Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فيرا زوجة نابوكوف حرضته على الخيانة كي يكتب

"مسدس تحمله في الليل" رواية أميركية تكشف مزيدا من أسرار علاقتهما

نابوكوف وزوجته فيرا: قصة حب وكتابة (من الكتاب)

ملخص

رواية الكاتبة التشيكية مونيكا زغوستوفا "مسدس كي تحمله ليلاً"، تكشف أسراراً جديدة من حياة الروائي الأميركي، الروسي الأصل، فلاديمير نابوكوف، ومن سيرته الزوجية والعلاقة التي جمعته بزوجته فيرا، التي ظلت وفية له طوال حياتها، وكانت هي أشبه بسكريترة له، وكانت تحرضه على خيانتها كي يستمر من الكتابة.  

عادة ما تروى قصة الحب التي جمعت بين الشاعر الروسي فلاديمير نابوكوڤ وزوجته فيرا سلونيم، بكثير من الرومانسية. لا سيما عبر أول لقاء بينهما، الذي خلده الشاعر في قصيدة بعنوان "لقاء"، عن فتاة غامضة راحت تقترب منه ببطء على جسر نهر، محاط بأشجار الكستناء، وهي ترتدي قناع ذئب وكأنها قدت من هذا الليل. هذه الفتاة هي موضوع رواية الكاتبة التشيكية مونيكا زغوستوفا "مسدس كي تحمله ليلاً"، الصادرة حديثاً عن دار "آذر برس" Other Press الأميركية. وعلى رغم غزارة ما كتب عن نابوكوف وشريكة دربه المتفانية، فإن ما تقدمه زغوستوفا في شكل روائي يبدو في مجمله ملغزاً ومزعزعاً لما استقر في الأذهان بشأن قصة الحب الرائعة بين الزوجين.

مسدس في حقيبة

في مايو (أيار) 1923، حضر نابوكوف حفلة للمهاجرين في برلين، وهناك اقتربت منه فتاة مقنعة، راحت تحدثه بشغف عن قصيدته الأخيرة، وترددها في سكون الليل بطريقة مؤثرة، حتى أنه من فرط النشوة، قضى ليلته معها يتمشيان في شوارع المدينة. عقب هذا اللقاء سافر نابوكوف إلى فرنسا بعد اغتيال والده على يد عملاء سوفيات، وعمل في مهن شاقة عسى أن تنسيه مأساته، وإن لم يستطع نسيان فتاته الغامضة، فكتب قصيدة تحمل إليها عرضاً بالزواج، وتعمد نشرها في إحدى الصحف التي تقرأها.

بعد عامين، تزوجت فيرا وفلاديمير في 15 أبريل (نيسان) 1925، ومنذ هذه اللحظة بدأت بينهما شراكة طويلة ومعقدة على مدار 52 عاماً. لعبت فيرا خلالها أدواراً حاسمة في حياة زوجها وتطور إبداعه، بصرف النظر عن كونها قارئته الأولى، ومحررته ومترجمته ومديرة أعماله. لقد كانت فيرا بلا مبالغة، مرشدته الروحية إلى منابع الإبداع. هي من أقنعته بتفريغ تجاربه المؤلمة في الشكل الروائي، حتى باتت لا تخصه بقدر ما تخص أبطاله. وبمرور الوقت أدرك نابوكوف أنه كلما منح تفاصيل مؤثرة من حياته الخاصة لإحدى شخصياته، سرعان ما يمتصها عالم الخيال، ويتبدد سحرها وأثرها من الذاكرة. كانت فيرا على وعي تام بنقاط ضعف زوجها لا سيما ولعه بالنساء والفراشات، وحتى تتخلص من أشباح عشيقاته اقترحت عليه أن يعرضهن للضوء، واستثمار نزواته كوقود للإبدع. وبالتالي استوحى نابوكوف أفضل أعماله من علاقاته وصداقاته خارج إطار الزواج.

فيرا أيضاً هي من أقنعته بكتابة أعماله بالإنجليزية وكانت رواية "سيرة سباستيان نايت الحقيقية" 1938 أول حصاد لاقتراحها، وظلت تلح عليه لترجمة رواية "أوجين" لبوشكين متحدياً كل الترجمات السابقة، وهو ما استغرق منه خمس سنوات كاملة، اضطلعت المرأة الدؤوبة خلالها بمهمة تسويد كل صفحات المخطوط بمنتهى التفاني. وبعد انتقالهما إلى أميركا عام 1940، تعلمت القيادة ليتسنى لها مرافقته إلى البراري لاصطياد الفراشات، وحتى تتمكن من حمايته، حرصت فيرا طوال حياتها أن تحمل مسدساً في حقيبتها.

"نادني باسمك"

لم يكن نابوكوف يستطيع الذهاب إلى أي مكان من دون فيرا، حتى في قاعة المحاضرات، كانت المرأة الأنيقة تجلس إلى يسار المنصة لتلبي طلباته أولاً بأول، وقد تعود أن يقدمها لطلابه باعتبارها "مساعدته"، كما تعودت هي أن تكتب الكلمة نفسها في خانة المهنة.

غير أن فيرا في رواية زجوستوفا "مسدس كي تحمله ليلاً" تظهر في منطقة رمادية، فهي من خطط لكل ما سبق، وتعقبت خطوات الشاعر الروسي في حفلات الرقص، وما إن سنحت الفرصة، حتى انقضت عليه بقناع الذئب، وراحت تحدثه عما يسترعي انتباه كل مبدع؛ وأثر كتابته على قرائه. كان دافع الفتاة للاستيلاء على قلب نابوكوف مدهشاً بالفعل، لقد استطاع أن يعبر بالكلمات عما عجزت عنه قريحتها الشقية: "فكرت أنها لا تستطيع جذب رجل مميز مثله إلا بشيء حقيقي". والحقيقة التي مثلتها هي الذئب. "كانت تعلم أنها لا تمتلك أي موهبة فنية وتفتقر إلى عبقرية الإبداع". لذلك قررت أن تتقوى به، أو بمعنى أصح أن تصبح وقوداً في عجلة إنتاجه ومن ثم جزءاً من إبداعه. تكمل زجوستوفا: "كانت فخورة بترك بصمتها الخاصة، على رغم أنها كانت صغيرة ومجهولة، بالنسبة للأدب العالمي".

تقسم زغوستوفا فضاءها السردي إلى أربعة أجزاء، كل جزء يرصد بهدوء نقطة تحول في حياة نابوكوف. ولكنها لا تلتزم بالتسلسل الطبيعي للزمن، فيبدأ الجزء الأول المعنون بـ"الفراشة الصفراء"، بإلقاء نظرة على نابوكوف في عامه الأخير 1977، وهو يكافح مع روايته "أصل لورا" The Original of Laura التي لم يشأ لها القدر أن تكتمل، وفي فورة من الغضب يطلب من زوجته أن تحرقها، لكنها لم تأخذ بوصيته وتم نشر الرواية غير المكتملة عام  2009، بعد وفاة الزوجين.

يركز الفصل الثالث على حلقة محورية تمت الإشارة إليها مراراً عبر فصول الكتاب، وهي موقف فيرا من علاقة نابوكوف بإيرينا غوادانيني - كوكوشكي، وإنذارها الذي لا يقبل الهوادة لزوجها في مدينة "كان". ومن دون ذكر النتيجة التي نعرفها سلفاً، تظهر فيرا مع نابوكوف في أميركا.

نعرف من خلال زغوستوفا أن فلاديمير كان يفضل البقاء في أميركا بعد أن تحققت له الشهرة والذيوع بفضل "لوليتا" الرواية التي يُقال إن فيرا وضعت يديها في النار، واحترقت بألسنة اللهب كي تنقذها أكثر من مرة، كما كافحت مع دور النشر بعد أن رفضت أربع مرات، وما إن خرجت إلى النور 1955، حتى سارعت الرقابة بحظرها باعتبارها رواية إروتيكية. عامان ليس إلا على هذا الحظر، وأصبحت لوليتا كتاب الجيب لكل أميركي، وباع نابوكوف حقوق تحويلها إلى فيلم من إخراج ستانلي كوبريك بمبلغ 150 ألف دولار، فإذا بحلم التفرغ التام يتحقق أخيراً.

وهنا اختارت فيرا سويسرا مستقراً أخيراً وهادئاً، وفي فندق مونترو بالاس، كتب نابوكوف أعماله الأخيرة ومنها "النار الخافتة" التي قامت فيرا بعد وفاته بترجمتها إلى الروسية وتعزت بها عن غيابه، وكذلك "آدا" أطول رواية له. كما أتيح له إشباع حبه لصيد الفراشات في تجوالاته مع فيرا عبر جبال الألب وكورسيكا وصقلية، وكان المسدس المذكور لا يفارق حقيبتها.

يشرح ديمتري، ابنهما الوحيد، سبب عيش والديه في سويسرا، على رغم أن فلاديمير كان يشعر براحة أكبر في الولايات المتحدة، قائلاً إن إبقاءه في مونترو كان نوعاً من الثأر منه، لقد كانت تشبه موسوليني.

بين الحب والاحتياج

في رسائله إلى فيرا، يكشف نابوكوف عن مدى تعلقه بزوجته كما لو كان طفلاً لا يستطيع إنجاز أي شيء من دونها، "لا يمكنني أن أكتب كلمة من دون أن أسمع الطريقة التي ستنطقينها بها"، "نعم أنا بحاجة إليكِ يا قصتي العجيبة. أنتِ الإنسان الوحيد الذي بإمكاني أن أتبادل الحديث معه حول التلوينات الدقيقة لسحابة وأنتِ الوحيدة التي يمكنني أن أقول لها وأنا ذاهب إلى العمل إنني نظرت في وجه زهرة عبَّاد الشمس فابتسمت لي بكل بذرة فيها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في الرسائل نحس بمدى رعاية فيرا لنابوكوف وكذلك سطوتها على روحه. لكن الشاعر الذي أحبته فيرا يظهر عند زغوستوفا، في منطقة رمادية بدوره. ربما لأنها راحت تربط بين أعماله وحياته الخاصة على نحو لا يقبل الجدل، لا سيما قصة "باخمان" ومحاولة تطبيقها على حياة استمرت أكثر من نصف عقد. كتبت تقول: "الفن لا يكذب. وقد طرحت القصة فناناً عظيماً وامرأة لم يحبها. لم يكن يحبها، لكنه كان في حاجة ماسة إليها من أجل فنه. أن تحب وتحتاج: هناك فرق كبير بين الاثنين".

تربط زغوستوفا كذلك بين شخصية لوليتا ونابوكوف نفسه بعد أن اكتشفت من خلال سيرته الذاتية "تكلمي أيتها الذاكرة" 1967، ومراسلاته مع فيرا، أن نابوكوف تعرض في سن الثامنة وعلى مدار أربع سنوات لتحرش عمه، قائلة: "منذ نشر رواية "لوليتا"، والقراء في جميع أنحاء العالم يتساءلون عن هوية الفتاة الغامضة، أو ما هي الخبرة التي بنى عليها نابوكوف شخصيته. أثناء بحثي عن روايتي، وجدت الدليل، الذي يبدو أن أحداً لم يلحظه من قبل، أن نابوكوف كان في هذه الرواية يصف سوء المعاملة التي كان هو نفسه ضحيتها عندما كان طفلاً" .

تقتبس زغوستوفا عدة مقاطع لنابوكوف منها على سبيل المثال: "في ذلك المساء، دخل العم غرفة فلاديمير الصغير. طلب من الصبي أن يريه مجموعة الفراشات الخاصة به، وبينما كانا يتأملانها معاً، دغدغ وجهه بشاربه الحريري واستمر في مداعباته ولمسه الجريء في شكل متزايد.". إلى جانب "تكلمي أيتها الذاكرة" تدعم زغوستوفا سيرتها الروائية بقائمة من المراجع تضم نحو 25 مجلداً.  

وكما ترك العم لوكا كل هذه الحسية على أعمال نابوكوف، ترك له ثروة طائلة وأراضي وممتلكات ضخمة، ولسوء الحظ لم يتسن له الاستمتاع بها، فبعد عامين، قامت الثورة، وصودر كل شيء. عندما تزوجته فيرا كانت مثله واحدة من الذين فروا من روسيا بعد انتصار البلاشفة، وكان هو مجرد شاعر واعد، يكدح من أجل لقمة العيش. ومع صعود النازية فرت معه من ألمانيا إلى فرنسا، إلى أن قامت الحرب العالمية فاتجها سوية إلى أميركا وكل ما بحوزتهما 100 دولار. لقد عاشت فيرا بتواضع شديد جوار نابوكوف وسكنت شققه الضيقة، وتركت وظيفتها كي تصبح مجرد مساعدته، وحتى رسائله التي نشرت بعد وفاته، حرصت فيرا على عدم الظهور بجانبه، على رغم كل الشكوك التي تثيرها زغوستوفا بشأن ترك بصمتها على الأدب، في سيرتها التي لا تتجاوز المئة وخمسين صفحة. وبغض النظر عما ورد فيها، تبقى فكرة الحلول في كيان آخر لاستبقاء جذوة الإبداع، أكثر ما يثير في شخصية فيرا، ذلك الجندي المجهول في مسيرة نابوكوف.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة