Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مناهج التعليم في المدارس العربية "عفا عليها الزمن"

يفترض أن تواكب متطلبات العصر وسوق العمل لكن هذا الأمر قد لا ينطبق على الواقع

تكمن أهمية تطوير المناهج في المراحل المدرسية أي قبل الجامعة، في أنها ترتقي بالعملية التربوية لتواكب العصر (اندبندنت عربية)

ملخص

تكمن أهمية تطوير المناهج في المراحل المدرسية، في أنها ترتقي بالعملية التربوية لتواكب العصر وتستجيب لكل ما هو جديد في البحوث والدراسات العلمية، وكذلك تقدم للطالب ما سيحتاجه لاحقاً، وليس مواد "عفا عليها الزمن".

فما هو واقع هذه المناهج عربياً؟ أين هي نقاط ضعفها؟ وهل تواكب عصر التكنولوجيا والتطور بما يعود على الطالب بالفائدة؟

تلعب المناهج التعليمية المدرسية في قطاع التربية والتعليم دوراً أساسياً في عملية تثقيف الطالب وتأهيله إن لناحية المعرفة أو تحضيره لدخول المرحلة الجامعية وبعدها سوق العمل، ويتم وضع هذه المناهج كخطط شاملة هدفها تنظيم الدروس ومخططاتها في مختلف المستويات الأكاديمية.

ومن المفترض بهذه المناهج التربوية أن تواكب كل تطور حاصل لتؤكد فاعليتها في تأمين معرفة أكثر شمولية للطلاب، لكن هذا الأمر قد لا ينطبق على الواقع العربي، أو في الأقل ليس في المدارس كافة.

وتكمن أهمية تطويرها في المراحل المدرسية أي قبل الجامعة، في أنها ترتقي بالعملية التربوية لتواكب العصر وتستجيب لكل ما هو جديد في البحوث والدراسات العلمية، وكذلك تقدم للطالب ما سيحتاجه لاحقاً، وليس مواد "عفا عليها الزمن".

فما هو واقع هذه المناهج عربياً؟ أين هي نقاط ضعفها؟ وهل تواكب عصر التكنولوجيا والتطور بما يعود على الطالب بالفائدة؟

مناهج مصر التعليمية... تطوير في دائرة التلقين

في مصر وخلال السنوات القليلة التي خضع فيها نظام التعليم لجهود ومحاولات إصلاح المناهج من حيث المحتوى المعرفي وأسلوب التدريس وطريقة وضع الامتحان لتقيس ما فهمه الطلاب، لا ما حفظته أدمغتهم، على أمل البدء في الربط الحقيقي بين المناهج وسوق العمل، حصلت مقاومة شديدة من الأهل والمعلمين، ولم تهدأ أو تفتر، إلا بعد أن عادت ريما إلى عادتها القديمة: تلقين، وحفظ، وسكب حتى في المناهج التي جرى تحديثها.

وزير التربية والتعليم الفني رضا حجازي لا يدخر جهداً منذ تبوأ منصبه قبل عامين في تأكيد أن قطاع التعليم المدرسي، والتعليم الفني في القلب منه، يشهد نقلة نوعية، وأن مواكبته لسوق العمل وتلبية احتياجاته لم تعد فكرة، بل أمراً واقعاً. وهو قال إن خطة الوزارة الاستراتيجية 2024 - 2029 انطلقت من برامج الحكومة التي تهدف إلى بناء الإنسان المصري، وأحد أهم أهدافها الأساسية التشغيل.

البقاء في مربع صفر التلقيني  

من جانبه يرى الخبير التربوي كمال مغيث، أن نسبة كبيرة من مناهج التعليم المصرية، "لا تشجع على الفكر أو تحرض على الثقافة، بل على التلقين والحفظ من دون شرط الفهم أو استخدام المحتوى وتطبيقه في مهارات حياتية أو مهنية"، لافتاً إلى أن جهود التطوير الرامية إلى تدريب الطلاب على التفكير النقدي والفهم والتحليل والبحث "تعاني مقاومة الأهل للفكرة وإصرار المعلم على البقاء في مربع صفر التلقيني".

ويشير إلى أن مهنة المعلم تتبوأ مكانتها في القلب من العملية التعليمية، إذ وحده المعلم قادر على التخفيف من حدة الآثار السلبية الناجمة عن جمود المناهج، وهو أيضاً عامل من عوامل تعميق هذا الجمود حال لم يكن مؤهلاً أو لم يتوافر لديه شغف المهنة.

تعاني المهنة كثيراً. يكفي أن مهنة المعلم في حد ذاتها تجسيد للفجوة العميقة بين احتياجات سوق العمل في مجال التدريس، وقدرات الخريجين الراغبين أو المضطرين للعمل في مهنة التدريس. جانب من المعاناة، وهو الجانب المسيطر على الأولويات الرسمية والخطط الوزارية يتعلق بالعجز الشديد في أعداد المعلمين. في كل عام، ينضم 750 ألف طالب جديد إلى التعليم المدرسي، وهذا يعني الحاجة إلى تشغيل 20 ألف معلم إضافي كل عام.

عجز الأعداد والقدرات

إحدى المبادرات الرئاسية، التي يجري تنفيذها لمواجهة العجز في الأعداد هي تعيين 150 ألف معلم خلال خمس سنوات، لكن أزمة المعلم لا تقتصر على نقص الأعداد فقط، بل غياب شغف المهنة. الأعداد الغفيرة التي تتقدم لشغل وظيفة معلم تعكس انضمام الآلاف لكليات التربية بسبب معضلة مكتب التنسيق المزمنة، حيث من لم يوفقوا في الالتحاق بكليات الطب والهندسة والإعلام وغيرها من كليات الأحلام.

وتواضع مستوى المعلمين يفاقم من معضلة المناهج المدرسية، إضافة إلى نقص الأنشطة والبحوث التي يكلفون بها، ثم تجري مناقشتها في الفصل بغرض الإثراء المعرفي، حيث لا المعلم أو الطالب مهتم أو مدرك لأهميتها.

يقول كمال مغيث إن "المفهوم الواسع للمنهج، جرى اختزاله في الكتاب المدرسي المقرر لأسباب عدة منها تواضع مستوى إعداد المعلمين، وفقر المعامل والمختبرات وقلة إمكاناتها، وتقلص ميزانية الأنشطة، وسهولة التدريس والامتحان بالطرق التقليدية".

موجات الهجوم الشعبية على منظومة التعليم  

يذكر أن موجات الهجوم الشعبية الضارية على منظومة التعليم والامتحانات التي اشتعلت في سنوات سابقة حاولت فيها الدولة إصلاح محتوى المناهج، وتحويل دفة أسلوب التدريس من الشرح والتحفيظ إلى الشرح والتشجيع على التفكير النقدي، وتعديل أسئلة الامتحان هدأت تماماً بعد العودة إلى الأساليب القديمة.

دائرة المناهج الجامدة، والمعلم غير المدرب أو غير القادر أو غير الراغب في مواكبة احتياجات العصر، والخريج المحتفظ برواسب علمية ومعرفية من دون قدرة على توظيفها، وسوق العمل الباحثة عن توليفة من المهارات والقدرات التي لا توفرها العوامل السابقة، تظل دائرة مفرغة.

نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عمرو هاشم ربيع أشار في مقال عنوانه "ماذا ينقص مناهج التعليم في مصر؟" إلى افتقاد منظومة التعليم المدرسي لآلية لقياس جودة المناهج، وتراجع قدرة المعلم على اللحاق بالنمو المهني المطلوب، وفقدان حلقة الوصل بين التعليم ومناهجه من جهة وخطط التنمية من جهة أخرى، حيث انعدام الرؤية وضعف الإمكانات وتواضع البنى التكنولوجية في المدارس، لا سيما الحكومية، وهي التي تستوعب غالبية الطلاب، والأهم هو انعدام الرؤية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يشار إلى أن المدارس الدولية تدرس مناهج تختلف تماماً عن تلك المعتمدة في نظام التعليم الوطني، تتبع أساليب تدريس وطرق تدريب ومنصات تنمية مهارات وقدرات تقف على طرف نقيض من التعليم الوطني.وبحسب أرقام وزارة التربية والتعليم، يبلغ عدد المدارس الخاصة (التي تدرس المناهج الوطنية بلغات أجنبية، إضافة إلى المدارس الدولية التي تتبع مناهج خاصة بها) نحو 10 آلاف و450 مدرسة من إجمالي 60 ألف مدرسة. ويدرس في المدارس الخاصة والدولية نحو 2.7 مليون طالب من مجموع نحو 25 مليون طالب في التعليم المدرسي. 

التعليم في السعودية بين تطوير المعايير والتحديات

بعد سنوات من الجمود الذي طال المناهج الدراسية، جاءت رؤية البلاد التنموية 2030 في السعودية لتطال كل القطاعات وأهمها التعليم، إذ بات في مسيرة تحديث مستمر لتطوير مناهجه وتحديثها واستحداث أخرى جديدة.

ولتطوير المناهج التعليمية السعودية أهداف عدة، لكن أبرزها "تنقيح الكتب المدرسية من الأفكار المؤدلجة ورموز التيارات الضالة، وتعزيز قيم التسامح والوسطية واحترام الآخر والانفتاح على العالم"، وفقاً لوزارة التعليم.

وتضمنت إصلاحات التعليم أخيراً بجانب "تنقيح بعض المناهج"، تحديث المحتوى التعليمي، وتطوير الخطط الدراسية من خلال إدخال مواضيع وكتب مدرسية جديدة مثل منهج "التفكير الناقد، والفنون، وانترنت الأشياء، وعلم البيانات"، إلى جانب "تعزيز المواطنة العالمية وقيم السلام والتسامح والتفاهم المتبادل والتنوع الثقافي". 

الاستفادة من الذكاء الاصطناعي 

وأدركت السعودية مبكراً تسارع خطوات الذكاء الاصطناعي حين أطلقت فصولها الافتراضية التي استفاد منها أكثر من 6 ملايين طالب وطالبة، ففي الحقبة التي لم يتمكن فيها معظم سكان العالم من الخروج من المنازل بسبب إجراءات الحجر في زمن كورونا، كانت البلاد قد أطلقت فصولها الافتراضية عبر خدمة "منصتي" التي ما تزال فصولها حية حتى اليوم، وأحياناً تتحول لها الدراسة بشكل كامل بخاصة في أوقات سوء أحوال الطقس وفي الأقدار التي تمنع الوصول إلى الفصول الواقعية.

وكان لافتاً أخيراً الخطوة التي اتجهت لها السعودية حين بدأت بإشراك قطاعات مثل الثقافة والرياضة وحقوق الإنسان من أجل حوكمة تطوير مناهجها الدراسية. وكان ذلك في فبراير (شباط) الماضي حين أطلقت "المركز الوطني للمناهج" بموافقة من مجلس الوزراء، ليصبح مستقلاً وتتكامل فيه أدوار القطاعات الحكومية ذات العلاقة بالمستهدفات الوطنية من خلال المناهج، إضافةً إلى بناء شراكات مع خبرات عالمية للعمل وفق منهجيات بحثية علمية تتسق مع متطلبات الأجيال الجديدة.

وصرح وزير التعليم السعودي يوسف البنيان أن البلاد "تقدمت خمس مراتب عالمياً، وتحسن التعليم بمعدل 19 نقطة". وأشار إلى أن "الحاجة باتت ملحة لتزويد المعلمين بحزمة من المهارات اللازمة من دون الاقتصار على تطوير المناهج فقط".

وأضاف الوزير الذي يشغل منصب رئيس اللجنة التنفيذية لبرنامج تنمية القدرات البشرية، أن "التقدم في قطاعات مثل التقنية، والرعاية الصحية، والذكاء الاصطناعي، يعتمد على قوة عمل جاهزة للمستقبل بحقيبة مهارات مناسبة"، مؤكداً على "أهمية ترقية وتحديث الموارد والقدرات البشرية".

وضمن الجهود التي تبذلها البلاد في إطار تهيئة المعلمين بشكل مستمر، أوجدت الحكومة اختباراً دورياً للمعلمين أطلقت عليه "اختبار الرخصة المهنية للوظائف التعليمية" وهو أداة تقويمية مقننة لقياس مدى تحقق المعايير التربوية العامة والتخصصية للمتقدم لنيل الرخصة المهنية عبر "نظام الرخص المهنية للوظائف التعليمية". 

جملة من التحديات 

وإن كانت هناك تحولات في التعليم السعودي إلا أن هناك جملة من التحديات، ومنها تأهيل المعلمين بصورة توازي التحولات الحديثة، والمناهج والمسارات المنظمة حديثاً مثل الفنون والتفكير الناقد والفلسفة.

وعن طبيعة المباني المدرسية التي مضى على تصميمها بضعة عقود، تقول مصادر لـ "اندبندنت عربية" إن "ثمة تحولاً قادماً نحو أنسنة المباني المدرسية، وبخاصة مدارس الفتيات".

وفي برنامج "التحول الوطني 2020" أتى الحديث عن جملة تحديات في قطاع التعليم، ومنها "ضعف البنية التعليمية المحفزة على الإبداع والابتكار، وضعف الشخصية ومهارات التفكير الناقد لدى الطلاب، إضافة إلى تدني جودة المناهج والاعتماد على طرق تدريس تقليدية، إضافة إلى ضعف مهارات التقويم لدى المعلمين".

الهوة بين المدارس الرسمية والخاصة في لبنان

تنقسم المدارس في لبنان بين رسمية وخاصة، إنما هذا لا يشكل أساس التفاوت الحاصل في المستويات التعليمية، فضمن المدارس الخاصة تلك التي تتبع المنهج اللبناني، وأخرى تتبع المنهج الأجنبي أي الفرنسي أو الأميركي أو البريطاني. وعلى رغم التفاوت في المستويات التعليمية بين هذه المدارس عامة، وحتى بين تلك تتبع المنهج نفسه أحياناً، يبقى أساس الاختلاف بين المدارس التي تتبع المنهج اللبناني وتلك التي تتبع منهجاً أجنبياً.

تقول رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء هيام إسحاق "لم يحصل أي تطوير أو تعديل في المناهج التربوية منذ عام 1997، مما يجعلها بعيدة من التطور الحاصل في عالم العلم والمعرفة والتكنولوجيا، إذ لم يحصل أي تطوير من ناحية الكفايات والمعارف وفي مواكبة الوسائل التعليمية الحديثة".

ويبدو أنه في القطاع التربوي أيضاً تحصل تدخلات لتشكل عائقاً أمام أي تطور، فتبرز هنا إشكالية لها علاقة بنواح سياسية وأمنية ودينية منعت تطوير المناهج. وبحسب إسحاق "على الدولة التي تعمل على مواكبة التطورات الحاصلة أن تتمتع بحد أدنى من التوافق السياسي والتوازن الأمني والتربوي".

وكون المدارس الرسمية وقسم من المدارس الخاصة تتبع المنهج اللبناني، وهي لم تتعدل منذ 27 سنة، يغلب عليها الطابع النظري "وضعنا حالياً إطاراً وطنياً لتطوير المناهج ويجري العمل على تأمين خبراء يسعون إلى مواكبة تطورات العصر في المناهج التربوية الجديدة بعد التعديل".

المنهج هو المعيار

ضمن المدارس الخاصة ثمة اختلاف كبير، وخصوصاً بين التي تتبع المنهج الفرنسي وتلك التي تتبع المنهج الأميركي أو البريطاني، فلكل منها مقاربات مختلفة، إنما في كل الحالات، لهذه المدارس على اختلافها مناهج متطورة تؤمن للطالب معرفة شاملة في عصر التكنولوجيا والتطور العلمي السريع، كما تغلب في هذه المدارس الأساليب التطبيقية مع تجديد سنوي للمناهج.

أما المناهج التي يعمل عليها المركز التربوي للبحوث والإنماء حالياً في مواكبة لتطورات العصر فمبنية على الكفايات، بحسب إسحق، "بما يؤمن المساواة بين الطلاب في التعليم والمعرفة، علماً أنها وهي مناهج دامجة للطلاب على اختلاف بيئاتهم مع متابعة لتطور الطالب في مختلف المراحل التعليمية المدرسية، وأيضاً مواكبة للتطور في المجال الرقمي والتكنولوجي، مع جانب تفاعلي بات أساسياً، وهي المرة الأولى في لبنان التي توضع سياسات في المجال التربوي تمهيداً لوضع مناهج تربوية مع إطار وطني".

تفاوت مؤسف بين الطلاب

وانطلاقاً من تجربته في هذا المجال، يوضح المتخصص في التربية والتعليم وسام عبدالصمد أن التفاوت واضح وأكيد حتى ضمن المدارس الخاصة بوجود مستويات عديدة منها، ومناهج عدة أيضاً وبحسب الطبقة الاجتماعية فيها، مشيراً إلى "وجود مدارس خاصة شبه مجانية وضعها أقرب إلى المدارس الرسمية، ولا تتوافر فيها الوسائل التكنولوجية الحديثة بالحد الأدنى منها. لكن حتى في المدارس الرسمية، هناك استثناءات ويسلك بعضها طريقاً مختلفاً باتباع أسلوب مختلف في الإدارة والتعليم مواكبة للتطور الحاصل في العالم".

والمنهج اللبناني ليس فيه أي تجديد أو تطوير، ولا يفتح أي مجال للاختبارات الجديدة والأعمال التطبيقية بطرق عصرية، وهنا يكمن أساس التفاوت بين المدارس، فهذه المساحات التي تخصص للطالب لمواكبة التطور غير موجودة إلا في قسم من المدارس الخاصة، التي تخصص طوابق فيها للتكنولوجيا والعلوم والأعمال التطبيقية مع مختبرات مجهزة بالكامل، وهي تحرص على تدريب الأساتذة ليتمكنوا من مواكبة كل التطورات. إلا أن هذه المدارس لها أقساط هي الأعلى في لبنان، وكأنه بقدر ما يرتفع المستوى التعليمي في المدرسة، ويواكب التطور بمعدلات كبرى، ترتفع أقساط المدارس.

ويتابع عبدالصمد "مما لا شك فيه أن ثمة تفاوتاً واضحاً بين الطلاب في لبنان من ناحية سعة المعرفة والاطلاع بحسب المدارس التي ينتمون إليها. هذا ما يعتبر مؤسفاً فعلاً، هي مسألة يمكن ملاحظتها مباشرة عند لقاء طلاب يواكبون التطور ويستخدمون الوسائل التكنولوجية الحديثة، ويجري التركيز في تعليمهم على التفكير النقدي والأعمال التطبيقية".

المناهج التعليمية في الجزائر... محتوى مغضوب عليه

تتعرض المناهج التعليمية في المستويات الابتدائية والمتوسطة والثانوية بالجزائر لانتقادات حادة من المتابعين والمهنيين والأولياء، وفي حين رأت الحكومات المتعاقبة أن الوضع لا يحتاج إلى كل هذا التهويل، يعترف وزير التربية الحالي عبدالحكيم بلعابد بوجود خلل يستدعي إصلاحات لتقويم القطاع.

