Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الديمقراطية... اللقاح الذي تحتاج إليه الصين أكثر من أي شيء آخر

 تثبت الاحتجاجات الرافضة لسياسة "صفر كوفيد" أن بكين - والرئيس شي - غير قادرين على التحكم بالشعب بالطريقة التي يريدانها

يرى الصينيون ضرورة عودة أميركا وأوروبا إلى الوضع الطبيعي- وتعاملهما بشكل أفضل مع كوفيد - ولا يفهمون لماذا هم مضطرون للبقاء تحت حال الإغلاق للأبد (رويترز)

لم الصين؟ ولم الاحتجاجات التي تعم البلاد؟ ولم الدعوات إلى تنحي الرئيس شي، أو حتى إلى إنهاء حكم الحزب الشيوعي الصيني؟ ولم الآن؟

يبدو الأمر، ظاهرياً، [تمرداً] على سياسة صفر كوفيد، والإجراءات الصارمة التي اتخذتها السلطات لتحقيق أهداف سياسة تبدو الآن غير واقعية تماماً، أياً كان للأمر من جاذبية في السابق [عند بدء الجائحة]. فهي سياسة متطرفة، ومن غير المفترض أن تكون ضرورية للحفاظ على انخفاض حالات الإصابة بكوفيد عند مستويات يمكن التعامل معها - ولا سيما في ظل انتشار عدد أقل من المتحورات في مرحلة ما بعد الجائحة الحالية، ومع وجود اللقاحات التي تستمر بحماية الناس من أشد آثار المرض.  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وجد الغرب - ومعظم العالم - طريقة "للتعايش مع كوفيد"، من دون التراخي في الموضوع. إجراء الفحوص، والعزل، واتخاذ بعض التدابير الوقائية المتواضعة حين تدعو الحاجة إلى ذلك - ومواكبة الجرعات الإضافية. لم يختف الفيروس، وما زال قاتلاً محتملاً. لكننا ما عدنا بحاجة (أقله في الوقت الحالي) إلى فرض القيود القاسية على التعاملات الاجتماعية.   

لكن الحال يختلف في الصين. ومن الممكن أن نتفهم استياء نسبة كبيرة من الشعب الصيني من استمرار الإغلاق والحرمان من حرية التنقل وقمع النقاش والمعارضة على شبكة الإنترنت وفي وسائل الإعلام التي تحظى بموافقة الحكومة. وهم محقون في شعورهم بالقمع. 

لا يمكن أن تنجح أية مقاربة في مجال الصحة العامة من دون موافقة الشعب. في السابق، انضم المواطنون الصينيون إلى الحرب على فيروس كورونا بعزم ووحدة جديران بالإعجاب. ولو لاحظتم، لا يزال كثيرون يرتدون الكمامات عادة أثناء تظاهرهم - حتى في الهواء الطلق. لقد فهموا وأيدوا خيارات الاستراحة الاجتماعية. لكنهم ما عادوا يرون أية نهاية أو مغزى لها. هذا رد فعل عكسي - وخطر.   

الديمقراطية هي اللقاح السياسي الذي يحمي حقوق الشعب الإنسانية، كما يحمي الحكومات من أي سقوط عنيف

 

إن العلاج الوحيد الذي يحرم منه الشعب الصيني في هذه القضية ليس دواء عجيباً أو لقاحاً أفضل (مع أن نسخ اللقاحات الصينية قد لا تكون على الدرجة نفسها من الفعالية في محاربة مختلف المتحورات كلما ظهرت، مقارنة بآخر اللقاحات الغربية ثنائية التكافؤ). بل هي الديمقراطية. إنه اللقاح السياسي الذي يحمي حقوق الشعب الإنسانية، كما يحمي الحكومات من أي سقوط عنيف. رأينا أهمية الديمقراطية بشكل مباشر خلال الجائحة. على الرئيس شي أن يتنبه إلى ذلك.

حين فرض الإغلاق في الغرب، انتشرت النقاشات المفتوحة في الإعلام. تحاور الشعب والسياسيون بحرية بشأن كلفة الإغلاق على المؤسسات التجارية، وتبعاته على الصحة النفسية، ووقعه على الأطفال والأشخاص الوحيدين. كان من الضروري أن تفوز الحكومات بأصوات النواب لكي تمارس سلطاتها الاستثنائية. حصلت معارضة. دار جدل لا ينتهي في الإعلام وعلى وسائل التواصل الاجتماعي - وما يزال مستمراً. واضطر مسؤولو الصحة العامة أن يشرحوا ميزان المخاطر، إضافة إلى طريقة وتوقيت رفع القيود. 

بدأت نظريات المؤامرة بالانتشار، فيما انتقلت المعلومات المغلوطة التي تروج لها والأساطير الخطرة بسرعة عبر الفضاء الإلكتروني - وهذا فيروس آخر قادر على القتل يجب التعامل معه. كما طرح رئيس الولايات المتحدة [ترمب] منظفات المنزل (Bleach) كحل محتمل للفيروس. 

 

هذه هي الحرية التي تكفلها الديمقراطية، وطرق سيرها العجيبة أحياناً. والمجتمعات التي تتمتع بالحظ الوفير الذي يسمح لها أن تنعم بحريات كهذه للتعبير والاحتجاج، تتمتع كذلك بالقدرة على تحمل الإغلاق وغيره من الحرمان، بسبب وجود قنوات للمعارضة والاحتجاج.

أما السلطات، فمسؤولة أمام مجالس النواب والإعلام. على الحكومات أخذ شعوبها في الاعتبار في كل الأوقات. هناك وسائل طبيعية من أصل النظام لامتصاص الصدمات، حواجز سلامة مجازية وعوازل واقية تحول من دون قيام فيروس بتدمير كل حريات الشعب.

لدى الناس طموحات سياسية وثقافية ومادية. وقد تلقوا تعليماً أفضل، وهم يطالبون بالاستقلالية الشخصية

 

إحدى أجمل المفارقات هي عدد الناس الذين يواصلون تكريس الخرافات المتعلقة بوجود "أولئك" المجهولين الذين يريدون إسكات أصواتهم، من دون أن يقمعهم أحد. في وسائل الإعلام الهامشية، يرغي المعلقون ويزبدون ويطرحون نظريات مؤامرة بشأن الحقائق التي لا يريد "أولئك" الناس أن يراها الجميع… ولكن هم موجودون ويثرثرون على شاشات تلفازكم بكل حرية عن آخر نظرياتهم المتعلقة بالحيوانات الأليفة. حتى أنهم يستغلون ألم الناس للطعن بصدقية اللقاحات.    

وعلى ما يبدو، في 2020 و2021، أراد "أولئك" أن يتحكموا بالجميع إلى الأبد، لكن في 2022، ما عاد هذا الأمر مطروحاً. لم يتحقق "النظام العالمي الجديد" ولا "إعادة الضبط العظيمة"، ويمكننا جميعاً أن نرتاد الحانة كما نشاء (حتى لو ما يزال بعضهم يتحدثون عنهما على "تويتر" ويقولون إن كوفيد خدعة).

خرج الغرب من فترات الإغلاق إلى عالم أصبحت فيه اللقاحات وسيلة دفاعنا الأولى - وبتنا نفهم كيف يمكن أن يتطور التوازن بين الصحة العامة والازدهار والحرية، بحسب ميزان المخاطر. مرة أخرى: الوضع في الصين مختلف. فهناك، يلتزم الحزب الشيوعي الصيني بـ"صفر كوفيد" كما لو كان عقيدة، وقد استحالت الصحة العامة إلى مسألة عقائدية. 

ما من سبب مقنع يمنع الصين، التي تستطيع توفير أحسن اللقاحات، من عيش الحياة براحة وحرية نسبياً، كما المملكة المتحدة مثلاً. وبالفعل، بفضل ما يتمتعون به من حس تماسك اجتماعي أكبر وتمسكهم بعادة ارتداء الكمامات، من المفترض أن تكون معدلات الأضرار الفعلية جراء كوفيد لديهم، في أقل المستويات الممكنة عملياً.  

مع ذلك، فاندفاع القيادة الصينية نحو التشدد يأتي بنتائج عكسية ومتفاوتة كما هو واضح. تنبعث رائحة ماو من هدف التوصل إلى صفر كوفيد - مثل القفزة الكبرى إلى الأمام، الكارثة الاقتصادية التي كان من الضروري أن يستمر اختبارها حتى درجة الهلاك قبل التخلي عنها بصمت.

ويعتبر تحديث الاقتصاد خلال العقود الأخيرة هدفاً مقدساً آخر يجري تطبيقه بعزم مجنون بغض النظر عما يكبده من أضرار بشرية أو بيئية. هذا ما يحدث في النظام الديكتاتوري - وهم ينجحون بتنفيذ ما يريدون من دون عقاب. 

لكن الصين مختلفة الآن، ونحن نشهد ذلك. في عام 1989، في بداية العصر الصناعي الصيني، كانت مظاهرات ميدان تيانانمن النتيجة الحتمية لشعب لديه رغبة أكبر بالاستطلاع والتساؤل. شارك العمال (والطلاب) في بكين - لكن المظاهرات، على ضخامتها، لم تنتشر في كل أنحاء البلاد.

ولو انتشرت، ربما لم تكن لتسحق بهذه السهولة. لكنها سحقت. ماذا عن هذه المرة؟ لدى الناس وعي أكبر بما يحدث، حتى في ظل الرقابة التي تقيد استخدام الإنترنت وتحجب وجوه المشجعين الذين لا يرتدون كمامات في مباريات كأس العالم. 

لدى الناس هناك طموحات سياسية وثقافية ومادية. وقد تلقوا تعليماً أفضل، وهم يطالبون بالاستقلالية الشخصية. عندما انضموا مجدداً إلى الاقتصاد العالمي في ثمانينيات القرن الماضي بعد وفاة ماو، كان من الحتمي أن ينفتحوا على أفكار جديدة كذلك. 

في الوقت الحالي، يرون عودة أميركا وأوروبا إلى الوضع الطبيعي- وتعاملهما بشكل أفضل مع كوفيد - ولا يفهمون لماذا هم مضطرون للبقاء تحت حال الإغلاق للأبد. وفي المقابل، لا يشعر قادتهم بالحاجة إلى تبرير سياسة "صفر كوفيد" أبداً (ولم يشعروا بذلك أساساً).

بدل أن يتحول الحزب الشيوعي الصيني نحو الانفتاح والديمقراطية بشكل أكبر، لكي يعكس الطبيعة المتغيرة للشعب الذي يزعم أنه يقوده، فقد تراجع في الحقيقة في عهد شي وعاد إلى قوقعته الستالينية. يظهر شي الآن كأنه "ديكتاتور مدى الحياة"، في انتهاك للمعاهدة الذي أرساها دينغ منذ عدة عقود، كي يمنع المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني من التحجر على يد زمرة  أنانية تكرس استمراريتها وحدها. يبدو أن شي وأعوانه يبتعدون أكثر فأكثر عن الشعب - وهذا ما سيولد أزمة حقيقية. 

لو كان [شي] يتمتع بأي إدراك، ولا سيما بحس حماية الذات، سوف يسعى إلى شق "طريق مختلف" محبوك بدهاء يختلف عن صفر كوفيد من خلال حملة متجددة لتعزيز نشر اللقاحات ووضع نظام قوي لمراقبة مياه الصرف الصحي والفحص الطوعي والعزل الذاتي لتوقع حالات انتشار الوباء محلياً والحد منها.    

ليس من الواضح إن كان سيتم التسامح مع أي نوع مشابه للوحشية الدموية التي وقعت في ميدان تيانانمن مرة أخرى، حتى ضمن حزبه. لا شك في أن شي قادر على رؤية هذا؟

© The Independent

المزيد من آراء