ملخص
إن نبتة السرخس أو الخنشار المنتشرة في الطبيعة والمنازل تتميز برهافة أوراقها وصغر حجمها، لكن نواة كل خلية فيها تضم جينوم يفوق ما يملكه البشر بـ 50 مرة.
حطمت نبتة السرخس أو الخنشار الرقم العالمي في كمية المادة الوراثية المختزنة في أنوية خلاياها التي تفوق كل نظيراتها من الكائنات الحية على الأرض كلها.
وتبين لبحاثة ضمت صفوفهم علماء من "حدائق كيو الملكية" اللندنية، أن أنواعاً من السرخس تشبه شوكة الطعام وتنمو في كاليدونيا الجديدة، تملك جينوم يفوق نظيره لدى البشر بأكثر من 50 مرة، ويتركز ذلك الجينوم الضخم في أنوية خلايا تلك النبتة التي أقصت نبتة ورود يابانية من فصيلة "باريس جابونيكا" عن المرتبة الأولى التي تربعت عليها تلك الزهور منذ عام 2010.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتحمل نبتة السرخس موضع البحث اسم "تميسيبتيريس أوبلانسيولاتا"، وهي نوع نادر من الخنشار موجود في كاليدونيا الجديدة، المنطقة التي تشكل جزءاً من فرنسا ما وراء البحار، وتقع في جنوب غربي المحيط الهادئ على بعد 750 ميلاً (1200 كيلومتر) من أستراليا.
وأفاد المؤلف المساعد للدراسة جومه بلليسر أن "نبتة تميسيبتيريس أوبلانسيولاتا تعتبر صنفاً فرعياً متفرداً وصغيراً وساحراً ضمن فصيلة السرخس، وقد تطور أسلافها قبل نحو 350 مليون سنة، قبل أن تطأ أقدام الديناصور الأرض، وتتميز بشكل رئيس باعتيادها على المُلازمة (تنمو على جذوع الأشجار وأغصانها)، إضافة إلى انتشارها حصرياً في منطقة أوسيانيا ومجموعة من جزر المحيط الهادئ".
وأضاف بلليسر أنه "على مدى زمن طويل ظننا بأن كسر الرقم القياسي في حجم الجينوم الذي سجلته باريس جابونيكا سيشكل مهمة مستحيلة، ولكن مرة أخرى تفوقت إمكانات الوجود البيولوجي على توقعاتنا الأشد تفاؤلاً".
ووفق بحاثة فإن صنف "تميسيبتيريس" يندرج ضمن مجموعة النباتات التي لم تنل حقها من الدراسة مع 15 فصيلة أخرى، وتنتشر غالبيتها عبر منطقة جزر الهادئ وأوقيانوسيا.
وحينما يوضع جينوم تميسيبتيريس أوبلانسيولاتا في خط مستقيم يصل طوله إلى 100 متر، وبالتالي باتت تلك النبتة تمتلك ثلاثة ألقاب في موسوعة "جينيس للأرقام القياسية العالمية"، وهي الجينوم الأضخم لأي نبتة، والأكبر في العالم، والأضخم بين الطاقم الوراثي الكامل لنباتات السرخس.
ويُقاس حجم القواعد المكوّنة للحمض النووي الوراثي [الذي يحوي الجينوم] بعدد ما تضمه كل قاعدة من البروتينات الأساس، وهي "أدينين" و"غوانين" و"ثيامين" و"سيتوسين". [يتكون الحمض النووي من سلاسل متوالية من القواعد الأساس، وتتألف كل قاعدة من ثلاثة مكونات هي بروتين أساس يرتبط مع جزيئين أحدهما سكر والآخر فوسفات، وترتبط كل قاعدة ثلاثية مع أخرى شبيهة لها عبر البروتين الأساس في كل منها، فيتشكل ما يسمى بالقواعد الجينية المزدوجة، ويتكون الحمض النووي الوراثي من سلاسل كبيرة من القواعد المزدوجة التي تتخذ هيئة سلم لولبي طويل، وهو وصف شائع للحمض النووي المحتوي على جينات الوراثة].
وفي أوقات سابقة جرى التعرف إلى جينومين ضخمين لنوعين من "تميسيبتيريس"، هما "تانسيس" و"أوبليكا"، وقد بلغ حجماهما على التوالي 73.19 و147.29 غيغا من القواعد الجينية المزدوجة، وبعد ذلك سافر البحاثة إلى كاليدونيا الجديدة عام 2023 كي يجمعوا عينات من "تميسيبتيريس" ويحللوا تركيبة الجينوم فيها.
أعقب ذلك أنهم استخلصوا أنوية آلاف الخلايا من تلك النبتة ولونوها بصبغات لها لون معين تتصف بقدرتها على الالتصاق بالحمض الوراثي في أنوية الخلايا، فتمكنوا من قياس طول ذلك الحمض عبر تتبع طول المكون الملون، وأعطاهم ذلك قياساً لحجم الجينوم.
ووجد البحاثة أن أوبلانسيولاتا كسرت الرقم القياسي في حجم الجينوم الذي بلغ طوله لديها 160.45 غيغا من القواعد الجينية المزدوجة، وهو ما يفوق بنحو سبعة في المئة ذلك الموجود في نبتة "جابونيكا" (148.89 غيغا من القواعد الجينية المزدوجة).
وأفاد البحاثة أنه حينما اُستخرج الحمض الوراثي لتلك النبتة ومُد على خط مستقيم تبين أنه أطول من "برج إليزابيث" في مبنى "ويستمنستر" بلندن.
وللمقارنة يحوي جينوم البشر على 3.1 غيغا من القواعد الجينية المزدوجة، وحينما يوضع بشكل مستقيم يبلغ طوله قرابة المترين.
وبين الحيوانات تنتمي بعض أطول الجينومات إلى سمكة من نوع "ماربلد لونغ فيش" بـ129.90 غيغا من القواعد الجينية المزدوجة، و"نويس ريفر ووتر دوغ" بـ117.47 غيغا من القواعد الجينية المزدوجة.
وبحسب الباحثة من حدائق "كيو" الدكتورة ليليا ليتش، فإنه "بالمقارنة مع الكائنات الحية الأخرى تظهر النباتات تنوعاً لا يصدق لجهة مستوى الحمض النووي، ويجدر بذلك الأمر أن يحثنا على التروي للتفكير بقيمتها الكامنة في المشهدية الأوسع للتنوع البيولوجي في الكرة الأرضية، وكذلك يثير هذا الاكتشاف أسئلة جديدة ومثيرة في شأن الحدود القصوى لإمكانات الوجود البيولوجي، ونأمل في أن نتوصل ذات يوم إلى حل تلك الألغاز".
© The Independent