وعرفت المناهج التربوية في الجزائر إصلاحات عدة، كان آخرها مع بداية الألفية الثالثة، وذلك وفق المقاربة بالكفاءات كمنهجية تعليمية حديثة تتواكب مع التطورات العالمية، خصوصاً في المجالين المعرفي والتكنولوجي اللذين أصبحا يتطوران بصورة متسارعة.

وأوضح الوزير في رده على سؤال حول إعادة النظر في المناهج التعليمية ومراجعتها في البرلمان أن هذه المراجعة تتم وفق روزنامة مدروسة ومنضبطة من قبل الوزارة لمواكبة التطورات العلمية والتكنولوجية، مضيفاً أن المجلس الوطني للبرامج يعكف على إعادة النظر في البرامج لتواكب المرحلة الجديدة التي يعرفها المجتمع الجزائري وما يحصل عالمياً.

كثرة الامتحانات والتقييمات   

ومن بين سلبيات المنظومة التربوية كثرة الامتحانات والتقييمات التي يخضع لها الطلاب، إضافة إلى ساعات اليوم المدرسي التي تبدأ الثامنة صباحاً، وتنتهي بين الثالثة والخامسة عصراً، كما هناك أخطاء تربوية كتدريس اللغتين الفرنسية والإنجليزية معاً لتلاميذ الابتدائي، مما يؤدي إلى اختلاط المصطلحات والنطق عليهم، خصوصاً أنهم لا يزالون في مرحلة تعلم اللغة الأم، إلى جانب إلحاق الأطفال بالتعليم التحضيري في عمر الخمس سنوات.

مناهج موحدة لكن المستوى ضعيف

وعلى رغم أن المناهج التعليمية موحدة في كل أنحاء البلاد، ولا يغلب عليها الطابع النظري، بعد أن تم تزويدها بمختلف مستجدات العصر التقنية والمختبرات، يبقى التعليم يعاني على جميع المستويات، وفق تعبير النقابي عبدالمالك حليلو الذي أوضح لـ "اندبندنت عربية" أن المعلمين يشكون من تردي مستوى الطلبة وما يجدونه من صعوبات في فهم الدروس، فضلاً عن ضعف حصيلتهم اللغوية والعلمية والمنهجية، إذ لا يتقن كثيرون منهم اللغات الأجنبية، بل حتى اللغة العربية.

وأشار حليلو إلى أن الأمر يتعلق باختلالات المنظومة التربوية التي تتسبب في استفحال ظواهر سلبية مثل الغش في الامتحانات ومعاناة المعلمين بسبب الضغوط الناتجة من كثافة المقررات الدراسية وتركيزهم عليها بدلاً من التركيز على فهم التلاميذ لها، فضلاً عن اكتظاظ الفصول وانتشار الدروس الخصوصية أو التدعيمية.

وبينما كانت الحكومات المتعاقبة تختفي وراء ارتفاع نسب النجاح، يعتبر حليلو أن الرهان خاسر بدليل النسب المرتفعة للتسرب المدرسي، وكذلك ضعف مستوى الطلبة في الجامعات، إذ إن قرابة 70 في المئة من الجامعيين يرسبون في السنة الأولى، لا سيما التخصصات التقنية، وكثيراً ما يعاد توجيههم إلى تخصصات أخرى، ونوه إلى المفارقة بأن عدداً من الطلبة ضمن هؤلاء الراسبين حاصلون على البكالوريا بمعدلات عالية.

وشدد حليلو على ضرورة إعادة النظر في النظام التعليمي التربوي في الابتدائي والإعدادي والثانوي، وإعادة هيكلة شاملة له من خلال التخلص من كثافة البرنامج وعدد المواد التعليمية الإضافية التي ترهق التلميذ وتشتت فكره وتركيزه.

أهم التعديلات والإصلاحات 

ومن الإصلاحات إقرار تدريس اللغة الانجليزية في السنة الثالثة ابتدائي، والتكفل بممارسة التربية البدنية والرياضية من قبل أساتذة متخصصين، إضافة إلى إعادة النظر في نظام التقويم التربوي باعتماد تقييم المكتسبات في المرحلة الابتدائية واستعمال لوحات رقمية للتخفيف من وزن المحفظة، وكذلك اعتماد النسخة الثانية من الكتاب وشبكة مواقيت جديدة.

وأوضح وزير التربية أن تخفيف المناهج فكرة ليست جديدة على المنظومة التربوية في الجزائر، إذ طرحت في سياق إجراءات تخفيف وزن المحفظة المدرسية ومراجعة الجانب التربوي الذي يعتمد على التخفيف التدريجي للمناهج ومراجعة محتويات الكتاب المدرسي.

لجنة بن زاغو منذ 2001

وتعتبر لجنة "بن زاغو" للإصلاحات التربوية التي تم تنصيبها في 2001، المسؤولة عن المناهج التعليمية الحالية، ومن مخرجاتها إدخال مواد التاريخ والجغرافيا والتربية العلمية والتكنولوجية والتربية المدنية ابتداء من مرحلة الابتدائي، فصار التلميذ يدرس ما يقارب 10 مواد وهو في السنة الثالثة ابتدائي ويحمل على ظهره حقيبة تزن ثلث وزنه تقريباً.

وعملت اللجنة كذلك على إدخال محتويات أكبر من قدرة تلميذ لم يتجاوز عمره 10 سنوات، مثل تاريخ الجزائر القديم والحديث إلى تفاصيل الاستعمار والثورة، ويعرف في الجغرافيا كل أنواع التضاريس والمناخ والزراعة والثروات المعدنية، وفي العلوم تشريح الأرنب والجهاز الهضمي للإنسان بالتفصيل، إضافة إلى أنه يدرس قانون الصحة والإدارة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وغيرها.

المناهج التعليمية في المغرب... غلبة الحفظ على العصرنة

شهدت المناهج والمقررات المدرّسة في مستويات ما قبل الجامعة في المغرب، من ابتدائي وإعدادي ثم ثانوي، كثيراً من التغييرات التي وصفها المهتمون بأنها "طفيفة ولا ترقى إلى جوهر تلك المناهج إلا في حالات قليلة".

وفي وقت أنشأت وزارة التربية الوطنية المغربية في فبراير (شباط) الماضي، اللجنة الدائمة لتجديد وملاءمة المناهج والبرامج، دعا متخصصون إلى تلبية المنهاج التعليمي للحاجات المعرفية الفردية والمجتمعية الحديثة والعصرية، ممثلة بالمعرفة العلمية والتكنولوجية. 

لجنة تجديد المناهج

وتحاول المنظومة التعليمية في المغرب إصلاح المناهج والمقررات الدراسية في مستويات الابتدائي والإعدادي والثانوي من خلال إدخال كثير من المفاهيم وتجديد المحتويات حتى تناسب التطورات التربوية والتكنولوجية الجارية.

وتعمل وزارة التربية الوطنية على تجديد المناهج التربوية في المستويات قبل الجامعة، من أجل مواكبة الإصلاحات التي تهم هذا القطاع، وهي تغييرات موحدة تشمل كل أنحاء البلاد ولا تتعلق بمنطقة دون أخرى، بينما قد تختلف الامتحانات بحسب جهات المغرب.

واستحدثت الحكومة لهذا الغرض "اللجنة الدائمة لتجديد وملاءمة المناهج والبرامج" ويهدف عملها لتجديد وملاءمة المناهج والبرامج بمراقبة وتتبع المقررات والتكوينات، من أجل بناء نموذج تربوي وتعزيز المكتسبات وتجويد معلومات التلاميذ وإصلاح السياسة التعليمية ككل".

عصرنة وتقليد 

وتختلف الآراء والتقييمات حول المناهج التعليمية المغربية، بين من يعتقد بأنها تساير العصر من خلال مواد تهتم بالتكنولوجيا والمعرفة، ومن يرى فيها مناهج تعتمد على الحفظ والتلقين.

ويقول في هذا الصدد أستاذ اللغة العربية في مستويات الثانوي أحمد زعزع إن "غالبية التعديلات التي تطاول المناهج لا تتعدى تغيير بعض المحاور أو المحتويات واستبدالها بأخرى، وفق نظرة ورؤية لجان متخصصة"، مردفاً أن "الذي يغلب على هذه المناهج هو الطابع النظري، والحفظ أكثر من التفكير النقدي الذي يؤدي إلى المعرفة". فيما يرى مسؤولون تربويون أن "المناهج التعليمية في المغرب بدأت خلال الأعوام الأخيرة تتجاوز الطابع النظري، وأصبحت تهتم بالمستجدات التكنولوجية وتدريب التلاميذ على الاعتماد أكثر على الذكاء والتفكير المنطقي".

تقييم المناهج  

وسجل الباحث التربوي محمد الصدوقي أنه منذ إصلاحات عام 1999 وصولاً إلى الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم (2015 - 2032) لم يعد القرار التربوي لصناعة السياسات التعليمية تقليدياً كثيراً، إذ إنه في الإصلاحات الأخيرة للتعليم فُتحت نقاشات ومشاركات تمثل غالبية العينات المجتمعية السياسية والنقابية والعلمية والمهنية والمدنية.

ولاحظ أنه "تم تجاوز بعض الاختيارات التربوية في التدريس وبناء شخصية التلاميذ وفق طرق حديثة وفاعلة، متمثلة في مقاربة بيداغوجيا الكفايات"، مضيفاً أن "هناك دعوة إلى اعتماد الطرق الفاعلة والاختيارات الحديثة، لكن غالباً على مستوى الواقع التطبيقي ما زالت هناك بعض المظاهر التقليدية والسلبية في التدريس والامتحانات التي تتركز حول الحفظ وسلبية المتعلم، نظراً إلى تضخم البرامج الدراسية وعدم الاعتماد على التطبيق الصحيح والإجرائي للاختيارات البيداغوجية الحديثة، مثل التدريس الفاعل ومقاربة بيداغوجيا الأهداف، وعدم الملاءمة العلمية بين الإيقاعات الزمنية البيداغوجية والمضامين المُدَرّسة، وشبه غياب للتكنولوجيات التعليمية الحديثة المساعِدة". 

التعليم في تونس يحاول الصمود أمام الأزمات 

مرت المنظومة التربوية في تونس بمراحل عدة، وحاول المشرفون عليها مواكبة التطورات العلمية والتكنولوجية في العالم، لكن يبقى تقييم ما مرت به هذه المنظومة مختلفاً بين راضٍ عن مستوى التعليم ورافض يعتبر أن تونس تخلفت عن ركب التقدم بعدما كانت ضمن الأوائل، عربياً وأفريقياً.

ويرى رئيس "جمعية جودة التعليم" سليم قاسم أن "المنظومة التربوية التونسية المعاصرة التي أرسى دعائمها قانون نوفمبر (تشرين الثاني) 1958 تتميز بجملة مميزات أهمها إقرار مجانية التعليم وتوحيده على مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص. وتحقيقاً لهذه المبادئ، وحدت منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم المناهج التعليمية. ومع بروز مؤسسات التعليم الخاص بعد صدور هذا القانون بسنوات، فإنها بقيت ملزمة باتباع المناهج المعتمدة ذاتها في مؤسسات التعليم العمومي".

المناهج التونسية مقابل الأجنبية  

وقال قاسم إنه "على رغم وجود مدارس دولية تطبق مناهج أجنبية على غرار المدارس الأميركية والبريطانية والكندية والتركية والعراقية، فإن عدد هذه المؤسسات يبقى محدوداً، وكذلك الأمر بالنسبة إلى عدد التلاميذ المسجلين فيها، الذين تبقى نسبة مهمة منهم من الجاليات الأجنبية". ويرى أن "عدد المدارس التي تطبق المنهج الفرنسي شهد تزايداً، كما يسجل عدد التلاميذ التونسيين الذين يجتازون اختبارات البكالوريا الفرنسية والدولية نسقاً تصاعدياً ملحوظاً، رغبة من التلاميذ في مواصلة دراستهم الجامعية في الخارج".

أما في ما يتعلق بمحتوى المناهج التونسية، فقال رئيس جمعية جودة التعليم إنها "متميزة، وحتى برنامج إصلاح التعليم الذي طبق بداية من عام 1991، معروف بجودة محتوياته وتناسقه، وإن كان البعض يعيب عليه نخبويته.

ومع انطلاق تنفيذ هذا الإصلاح، برز توجه نحو تخفيف المناهج وجعلها متاحة لأكبر عدد من التلاميذ، في انسجام مع تيار "التعليم للجميع". كما سجل تحول في تدريس المواد العلمية في المرحلة الإعدادية من اللغة الفرنسية إلى العربية"، مواصلاً حديثه "جاءت الموجة الموالية من الإصلاحات في سياق القانون التوجيهي للتربية والتعليم المدرسي لعام 2002. ولئن تعثر تنفيذ هذا القانون بعض الشيء في سنواته الأولى لاعتبارات سياسية تخفت بغطاء نقابي، فقد أمكن إرساء مناهج عصرية تنسجم مع تطلعات البلاد، إضافة إلى انفتاحها على التطورات التكنولوجية التي بدأت ملامحها بالتشكل".

غير أن مرحلة الاضطراب وعدم الاستقرار التي دخلتها تونس منذ عام 2011 أثرت على المناهج التعليمية، بحسب قاسم، "إذ طغت الحسابات السياسية على البعد التعليمي، وتعاقب على وزارة التربية وزراء لم يكن لمعظمهم مشروع تربوي واضح، بل كانوا عملياً وزراء لتصريف الأعمال، وهو ما جعل المناهج التعليمية تدخل في مرحلة من الجمود".

تراجع ملحوظ

ومن الواضح أن إصلاح التعليم في تونس شهد عثرات عدة، وبخاصة بعدما عاشته البلاد من أحداث جعلت هذا الملف رغم أهميته من المواضيع المنسية.

وفي هذا الصدد يرى متخصص التعليم الابتدائي عبدالوهاب طبابي أنه "إذا تمعنا جيداً في منظومتنا التعليمية وتابعنا تجارب الدول المتقدمة في النهوض بواقعها من خلال مراهنتها على التعليم، سندرك جيداً أننا في تراجع ملحوظ، وأبرز مثال على ذلك المراتب المتأخرة التي أصبحنا نحظى بها ضمن التصنيفات العالمية لمستوى جودة التعليم، والتي ربما تدعونا إلى مراجعة البرامج التعليمية، فنحاول تحسينها وتطويرها بطريقة متجددة تعلي قيمة العقل البشري وكفاءته عبر اعتماد رؤية منهجية تربوية واضحة ودقيقة".

ويواصل الطبابي أن "أسباباً عدة تجتمع لتميط اللثام عن الواقع المتدني الذي أصبح عليه التعليم في تونس"، مفسراً أن "كل طرف تنصل من مسؤوليته ويلقي اللوم على الطرف الآخر، أما الحكومات المتتالية فلم تسع إلا لخدمة أهدافها السياسية وضمان مناصبها". يشار إلى أن ترتيب تونس تراجع في القطاع التعليمي عالمياً من المرتبة 25 في عام 2009 إلى 84 في عام 2024.

المناهج الدراسية في العراق "النظري يبتلع العملي"

تشهد المناهج التربوية للمراحل الدراسية ما قبل الجامعية في العراق كثيراً من التغييرات والحذف والإضافات مما يتطلب طباعة كتب بنسج جديدة في كل عام تقريباً، وغالباً لا تصل هذه المناهج للطلاب بصورة مجانية، إذ يعتمد غالبيتهم على شرائها أو طباعتها.

وكثيراً ما اشتكى تلاميذ عراقيون من صعوبة المناهج وكثرة تغيرها خلال العام الدراسي، الأمر الذي يسبب لهم إرباكاً في الفصول الدراسية.

المناهج لا تلبي الحاجات المعرفية

واعتبر التربوي، مدير إحدى المدارس الحكومية هيثم الشمري، أن المناهج لا تلبي الحاجات المعرفية كونها تعتمد على التلقين والدليل هو كثرة الاختبارات للتلاميذ كما تغيب وسائل الإيضاح.

بدوره، أوضح المتحدث باسم وزارة التربية كريم السيد، أن مجمل التدريس في المراحل التي تسبق الجامعة يعتمد على الجانب النظري وذلك بسبب قلة الأبنية المؤهلة التي تعتمد على المختبرات ووسائل الإيضاح الرقمية.

وأضاف، "تطمح الوزارة لخلق التوازن بين الجانبين النظري والعلمي من خلال التلفاز التربوي الذي يحاول أن يقدم المناهج التربوية بطريقة مختلفة معتمدة على وسائل الإيضاح إلى جانبها العملي".

تغيرات مدروسية في المناهج 

ومضى كريم السيد في حديثه بالتأكيد أن العراق شهد كثيراً من التحولات التي دفعت القائمين على المناهج الدراسية إلى تغييرها فهناك كثير من المفردات تمت إضافتها وأخرى حذفت.

وتابع، "التغيرات المستمرة في المناهج لها أسبابها ومبرراتها، وكثرة التغييرات لا تسبب الإرباك لأنها تسير وفقاً لاستراتيجيات مدروسة توضع في الوزارة على مدى سنوات".

المنسقة الأكاديمية في مدرسة الكلية الدولية الجامعة دعاء نجم أكدت بدورها أن الأجيال الحالية لديهم كثير من المهارات، والمناهج المعتمدة حالياً في المدارس بدأت بالانتقال لمرحلة ما وراء المعرفة من طريق إضافة الأسئلة بعد كل موضوع وتحديداً في المواد العلمية، مثل (ماذا أفكر؟ ماذا تعلمت؟ ماذا أستنتج؟). واعتبرت أن المناهج التي تسير وفق خطة ما يعرف بدورة البحث ستسهم بإثارة الأسئلة عند الطالب وتجعله يفكر بالإجابات.

لكن مديرة مدرسة الكلية الدولية الجامعة في العراق مها فاهم الشمري قالت إن المناهج حالياً في المدارس الحكومية تتضمن معلومات كثيفة وحتى في مراحل الدراسة الابتدائية، وهي ضخمة من ناحية الفصول ومع كثرة العطل في البلاد يضطر المعلمون إلى تدريس المواد خلال مدة قصيرة كونهم ملتزمين ضرورة إكماله.

ونبهت إلى أن كثرة المناهج تؤدي إلى غلبة الكم الذي يتعلمه الطالب على حساب نوع المعلومة.

تدريب المعلمين وإعدادهم 

يقع تدريب المعلمين على عاتق المديرية العامة لإعداد المعلمين التي تتولى تأهيلهم وتدريبهم وفقاً لمناهج حديثة، إذ يرى هيثم الشمري أن عملية تأهيل المدرسين لا تعدو أكثر من كونها شكلية وروتينية ولا تحقق الهدف الأساس منها.

أما دعاء نجم فتوضح أن هناك كثيراً من الدورات التدريبة للمعلمين والمدارس تحاول جاهدة أن تواكب النظريات الحديثة في طرائق التدريس وتتواصل مع منظمات دولية متخصصة بالتعليم لغرض تأهيل المعلمين.

وفي سياق متصل تقول مديرة مدرسة الكلية الدولية الجامعة إن ما تحتاج إليه المدارس في العراق في الجانب الأول هو إعادة تأهيل مبانيها، وتقول "هناك جوانب مهمة أهملت في المدارس حتى الأهلية منها وهو المكتبة المدرسية ودروس التربية الرياضية ولا تقل أهمية عن مواكبة المناهج الدراسية للتطورات الحديثة".

حاجات الطلبة لا تعرف لتطوير مناهج الأردن سبيلا

دخل الأردنيون في الآونة الأخيرة في جدل كبير بسبب ما أحدثته وزارة التربية من تغييرات جذرية على مرحلة الثانوية العامة "التوجيهي"، وهي مرحلة مصيرية في حياة الطلبة، مما أثار التساؤل عن مدى مواءمة المناهج لمتطلبات المعرفة العصرية وتحقيقها مخرجات مثالية تؤهلهم للحياة العملية.

واعتاد الأردنيون على مشهد غير حضاري مع نهاية كل عام دراسي، إذ يعمد كثير من الطلبة على تمزيق كتبهم المدرسية مع أدائهم آخر امتحان دراسي، مما دفع متخصصين إلى القول إن ثمة هوة كبيرة يجب ردمها، ويرزح الأردنيون اليوم ما بين ثقل التقليدي من هذه المناهج ومتطلبات التحول الشامل.

مشكلات راسخة في التعليم  

يرصد المتحدث الإعلامي السابق لنقابة المعلمين نور الدين نديم التحولات التي رافقت تطوير المناهج في المملكة على رغم التداخل ما بين عوامل مهنية، أكاديمية، سياسية وأيديولوجية.

ويتحدث عن مشكلات راسخة في التعليم، من بينها ارتباط هذه المناهج بالثقافة المجتمعية والأيديولوجيات، مما يفرض خطوطاً حمراء تمثل تحديات جمة.

من بين هذه التحديات، وفقاً لنديم، جمود المناهج وعدم قدرتها على التكيف مع التطورات المتسارعة في مجالات التكنولوجيا والمعلومات أو مختلف جوانب الحياة.

ويرى أن من أحد أهداف تطوير المناهج إعداد جيل قادر على التعامل مع تفاصيل حياته اليومية والاعتماد على ذاته، ومواكبة التحولات.

 وفي سبيل ذلك يقترح إجراء دراسات مسحية لتحديد حاجات الطلاب وميولهم واهتماماتهم ومواكبة آخر نظريات التعلم، فضلاً عن تمكين المعلمين وتوفير الأدوات والبيئة الصفية المناسبة قبل إجراء أي تغييرات على المناهج.

ضرورة تغيير مهمة المعلم

يطالب تربويون بإعادة النظر في المناهج وبناء معرفة الطلاب على أساس التفكير التحليلي، بدلاً من الحشو، بخاصة مع سرد الحقائق والمعارف بغرض حفظها واستذكارها وإهمال المهارات.

لكن آخرين يشيرون إلى ضرورة تغيير مهمة المعلم من مجرد ملقن إلى محفز للتفكير الناقد.

أما وزير التربية والتعليم السابق الدكتور محمد الذنيبات، فأوضح أن صورة المناهج الأردنية ليست سوداوية تماماً، ويشير إلى الفرق بين تغيير المناهج وتعديلها.

ويربط بين تطوير المناهج واقتصاد المعرفة عبر تشجيع الطالب والمعلم على استخدام تكنولوجيا المعلومات، لكنه يشخص في الوقت نفسه عقبات مثل عدم قدرة بعض المعلمين على تنفيذ ما يرد في المناهج الجديدة، داعياً إلى إعادة تدريب وتأهيل، ومعالجة النقص في التجهيزات العلمية المساندة للمنهج.

وكان منتدى الاستراتيجيات الأردني رصد تحسناً في قطاع التعليم من حيث متوسط عدد سنوات الدراسة وارتفاع عدد مدارس وزارة التربية والتعليم، إذ بلغت نسبة تغطية هذه المدارس لمختلف المناطق نحو مدرسة واحدة لكل 12 كيلومتراً.

ووصل عدد الطلاب إلى 2.24 مليون خلال 2022، فيما سجل إجمالي عدد المعلمين في مدارس المملكة خلال السنة نفسها 137.8 ألف معلم.

لكن في المقابل تراجع أداء الطلاب في التصنيف العام لاختبار PISA لعام 2022 الذي يرصد مستوى الطلاب في القراءة والرياضيات والعلوم ليحل في المرتبة الخامسة من أصل ست دول عربية.

انتقادات لتعديلات المناهج 

في 2016 كانت المرة الأولى التي يحتج فيها الأردنيون بزخم كبير على تعديلات المناهج بسبب تغييرات طرأت على النصوص الدينية وحذف دروس بكاملها.

لكن في المقابل ثمة من يصف الانتقادات لتعديلات المناهج بأنها ارتجالية عفوية لم تقُم على دراسة علمية، ويقول طرف ثالث إن المطلوب اليوم تعديل المناهج لتعزز قيم العدالة والمواطنة والوسطية والحرية والمشاركة، وتقبل الآخر.

وتذكر التربوية الدكتورة هدى العتوم أنها لاحظت منذ أعوام تعديلات مستهدفة في كتب اللغة العربية والتربية الإسلامية والتاريخ، مضيفة أن الأردن كان بلداً مرجعياً في ما يتعلق بتعديل المناهج وتطويرها.

وضربت العتوم بعض الأمثلة كتقليص دراسة شخصيات عدد الصحابة من 36 إلى 10 فقط في الإطار العام الجديد للمناهج وتقليص المواضيع القرآنية.

وعام 2019 ثار احتجاج شعبي بسبب اعتماد مناهج دراسية بريطانية لنحو 400 ألف طالب وطالبة من تلاميذ الصفين الأول والرابع الابتدائي، وسط اتهامات بوجود حملة منذ 2016 لتعديل المناهج على نحو يستهدف الثقافة العربية والإسلامية في الأردن.

نقلة نوعية في المناهج والكتب المدرسية

المتخصص التربوي الدكتور ذوقان عبيدات يقول إن المركز الوطني لتطوير المناهج بدأ أعماله عام 2019، وكان الهدف بناء مؤسسة وطنية قادرة على إحداث نقلة نوعية في المناهج والكتب المدرسية تكون أساساً لتطوير التعليم.

وأضاف أن "الأمر بحاجة إلى نقلة نوعية من مناهج مواد دراسية إلى مهارات حياتية، ومن مناهج معلومات وحقائق إلى مفاهيم ومبادئ، ومن مناهج هرمية إلى شبكية أفقية واستبدال الحفظ بالوعي".

في السياق ذاته، تقول وزارة التربية والتعليم الأردني إنها تجري اختباراً وطنياً لضبط نوعية التعليم لطلبة الصف الرابع الأساسي بهدف توفير بيانات موضوعية، تتعلق بمستويات إتقان الطلبة لمحاور التعلم ومهاراته الأساسية ونتاجاته الخاصة في مباحث اللغتين العربية، والإنجليزية، والرياضيات، والعلوم.

اليمن... خارج فعل الزمن تعليمياً

بينما تكرس البلدان إمكاناتها لتطوير مؤسساتها التعليمية كان اليمن يقف خارج فعل الزمن وتأثيره بفعل 10 أعوام من الصراع الدامي الذي طاول كل مناحي الحياة، وجاءت العملية التعليمية في طليعة انعكاساته المريعة.

وبعد أن تبدلت بالمدارس المتارس كان من الطبيعي أن تتوقف عمليات التطوير المنهجي للمقررات الدراسية، وخصوصاً المرحلتان الابتدائية والإعدادية، ليقتصر الحال بمحاولات الدفع على استمرار الدراسة وبالتالي أضحى الحديث عن برامج التطوير المنهجي الذي يعد الطالب لما قبل الدراسة الجامعية ومواكبته لمستدعيات لعصر من الماضي الذي يحن إليه اليمنيون رغم عدم مثاليته في هذا القطاع في الأقل.

هنا تجدر الإشارة إلى أن المناهج لم تشهد تطوراً بقدر ما أدخلت عليها استحداثات قسرية مستمدة من روح الصراع الذي اتخذ أبعاداً طائفية، فيما عمد الحوثيون منذ سيطرتهم على العاصمة صنعاء وبعض المحافظات على إحداث تغييرات واسعة مستمدة من الموروث الطائفي.

وفي المقابل لم تستحدث الحكومة الشرعية تغييرات جوهرية عدا المرتبطة بالتطوير المنهجي المعتاد، ولكنها تعاني مشكلات أخرى كتوقف رواتب المعلمين الذي تسبب بانقطاع عدد منهم عن المهنة، والنقص في الكتب المدرسية والأضرار التي طاولت نحو 2500 مدرسة مما يجعل البنية التحتية للمدارس غير كافية لاستيعاب التدفق المتزايد للطلاب، إضافة إلى انقطاع خدمات الإنترنت والكهرباء والمياه، مما يعني حكماً جمود المنهج التعليمي في مكانه منذ سنوات.

تدهور القطاع التعليمي

وتشير إحصاءات حكومية إلى أن الأعوام الثلاثة الأخيرة، شهدت تدهوراً في القطاع التعليمي في اليمن، سواء في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية أو جماعة الحوثي، بارتفاع نسبة الأمية في الأرياف لتتخطى 70 في المئة بتسجيل أكثر من مليوني طالب متسربين من المدارس في مختلف مراحل التعليم، ليبلغ العدد الإجمالي للطلاب المتسربين والمتضررين من الحرب أكثر من 6 ملايين طالب، فيما يعاني أكثر من 160 ألف معلم ومعلمة في مناطق سيطرة جماعة الحوثي لتوقف صرف مرتباتهم منذ عام 2016.

يقول نائب وزير التربية والتعليم علي العباب، إن الحوثيين حولوا المدارس إلى مقار مفتوحة لتنفيذ أنشطتها وبرامجها الطائفية وكانت المناهج على رأس الاستهداف.

وأوضح أن الجماعة المدعومة من إيران تستغل سيطرتها لفرض أفكارها على المقررات التعليمية من خلال التعديل والتحريف الممنهج بما يتوافق وأفكارها.

وكان ملاحظاً تركيز الحوثيين على المرحلة الابتدائية وهو يهدف، وفقاً لمراقبين، لغرس أفكارهم في وعي الأطفال بشكل يصعب تغييره لاحقاً.

ولعل أبرز تفسير لهذا المسعى، تعيين يحيى بدر الدين الحوثي شقيق زعيم ميليشيات الحوثي وزيراً للتربية والتعليم في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وإلغاء اللجنة العليا للمناهج وإحلال مسؤولين موالين، وتعيين أحد أتباعها أيضاً وكيلاً لقطاع المناهج وآخر مديراً عاماً للمناهج.

فشل في تحييد الصراع

وكشفت دراسات أن التغيير الذي طرأ على كتب المرحلة الابتدائية في مناطق سيطرة الحوثيين، طاول أربعة مناهج دراسية هي اللغة العربية والتربية الإسلامية والتربية المدنية والتاريخ لعل أبرزها تضمينها صوراً لمقاتلي الجماعة بوصفهم "أبطالاً مجاهدين"، فيما جرى حذف الدروس التي خصصت للأعياد الدينية والوطنية وسير الصحابة والتابعين ورموز التنوير والحداثة اليمنيين إضافة إلى استخدام مصطلحات عسكرية في كتب الرياضيات.

بحسب العباب فإن هذا الواقع تسبب في إحداث أضرار بالعملية التعليمية وتسرب أكثر من 2.5 مليون طالب فضلاً عن المخرجات الهزيلة نتيجة توقف الكادر التعليمي عن تأدية مهامه بسبب قطعهم (الحوثيين) الرواتب وتدمير أكثر من 2500 مدرسة في عموم المحافظات.

وإزاء ذلك يشير نائب وزير التربية اليمني إلى أن وزارته "تبذل جهداً كبيراً في إصلاح المنظومة التعليمية في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية من خلال توفير الكتاب المدرسي، بخاصة للصفوف الأولى وصرف رواتب المعلمين بانتظام، وإن كانت متدنية ولا تفي بمتطلبات المعلم".

إضافة إلى "العمل مع المنظمات الدولية على بناء وترميم المباني التربوية والتدريب والتأهيل ودعم حمله العودة إلى المدرسة التي تضررت بفعل آلة الحرب".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات