل العائدات للخزانة العامة عند 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ونتيجة لذلك سيرتفع حجم الدين العام لتصل نسبته للناتج المحلي الإجمالي إلى 274 في المئة بحلول نهاية العقد المقبل فحسب، بحسب السيناريو الأساس لمكتب مراقبة الموازنة، بحسب ما نقلت صحيفة الـ"تايمز".
في الأثناء، لا يتضمن السيناريو الأساس لتوقعات المكتب أزمات هائلة مفاجئة، كما حدث مع الأزمة المالية العالمية وتدخل الحكومة لإنقاذ بنوك كبرى بأموال عامة أو ما حدث خلال أزمة وباء كورونا من تقديم المليارات للأعمال والناس لمواجهة إغلاق الاقتصاد للحد من انتشار الوباء، ومن شأن أزمة واحدة مفاجئة أن ترفع حجم المديونية لتزيد نسبتها على 300 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وتظل المشكلة بالنسبة إلى الحكومة الحالية والحكومات التالية أن معدلات الإنفاق العام، لتمويل الخدمات الأساس والاستثمار فيها، ستنمو بقوة مع شبه ثبات معدلات العائدات (دخل الدولة) أو حتى تراجعها في بعض الجوانب.
المناخ والهجرة
في غضون ذلك، التقطت المنافذ الإعلامية القريبة من حزب المحافظين المعارض الإعلان عن تقييم مكتب مسؤولية الموازنة لتحذر المواطنين بأنهم سيواجهون زيادة الضرائب عليهم بمقدار 40 مليار جنيه استرليني (52.49 مليار دولار) أو خفض الإنفاق العام على الخدمات العامة بالقدر ذاته كل 10 سنوات.
وركزت تغطية الـ"ديلي تليغراف" على ما ذكره رئيس مكتب مسؤولية الموازنة ريتشارد هيوز من أن زيادة نسبة المتقاعدين كبار السن في المجتمع ستشكل ضغطاً على عائدات الخزانة العامة وعلى النفقات على الخدمات بما فيها الخدمات الصحية للمواطنين. هذا إضافة إلى أن التزام الحكومة سياسة "صفر انبعاثات" بحلول عام 2050 سيعني تراجعاً كبيراً في عائدات الخزانة من اختفاء الرسوم على الوقود، في وقت تستثمر فيه الحكومة في قطاعات الطاقة المتجددة، وذلك إضافة إلى ارتفاع الإنفاق العام على معاشات التقاعد مع زيادة عدد كبار السن بين السكان.
وبغض النظر عن السياسات التي يمكن أن تتبعها الحكومة الحالية والحكومات المستقبلية في العقدين المقبلين فإن التحديات بالنسبة إلى المديونية والعجز هائلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونقلت الـ"تايمز" عن عضو لجنة مكتب مسؤولية الموازنة ديفيد مايلز قوله إن معدلات اقتراض الحكومة المتوقعة في سيناريو المكتب "غير قابلة للاستدامة وستؤدي إلى انفجار في مرحلة ما"، مضيفاً "لا يمكن أن نتوقع استمرار بقية العالم في شراء الدين السيادي البريطاني الذي يرتفع بمعدلات متسارعة بهذه الصورة، لذا فمشكلة السيناريو الأساس لتوقعاتنا هي أنه غير واقعي وسيصل إلى نقطة انفجار في وقت ما، حين يصبح الناس غير مستعدين لشراء الدين".
بالنسبة إلى تحدي التغيرات المناخية، فمع انتشار استخدام السيارات الكهربائية ستنخفض عائدات الخزانة من الرسوم والضرائب على الوقود من واحد في المئة من الناتج المحلي الإجمالي حالياً إلى 0.1 في المئة فحسب.
ومن شأن ذلك أن يزيد من حجم الدين العام بنسبة 20 في المئة في الأقل، حتى لو توسعت الحكومة في فرض "ضريبة كربون شاملة" لتعويض الفاقد من رسوم وضرائب الوقود.
مشكلة الإنتاجية
ويفترض سيناريو تقييم المكتب أن التغيرات الديموغرافية هي التحدي الثاني الأهم بعد كلفة مكافحة التغيرات المناخية، لكنه يفترض أن زيادة عدد كبار السن المتقاعدين ستعوضها الزيادة في أعداد المهاجرين في سوق العمل، الذين يمكن أن يرفعوا من عائدات الخزانة من الضرائب من ناحية وتنشيط الإنفاق الاستهلاكي من ناحية أخرى، ويعد الإنفاق الاستهلاكي المكون الأكبر في معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي.
إلا أن التحدي الخطر هو في زيادة إنتاجية العاملين التي يتراجع نموها في بريطانيا وفي معظم الاقتصادات الرأسمالية بوتيرة ملحوظة في السنوات الأخيرة، ويقدر سيناريو توقعات المكتب أن زيادة معدلات الإنتاجية بنسبة 0.1 في المئة فقط على مدى العقد المقبل يمكن أن تخفض حجم الدين العام 25 في المئة.
وأشار التقرير إلى أن "الزيادة في النمو نقطة مئوية كاملة (واحد في المئة)، وهو ما يعادل العودة إلى معدلات نمو الإنتاجية لمستويات ما قبل الأزمة المالية العالمية، يمكن أن يجعل الدين العام يظل تحت سقف نسبة 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي". لكن معدلات نمو الإنتاجية في بريطانيا لم تزد على 0.5 في المئة في المتوسط في الـ15 سنة الأخيرة، بينما كانت في الفترة من ستينيات القرن الماضي وحتى الأزمة المالية العالمية في 2008 تنمو بمعدل اثنين في المئة تقريباً في المتوسط.
وإذا ظلت معدلات نمو الإنتاجية منخفضة بتلك الصورة أو انخفضت أكثر، ولم تتخذ الحكومات ما يكفي من السياسات للحد من الاقتراض والعجز، يمكن أن ينفجر الدين العام إلى 600 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2070 بحسب سيناريوهات مكتب مراقبة الموازنة.