صنف خبراء "يونيسكو" فوهة "الوعبة" السعودية المعروفة شعبياً بـ"مقلع طميه "، ضمن لائحة أجمل 100 معلم جيولوجي في العالم، على هامش فعاليات المؤتمر الجيولوجي الدولي المقام أخيراً في بوسان الكورية، وذلك وفقاً لما أفادت به هيئة المساحة الجيولوجية السعودية.
وتقع الفوهة في حرة كشب على بعد نحو 270 كيلومتراً شمال شرقي مدينة جدة جيولوجياً، وتعد وفق المعلومات المتداولة عن المصادر الجيولوجية السعودية واحدة من أكبر براكين الجافة في العالم، وهي جزء من حقل بركاني أحادي المنشأ يضم 175 بركاناً صغيراً، وتتراوح أعمارها بين مليونين إلى بضع مئات الآلاف من السنين، وتغطي مساحة تقدر بنحو 6 آلاف كيلومتر مربع.
وشهد الموقع تحسيناً وتطويراً يستقطب الباحثين في علم الجيولوجيا والتاريخ، ويحتضن عدداً من مرافق الخدمات العامة التي شيدت بمعايير صديقة للبيئة، وهي عبارة عن مركز للزوار وصالة عرض رقمية ومطلات طبقت فيها الهوية التاريخية للموقع. وكانت "يونيسكو" سجلت قبل نحو شهر من الآن "المنظر الثقافي لمنطقة الفاو الأثرية" الواقعة جنوب شرقي العاصمة الرياض، على قائمة التراث العالمي بوصفه موقعاً ثقافياً يمتلك قيمة عالمية استثنائية للتراث الإنساني، من أصل ثمانية مواقع سعودية مصنفة على القائمة العالمية.
من الجيولوجيا إلى الأساطير
لكن "الوعبة"، لا تتوقف عجائبها عند الجانب الجيولوجي، إذ ترتبط في الثقافة الشعبية في السعودية بأساطير صمدت حتى اليوم، وجعلت للفوهة البركانية قيمة ثقافية متداولة ومزاراً للمهتمين، إذ تحكي قصة حب بين جبلين كما تقول الأسطورة، يقوم أحدها بالرحيل على مسافة مئات الكيلومترات للبحث عن الجبل الآخر الذي يعشقه ويتوق إليه.
وتعود أصل الحكاية لقرية أم الدوم قرب مدينة الطائف غرب السعودية، إذ يتداول الناس أسطورة متوارثة، تفيد بأنه في ليلة ظلماء ماطرة لمحت هضبة تدعى "طمية" على ضوء البرق جبلاً آخر يسمى "قطن" من بعيد فوقعت في غرامه، وهنا بدأت أسطورة الحب من النظرة الأولى.
شد الرحال
لم تتردد الهضبة حينها في اتخاذ القرار بشد الرحال نحو الجبل الذي أحبته، فتلمست "طمية" طريقها على ومضات البرق وقطعت الفيافي وعبرت الوديان، تاركة موقعها الأول حفرة عميقة تثير الشجن والارتياب، إذ عرفت بعد ذلك باسم "الوعبة" علمياً، بينما يصر السكان على تسميتها بـ"مقلع طمية"، أي الهوة السحيقة التي خرجت منها "طمية"، التي أصبحت الآن في القصيم.
وتروي المدونات الشعبية والشفوية أن ابن عم "طمية" واسمه "شلمان" عندما رأى ما أقدمت عليه ابنة عمه أخذته الغيرة والحمية فأعاق رحلتها بأن قطع ساقيها، إلا أن الهضبة العاشقة تحاملت على نفسها وطارت مع الرياح حتى سقطت قريبة من محبوبها، حيث منطقة القصيم وسط السعودية الآن، قاطعة نحو 600 كيلومتر بمقاييس هذا الزمان، وأياماً من المسير في الزمن الخالي، على اختلاف بين الرواة في أجزاء الحكاية وأشخاصها.
الطبيعة تعمق الأسطورة
ويقول رئيس جمعية الجيولوجيين السعوديين البروفسيور عبدالعزيز بن لعبون إن جبل "طمية" يتكون من جزئين سفلي وهو الأسمك، وعلوي رسوبي وصخور نارية تكونت منذ مئات السنين، وتعرف جيولوجياً بمتكون "ساق" الذي تترسب صخوره منذ 500 مليون سنة.
ويضيف بن لعبون في حديثه لـ"اندبندنت عربية" أن الحقائق العلمية التي كانت ترجح أن "لون طمية في القصيم يختلف عن لون الجبال التي حولها، إضافة إلى وجود حصى وكسارات صخرية تشبه صخورها، وتمتد كالجرة من الحفرة إلى موقع طمية الحالي (مسير طمية) ووجود نبات الإذخر حولها في القصيم على امتداد مسارها إلى حرة كشب (موقع الوعبة) وحفرتها التي تشير إلى أن هناك جبلاً نزع منها". ولفت إلى أن الموقعين على رغم تباعدهما، لا يمكن ذكر أحدهما من دون الآخر، بالنظر إلى طبيعتهما الجيولوجية، مما قد يكون ساعد الخيال الشعبي في نسج الأسطورة الشهيرة.
وفي لمحة عن تعدد أسمائها أفاد عبدالعزيز بأن تسميتها بـ"مقلع طمية" من الجيولوجيين خطأ فادح يدعمون به الروايات التي آمن بها سكان تلك المنطقة، حتى وصلت هذه التسمية إلى الخرائط الجيولوجية والجغرافية، ومنها خرائط هيئة المساحة لتحل محل التسمية الحقيقية للفوهة، وهي "الوعبة" أو تنافسها.
وأضاف "الأساطيريون لم يكتفوا بأن جعلوا منها مقلعاً لأسطورتهم طمية، بل انتشرت بعض الروايات التي قالت إنها مهبط أو مضرب لنيزك عظيم، ولا يوجد من الدلائل ما يدعم هذه الرواية الأخرى".
أما بالنسبة إلى مسماها "الوعبة" فهو يعود لسعتها واستيعابها وعمقها، وتعتبر ثاني أكبر فوهة بركان في جزيرة العرب بعد فوهة بركان "هرمة" في الحناكية القريبة من المدينة المنورة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مزار سياحي
وتجولت "اندبندنت عربية" حول حافة الفوهة البركانية، إذ تستقطب الوعبة الآن عدداً من الجنسيات لزيارتها، وتعتبر وجهة سياحية شهيرة ومعلماً بارزاً لرحلات الهايكنغ والمغامرات البرية لاكتشاف أعماق الفوهة. وأشار حسن حمدي، المرشد السياحي وقائد "هايكنغ"، إلى رحلته نحو "الوعبة" برفقة علماء أوروبيين "بأن الوصول إلى أعماق الفوهة استغرق 40 دقيقة، وكان هناك مسار محدد يتطلب اللياقة العالية". وأضاف "بينما كنت أتجول على حافة الفوهة البركانية، قام مجموعة من العلماء بأخذ عينة من التربة، إذ أكدوا أنها تظهر تشابهاً كبيراً مع التربة البركانية وتبين أن الطبقة البيضاء الموجودة في وسط الوعبة تعتبر طبقة ملحية رقيقة شكلت نتيجة ترسب مياه الأمطار، وأما الخروج منها فيتطلب جهداً يستغرق ساعة كاملة".
ونفى حمدي بشكل قاطع الروايات حول انقطاع الأكسجين في الفوهة، مؤكداً أن القصص القديمة التي تشير إلى عدم عودة من ينزل إليها لا تمت للواقع بأية صلة.
وكان اختيار الفوهة من قبل لجنة تضم 89 خبيراً عالمياً تحت غطاء "اليونيسكو"، بعد تقييم شامل، إذ تنافس 174 موقعاً مرشحاً من 64 دولة، بينها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وإيطاليا وكندا ونيوزيلندا والصين وأيسلندا ومصر وفنلندا، بالإضافة إلى دول أخرى.