Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل باتت أجساد النساء سلاحا في حرب السودان؟

صعوبات وتحديات جمة في مواجهة المغتصبات ترتبت عليها آثار نفسية واجتماعية

الإحصاءات لا تعكس إلى حد كبير واقع النساء المغتصبات في السودان (أ ف ب)

ملخص

"حرب السودان استخدمت أجساد النساء سلاحاً ضمن أسلحتها الفتاكة، لا سيما أن هذا السلاح يمثل الوجه القبيح وتداعياته كارثية على النساء، فضلاً عن أنهن ظللن يدفعن ثمناً باهظاً لأكثر من عام"

فما مصيرهن؟

رمت الحرب المستعرة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" منذ اندلاعها في منتصف أبريل (نيسان) 2023، بتداعياتها السلبية على النساء السودانيات اللاتي ظللن يدفعن ثمناً باهظاً لأكثر من عام، لا سيما أن طرفي الصراع في هذه الحرب العبثية اتخذت أجساد النساء سلاحاً ضمن أسلحة الحرب، بعد ممارسة مختلف صنوف الانتهاكات التي طاولتهن، بخاصة من أفراد يرتدون زي "الدعم السريع" واستغلالهن جنسياً تحت تهديد السلاح واغتصابهن، إلى جانب الاختطاف والاسترقاق الجنسي والزواج القسري، وهن ما زلن يعانين تداعيات كارثية بسبب الاشتباكات المستمرة في مناطق الصراع الملتهبة بالعاصمة الخرطوم وإقليم دارفور وولاية الجزيرة.

صعوبات وتحديات جمة في مواجهة المغتصبات ترتبت عليها آثار نفسية واجتماعية بعد حملهن وإنجابهن أطفالاً بصورة غير شرعية، مما أدى إلى إحساسهن بوصمة العار وصعوبة التعامل مع الآخرين على حسب قولهن، إلى جانب الخوف والقلق والاكتئاب الذي قاد كثيرات إلى الانتحار.

وفي وقت سابق كشفت وزارة الرعاية الاجتماعية في السودان عن تعرض 11 امرأة للاغتصاب من قبل عناصر "الدعم السريع" غالبهن فتيات في العشرينيات من عمرهن، مما أدى إلى حملهن وإنجابهن، بخاصة أنه لم يسبق لهن الزواج، وتم تسليم أربعة من هؤلاء الأطفال إلى دور رعاية الطفل اليتم التابعة للوزارة، بينما تجرى إجراءات تسليم السبعة الآخرين.

ونظراً إلى تصاعد حدة المعارك وعدم وجود ممرات آمنة تتيح التنقل إلى المناطق المستقرة أمنياً، فإن الإحصاءات لا تعكس إلى حد كبير واقع النساء المغتصبات، فضلاً عن التزام حالات عديدة منهن السكوت وعدم التبليغ خوفاً من العار.

ولجأ بعض من اللاتي حملن تحت تهديد السلاح إلى الإجهاض غير الآمن على رغم تعرض حياتهن للخطر مما أدى إلى تدخل وحدة مكافحة العنف ضد المرأة بمخاطبة النائب العام من خلال مذكرة رسمية تطالب المصادقة على الإجهاض القانوني في الوحدات الصحية قبل بلوغ الحمل الأشهر الثلاثة الأولى، بخاصة أنه بروتوكول طبي متعارف عليه مسبقاً في حالات استثنائية.

 

رغبات وحشية

في هذا الصدد قالت المواطنة السودانية مي عبدالله التي تسكن ضاحية الفتيحاب بأم درمان "تعرضت للاغتصاب من أفراد يرتدون زي ’الدعم السريع‘، قاموا باقتحام منزلنا فجراً، وانهالوا على والدي وإخوتي ضرباً مبرحاً والزج بهم في الشارع، وفي محاولة لم تكلل بالنجاح كانت والدتي تحاول حمايتي من نظراتهم التي كانت تنهش جسدي". وأضافت "قام اثنان منهم باغتصابي غير آبهين بصراخنا واستغاثتنا التي كانت متواضعة أمام رغباتهم الوحشية، وكان من الضروري إخفاء الأمر، وبعدها قررنا ترك المنزل والنزوح إلى الولايات الآمنة، وبدأت أعاني بعض الأعراض والآلام وتيقنت أنني حملت في تلك الليلة المشؤومة، وهذا ما أكدته الفحوصات الطبية، فضلاً عن حملي في أشهر يصعب معها الإجهاض، حتى أنجبت طفلة، لكن بكل صراحة لم أشعر حيالها بعاطفة الأمومة الطبيعية، بل لم أتقبل رؤيتها أمامي وأكره وجودها بالمنزل، مع رفضي التام التعامل معها، وكل ما أريده التخلص منها، مما جعل والدتي تعتني بها إلى حين تسليمها إلى السلطات المتخصصة في المدينة". وأشارت إلى أن "وصمة العار ستظل تلاحق النساء والفتيات المغتصبات مدى الحياة، إلى جانب عدم تقبل واقعهن الأليم من الطرف الذكوري، لا سيما أن هذا الأمر بات يشكل عبئاً ثقيلاً على المجتمع السوداني"، لكنها تساءلت، "من يتحمل تبعات هذا الواقع الأليم؟ وما المصير الذي ينتظر الأطفال الذين تم إنجابهم بطريقة غير شرعية وبلا هوية وإدراجهم تحت اسم الأطفال فاقدي الأبوين الذين تزاحمت بهم دور الطفل اليتيم؟ ومن الذي يحاسب على هذه الأفعال الشنيعة؟".

