Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

 "الآنسة جميلة" ضحية سمنتها وزوجة الأب

نسرين نقوزي تروي بلسان المرأة المطلقة والعزباء مظالم الذكورية

لوحة للرسام بوتيرو (متحف بوتيرو)

ملخص

تدور رواية "الآنسة جميلة" للكاتبة نسرين نقوزي حول قضية الفتاة الأربعينية العانس التي تعيش داخل عائلة تتحكم بها زوجة الأب.

تطرق الكاتبة نسرين نقوزي باب الكتابة الروائية، في زمن تحتشد فيه التعريفات وتتخاصم الرؤى وينأى الكتاب والكاتبات الحديثون بأنفسهم عن القضايا الكبرى والصغرى خشية المساس بجوهر النوع، أي بغايته التي تتراوح بين "بناء الفردوس الفردي المتخيل" (كونديرا)، وبين "جعل الرواية عالماً جديراً بأن يدخل إليها القراء ويمضوا في متاهاتها مستنيرين بذكائهم" (أومبرتو إيكو)، وهذا يعني أن الالتزام بقضايا الجماعات الكبرى، الشعب والأمة والطبقة، في الرواية بنوع خاص، وما يستتبعه دفاعاً عن وجهات نظر فكرية وسياسية، صارا غير مدرجين في عدة الكتابة ولا في أساساتها.

أما رواية "الآنسة جميلة" الصادرة حديثاً عن "دار النهضة العربية" وذات الفصول الأربعة، وبصفحات قليلة نسبياً (110)، فتدير فيها الكاتبة كاميراها صوب شخصيتها الأساس والنموذجية "الآنسة جميلة"، وهي الفتاة السمينة، على حد وصفها، والمحرومة بهذا السبب من نعمة الزواج، والمعرضة لشتى أنواع الابتزاز من والدها "أبو أحمد"، وخالتها زوجة أبيها الثانية "سهير"، بعد موت زوجته الأولى "ياسمين"، والساعية عبثاً إلى استرداد حقوق لها مهضومة في الحب وحنان الأب والكرامة البشرية.

الحكاية البسيطة

تبدو حبكة الرواية بسيطة للغاية، على ما يتبدى للقارئ، وهذه تحسب للكاتبة ولخياراتها في اتباع أسلوب مبسط يكاد يكون شعبياً إلى حد يحمل بعضهم على نسبة الرواية إلى الأدب الشعبي، لولا كثير من السمات التي يأتي الكلام عليها، إذ تطالعنا الرواية بشروع آنسة تدعى جميلة في التشكي من حال البؤس التي بلغتها بعد موت أمها "ياسمين"، وهي العزباء الوحيدة بين أخواتهاضة) البنات، وزواج والدها "أبي أحمد" السبعيني من امرأة مطلقة تدعى "سهير" لها ابن متخلف عقلياً.

وفي جو من التوتر والريبة بين كل من جميلة القانطة من حال وحدتها وعنوستها، وبين سهير الأربعينية الملحة على زوجها السبعيني لمعاشرتها لتحبل له بولد، تضمن به الإرث والراتب التقاعدي والمنزل. ولكن سهيراً لا تلبث أن تغض النظر عن مشروعها بعد خيانة أبي أحمد لها مع فتاة عشرينية أوقعته في حبائلها وصورته عارياً، فاضطر إلى إسكات أهلها لقاء مبلغ 3 آلاف دولار، وتنتهي الحبكة بمرض أبي أحمد وانطوائه دون امرأته وابنته جميلة.

بين البكاء والهزل

ولئن كانت أحداث الرواية قليلة نسبياً فإن المحرك الأساس للتحولات التي تصيب شخصيات الرواية، وأصابتها، هو المشاعر المعبرة عن مصلحة كل طرف له صلة بالشخصية المحورية "جميلة"، إذ بات موقع الزوجة الجديدة سهير مثاراً لمشاعر الغيرة والحسد والقهر عند الابنة جميلة الأربعينية السمينة وغير الموفقة بأي عريس، على ما رغب فيه الأقربون وسهير نفسها لإبعادها من المنزل والتفرد بالزوج السبعيني اللقطة، وتشهد على ذلك محاولات جميلة الكثيرة في التقرب من الخُطاب المحتملين وفشلها فيها جميعاً، كونها عصية على التنازل لطالب القربى عن أمرين، كرامتها هي المعلمة والمتابعة تدريبها، وجهوزية الشريك الجنسي.

ولكن ما تنفرد به أحداث الرواية أنها تسير وفق خطين متكاملين ومتوازيين، خط المأساة ذات النبر الصاعد الذي ينشأ من سطح الأحداث ومن ردود الأفعال عليها من سائر الشخصيات الفاعلة فيها، أما الخط الثاني وغير البارز والذي يمكن للقارئ المعني الأول تتبعه وترسّمه، فهو خط الملهاة، بل سلسلة المهازئ التي تفتعلها الكاتبة عبر أسلوبها المباشر، من الوضع الجنسي لكل من الأب السبعيني، نموذج الرجل الشرقي ذي الذكورة المحتاجة إلى حبة "فياغرا" زرقاء، وهو الخاضع سابقاً لعملية قلب مفتوح والمدمن على تدخين النرجيلة صبحاً ومساء.

