Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من أكثر تحملاً لصدمة الركود العالمي المتوقعة... الأسواق الناشئة أم المتقدمة؟

ديون الدول النامية تتفاقم... وخفض الفائدة أحد أهم أسلحة مواجهة تباطؤ النمو

تراجع بأسهم مؤشر داو جونز للصناعات في بورصة نيويورك للأوراق المالية (أ.ب)

في خضم البيانات السلبية والتوقعات القاتمة التي تنتظر مستقبل الاقتصاد العالمي مع استمرار وتيرة الحروب التجارية، تشير التوقعات إلى أن أزمة الركود وتباطؤ النمو العالمي المحتملة سوف تطال غالبية اقتصاديات دول العالم.

وربما بدأت ملامح هذه الأزمة في الظهور من خلال البيانات السلبية، التي طالت أكبر اقتصاديات العالم سواء كانت الولايات المتحدة الأميركية أو الصين وأيضاً دول منطقة اليورو، لكن في الوقت نفسه فإن الوضع لا يبدو مطمئناً بالنسبة للأسواق الناشئة التي شهدت خلال العام الماضي أكبر موجة من الأزمات سواء كان ذلك على صعيد عملاتها التي نزفت كثيراً، أو على مستويات النمو التي تراجعت، وأيضاً على صعيد ديونها التي تفاقمت بنسب مرعبة خلال السنوات القليلة الماضية.

لكن في ظل هذه الضبابية وحالة الغموض التي تزيد من مخاوف الدخول في أزمة مالية عالمية جديدة، يبقى السؤال، هل الأسواق الناشئة في وضع أفضل من الدول المتقدمة بما يؤهلها لمواجهة تباطؤ النمو العالمي؟.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

خفض الفائدة استعداداً لمواجهة تباطؤ النمو

وفقا لتقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" الأميركية، فإن أسعار الفائدة الحقيقية الموجبة وتراجع العجز المالي تؤهل صناع السياسة في الأسواق الناشئة للاستفادة من السياسة العملية.

وقالت الصحيفة إنه، في الوقت الذي فشلت فيه الدول المتقدمة بشكل متزايد في تعويض التباطؤ الناجم عن احتدام التوترات التجارية، قامت عدة أسواق ناشئة بشكل متزامن بخفض أسعار الفائدة لمحاربة تباطؤ النمو الاقتصادي.

وأشار باتريك زويفل، كبير الاقتصاديين لدى شركة "بيكتيت" لإدارة الأصول ومقرها سويسرا، إلى أنه "لدى الأسواق الناشئة مساحة أكبر بكثير لمواجهة التباطؤ".

من وجهة نظر متفائلة، يرى "زويفل" أن الأسواق الناشئة، على عكس نظيراتها المتقدمة، لا تواجه مشكلات تتعلق بأسعار الفائدة الحقيقية والاسمية المنخفضة بالفعل، والسلبية في كثير من الأحيان، أو بالعجز المالي الكبير.

وأظهر تحليل أجرته "بيكتيت" على 19 سوقا ناشئة رئيسية أنه كان لدى الدول في بعض الأحيان أسعار فائدة حقيقية موجبة وعجز مالي لا يكاد يذكر - مما يمنحها القدرة على إجراء تخفيف السياسة النقدية والتحفيز المالي - وهي ميزة ليست متاحة إلا نادرا بين الاقتصاديات المتقدمة.

ويمكن لمعظم هذه الدول، باستثناء تركيا والأرجنتين، تخفيض أسعار الفائدة دون حدوث "انخفاضات غير متناسبة في عملاتها". وتواجه الاقتصادات الـ19 التي شملتها الدراسة أيضا عجزا في الميزانية يبلغ 1.9% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو "المستوى الأدنى المشترك منذ 2009".

لكن على الجانب الآخر، يرى مارتن جان بكوم، كبير الاستراتيجيين للأسواق الناشئة بشركة "إن إن إنفستمنت بارتنرز"، أن معظم الدول النامية لا يمكنها تيسير السياسة النقدية إلا إذا كانت هناك تدفقات مالية قوية عبر الحدود.

وأشار إلى أن هذا تحدده قرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي المستقبلية بشأن أسعار الفائدة، وليس العوامل الداخلية. وقال أيضا، "لقد خفضت البنوك المركزية في الأسواق الناشئة من أسعار الفائدة منذ بداية هذا العام بشكل رئيس بسبب التوقعات باتجاه الاحتياطي الفيدرالي نحو المزيد من التيسير".

وأضاف، "يمكن لهذا الأمر أن يتواصل لأبعد من ذلك، لكنه ليس أمرا مسلما به وليس شيئا محددا داخليا في الأسواق الناشئة، فإنه شيء خارجي".

إلى أين وصلت ديون الأسواق الناشئة؟

قبل أيام، ذكرت "رويترز" في تقرير حول ديون الأسواق الناشئة، أن أسابيع قليلة فحسب يمكن أن تحدث فرقا كبيرا، فبعد أن كانت الدول النامية شبه معزولة تماما عن أسواق الاقتراض الشهر الماضي عندما شرعت المخاوف من ركود عالمي تنشب مخالبها، لكن نحن حاليا في شهر سبتمبر (أيلول) وأرقام إصدارات الدين القياسية تتهاوى.

