ملخص
أدى انخفاض معدلات اللقاح ضد السعال الديكي والحصبة والنكاف والحصبة الألمانية في المملكة المتحدة، والذي أسهمت فيه الدعاية المضادة للقاحات، إلى زيادة حالات الإصابة والوفيات، مما يشكل تهديداً كبيراً للصحة العامة.
في الوقت الذي تشهد فيه هيئة الخدمات الصحية البريطانية ضغطاً شديداً، أثار انخفاض معدلات اللقاح ضد السعال الديكي (الشاهوق) والحصبة والنكاف والحصبة الألمانية (MMR) قلق وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة. أما آخر المستجدات فهي وفاةُ طفل آخر بسبب السعال الديكي، ليصل المجموع إلى 10 أطفال منذ بداية العام، حيث سُجّلت نحو 10493 حالة إصابة في شهر يونيو (حزيران) الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بلغ عدد النساء الحوامل اللواتي شملتهن تغطية اللقاح في مارس (آذار) 58.9 في المئة، وهو انخفاض كبير عن ذروة التغطية التي بلغت 72.6 في المئة في مارس (آذار) لعام 2017. كل هذا على رغم أن الأدلة العلمية الساحقة على فعالية اللقاحات، والأدلة على أن اللقاح في الوقت المناسب أثناء الحمل يوفّر حماية بنسبة 92 في المئة من وفيّات الرضَّع.
ما هي الأسباب؟
السبب الأكثر وضوحاً هو الارتفاع الكبير في الدعاية "المناهضة للقاح" خلال جائحة "كوفيد-19". في حين رُوِجَ للقاح "كوفيد-19" على أنه آمن وفعال، مع القليل من الآثار الجانبية الخطيرة، إلا أنه يمكن أن يسبّب مشكلات أخطر في حالات نادرة. على رغم أن حركة مكافحة اللقاح بدأت بمحاولة تشويه سمعة لقاحات كوفيد فحسب، إلا أنها توسَّعت لتشمل لقاحات أخرى معتمدة. وزاد من هذا الأساطيرُ حول الصلة المفترضة بين لقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية والتوحد – وهو أمر دُحِضَ منذ فترة طويلة – لكن مقاومة الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية على وجه الخصوص استمرت. وقد ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي في نشر نظريات المؤامرة وسط مزاج "مناهض للمؤسسة الحاكمة". في المقابل، يبدو أن هذا الأمر عزَّز الحركة الأوسع لمكافحة اللقاح ومناهضة العلم والتشكيك به. وتشكّل هذه الأمور جميعها تهديداً متزايداً للصحة العامة.
هل يتعلق الأمر برمَّته بمضادات اللقاح؟
لا، لأنه في حالة السعال الديكي، من العدل أن نقول إنه مرض دوري، مع طفرات في الحالات التي تتبع نمطاً معيناً. يبلغ السعال الديكي ذروته كل ثلاث إلى خمس سنوات، وكانت آخر ذروة دورية له عام 2016. جاء ذلك في أعقاب التفشّي الكبير السابق للمرض عام 2012. كما هي الحال مع العديد من الأمراض المعدية الأخرى، ولا سيما الإنفلونزا، انخفضت الحالات للغاية خلال الجائحة بسبب القيود والتباعد الجسدي والحذر العام. ومع تخفيف هذه القواعد، يبدو أن ذروة السعال الضخم "المتأخرة" قد وصلت – وتأثير الوباء يعني أيضاً تراجع المناعة ضد السعال الديكي بين السكان. لكن انخفاض معدلات اللقاح كان أيضاً عاملاً سلبياً في هذا الاتجاه.
ما الذي يمكن فعله؟
هذا هو التأثير الضار للتضليل المضاد للقاح، الذي يشكّك الآن في كلّ نوع من اللقاحات، وينشره الناس بحماسة على وسائل التواصل الاجتماعي، وسيكون من الصعب على سلطات الصحة العامة التصدي لهذه الظاهرة. من الواضح أن برنامج التثقيف الصحي العام من شأنه أن يساعد، ولكن أقوى حجة، للأسف، تأتي من الأدلة على المرض الخطير والوفاة من المرض التي كانت تحت السيطرة في السابق. وبمجرد انخفاض معدل اللقاح لدى السكان إلى ما دون مستوى معين، تُفقدُ "مناعة القطيع" (التي سمعنا الكثير عنها في جائحة كوفيد) وينتشر المرض بشكل كبير.
ما هي الأخطار الأخرى؟
يتفق معظم الخبراء على أن انتشار جائحة أخرى هو مجرد مسألة وقت، وبالنظر إلى المستويات الأعلى بكثير من التشكيك في اللقاح، فمن المحتمل أن يكون التعامل معها أصعب من "كوفيد-19" حتى لو كان من الممكن إنتاج لقاح جديد بسرعة. ستُفاقِم هذه الظروف التكلفة البشرية وتجعل الاضطراب الاقتصادي أسوأ مما كان سيكون عليه من دون ذلك.
ما هي الأبعاد السياسية في هذا الموضوع؟
ليس هناك الكثير من الخلاف السياسي الحزبي حول هذه القضايا. قفز حزب إصلاح المملكة المتحدة إلى واجهة مكافحة اللقاح من خلال الدعوة إلى إجراء تحقيقٍ في لقاح كوفيد (غير مدرك على ما يبدو للتحقيق العام الضخم في استجابة كوفيد التي ترأسها الآن البارونة هاليت).
يتعلق أحد الجوانب السياسية للقاح حالياً بالطريقة التي قيَّدت بها السلطات الصحية في المملكة المتحدة الوصول إلى اللقاحات المعززة لكوفيد إلى الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 سنة، إضافة إلى الحالات الصحية المزمنة. كان هذا تناقضاً صارخاً مع النهج الأكثر ليبرالية واحترازية في المجتمعات الغربية الأخرى. إذا تساوت الأمور الأخرى، فسيؤدي ذلك إلى المزيد من حالات كوفيد، وقد يحدث هذا بالفعل، وإن لم يكن يجذب الكثير من الاهتمام. بالنتيجة، ستستمر بريطانيا في المعاناة من ارتفاع معدل الإصابة بكوفيد طويل الأمد بشكل غير متناسب، مع عواقب صحية على الأسر المتضررة وتأثير إضافي على سوق العمل.
© The Independent