ومن سخرية الأقدار أيضاً أن الآنسة جميلة، المعنية الأولى بخط الأحداث الثاني، ما برحت تحلم، وهي الآنسة الأربعينية، بأن تتخلص من عذريتها، عنوان عجزها عن مشابهة قريناتها المتزوجات أو المصاحبات، ولكن تشاء الصدف أو سوء الطالع أو كلاهما أن يتخلى عنها حبيبها الأول "مازن" كامل الأوصاف، في حين يعجز صديقها التالي "رأفت"، عامل الدهان القليل العناية بنظافته والضعيف جنسياً، عن إتمام المهمة والقيام بأود مغامرتها الغرامية الكاملة، وعندئذ لا يبقى لها في مسارها الانحداري سوى تكرار أحلامها وكوابيسها الليلية التي تنهي بها الرواية.

  الشخصيات النموذجية والشعبية

قد يكون من وظيفة لرواية "الآنسة جميلة"، ولأي رواية ذات غاية ديستوبية اجتماعية أن تفضح مظلومية ما حيال شخص (هنا جميلة والعزباء والسمينة)، بمقدار ما تسلط الضوء على شخصيات نموذجية من الطبقة الاجتماعية الوسطى التي خالطتها الحثالة ودفعت بها إلى الحضيض، وتكشف عن أمراض في المجتمع اللبناني لا تزال تمعن في أفراده، ولا سيما النساء منهم، إقصاء وتهميشا واستعلاء، ولا أحسب الآنسة جميلة تمثل نفسها، شخصية روائية ذات مزاجية منقوصة أو مقموعة، إنما تحيل على واقع فئة من النساء العزباوات، وهي كبيرة في بلادنا لأسباب شتى، من اللواتي ما زلن يعانين مرارات التسلط من قبل ذكور العائلة المحظيين ورهبة السقوط في تجربة الغرام المحرم وما يجره غضب المحيط العارم عليها من أذى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

  لا يضير الأب، هذا المعلم والموظف المتقاعد من سلك التعليم، أن يجمع في نفسه صفات الرجولة والتعالي على غيره الأدنى منه مرتبة إلى التقرب من المتنفذين وكبار السياسيين، الحريري مثلاً، والضباط والمهندسين وكبار المقاولين في الجنوب، إلى الانصياع لإرادة زوجته الثانية "سهير" وحرمان ابنته جميلة من ذرة حنان كانت الأخيرة افتقدته بعد موت والدتها، ثم لا يتورع عن الشروع بمغامرته الغرامية الأخيرة مع فتاة في عمر أحفاده وخيانة زوجته لحاجته الجنسية التي لجت عليه، فكادت تودي به إلى الفضيحة لولا تغطيتها بالمال.

ومثله ابنه أحمد، أخو جميلة، الذي لم يتردد في عقد صفقة بيع جميلة لعم "سهير"، الأرمل منذ دهر وصاحب الأموال، لتزويجها له لولا رفض المعنية النابع من كرامتها، سندها الوحيد الباقي.

ثم إن الكاتبة نسرين النقوزي في تسليطها الأضواء الكاشفة على واقع الأنثى العزباء لا تنسى عديلتها المرأة المطلقة التي مثلتها في الرواية بـ "سهير"، فلا تزال حتى تكشف عن تبخيس متواصل في حقها باعتبارها فاشلة في الحفاظ على وحدة العائلة وقيامها بما تفرضه العائلة عليها من واجبات  من دون حقوق واجبة لها، وأضف إلى ذلك أنها ألفت نفسها مضطرة، من دون زوجها الأول، إلى العناية بابنها المتخلف عقلياً، وتقول عنه "كريم هو البصمة الباقية إلى الأبد، إني لست كالآخرين، وأني غبية، وأنجبُ أولاداً أغبياء" (ص:83)

تعدد وجهات النظر

في الفصل الأول من الرواية والأكبر (ص: 4-60) يسيطر ضمير المتكلم العائد إلى الآنسة جميلة وقد جعلتها الكاتبة تبسط مراراتها وشكاواها من كل من له صلة بمأساتها أو بخلاصها الممكن من جحيمها، ولا تلبث وجهات النظر أن تتغير بتغير المتكلم في الفصول اللاحقة؛ ويتوالى دور "سهير" و"جميلة" على امتداد الفصول الأربعة الباقية، وتُفرد الكاتبة فصلاً يتيماً للأب (ص: 63-70) يتكلم فيه على عقوق الأبناء والبنات على رغم تضحياته حيالهم.

ومهما يكن الأمر فإنه يمكن القول إن الكاتبة نسرين نقوزي أنجزت رواية مكتملة الأركان، وإن صنفها بعضهم "نوفيلا" لقصر حجمها مقارنة بالرواية الطويلة نوعاً ماً، ولئن كانت واقعية أسلوبها في الرواية صادمة أحياناً في نقلها كلام العامة على صورتها، ولا سيما في ما خص العبارات الجنسية، فإنها تطمح ببساطة تعبيرها المكثف والمشغول بإيجاز بليغ إلى أن تكون رواية في الحد الوسط بين الشعبية والاجتماعية ذات الدرامية المتفاوتة الأغوار.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة