Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

4 روايات نسوية تستكشف صراع الجمال والهوية

عندما تطمح النساء إلى تحقيق الصورة التي تروجها وسائل التواصل الاجتماعي ولو على حساب الذات

لوحة للرسامة ريم يسوف (صفحة الرسامة - فيسبوك)

ملخص

في عالم الأدب، تتجلى مسألة الجمال والهوية من الموضوعات الشديدة العمق والتعقيد، وتتشابك في نسيج الحياة الإنسانية، وتتداخل عبر الزمان والمكان، كي تفكك مفاهيم عدة حول لون البشرة، ونوع الشعر، الكاشفين عن الهوية. 4 روايات نسوية تطرقت إلى هذه القضية، من وجهات نظر مختلفة.

لطالما كان مفهوم الجمال محوراً للتأمل والنقاش في الفلسفة والأدب، يتحدى تباين الثقافات، ويجسد تصورات مختلفة عن طبيعة الحياة والتجربة الإنسانية. وبين الشرق والغرب، يتجلى الجمال بأشكال متعددة، معبراً بقوة عن الهوية الثقافية لكل مجتمع، وعاكساً للتوق الإنساني نحو الإبداع والكمال. لكن الفروق الموجودة في مفهوم الجمال لا تعكس بالضرورة، الأذواق المختلفة فقط، بل تعبر عن رؤى حضارية متباينة للعالم والإنسان.

من خلال عدة روايات معاصرة، تتجلى مفاهيم جمالية، تقاوم الدلالات الشكلية النمطية وتأثيراتها على الأفراد والمجتمعات، بل على المرأة تحديداً، التي تخوض صراعاً ثقافياً وحضارياً كي تحافظ على ذاتها الأعمق، في مواجهة قيم جمالية كولونيالية، متجذرة منذ القدم. ثم أسهمت العولمة وسلطة الميديا في انتشارها، بسبب تأثر مفهوم الجمال في معظم أنحاء العالم بالنظرة الغربية في شكل كبير، بسبب صناعة الموضة والإعلام، حيث يتم تصوير المرأة الجميلة في وسائل الإعلام على أنها تمتلك مقومات معينة، مثل القوام الرشيق والبشرة النضرة والشعر اللامع. هذه المعايير، التي غالباً ما تكون غير واقعية وصعبة التحقيق، تضع ضغوطاً كبيرة على النساء لتحقيق هذه الصورة المثالية.

ومع ذلك، هناك حركات نسوية متزايدة تنادي بتقدير الجمال الطبيعي، وتقبل التنوع في أشكال وأحجام الجسم؛ ومع استمرار الحوار الثقافي والتبادل الفكري، يمكننا أن نأمل في تطور نظرة أكثر شمولية، وتقبلاً للتنوع الجمالي في العالم، تعزز من احترام الهوية الفردية والجماعية لكل امرأة.

الروايات التي بين أيدينا هي: "هيبة الجمال" للكاتبة الكولومبية بييداد بونيت، "شعري المجعد" للكاتبة الأنغولية جاميليا بيريرا دي ألميدا، و"عن الجمال" للكاتبة البريطانية زادي سميث، و"عملية تجميل" للكاتبة المصرية زينب عفيفي، جميعها تعكس هذه الرؤى، وتقدمها من خلال سرد واقع بطلات واجهن تحديات جمالية ضاغطة.

"هيبة الجمال"

تعد رواية "هيبة الجمال"، للكاتبة الكولومبية المعاصرة بييداد بونيت، الصادرة عن دار روايات للنشر، بترجمة محمد الفولي؛ عملاً أدبياً يجسد ببراعة تعقيدات الجمال والهوية. تستعرض الرواية جوانب متعددة من الحياة، مسلطة الضوء على الصراعات الداخلية والخارجية، التي يواجهها الأفراد في سعيهم لتحقيق الكمال عبر جمال الشكل الخارجي.

تركز الرواية على حياة فابيولا، إنها فتاة تعيش في صراع دائم مع صورتها الذاتية، ومعايير الجمال المجتمعية. منذ طفولتها، تُجبر فابيولا على مواجهة التوقعات الصارمة للجمال، التي تفرضها عليها والدتها والمجتمع من حولها. الرواية تتبع حياتها من الطفولة إلى البلوغ، مستعرضة تأثير هذه التوقعات على نفسيتها وعلاقاتها بالآخرين. لنقرأ: "نجت أختي من الجينات القاسية لتلك الجدة المجهولة، فقد كانت طفلة بهية الطلة داكنة العينين رقيقة الأنف، شفافة البشرة كورق الرز. تفوقت هي عني بمسافة كبيرة، فالجمال كما هو معروف، لص تنهار أمامه كل الأقفال، لكن أنا ما الواجب فعله معي؟ كان القرار الأول بدائياً: لو أن الروح والشخصية والذكاء أمور قابلة للقولبة، فلماذا لا ينطبق الأمر على الجسد؟ هكذا قررت أمي دهن أنفي بزبدة الكاكاو، وبقعة شفتي بكريم محار اللؤلؤ، وتصفيف شعري بماء بذور الكتان والبابونج، هكذا صرت مذبحاً وطوطماً وكعكة تنحني أمي أمامه بوقار، وهي تدهنه بأملاحها وبلاسمها".

