Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما سبب اعتقال كبار المسؤولين العسكريين في روسيا؟

بدأت حملة الاعتقالات الشهر الماضي باحتجاز نائب وزير الدفاع الروسي

اعتقال الفريق فاديم شمارين هو التوقيف الرابع لشخصية دفاعية برتبة عالية خلال شهر (أ ب)

ملخص

غداة تنصيب فلاديمير بوتين رئيساً لولاية خامسة تصدرت حملة اعتقالات واسعة أخبار الساحة السياسية الروسية.

كانت البداية الشهر الماضي عندما اعتقل نائب وزير الدفاع الروسي، تلاه استدعاء رئيس مديرية شؤون الموظفين في الوزارة المذكورة إلى المحكمة. وهذا الأسبوع، توالت الحلقات في السلسلة مع توقيف مسؤولين عسكريين كبيرين اثنين آخرين. ومواجهة جميع الموقوفين تهم فساد، مع أنهم أنكروها.

وسلسلة الاعتقالات هذه بدأت غداة تنصيب فلاديمير بوتين رئيساً لولاية خامسة، وفي أعقاب قراره بنقل حليفه، وزير الدفاع سيرغي شويغو، إلى منصب جديد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى الفور انهالت التساؤلات حول ما إذا كان بوتين يحاول استعادة السيطرة على وزارة الدفاع في خضم الحرب في أوكرانيا، أو حول ما إذ كانت هذه الحملة على صلة بمعركة نفوذ بين الجيش والأجهزة الأمنية، أو حول ما إذا كان سيناريو آخر يحاك في كواليس الكرملين وخلف جدرانه.

في ما يلي، سنستعرض ما يقف خلف هذه الاعتقالات، ونتطرق إلى سبب حصولها الآن:

ما مدى خطورة الفساد في روسيا؟

لا ريب في أن فضائح الفساد ليست بجديدة. فعلى مر عقود من الزمن، وجهت أصابع الاتهام إلى كبار المسؤولين على خلفية استغلالهم لمناصبهم.

ومن ثم، فإن استغلال النفوذ في روسيا هو وسيلة ترغيب وترهيب في آن. وفي هذا الصدد، يقول سام غرين، مدير برنامج المرونة الديمقراطية في "مركز تحليل السياسات الأوروبية" Center for European Policy Analysis إنه [أي استغلال النفوذ والكسب غير المشروع] أداة "لتشجيع الولاء وحث الناس على أن يكونوا ضمن فريق واحد"، فضلاً عن كونه وسيلة للسيطرة وفرض النفوذ.

ومن جهته، قال المتخصص الأمني مارك غاليوتي أخيراً في مدونة صوتية (بودكاست)، إن ما يريده بوتين هو أن يكون لدى الجميع "عار مستور"، مضيفاً أنه في حال كانت الدولة تمتلك معلومات فاضحة عن كبار المسؤولين، فبإمكانها اختيار من تستهدفه منهم.

أما نايجل غولد ديفيس، وهو باحث بارز في "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية"International Institute for Strategic Studies في لندن، فأكد أن الفساد "هو جوهر النظام".

ومن ثم، فقد أدت الحرب في أوكرانيا إلى تضخيم الإنفاق على الدفاع، وهو ما زاد من فرص استغلال النفوذ [والكسب غير المشروع].

من كان عرضة للاعتقال؟

كان نائب وزير الدفاع السابق تيمور إيفانوف - وهو أول مسؤول يعتقل في أبريل (نيسان) والأعلى رتبة حتى الآن - يشرف على مشاريع بناء كبيرة ذات صلة بالجيش، وكانت لديه القدرة على الوصول إلى مبالغ مالية طائلة. وقد شملت المشاريع [التي أشرف عليها] إعادة بناء أجزاء من مدينة ماريوبول الساحلية المدمرة في أوكرانيا.

وفي هذا الإطار، زعم أعضاء الفريق الذي ترأسه زعيم المعارضة الراحل أليكسي نافالني أن إيفانوف، البالغ من العمر 48 سنة، وأفراد عائلته، امتلكوا عقارات فاخرة واستمتعوا بحفلات باذخة وأقاموا رحلات إلى الخارج، حتى بعد اندلاع الحرب. كما ادعوا أن زوجة إيفانوف، سفيتلانا، قد طلقته في عام 2022 لتتجنب العقوبات وتواصل نمط حياتها المترف.

ويوم الخميس، أكد دميتري بيسكوف المتحدث باسم الرئيس بوتين، على أن الاعتقالات الأخيرة ليست "حملة" ضد الفساد، إنما تعكس الأنشطة [والتحركات] المستمرة حالياً داخل "جميع الدوائر الحكومية".

واللافت أن بيسكوف وإيفانوف كانا قد شاركا، في إحدى المرات، في واقعة محرجة التقطتها عدسات الكاميرات. وفي التفاصيل، قام فريق نافالني [آنذاك] بمشاركة للقطات للمتحدث باسم الكرملين، تعود إلى عام 2022، ظهر فيها محتفلاً بعيد ميلاد زوجة إيفانوف السابقة. وفي مقطع الفيديو المنشور، يظهر بيسكوف إلى جانب إيفانوف، وبيده ساعة يقدر ثمنها بـ85,000 دولار.

وفي أبريل الماضي، ذكرت "لجنة التحقيق"، وهي أعلى وكالة لإنفاذ القانون في روسيا، أن إيفانوف متهم بتقاضي رشوة ضخمة للغاية - في ما يعد جريمة جنائية عقوبتها السجن لمدة تصل إلى 15 عاماً.

ومنذ ذلك الحين، شملت الاعتقالات الأخرى بتهمة الرشوة الفريق يوري كوزنيتسوف، مسؤول الموارد البشرية في وزارة الدفاع، واللواء إيفان بوبوف، وهو عسكري مخضرم وقائد كبير سابق في أوكرانيا، والفريق فاديم شمارين، نائب رئيس هيئة الأركان العامة للجيش، علماً أن شمارين هو نائب رئيس هيئة الأركان العامة فاليري غيراسيموف.

ويوم الخميس أيضاً، أفيد باعتقال مسؤول خامس في الوزارة هو فلاديمير فيرتليتسكي، الذي كان يتولى رئاسة مديرية المشتريات الدفاعية في الوزارة. وقد وجهت إليه تهمة إساءة استخدام منصبه، مما أسفر عن أضرار تزيد قيمتها على 70 مليون روبل (نحو 776,000 دولار)، بحسب ما ذكرت "لجنة التحقيق".

وكذلك، ذكرت تقارير روسية أن نائب رئيس مصلحة السجون الفيدرالية لمنطقة موسكو، فلاديمير تيلاييف، اعتقل هو التالي الخميس، بتهمة تلقي رشى واسعة النطاق.

ما سبب هذه الأحداث الآن؟

على حد تعبير ريتشارد كونولي، المتخصص في الاقتصاد الروسي في معهد "رويال يونايتد سيرفيسيس" Royal United Services Institute في لندن، تشير الاعتقالات إلى استشراء ظاهرة فساد "فظيعة للغاية" في وزارة الدفاع، وإلى [قرار] بعدم التسامح معها بعد الآن.

والحال أن بوتين، وبعد فترة قصيرة من تنصيبه، قرر التخلي عن شويغو كوزير للدفاع، واستبدله بخبير الاقتصاد أندريه بيلوسووف. وفي هذا الإطار، شرح بيسكوف أنه من الضروري أن تتماشى موازنة الدفاع الروسية المتزايدة مع اقتصاد البلاد الأوسع نطاقاً.

وأشار بيسكوف إلى أن موازنة الدفاع الروسية تمثل 6.7 في المئة من إجمال الناتج المحلي للبلاد، وهو مستوى لم يسجل منذ الحقبة السوفياتية.

ومن جانبه، أشار كونولي إلى وجود "وجهة نظر تفيد بأنه يتعين إنفاق هذا المبلغ بحكمة أكبر".

وفي سياق متصل، يشار إلى أن قائد المرتزقة يفغيني بريغوجين، وقبل وفاته العام الماضي في حادثة تحطم طائرة لا يزال يكتنفه الغموض، كان على رأس تمرد قصير ضد القيادة العسكرية للبلاد، نظمه بعد أن أفاد بأن هذه الأخيرة [أي القيادة العسكرية] أساءت إدارة الحرب وحرمت قواته من الأسلحة والذخائر.

وبالكلام عن تعيين بيلووسوف، أشار غولد ديفيس إلى أنه بمثابة "اعتراف الكرملين على مضض" بضرورة الاهتمام بمشكلات من هذا القبيل.

ومن ثم، لا بد أن تدار الحرب بصورة صحيحة، لأن الاقتصاد الروسي يعتمد عليها. فمع ازدهار قطاع الدفاع، يتقاضى الروس رواتب أعلى. ومع أن ذلك قد أحدث مشكلات تضخمية، إلا أنه يتيح لبوتين مواصلة الوفاء بوعوده القائلة برفع مستويات المعيشة وتحسينها.

أما غرين، فاعتبر أن الحكومة في حاجة إلى "مواصلة الحرب لضمان استمرارية الاقتصاد"، مع ضرورة أن تحرص، في المقابل، على عدم زيادة الكلف - والفساد - عما هو مطلوب.

ومن جهته، أشار كونولي إلى احتمال أن يكون وزير الدفاع الجديد بيلوسووف قد عمد إلى التخلص من شركاء سلفه، موجهاً بذلك رسالة تفيد بأن "الأمور ستنجز بطريقة مختلفة".

أما بوبوف، فقد تكون حالته مختلفة. فهو حارب في أوكرانيا، واستبعد من منصبه في يوليو (تموز) 2023 على خلفية انتقاده لقيادة وزارة الدفاع - مثلما فعل بريغوجين - وتحميلها مسؤولية نقص الأسلحة وشح الإمدادات، مما أدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا الروس.

بالتالي، لعله يواجه اليوم عواقب هذا الانتقاد.

هل يمكن أن تكون هذه معركة نفوذ؟

لم يتضح بعد أن كان الكرملين أو أي جهاز للأمن الروسي، ولا سيما جهاز أمن الدولة "إف أس بي" FSB، هو القوة الدافعة لهذه الاعتقالات.

فالاحتمال قائم بأن يكون عدد من المسؤولين غير المقربين من بوتين في خضم حرب نفوذ لا علاقة لها البتة بقرار تعيين وزير جديد للدفاع.

وفي رأي غرين، قد تكون الأجهزة الأمنية في طور "التصدي" لهيمنة ملحوظة للجيش، تستمر منذ أن أصدر بوتين أمراً بغزو أوكرانيا في عام 2022.

ومع أن الكرملين ينفي حدوث أي نوع من أنواع التطهير، قال غرين: "إن لم يكن بوتين يريد حصول ذلك، فهو لن يحصل".

ماذا سيحدث؟

رجح كونولي حصول المزيد من الاعتقالات، لأن وزير الدفاع الجديد يريد أن يثبت أنه "لا بد من دفع ثمن" مقابل الفساد، كي يكون كبح جماحه ممكناً.

أما غرين، فقال إن بعض المحققين "المبادرين" قد يرون في مسألة رفع قضية جنائية ضد أحد الجنرالات فرصة عظيمة، تخولهم الارتقاء بمقامهم والتقدم في مسيرتهم المهنية.

بيد أن هذا الاستشراء الفادح للفساد قد يثير حالة ذعر، من شأنها تقويض النظام برمته.

وقال غرين إنه في حال اعتقال مسؤولين بسبب سلوك كان مسموحاً من ذي قبل، حتى لو لم يكن قانونياً، فسيحدث تغيير ملحوظ في "الخطوط الحمراء" القائمة. وأضاف أنه في حال تواصلت الاعتقالات أو اتسع نطاقها إلى خارج حدود وزارة الدفاع، فقد يتسبب ذلك في توجيه أصابع الاتهام إلى مسؤولين، وينتج منه "تهافت على المخارج"، وهو ما يريد الكرملين تجنبه.

وبما أن النظام مبني على الفساد، قال غرين إن مهاجمته بقسوة قد تتسبب في "انهياره".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير