Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ينجح ترمب في عرقلة خطوات الديموقراطيين نحو عزله؟

مجلس الشيوخ صاحب الكلمة الفصل... والرئيس الأميركي يعول على أكثريته الجمهورية ويشن هجوماً مضاداً

تتسارع خُطى الديموقراطيين نحو عزل الرئيس رغم اصطدام هذا الخيار بعقبة مجلس الشيوخ (أ.ب)

وسط أجواءٍ من التوتر السياسي بالولايات المتحدة، تتسارع التطورات حول قضيَّة "عزل الرئيس ترمب"، على خلفيَّة مكالمته مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينكسي، التي سَاومَ فيها كييف على مساعدة عسكريَّة أميركيَّة مخصصة لها مقابل فتح تحقيق بهدف "تشويه سمعة منافسه بالانتخابات المقبلة بايدن وابنه هانتر"، وفق ما كشفته تقارير صحافيَّة، ونفاه لاحقاً ترمب.

وحسب رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي خلال إعلانها، الثلاثاء الماضي، المُضي قدماً في خيار عزل الرئيس، فإن لجان الكونغرس الست تُحقق في مخالفات محتملة من جانب ترمب، وبناءً على النتائج التي سيُتوصّل إليها، يمكن للجنة القضائيَّة صياغة واعتماد مواد المساءلة ضد الرئيس، التي ستقدم أمام مجلس النواب للتصويت، وهو ما يعني أنه في حال اعتمادها، سيُجري مجلس الشيوخ الذي يهمين عليه الجمهوريون من أنصار ترمب محاكمته في هذا الشأن، والأمر يتطلب أغلبيَّة الثلثين لإدانة الرئيس وعزله.

وإذ ترى بيلوسي وأغلب الديموقراطيين أن "تصرّفات الرئيس واضحة بشكل مقنع، ما يمنحها خيار المضيّ قدماً"، معتبرين أن "الأمر يتعلّق بالأمن القومي للبلاد وحنث الرئيس القسم وتهديد الانتخابات المقبلة (المقررة 2020)"، فإن ترمب يعوّل على "أغلبيَّة حزبه الجمهوري في مجلس الشيوخ"، فضلاً عن خيار دعم قواعده الصلبة في الهجوم على خصومه، سواء على المستوى الرسمي وغير الرسمي، وفق مراقبين.

وجاء تفاقم التوتر بين ترمب وبيلوسي بعد "حرب كلاميَّة"، شهدتها منصة (تويتر)، تبادل فيها الطرفان الاتهامات، إذ وصفته رئيس مجلس النواب الأميركي بـ"القائد الأعلى للتشتيت"، ودعاها هو إلى "تنظيف شوارع سان فرانسيسكو المقززة"، باعتبارها نائباً عن الولايَّة، لتصب في نهايتها مزيداً من التحديات أمام رجل الأعمال الساعي إلى الفوز بولايَّة رئاسيَّة ثانيَّة، في سابقة لم يشهدها الكونغرس سوى ضد اثنين من أسلافه.

الرئيس يحشد معسكره
فيما تتسارع خُطى الديموقراطيين نحو عزل الرئيس رغم اصطدام هذا الخيار بعقبة مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون في مرحلة متقدمة من المُضي فيه قدماً، وفق مراقبين، يحاول ترمب لملمة خياراته في خطوة أولى عبر حشد الموالين إليه في معسكره لمواجهة خطر عزله.

وعلى مدار الساعات الأخيرة، شنَّ ترمب هجوماً مضاداً شرساً عبر "تويتر"، معولاً على حلفائه الجمهوريين ووسائل الإعلام المؤيدة له، على أمل نقل مركز الاهتمام منه إلى خِصمه جو بايدن، معتبراً أنه في "حالة حرب"، وفق ما نقلت وكالة بلومبيرغ، عن اجتماع جمع الرئيس بدبلوماسيّين من البعثة الأميركيَّة لدى الأمم المتّحدة.

وفي تغريدات متتاليَّة للرئيس، البالغ من العمر 73 عاماً، الذي يستعد لخوض أشرس معاركه حتى الآن، دعا الجمهوريين من أنصاره إلى "البقاء موحدين"، وإلى "القتال"، لأن "مستقبل بلادنا على المحك".

وردّ ترمب الملياردير النيويوركي، الذي يواجه أزمة خطيرة بسبب ما بات يُعرف "مكالمة أوكرانيا"، ببناء دفاع يقوم على تأكيد براءته وطرح نفسه في موقع الضحيَّة، وتوجيه التهمة إلى جو بايدن (تشير أحدث استطلاعات الرأي إلى أنه المرشّح الديموقراطي الأوفر حظاً لهزيمة ترمب في انتخابات 2020)، مكرراً اعتبار أن اتصاله بزيلينسكي كان "خالياً من أي شوائب" و"قانونياً تماماً" و"عادياً".

وكتب ترمب، في تغريدة على حسابه الذي يتابعه 65 مليون شخص، "حملة مضايقة للرئيس"، مضيفاً "أنها أسوأ حملة مطاردة سياسيَّة في تاريخ الولايات المتحدة"، مندداً بالديموقراطيين "الهيستيريين" ووسائل الإعلام "الفارغة" العاملة لحسابهم. واتهم الديموقراطيين في مؤتمر صحافي عقده في نيويورك، وبدا فيه متعباً، بـ"تعذيب" أشخاص محترمين.

ودفاعاً عن موقفه من معسكر الجمهوريين، قال النائب مارك ميدوز متحدثاً إلى شبكة "فوكس بزنيس" التي تلقى متابعة واسعة في الأوساط المحافظة، إن "الرئيس لم يرتكب أي خطأ".

كما ندد النائب أندي بيغز بمعاملة الديموقراطيين "المعيبة" للرئيس، وقال في تصريح إلى شبكة فوكس إن "دوافعهم الحقيقيَّة هي التأثير في نتيجة الانتخابات".

لكن وسيلة الدفاع الفُضلى تبقى الهجوم، إذ يركز ترمب وأنصاره هجومهم على جو بايدن. ونشر الرئيس إعلاناً انتخابياً، يؤكد أن "جو بايدن وعد أوكرانيا بمليار دولار إن أقالت المدعي العام الذي كان يحقق في شركة ابنه".

وعمل هانتر، نجل بايدن، الذي تدور حوله مكالمة ترمب وزيلينسكي، لحساب مجموعة غاز أوكرانيَّة اعتباراً من 2014، في وقت كان والده نائباً للرئيس باراك أوباما، وحتى 2019، وجرى لفترة تحقيق قضائي بشأن عمله في الشركة، غير أنه أغلق من غير توجيه أي اتهامات.

وطلب جو بايدن عام 2015 من السلطات الأوكرانيَّة "إقالة المدعي العام الأوكراني"، للاشتباه بأنه كان "يعرقل مكافحة الفساد في هذا البلد"، وهو ما كان يُطالب به أيضاً الاتحاد الأوروبي وعدد من المنظمات الدوليَّة الكبرى.

وعلى الرغم من أن الأوكرانيين لم يتهموا يوماً بايدن بأي نيات مبيتة، يركز دونالد ترمب وأنصاره هجماتهم على المرشح الديموقراطي، وتلقى حججهم أصداء لدى العديد من مقدمي البرامج في شبكة فوكس.

غير أن البعض في الشبكة نفسها يشككون في هذه الروايَّة، وقال كريس والاس أحد أبرز صحافيي "فوكس نيوز" إن "رسالة المدافعين عن الرئيس ليست مفاجئة، لكن أعتقد أنها مضللة".

معضلة مجلس الشيوخ
وفق أغلب الآراء الواردة بشأن إمكانيَّة نجاح خيار عزل الرئيس بعد استصداره الموافقة بشأنه من قبل مجلس النواب تبقى محدودة، بسبب سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ صاحب الكلمة الفصل في عزل الرئيس، إلا أن التداعيات تبقى قائمة على مستقبل ترمب نحو الولايَّة الثانيَّة للبقاء في البيت الأبيض.

وحسب الفقرة الثانيَّة من المادة الأولى في الدستور الأميركي، فإن مجلس النواب هو من يمتلك سلطة توجيه الاتهامات إلى المسؤولين في البلاد، لذا فإن خيار "عزل الرئيس" يجب أن يبدأ من مجلس النواب، وبناءً على ذلك، فإن المجلس يخوّل إحدى لجانه، وعادة ما تكون اللجنة القضائيَّة، للتحقيق في الشخص المعنيّ.

وفي حال حددت اللجنة وجود أمر ما، فإن بإمكانها إعادة مواد العزل إلى المجلس ككل، ليقوم بالتصويت بأغلبيَّة بسيطة، وهو الأمر الذي يتوقّع حدوثه مع سيطرة الديموقراطيين على مجلس النواب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتأتي الخطوة الثانيَّة، وفق ما أقّرته الفقرة الثالثة من المادة الثانيَّة للدستور، التي تنص على إرسال القضيَّة برمتها إلى مجلس الشيوخ، المخوّل إليه "سلطة إجراء الفصل في عزل المسؤولين"، مع تأكيد أنه لا يجوز إدانة أي شخص دون موافقة ثلثي الأعضاء، أي 67 عضواً من أصل 100 عضو.

وفى حالة مجلس الشيوخ الحالي، فإن عدد الأعضاء الديموقراطيين بالمجلس هو 47 سيناتور، أي أقل من ثلثي الأعضاء المطلوب لتمرير العزل بنحو 20 عضواً، وذلك في حالة موافقة الأعضاء الديموقراطيين جميعهم على خيار العزل، وهو ما يعني أنه لتمرير هذا السيناريو فإنه يتطلب تصويت 20 عضواً جمهورياً بالموافقة.

ورغم اعتبار ترمب في بعض تصريحاته خيار عزله يصب في مصلحته، قائلاً إنه سيستفيد منه في معركته الانتخابيَّة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 سعياً إلى ولايَّة ثانيَّة، اعتبر الباحث جون هوداك في مركز بروكينغز للتحليل، أن على ترمب أن "يخشى بالفعل إجراء العزل الذي يستهدفه"، معتبراً أنه "من الصعب جداً أن نفهم كيف يعتقد أنه قد يستفيد من هذا الإجراء".

ويقول في هذا الإطار لاري ساباتو، المحلل في جامعة فيرجينيا، إن خيار العزل "يحمل مجازفات كبيرة"، في إشارة إلى استمرار الاستقطاب الحاد في المشهد الأميركي وانعكاس الأمر على طول أجل التحقيقات التي ستُجريها اللجان البرلمانيَّة، موضحاً أنه "في حالة اقتناع الناخبين الوسطيين بأن هذا التحقيق ليس سوى مهزلة سياسيَّة، فسيدفع عندها الديموقراطيون الثمن" خلال الانتخابات المقبلة.

ويعاني الكونغرس انقساماً شديداً منذ يناير (كانون الثاني) الماضي مع مجلس نواب بأكثريَّة ديموقراطيَّة، ومجلس شيوخ بأكثريَّة جمهوريَّة.

في المقابل يعتبر آخرون، أن "تاريخياً إجراءات عزل الرئيس في الكونغرس تُحدث في العادة ضجة كبرى، وأجواء إثارة في الوسط السياسي والصحافي، لكن العمليَّة في الواقع ليست بهذه السهولة، بل شائكة ومعقدة. ولم يحدث في تاريخ أميركا أن أُطيح رئيس عبر المحاكمة في الكونغرس، وليس هناك ما يشير إلى أن ترمب سيصبح الأول في هذا الصدد".

ويمنح الدستور الأميركي الكونغرس صلاحيَّة إقالة الرئيس في حال ارتكابه "الخيانة أو الفساد أو جرائم أو جنح كبرى أخرى"، فيما لا يمكن للقضاء النظر في جريمة يرتكبها في أثناء حكمه، حسب ما أقرّت وزارة العدل عامي 1973 و2000، بحجة أن ذلك "يمكن أن يُلحق ضرراً" بعمل البيت الأبيض.

وحال صادق "الشيوخ" على إدانة الرئيس، فإن العزل يكون غير قابل للطعن عليه، ويتولى نائب الرئيس المنصب بشكل تلقائي، وهو مايك بنس في حالة ترمب.

لا سابقة في العزل
وسيكون دونالد ترمب رابع رئيس أميركي من أصل 45 رئيساً يواجه تحقيقاً رسمياً بعزله، بعد كل من أندرو جونسون (1808 - 1875)، وريتشارد نيكسون (1969 -1974)، وبيل كلينتون في أواخر القرن الماضي.

ويذكر أن إجراءات العزل فشلت في المرات الثلاث، ففي حالة الرئيس الديموقراطي أندرو جونسون انخرط في صراع مع الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون، بعد أن اُتهم بمخالفة القانون على خلفيَّة إزاحته وزير الحرب الأميركي من منصبه، وهو القرار الذي لم يكن يحق له كرئيس أن يتخذه في أعقاب الحرب الأهليَّة، وجرى سحب الثقة منه من قِبل مجلس النواب، لكن بُرئ في مجلس الشيوخ بفارق صوت واحد.

أمَّا عن الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون، وهو الرئيس الـ37، فقد غادر البيت الأبيض في عام 1974، قبل ما يقرب من ثلاث سنوات من انتهاء فترة رئاسته الثانيَّة، بعد أن أُجبر على الاستقالة نتيجة لثبوت تورطه في فضيحة تجسس عناصر من الحزب الجمهوري على المقر الرئيسي للحزب الديموقراطي في واشنطن، فيما عُرِف بفضيحة ووترغيت.

وتعتبر ووترغيت أشهر فضيحة سياسيَّة في تاريخ الولايات المتحدة، إذ أدت إلى استقالة الرئيس نيكسون من منصبه، ليصبح الرئيس الوحيد المستقيل في تاريخ البلاد، وأصبحت بعد ذلك رمزاً للفضائح السياسيَّة في أميركا والعالم.

وفي حالة بيل كلينتون، الرئيس الـ42 للبلاد، قام مجلس النواب الأميركي بإقالته في الـ19 من ديسمبر (كانون الأول) 1998، بتهم الكذب في الحلف وعرقلة سير القانون على خلفيَّة علاقته الجنسيَّة بمونيكا لوينسكي المتدربة في البيت الأبيض، لكنه بُرئ من قِبل مجلس الشيوخ في الـ12 من فبراير (شباط) 1999، وأكمل ولايته الرئاسيَّة.

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات