ملخص
حث التقرير الحكومة الفيدرالية وسلطات الولايات الإقليمية على اتخاذ خطوات أساسية لوقف الأعمال العدائية وضمان حماية المدنيين والوفاء بالتزامات تنفيذ "اتفاقية بريتوريا للسلام" وضمان الإعمال الكامل للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لجميع شرائح السكان، بما في ذلك المناطق المتضررة من الصراع.
سلط تقرير حديث صادر عن مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، الضوء على حال حقوق الإنسان المقلقة في إثيوبيا طوال عام 2023.
وعلى رغم التحسن الملحوظ في إقليم تيغراي بعد تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية، فإن التقرير كشف عن مخاوف بالغة في شأن تداعيات أعمال العنف، بخاصة في إقليمي أمهرة وأوروميا.
ووثق تقرير المفوضية الأممية نحو 594 حادثة انتهاك وتجاوزات لحقوق الإنسان أثّرت في 8253 ضحية خلال العام الماضي، تمثل زيادة كبيرة بنسبة 55.9 في المئة مقارنة بالعام السابق في عموم إثيوبيا.
وقال التقرير الذي يقع في 23 صفحة إن الجهات الحكومية، بما في ذلك قوات الدفاع الوطني الإثيوبية (الجيش النظامي) وقوات الشرطة الفيدرالية والإقليمية، فضلاً عن الميليشيات التابعة للدولة مسؤولة عن 70 في المئة من هذه الانتهاكات التي أثّرت في 7103 ضحايا.
فيما شكلت تجاوزات الجماعات المسلحة غير الحكومية نحو 22.3 في المئة من الحوادث، ونسبت 25 حادثة تحديداً إلى قوات الدفاع الإريترية العاملة في منطقة تيغراي.
وذكر التقرير أن الوضع في إقليم أمهرة خصوصاً مثير للقلق وأن قوات الأمن الحكومية المشاركة في القتال ضد ميليشيات فانو مسؤولة عن مقتل 740 مدنياً خلال عام 2023، وإضافة إلى ذلك وثق التقرير مقتل 366 مدنياً في منطقة أوروميا، حيث استمرت الاشتباكات بين القوات الحكومية وجيش تحرير أوروميا طوال العام، من بينهم 46 امرأة.
وإلى جانب الصراع المستمر بين القوات الحكومية وجيش تحرير أوروميا، سلط التقرير الضوء أيضاً على الاشتباكات العرقية بين ميليشيات أمهرة وأوروميا، وكذلك بين الجماعات الأورومية والصومالية التي أسفرت عن مزيد من القتلى.
شرعية استخدام المسيّرات
وكشف التقرير عن المخاوف المتعلقة بتضاعف عدد القتلى في ظل استخدام قوات الدفاع الوطني الإثيوبية لضربات الطائرات من دون طيار، ففي الفترة بين أغسطس (آب) وديسمبر (كانون الأول) 2023 فقط، خلفت 18 غارة موثقة 248 قتيلاً و55 جريحاً.
وأعرب معدو التقرير عن قلقهم حيال شرعية هذه الضربات بموجب القانون الدولي، مشيرين إلى تدمير البنية التحتية الأساسية مثل المدارس والمستشفيات، إلى جانب المساكن الخاصة.
وتناول التقرير تداعيات إعلان حال الطوارئ في الرابع من أغسطس 2023، مما أدى إلى ارتفاع مثير للقلق في الاعتقالات التعسفية التي استهدفت في المقام الأول أفراداً من عرقية الأمهرة في مناطق مختلفة من البلاد. وتم توثيق ما مجموعه 4879 حالة اعتقال في 16 مركزاً أو موقعاً للاحتجاز، حيث أمضى كثير من الموقوفين فترات طويلة من دون تقديمهم إلى الجهات القضائية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعرج التقرير على استمرار العنف الجنسي المرتبط بالنزاعات كقضية حرجة، مقراً بأن نقص الإبلاغ عن مثل هذه الحالات لا يزال سائداً بسبب مزيج من "وصمة العار الاجتماعي" والخشية من الانتقام، فضلاً عن محدودية الوصول إلى خدمات الدعم الشاملة، لا سيما في المناطق الريفية.
وذكر التقرير أن الحال الإنسانية في شمال إثيوبيا لا تزال تشكل مصدراً كبيراً للقلق، إذ إن الصراعات المستمرة تؤدي إلى نزوح المدنيين وإعاقة العودة الآمنة للنازحين داخلياً إلى ديارهم الأصلية.
وشدد التقرير على تحديات الحماية التي يواجهها النازحون داخلياً، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية ونقص وثائق الهوية الأساسية ومحدودية الوصول إلى الضروريات مثل الغذاء والرعاية الصحية والمياه والمأوى.
من جهة أخرى سجل التقرير حدوث بعض التطورات الإيجابية في مبادرات الحكومة المتعلقة بسياسة حقوق الإنسان مثل مشروع العدالة الانتقالية الذي صادقت عليه أخيراً، والجهود المبذولة لتحسين إقامة العدالة، إلا أن التقرير أوصى بضرورة اتخاذ إجراءات ملموسة لمعالجة الانتهاكات المستمرة واستعادة السلام، لا سيما في إقليمي أمهرة وأوروميا.
وحث التقرير الحكومة الفيدرالية وسلطات الولايات الإقليمية على اتخاذ خطوات أساسية لوقف الأعمال العدائية وضمان حماية المدنيين والوفاء بالتزامات تنفيذ "اتفاقية بريتوريا للسلام" وضمان الإعمال الكامل للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لجميع شرائح السكان، بما في ذلك المناطق المتضررة من الصراع.
وأوصى التقرير المجتمع الدولي بتحفيز ودعم تنفيذ الحكومة لاتفاق السلام وتعزيز الحوار السلمي والتفاوض لحل النزاعات، والدعوة إلى آليات المساءلة والإسهام في جهود تعبئة الموارد لحقوق الإنسان والمساعدة الإنسانية ومبادرات التعافي.
وشدد مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك من جهته في بيان على أن "الانتهاكات المستمرة تؤكد الحاجة الملحة إلى إعطاء الأولوية للحلول السياسية وحقوق الإنسان بغية تحقيق السلام والمساءلة في إثيوبيا".
تقارير في غياب الضغوط
بدوره رأى الناشط الحقوقي الإثيوبي تامرآت كاسا أن التقرير الأممي الجديد يكشف عن أن الأجهزة العسكرية والأمنية تعدّ المتسبب الأول في انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد، على رغم التعهدات التي ظلت إدارة رئيس الوزراء آبي أحمد تطلقها في شأن التقدم بملفات حقوق الإنسان، مما يشكك في جدية تلك المشاريع، لا سيما "قانون العدالة الانتقالية" المصادق عليه أخيراً من قبل البرلمان الإثيوبي.
ويضيف كاسا أن تمديد قانون الطوارئ في إقليم أمهرة لستة أشهر أخرى يعدّ مؤشراً سلبياً ويتناقض مع تلك التعهدات، ويؤكد أن المنظمات المحلية المعنية بحماية حقوق الإنسان ظلت تقدم تقارير موثقة حول التجاوزات، إلا أنها تتعرض لتجاوزات وتهديدات جدية، بما في ذلك المنظمة التابعة للدولة، مشدداً على أنهم كناشطين يرون أن "تطهير الأجهزة الأمنية والعسكرية" بات أولوية الآن.
ويشير إلى أن ثمة حملة منظمة تستهدف الناشطين الحقوقيين، بخاصة في إقليم أمهرة حيث تنفذ اعتقالات واسعة خارج نطاق القانون، إذ يقضي الناشطون الحقوقيون والسياسيون فترات طويلة في مراكز احتجاز لا تخضع لرقابة الأجهزة القضائية.
ويوصي كاسا مسؤولي المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بأن يتجاوزوا محطة إعداد التقارير إلى ممارسة ضغوط حقيقية على الإدارة الإثيوبية لقبول إجراء تحقيقات مشتركة بين المنظمات المحلية ومحققي المفوضية، لضمان عدم إفلات الضالعين في هذه التجاوزات من العقاب.
ورأى أن الاوضاع الأمنية والعسكرية في إقليمي أمهرة وأوروميا ينذران بوقوع انتهاكات أوسع، خصوصاً مع الضربات الجوية التي ينفذها الجيش النظامي في مناطق مدنية.
ويضيف أن المؤسسات السياسية الإثيوبية بما فيها البرلمان الفيدرالي تتحمل مسؤولية قانونية وأخلاقية تجاه الأوضاع المتدهورة في هذه المناطق.
ويذكر كاسا واقعة الاستقالة الجماعية التي قدمها محققو المنظمة الإثيوبية لحقوق الإنسان في أبريل (نيسان) الماضي، إثر تعرضهم لتهديدات من أجهزة الأمن أثناء إجرائهم تحقيقات موسعة حول الاغتيالات السياسية في إقليم أوروميا، مشيراً إلى أن هذه الحادثة لم تحرك الحكومة المركزية أو البرلمان الإثيوبي.
ويضيف أنه على رغم أهمية التقرير الأخير للمفوضية الأممية حول انتهاكات حقوق الإنسان، فإن عدم اتخاذ إجراءات فعلية تجاه إدارة آبي أحمد يمثل "خيبة أمل" للضحايا وناشطي حقوق الإنسان في آن واحد.
معايير مزدوجة
ويرى القيادي في حزب الازدهار الحاكم تيدي مغرسا من جهته أن التقرير الذي أفرجت عنه المفوضية الأممية لحقوق الإنسان "غير مهني وغير متوازن ومتأثر بصورة كبيرة بأطروحات الأحزاب والجماعات المعارضة"، وتساءل "كيف توصل محققو هذه المفوضية إلى هذه المعلومات من دون إجراء تحقيق ميداني على الأرض؟".
وأضاف لـ"اندبندنت عربية" أن "معظم فقرات التقرير مستنسخة من تقارير ظلت تنشرها بعض الجهات المعارضة لأهداف سياسية معلومة. ومن المعيب اعتبار حملة إنفاذ القانون التي تقوم بها الدولة ضد جماعات متمردة في إقليم أمهرة أنها فاقدة للشرعية"، موضحاً أن جميع الأنظمة الديمقراطية في العالم لا يمكن أن تسمح بوجود جيشين في بلد واحد، أو تسمح لجماعات مسلحة تعمل خارج نطاق القانون بممارسة الإرهاب داخل إقليم الدولة.
وأشار إلى أن "جميع العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش النظامي تخضع لرقابة البرلمان الفيدرالي، والدولة ككل عازمة على إنهاء التمرد وفرض الأمن والاستقرار في جميع الأقاليم الإثيوبية".
ويقر مغرسا بإمكان وقوع بعض التجاوزات سواء في إقليم تيغراي أو أمهرة وأوروميا، لكنه يؤكد أن الحكومة الإثيوبية معنية بمتابعة تلك التجاوزات وفقاً لمشروع العدالة الانتقالية، وأن التحقيقات الأولية للجهات الرسمية تكشف عن أن معظم الانتهاكات نفذت من قبل الجماعات المتمردة وليس الجيش النظامي.
ويرى أن تقرير المفوضية الأممية استخدم معايير مزدوجة في مقاربته للحال الأمنية في إثيوبيا، ففي حين دان الجيش النظامي واتهمه بممارسة 70 في المئة من التجاوزات، لم يقوَ على اعتبار الجماعات المسلحة الناشطة خارج نطاق القانون "جماعات إرهابية" متمردة على دستور الدولة وقوانينها.
وفي رده على سؤال يتعلق بأثر هذا التقرير على الحكومة الفيدرالية الإثيوبية، رجح مغرسا ألا تلتفت الدولة المركزية إلى هذه التقارير الدورية التي يعدها محققون لم يزوروا إثيوبيا ولم يجروا أي تحقيقات ميدانية، لذا لا يتوقع أن يكون له أثر واضح على السياسات الإثيوبية.