وعادة ما يكون شهر سبتمبر (أيلول) وقتا مزدحما على أي حال مع تطلع المقترضين إلى تدبير أي تمويل ما زالوا يحتاجونه للعام، لكن هذه المرة يبدو أن "طوفانا حقيقيا قد فك من عقاله".

فعلى الصعيد السيادي، باعت العاصمة الإماراتية "أبوظبي" سندات بنحو 10 مليارات دولار، وأرمينيا بنحو 500 مليون دولار، وجنوب أفريقيا 5 مليارات دولار، والإكوادور ملياري دولار، والبحرين ملياري دولار، وأوروغواي باعت نحو 750 مليون دولار، وكازاخستان نحو 1.15 مليار يورو. حتى لبنان الذي يمر بأوقات صعبة يقول إنه يعكف على إصدار في حدود الملياري دولار.

ولا ريب أن تكاليف الاقتراض القياسية المنخفضة عامل مساعد بعد خفض أسعار الفائدة من مجلس الاحتياطي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي وبنك الشعب الصيني، فضلا عن الهدوء النسبي في حرب التجارة الأميركية الصينية.

لكن بإجمالي يفوق 21 مليار دولار، يزيد هذا على مثلي التسعة مليارات دولار التي باعتها في المتوسط حكومات الاقتصاديات الناشئة في أشهر سبتمبر السنة الماضية، حسبما تظهره بيانات "جي.بي مورغان".

وقال كون تشاو، محلل الأسواق الناشئة وأسواق الصرف في "يو.بي.بي"، "كان أسبوعا مكتظا على نحو استثنائي بالإصدارات. أعتقد أن الناس تجد بعض الصعوبة في استيعابه بالكامل".

لكن إذا كان هذا صعب الاستيعاب، فماذا عن إصدارات ديون شركات الأسواق الناشئة بالعملة الصعبة، بما فيها شركات مملوكة لدول، والتي بلغت مستوى قياسيا جديدا لشهر سبتمبر (أيلول) عند 60 مليار دولار يوم الخميس؟. وكان الرقم القياسي السابق عند 53.9 مليار دولار في 2017، وفقا لأرقام "جي.بي مورغان"، في حين كان متوسط الأعوام الأخيرة 36.4 مليار دولار.

ويشير جويدو تشامورو من بكتيت لإدارة الأصول أيضا إلى رقم قياسي منفصل في ثنايا ذلك الرقم الجديد. فقد وضعت شركة النفط الوطنية المكسيكية بيميكس اللمسات النهائية على مبادلة دين عملاقة حجمها 7.5 مليار دولار يوم الخميس. وأُلحقت هذه العملية ببيع سندات جديدة حجمه 7.5 مليار دولار في وقت سابق هذا الأسبوع لتسجلا معا رقما قياسيا جديدا لمقترض "شبه سيادي" عند 15 مليار دولار.

واحتل ذلك أيضا مرتبة متقدمة على قائمة الإصدارات الفائقة الضخامة للاقتصاديات الناشئة. ويبقى الرقم القياسي من نصيب الأرجنتين الذي حققته عند 16.5 مليار دولار عندما عادت إلى أسواق المال في 2016، في حين يظل إصدار السندات الأول البالغ 12 مليار دولار لشركة النفط الوطنية العملاقة أرامكو السعودية هو الأكبر لعملية منفردة هذا العام.

صناديق المؤشرات تواصل خسائرها

وتشير بيانات سابقة، إلى أن التدفقات الخارجة من صناديق المؤشرات المتداولة في البورصة والمدرجة في الولايات المتحدة وتستثمر في الدول النامية وكذلك تلك التي تستهدف دولاً محددة، بلغت نحو 972.3 مليون دولار خلال الأسبوع المنتهي في 23 أغسطس (آب) الماضي.

وبلغت التدفقات الخارجة في الموجة البيعية الحالية نحو 12.3 مليار دولار بعد خسائر بلغت 7.8 مليار دولار خلال عمليات بيع استمرت ستة أسابيع بدأت في شهر مايو (أيار) الماضي.

وبحسب البيانات التي أعلنتها وكالة "بلومبيرغ"، يبلغ صافي التدفقات الوافدة منذ بداية هذا العام 109.9 مليون دولار فقط. وقادت صناديق الأسهم التدفقات الخارجة في صناديق المؤشرات المتداولة الأسبوع الماضي، في حين سجلت السندات تدفقات داخلة صغيرة.

وكان صندوق "أي شيرز"، الذي يملك 24.4 مليار دولار هو الخاسر الأكبر بين صناديق الأسهم في الدول النامية، حيث انخفض بنحو 556 مليون دولار خلال الأسبوع الخامس على التوالي بسبب ارتفاع التدفقات الخارجة.

ويبيع المستثمرون الأصول ذات المخاطر العالية منذ أوائل الشهر الحالي وسط تزايد التوترات التجارية والمخاوف بشأن النمو العالمي الذي دفع غالبية أسواق الأسهم العالمية إلى خسائر عنيفة تسببت في هروب المستثمرين واتجاههم إلى أسواق الأصول والملاذات الآمنة بقيادة الذهب الذي حقق أعلى مستوى له في 6 سنوات عند مستوى 1550 دولاراً في تعاملات الاثنين الماضي.

صندوق النقد يخفض توقعاته لنمو الأسواق الناشئة

وفي الوقت الذي تفاقمت فيه ديون الأسواق الناشئة، خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للأسواق الناشئة في إصدار يوليو (تموز) من تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية، الذي قدر نمو الأسواق الناشئة بنحو 4.1% في 2019 و4.7% في 2020.

وتقل تلك التوقعات عن آخر توقعات للصندوق في أبريل (نيسان) الماضي بـ0.3% و0.1% على الترتيب. وتعد التوقعات الخاصة بنمو الأسواق الناشئة هي الأقل منذ 10 سنوات، وعند ثاني أقل مستوى منذ انفجار "فقاعة الدوت كوم" في عام 2002.

وفي الوقت نفسه، فإن نمو الاقتصاد العالمي قد يرتفع إلى 3.5%، مقارنة بنحو 3.2% متوقعة هذا العام، وفقا للتقرير. ويرى الصندوق أن التسارع المتوقع في نمو الاقتصاد العالمي يبقى محفوفا بالمخاطر، ويتوقف على إنهاء النزاعات التجارية، وانتعاش الاقتصادات المتعثرة مثل تركيا والأرجنتين، وتجنب حدوث انهيارات أكثر حدة في اقتصاد إيران وفنزويلا.

وخفض التقرير توقعات النمو لأغلب الأسواق الناشئة الرئيسة على خلفية عدد من العوامل مثل تصاعد التوترات التجارية، وزيادة الاعتماد على الديون، وتراجع شهية المستثمرين، وعدم اليقين بشأن السياسات. وسجلت الأسواق الناشئة أداء أقل من المتوقع خلال الربع الثاني من العام الحالي، وهو ما دفع الصندوق إلى تخفيض توقعاته للفترة المتبقية من 2019.

لكن انخفاض معدلات التضخم في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية يمنح البنوك المركزية المجال كي تصبح أكثر تيسيرا في سياستها النقدية، خصوصا أن الناتج الاقتصادي أقل من المأمول. وشهد العديد من الاقتصاديات نموا متسارعا في معدلات الاستدانة. وبناء عليه فإن السياسات المالية ينبغي أن تركز على احتواء الديون بينما تمنح الأولوية للإنفاق الاجتماعي وتطوير البنية التحتية بدلا من الإنفاق المتكرر على خدمة الدين والدعم غير الموجه لمستحقيه.

معدلات الفائدة المتراجعة تزيد من أزمة الديون

في السياق ذاته، كشفت بيانات حديثة لمعهد التمويل الدولي، عن ارتفاع ديون الأسواق الناشئة لمستوى قياسي بنهاية الربع الأول من العام الحالي، بفعل معدلات الفائدة المتراجعة التي شجعت المستثمرين على تنفيذ مزيد من عمليات الاقتراض.

وكشفت البيانات أن ديون العالم زادت بمقدار 3 تريليونات دولار في الفترة من يناير (كانون الثاني) وحتى مارس (آذار) الماضي إلى 246.5 تريليون دولار. ويبلغ معدل الديون العالمي إلى الناتج الإجمالي المحلي في الوقت الحالي مستوى 320%.

وأوضحت البيانات أن مقدار الأموال المستدانة من جانب الحكومات والشركات والمؤسسات المالية والأسر في الأسواق الناشئة زادت إلى مستوى 69.1 تريليون دولار، أو ما يعادل 216% من الناتج الإجمالي المحلي في أول 3 أشهر من 2019، مقابل مستوى 68.9 تريليون دولار في العام الماضي.

وأشارت إلى أن معدلات الديون إلى الناتج الإجمالي المحلي ارتفعت بأسرع وتيرة في شيلي وكوريا الجنوبية والبرازيل وجنوب أفريقيا والصين وباكستان على مدار العام الماضي.

أما على صعيد الأسواق المتقدمة فكانت الزيادة في ديون الربع الأول مدفوعة بشكل أساسي بتراكم الدين الحكومي الذي أضاف تريليون دولار. وشهدت فنلندا وكندا واليابان أكبر زيادة في نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الماضي، في حين واصلت بعض اقتصادات منطقة اليورو ولا سيما هولندا وإيرلندا والبرتغال تقليص المديونية.

وفي الولايات المتحدة قفزت الديون بمقدار 2.9 تريليون دولار منذ الربع الأول من عام 2018، لترتفع بذلك إجمالي الديون الأميركية عند أعلى مستوياتها على الإطلاق مُسجلة 69 تريليون دولار. كما زاد معدل ديون الشركات غير المالية إلى الناتج الإجمالي المحلي عند مستوى 75%.

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد