Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

3 نساء من الهند وإيطاليا وكندا يلتقين في رواية الفرنسية ليتيسيا كولومباني

"الضفيرة"  الأكثر مبيعا... ترجمت الى 30 لغة بينها العربية

الكاتبة الفرنسية ليتيسيا كولومباني (يوتيوب)

تستطيع بعض الروايات أن تحقق انتشاراً واسعاً في زمن قصير، ومنذ الطبعة الأولى، تصل إلى قائمة الأكثر مبيعاً في بلدان عدّة. هذا الكلام ينطبق على رواية "الضفيرة" للكاتبة الفرنسية ليتيسيا كولومباني، التي تُرجمت إلى 30 لغة، وصدرت بالعربية عن المركز الثقافي العربي، بترجمة معن عاقل.

تخوض الكاتبة في "الضفيرة" مغامرتها الروائية الأولى، بعد كتابتها سيناريو لفيلمين هما "نحو الجنون، لا أبدا" و"نجومي وأنا". تناولت كولومباني في روايتها حكايات عن ثلاث نساء، كل واحدة منهن تنتمي إلى واقع مختلف تماماً عن الأخرى، وتعيش في بلد آخر، بل في قارة أخرى. يمكن القول إنه لا توجد قواسم مشتركة بينهن، ومع ذلك جمعتهن الكاتبة في ضفيرة واحدة. أمّا  روايتها  الثانية الصادرة بالفرنسية منذ أشهر عدّة تحت عنوان "المنتصرات"- لم تُترجم إلى العربية بعد، فتدور أحداثها في باريس. بطلتها تُدعى "سولين" وهي محامية مرموقة تواجه مصاعب في مهنتها، وتعاني من الاكتئاب بعدما هجرها حبيبها، وصارت تفضّل النوم على أي فعل آخر، مما يدفع طبيبها النفسي إلى نصيحتها بالقيام بعمل تطوعي. ومن خلال إعلان تشاهده صدفة في الشارع، تتحوّل إلى كاتبة ترد على خطابات لأشخاص غرباء.

صلة الوصل

يتمكن القارئ من ملاحظة كيف يحضر شعر المرأة في رواية "الضفيرة"، حاملاً دلالة رمزية بين النسوة الثلاث، لذا جاء عنوان "الضفيرة" متوافقاً مع فعل التضفير الخاص بالشعر، والذي يدل أيضاً على التضافر والمتانة.

الشخصية الروائية الأولى التي تبدأ معها الرواية هي "ساميتا" امرأة هندية من بادلابار، تنتمي إلى فئة اجتماعية منبوذة، يُنظر إليها بدونية من باقي الطبقات لأنها تعمل في مهن دنيا. توارثت "ساميتا" عن أمها العمل في تنظيف مكان التغوط في بيوت الطبقات الأعلى؛ وللتوضيح تشدّد الكاتبة على أنّ الأماكن التي تنظفها "ساميتا" عبارة عن حفرة في الأرض، أي أنها بيوت من دون حمام. تعمل "ساميتا" في هذه المهنة منذ كانت في السادسة من عمرها، وتصف نفسها بأن رائحة البراز علقت في مسامات جلدها، فلا يمكن أن تزول عنها مهما اغتسلت، إلاّ أنّ شيئاً واحداً فقط يعنيها في هذه الحياة وتكافح من أجله وهو تخليص ابنتها الوحيدة ذات الأعوام الستة من ملاقاة المصير ذاته. تحاول "ساميتا" إرسال طفلتها إلى المدرسة، حيث تواجه الطفلة واقعاً قاسياً آخر يجعلها تعود إلى البيت منكسرة.

في لقائها مع برنامج "المكتبة الكبيرة" الفرنسي، اعتبرت كولومباني أنها في هذه الرواية تقدم وجهاً من وجوه الحياة مسكوتاً عنه ويجهله الكثيرون. وقائع مأساوية في حياة نساء مجهولات، أيّاً كانت انتماءاتهن أو بلدانهن، حيث هناك جيوب خفية توضع الأحزان في داخلها إلى أن تنتفخ وتصعب مداراتها. وذكرت أنها قامت بأبحاث عدّة عن طائفة " الداليت" الهندية، كي تتمكن من كتابة شخصية "ساميتا".

الشخصية الثانية في الرواية هي "جوليا"، امرأة إيطالية تعيش في صقلية مع أسرتها التي تمتلك ورشة لصناعة الشعر المستعار، وتحوّله بعد جمعه من عند المزينين إلى شيء قيّم يليق بأن تضعه النساء على رؤوسهن. تعيش "جوليا" وسط نظام تقليدي بطريركي على الرغم من كونها امرأة أوروبية، إلاّ أنّ مجريات الواقع من حولها يدلّ على مدى التحكم في حيوات النساء. تكتشف "جوليا" بعد موت والدها، حقيقة حال الورشة المهددة بالإغلاق ويكون عليها أن تقاتل حتى آخر رمق كي لا تخسر ما بنته أسرتها أباً عن جد. تبدو "جوليا" شخصية غير نمطية في مجتمع يُحتمّ عليها الانصياع لتقاليده وأعرافه في العلاقات بين البشر... تدخل "جوليا" في علاقة حب مع كمال وهو شاب هندي من طائفة السيخ، يلفت نظرها شعره الطويل وتعرف أنه محرّم عليه قصه، تتخيّل لو عرف أفراد أسرتها بحبها لكمال، كيف سينظرون إلهيا وهي تقف إلى جانب هذا الشاب الأسمر؟

سارة المعاصرة

أما "سارة" وهي الشخصية الثالثة في الرواية، فتُعتبر نموذجاً للمرأة المعاصرة، وتبدو أكثر الشخصيات الثلاث تركيباً على المستوى النفسي. تعيش "سارة" في مونتريال، مطلّقة ولديها طفلان، وهي محامية شهيرة تعمل في أحد المكاتب وتتقاضى راتباً كبيراً. يمكن وصف "سارة" بأنها "المرأة الحديدية" التي تحيط حياتها بقدر هائل من السرية كي لا يتمكن أي شخص من اختراقها ومعرفة أي نقطة ضعف لديها. ليس لديها أصدقاء ولا تقيم وزناً للعلاقات الإنسانية، بل تتعامل معها بتعال، مهووسة بعملها، وصورتها كمحامية لامعة وتتفانى بكل ما لديها من طاقة للحفاظ على هذه الصورة. لكن كل شي يتبدّل بعد أن تظهر أعراض مرض السرطان على جسدها... النسيان، عدم القدرة على الانضباط، نوبات الألم الساحقة، وعلى الرغم من هذا، تُصر "سارة" على تجاهل هذه المعاناة والاستمرار في عملها، لكنها تنهار وتلمح من زملائها في المكتب تلك النظرة المليئة بالشفقة، الممزوجة بنوع من الشماتة... هكذا، يأتي الانكسار في حياة "سارة" من عدم امتلاكها للتعاطف، وبالتالي عدم حصولها عليه في اللحظات الحرجة، أيضاً في الكشف عن المفردات الدقيقة للحياة في العالم الأول حيث الواقع الاستهلاكي الطاحن والمتجاوز للمشاعر والعلاقات الإنسانية، فالغلبة دائماً لمضي سيرورة العمل على حساب أي شيء آخر.

حاولت ليتيسيا كولومباني أن تضفر حيوات هؤلاء النساء في ضفيرة واحدة، وعلى الرغم من أنهن لا يلتقين أبداً، إلاّ أنّ مصائرهن تتقاطع بشكل غير مرئي، في حبكة يتم تضفيرها بين الهند وإيطاليا وكندا، بغرض الكتابة عن تاريخ من المعاناة والوحدة والانكسار والعبودية. ربما ما بدا غير منطقي قليلاً من الجانب الفني هو العبور السريع على مصائر النسوة الثلاث، إذ بدت هذه النقطة في حاجة إلى المزيد من التبئير بعد خوضهن غمار رحلات نفسية كاشفة أكثر للحياة الحقيقية التي يطمحن إليها. لكن تظل الروح الحرة هي التي حكمت مسارهن جميعاً ووحّدت بينهن. التوق إلى الحرية هدف في حد ذاته لكلٍّ منهن مهما كان الوضع مأساوياً من الخارج، إلاّ أنّ كل واحدة فيهن قالت "لا" على طريقتها الخاصة.

إن قراءة رواية "الضفيرة" ومشاهدة الحوارات التي أجرتها كولومباني تكشفان عن أن النساء الثلاث بعيدات تماماً من واقع الكاتبة، لا تبدو بطلاتها محملات بأي شيء من حياتها، هي كاتبة تعيش في باريس، وتمتهن الكتابة وبعيدة تماماً من المهن اليدوية، لذا لم تتسرب أي تفاصيل من واقعها إلى الرواية. بينما ينعكس أثر كتابة السيناريو على أسلوب الكاتبة هذا، يمكن ملاحظته في استخدامها صوت الراوي العليم وفي الوصف وقدرتها على نقل المشهد الخارجي بما يتضمنه من حوارات ومونولوغ داخلي، وتكثيف الحدث بالقدر الذي تريده، وسرعة الانتقال، أيضاً القدرة السلسة على التشويق غير المبتذل الذي يُمكّنها من الاحتفاظ بالقارئ.

لعل الجدير بالملاحظة أن رواية "الضفيرة" من نموذج الأعمال الأدبية التي يحتاج إليها القراء بين حين وآخر. إنها رواية نسوية بامتياز وتخاطب النساء وتدعوهن بأسلوب هادئ إلى الإيمان بقدراتهن الداخلية، لا يمكن القول إنها رواية خارقة، إنها رواية قصيرة ممكن قراءتها في جلسة واحدة، لكن من جانب آخر هي رواية خاصة تفرد مساحة للكشف عن عوالم نسائية غير مألوفة، يتم الحديث عنها في نص إبداعي.

....

المزيد من