إجهاض قانون

في السياق أوضحت المديرة العامة لوحدة مكافحة العنف ضد المرأة في السودان سليمى إسحاق أن "السيدات السودانيات تعرضن خلال الحرب لانتهاكات جسيمة، بخاصة الجنسية، لا سيما أن عمليات الاغتصاب ارتفعت معدلاتها، بعد تمدد الحرب واجتياح الولايات الآمنة، بخاصة الجزيرة، مما أدى إلى الحمل والإنجاب". وتابعت "لا توجد إحصاءات دقيقة عن النساء والفتيات المغتصبات بسبب صمت الأسر وعدم الإبلاغ، إلى جانب أن الخدمات الصحية هي الجهة التي نستقي منها المعلومة عن حجم الاغتصاب، وهي تعمل تحت تهديد السلاح، لذلك يصعب تحديد مآلات الحرب من اغتصاب واختطاف واسترقاق، إضافة إلى عمليات النزوح التي فاقمت المعاناة". وأضافت "من الضروري رفع الوعي حال تعرض المرأة للاغتصاب، والإسراع في إخطار الجهات ذات الاختصاص خلال 72 ساعة، حتى تتمكن من منع الحمل، إذ إنه كلما تأخرت الأسرة فإن العواقب ستكون وخيمة، بالتالي يصعب التدخل الطبي والإجهاض القانوني الآمن إذا تعدى الأشهر الثلاثة الأولى". وأشارت إلى أن "الإجهاض بروتوكول طبي متعارف عليه مسبقاً ويطبق في حالات استثنائية تتمثل في مرض الأم أو التعرض للاغتصاب، إزاء ذلك تقدمنا بمذكرة للنائب العام تطالب بالمصادقة على الإجهاض قانونياً وتحت إشراف طبيب مختص"، ونبهت من أن "الأطفال فاقدي الأهلية الأبوية في دور الرعاية أثناء الحرب تعرضوا للموت بسبب نقص الغذاء وعدم تحملهم عمليات التنقل من ولاية لأخرى، لذلك أتمنى أن تكون هناك أسر بديلة لاحتوائهم ورعايتهم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ممرات آمنة

من جهتها عدت الاختصاصية الاجتماعية ثريا إبراهيم أن "هناك بيانات واضحة ودقيقة ومصنفة لنساء وفتيات تعرضن للعنف الجنسي، فضلاً عن أن التوقعات تفوق ما تم توثيقه، بسبب عدم توافر ممرات آمنة للوصول للوحدات الخدمية لتقديم الحماية اللازمة للمغتصبة". وأضافت "يجب على المجتمع السوداني ألا ينظر في مثل هذه الظروف العصيبة لمسألة العادات والتقاليد لمنع الحمل الطارئ من طريق الحبوب أو الحقن، ومكافحة الأمراض المنقولة جنسياً، فضلاً عن معالجة الجروح والتهتكات الناتجة من ممارسة الاغتصاب بعنف، بخاصة أن الغالبية منهن فتيات لم يتسنى لهن الزواج من قبل"، ولفتت الاختصاصية الاجتماعية إلى أن "الدولة يجب أن يكون دورها فعالاً من خلال تهيئة مرافقها بالصورة المطلوبة حتى تتحقق الحماية الطبية والاجتماعية، إلى جانب دورها تجاه الأسر وإقناعها بأن التحديات معقدة والحلول ليست فردية، بالتالي تكون مواجهة المشكلة أسهل".

نوبات هلع

من جانبه قال المتخصص في العلاج النفسي أحمد سر الختم بأن "من المؤسف والمؤلم حقاً أن يمارس الجنس بطريقة مرغمة وفي ظروف قاسية، وهذا ما حدث لعديد من النساء أثناء الحرب، فضلاً عن أن معظم المغتصبات اغتصبن في المنازل أمام أنظار المقربين وفي الشارع العام". وأضاف "هناك آثار نفسية جراء عملية الاغتصاب، وغالباً ما تكون نوبات هلع جنوني واكتئاب، إضافة إلى حالة الصمت التي تصبح ملازمة لهن والتفكير العميق في الانتحار بسبب عدم وجود الأمان حتى في محيط الأسرة". ونوه المعالج النفسي إلى أن "تخطي الصدمة يتم بخضوع المرأة للعلاج النفسي، فضلاً عن أن المتزوجة تخشى انهيار حياتها الزوجية، أما غير المتزوجة فيصيبها الخوف على مستقبلها، لذلك من الضروري أن تصل الفتاة التي تغتصب لمرحلة التعافي، ومن ثم الاندماج في المجتمع".

سلاح ضد النساء

الناشطة في حقوق الإنسان حنين أحمد أوضحت أن "حرب السودان استخدمت أجساد النساء سلاحاً ضمن أسلحتها الفتاكة، لا سيما أن هذا السلاح يمثل الوجه القبيح وتداعياته كارثية على النساء، فضلاً عن أنهن ظللن يدفعن ثمناً باهظاً لأكثر من عام"، وتابعت "النساء مع استمرار القتال تجرعن مختلف صنوف الانتهاكات، بخاصة العنف الجنسي، ونأمل في أن تنتهي الحرب ومن ثم الشروع في العمل على استرداد الحقوق المسلوبة". ودعت المرأة السودانية إلى التحلي بالصبر وترك الحلول السلبية في وجه هذه الانتهاكات الوحشية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير