ملخص
بحسب وزارة الصحة السودانية فإن الحالات المصابة بالتهاب العيون وصلت إلى أكثر من 2600 في تسع ولايات، وولاية النيل الأبيض جنوب الخرطوم هي أكثر الأقاليم تأثراً، ثم الشمالية وشمال كردفان.
بين وطأة الأزمات الإنسانية وضعف الرعاية الصحية يعيش سكان مناطق النزاع المسلح في السودان أوضاعاً مأسوية، إذ وجدوا أنفسهم في مواجهة أخرى أشد ضراوة مع الأوبئة الفتاكة، وفي مقدمها الكوليرا والتهاب العين الفيروسي، فضلاً عن الأمراض التي تسببها النفايات الطبية ومخلفات الحرب، مما خلف مئات المصابين وأدى إلى وفاة عشرات.
وتأخذ المعاناة أشكالاً مختلفة من توقف العمل في كثيراً من المستشفيات التي وصلت إلى حد الانهيار، وكذلك فقدان الأدوية المنقذة للحياة، إلى ارتفاع الفاتورة الاستشفائية، وصولاً إلى عجز المرضى عن إجراء الفحوص الطبية بسبب نفاد المدخرات المالية.
التهاب العيون
أثار وباء "التهاب الملتحمة الفيروسي" الذي يصيب العيون حالة من الهلع في السودان مع تزايد حالات الإصابة به يوماً بعد آخر، منذ بدء انتشاره قبل نحو شهر.
وبحسب وزارة الصحة السودانية فإن الحالات المصابة بالتهاب العيون وصلت إلى أكثر من 2600 حالة في تسع ولايات، وأن ولاية النيل الأبيض جنوب الخرطوم هي أكثر الأقاليم تأثراً، ثم الشمالية وشمال كردفان، مؤكدة أن معظم حالات التهاب العيون هي بين النازحين.
فيصل النمير، أحد مواطنين في مدينة الأبيض غرب العاصمة، قال إن "حالات الإصابة بالتهاب ملتحمة العين خلال أسبوع وصلت إلى أكثر من 300، مع وجود مؤشرات إلى تزايد أعداد المرضى بخاصة مع سرعة العدوى والانتشار وندرة الأدوية وغياب الثقافة الصحية لدى كثير من المواطنين".
وأضاف أن "الالتهاب يسبب احمراراً في العيون مترافقاً بألم وحكة، فضلاً عن انتفاخ الأجفان، وتنتشر العدوى عن طريق اللمس والاحتكاك، أما فترة الإصابة فتمتد من أسبوع إلى 10 أيام".
وأوضح النمير أن "هناك نقصاً حاداً في عدد من أصناف الأدوية بالصيدليات خصوصاً قطرات العين والمراهم، مما فاقم معاناة المرضى الذين نفدت مدخراتهم المالية، واضطروا إلى الاستعانة بمحال التداوي بالأعشاب لمواجهة وباء ملتحمة العين".
مخلفات الحرب
وفي الشأن ذاته اعتبر المتخصص في جراحة طب العيون مجدي الحسن أن "وجود مخلفات الحرب في مناطق النزاع المسلح يسبب آثاراً صحية خطرة، لا سيما الانبعاثات السامة الناجمة عن المتفجرات والقصف العشوائي، إذ تؤدي إلى الإصابة بوباء ملتحمة العين الذي يصيب الطبقة الخارجية والسطح الداخلي للجفن، ومع تلوث الهواء تنتشر العدوى بسرعة".
ويخشى الحسن قيام الصيادلة بدور الأطباء ووصف أدوية تفاقم حالة المصابين، بخاصة في ظل غياب الكوادر الصحية وندرة قطرات العين والمراهم في مناطق النزاع المسلح".
وأشار المتخصص في جراحة طب العيون إلى أنه "على رغم انتشار الوباء بسرعة فإن الوقاية منه بسيطة تتطلب الغسيل بالماء والصابون باستمرار وتجنب ملامسة العين بالأيدي، فضلاً عن استخدام القطرات والمراهم".
تفشي الكوليرا
إلى ذلك أثار ظهور حالات إسهال مائي في عدد من المناطق المخاوف من تفشي وباء الكوليرا سريع العدوى في البلاد، وبحسب تقرير وزارة الصحة السودانية الوبائي توفي 17 شخصاً نتيجة الإصابة بالكوليرا من جملة 268 حالة أصيبت بالمرض خلال الأسابيع الماضية، وتأتي هذه التطورات تزامناً مع تدهور الصحة البيئية في مدن سودانية عدة بسبب آثار فصل الخريف وتراكم أطنان القمامة والنفايات.
وشكا سليمان عمار، أحد مواطني مدينة سنجة جنوب الخرطوم، التدهور المريع في الصحة البيئية، بسبب "انتشار برك وتراكمات المياه الراكدة وسط الشوارع والميادين في الأحياء والقرى، واختلاطها بالصرف الصحي في بعض الأماكن، إلى جانب النقص في الأدوية والمحاليل الوريدية والمعينات في المراكز العلاجية".
ونوه عمار إلى أن "حالات الإصابة بالكوليرا والملاريا ارتفعت بصورة ملحوظة، وكذلك بعض الأمراض المعدية المنقولة عبر المياه وانتشار الالتهابات الرئوية وسط الأطفال والكبار، فضلاً عن انعدام الرعاية الصحية".
وتابع المتحدث "في ظل هذه الظروف يتخوف السكان من كثافة انتشار البعوض ليلاً والذباب نهاراً، مما يسهم في تدهور صحة البيئة وسلامة الأغذية والمياه والنظافة العامة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي هذا الصدد يعتقد الطبيب المتخصص في مكافحة الأوبئة نجم الدين عمر أن "الافتقار إلى الوعي الصحي يرفع من نسبة تفشي وباء الكوليرا بدرجة كبيرة، خصوصاً لدى الأطفال وكبار السن الذين يجهلون الأعراض الأولية المصاحبة للإصابة بالإسهال المائي".
وأضاف عمر أن "الوضع ينذر بخطر انتشار الوباء سريع العدوى في المدن ذات الكثافة السكانية العالية ومعسكرات الإيواء وتجمعات النازحين الفارين من ويلات حرب الخرطوم، في وقت يعاني فيه القطاع الصحي انهياراً غير مسبوق أدى إلى توقف المستشفيات وأسهم في نقص الأدوية".
وحذر المتخصص في مكافحة الأوبئة من "تفشي حالات الإسهال ذات الصبغة الوبائية، الناتجة من تردي الصحة البيئية في العاصمة الخرطوم ومدن سودانية عدة".
الإسهال الوبائي
وفي الوقت نفسه أكدت نقابة أطباء السودان أن تفشي الإسهالات المائية بسبب تدهور الوضع البيئي خلال موسم الأمطار، وطالبت الحكومة التحلي بالشفافية في التعامل مع الأزمة، بما في ذلك الكشف عن عدد الحالات المصابة وتوفير الإمدادات الدوائية اللازمة وعلاج المصابين، وكذلك ضمان إمدادات المياه الصالحة للشرب.
وكشفت غرفة طوارئ بحري عن زيادة معدلات الإسهالات المائية، إذ بلغت حالات الإصابة 116 بمنطقة شمال العاصمة، وأشارت إلى أن "مركز صحي الشعبية استقبل 80 حالة إصابة بالإسهالات المائية مطلع أغسطس (آب) الجاري، إلى جانب 36 أخرى وتسع حالات خارج المركز".
وأفادت غرفة طوارئ بحري بأن "أعراض الإسهالات المائية تشمل معاناة المريض إسهالاً حاداً يظهر فجأة تصاحبه حمى خفيفة وهبوط حاد وجفاف في الجسم، كما أن نتائج الفحوص المعملية تشير إلى إصابة الحالات بمرض الدوسنتاريا".
النفايات الطبية
فيما جرفت الأمطار والسيول التي اجتاحت منطقة جنوب الخرطوم مخلفات النفايات الطبية إلى داخل الأحياء، مما يهدد بأزمة صحية نتيجة نقل الجراثيم والأمراض.
وقالت غرفة طوارئ جنوب الحزام إن "العيادات الخاصة في محيط مستشفى بشائر تتخلص من نفاياتها الطبية في مصارف المياه من دون حسيب أو رقيب، مما أدى إلى تلوث المنطقة بعد هطول الأمطار".
وأشارت إلى أن "العاصمة الخرطوم تشهد هذه الأيام أمطاراً غزيرة من دون وجود آلية لتصريف المياه، بسبب دمار البنية التحتية بفعل الحرب".
وأفادت الغرفة بأن "مخلفات الرعاية الصحية تحتوي على كائنات مجهرية قد تكون مضرة، ويمكنها نقل العدوى إلى عامة الناس".
الناشط في مجال البيئة ماهر السيد قال إن "هناك أنواعاً عدة من النفايات الطبية منها المعدية والكيماوية والسامة وتلك التي تتعلق بالأدوية، وهي شديدة الخطورة لاحتوائها على كائنات دقيقة منقولة عبر دماء المصابين بأمراض معدية تنتشر سريعاً أو تنتقل للإنسان عن طريق الحيوانات خصوصاً الكلاب والقطط التي تتغذى على النفايات في فصل الخريف".
ولفت إلى أن "ظروف الحرب في الخرطوم أسهمت في توقف عمل محارق النفايات الطبية بالعاصمة، بالتالي باتت المستشفيات تتخلص منها في مصارف المياه على رغم خواصها الخطرة وآثارها الضارة في البيئة وسلامة السكان، مما يهدد حياة كثيراً من المواطنين في منطقة جنوب الحزام".
ونوه السيد إلى أن "بعض المخلفات الصيدلية يخلص منها في النهر مباشرة، وهي قد تحتوي على مضادات حيوية وأدوية سامة لعلاج الأورام".
سموم الذهب
في غصون ذلك حذر أطباء ومهتمون في مجال البيئة من وصول مخلفات التعدين المنتشرة بكثافة في الولاية الشمالية إلى مصادر مياه الشرب، بعد أن جرفت السيول تلك المواد السامة مع مخلفات التعدين إلى داخل مدن الولاية، مما يهدد بكارثة صحية بتلوث المياه الجوفية والأشجار ومياه نهر النيل.
المتخصص في العلوم البيئية وائل مسعود قال إن "التعدين بالمواد الكيماوية يسبب 106 أمراض، أخطرها السرطان والكبد الوبائي، بالتالي فإن السيول التي تعبر الأودية والسهول تأتي محملة بكميات كبيرة من الزئبق والسيانيد، مما ينذر بكارثة بيئية كبيرة".
وأضاف أن "هناك حالات نفوق للحيوانات عند مساقط السيول القادمة من مناطق التعدين الأهلي وللأسماك قرب النيل، وهي مؤشرات لوجود تلوث محتمل".
وحذر المتخصص في العلوم البيئية من "اختلاط مياه الأمطار والسيول بمخلفات التعدين المنتشرة في أنحاء البلاد وجرفها إلى النيل، مما يهدد السكان والحيوان والأراضي الزراعية التي تعتمد بشكل كامل على مياه نهر النيل".