تستكشف الرواية كيف يمكن لمعايير الجمال المجتمعية أن تؤثر بشكل عميق على الأفراد، بخاصة النساء، وكيف يمكن أن تؤدي هذه التوقعات إلى صراعات نفسية عميقة. على مدار السرد، تعاني فابيولا من الصراع بين رغبتها في أن تكون جميلة، وبين حقيقة أنها تشعر بعدم الكمال، وتتأثر حياتها وحالتها النفسية بضغط فكرة الجمال المثالي التي لم تتحقق لها، وهذا الضغط يأتي من خلال الأم التي تفرض معايير الجمال الصارمة على ابنتها، مما يسهم في تشكيل صراعات داخلية، تفسد العلاقات الأسرية والاجتماعية، وتؤدي إلى تعقيدات نفسية، تصاحب الإنسان مدى حياته.

تتميز بييداد بونيت بأسلوبها الأدبي الغني، والمليء بالتفاصيل الحسية. تستخدم لغة شعرية، لتقديم عالم فابيولا الداخلي والخارجي، مما يجعل القارئ يشعر بالعمق النفسي للشخصيات وتعقيداتها. السرد متناغم ومبني بعناية، مما يضفي على الرواية جاذبية خاصة وقوة تعبيرية.

حظيت "هيبة الجمال" بإشادة واسعة من النقاد، الذين أثنوا على قدرة بونيت على تقديم نظرة ثاقبة على الضغوط، التي تواجهها النساء في المجتمع المعاصر، بأسلوب حساس وعميق، يعرض بصدق وحساسية مفرطة تأثير هذه الضغوط على النفس البشرية. الجدير بالذكر أن بييداد بونيت، هي شاعرة وكاتبة كولومبية مولودة في مدينة المالفي في شمال شرقي كولومبيا، حاصلة على بكالوريوس في الفلسفة من جامعة الأنديز، وتعمل الآن أستاذة في الإنسانيات. نشرت بونيت ثمانية دواوين شعرية، وأربع روايات، وخمس مسرحيات تُرجمت إلى عدة لغات. كما نُشرت قصصها القصيرة، ومقالاتها في المجلات والجرائد الكولومبية والعالمية.

"شعري المجعد"

رواية "شعري المجعد" للكاتبة الأنغولية جاميليا بيريرا دي ألميدا، والمكتوبة بالبرتغالية، وصدرت عن دار العربي بترجمة زينب محمد، هي من الروايات المرجعية في قضايا العرق والنسوية. إذ تتناول موضوعات الهوية والانتماء والغربة بأسلوب سردي حيوي وساخر. وُلدت ألميدا في أنغولا، وترعرعت في البرتغال، واستلهمت هذه الرواية من تجربتها الشخصية لرسم معاناة البطلة، التي تكافح لفهم هويتها وسط تباينات ثقافية واجتماعية حادة، كلها تتجلى من خلال علاقتها بشعرها.

تتمحور الرواية حول علاقة المرأة بتابوهات المجتمع، فالبطلة التي تحمل على عاتقها عبء شعرها المجعد، والذي يصبح رمزاً لهويتها الممزقة بين عالمين، بين جذورها الأفريقية وانتمائها البرتغالي. من خلال تفاصيل حياتها اليومية، تعكس الرواية كيف يمكن لخصلات الشعر أن تكون دالة على الجذور، وكيف تحمل في ذؤاباتها تأثيرات واسعة النطاق على حياة المرأة، وتفاعلاتها الاجتماعية، مما يجعل من شعرها مرآة تعكس عمق صراعاتها النفسية والاجتماعية. تربط البطلة خيوط حياتها بعلاقاتها الأسرية، وبحثها المستمر عن مفهوم الوطن والانتماء، في ظل تعقيدات المراوحة في انتمائها بين أنغولا والبرتغال.

تغوص جاميليا بيريرا دي ألميدا في أعماق المشاعر الإنسانية، لفتاة تكشف بشرتها وشعرها عن هويتها الأفريقية في الوقت الذي تعيش فيه ضمن وسط اجتماعي أوروبي؛ لكنها تبتعد في سردها عن الأسى أو الشعور بالدونية، وتقدم حكايتها بأسلوب رشيق ومفعم بالحس الإنساني؛ يستفز ذهن القارئ لطرح تساؤلات عن فكرة الهوية التي تتجاوز حدود المكان والزمان، فالبطلة تجعل من شكل شعرها، وطرق تصفيفه مدخلاً لمناقشة قضايا أكثر عمقاً، مثل معنى الوطن وغربة الإنسان المعاصر، إلى جانب تقديم نقد للصور النمطية لدى الأوروبيين عن سكان أفريقيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تقدم الكاتبة أيضاً تصوراتها عن واقع المرأة الأفريقية، من حيث اختيارها للألوان والأقمشة وأوشحة الشعر، إلى جانب التعبير عن خصوصية ثقافية من خلال الشكل الخارجي.

الرواية تقاوم فكرة هيمنة النمط الواحد، ترفض فكرة الآخر عن الشعر، الآخر المتمثل في الأوروبي النمطي، أي أن المرأة الأوروبية تتميز بالشعر المنسدل الذي أصبح نموذجاً عالمياً تتبعه دور الأزياء والموضة، في مقابل هذا تتجلى الهوية الأفريقية في الشعر المجعد، الذي يعبر عن الطبيعة والفطرة الإنسانية. لنقرأ: "تُعبر الرعاية المشتركة لشعري عن حالة إنسانية يحاول البالغون إخفاء نوبات غضبهم لتحملها... سألتني جدتي البيضاء عن شعري قائلة، حسناً ميلا، متى ستعالجين شعرك؟ كان الشعر حينئذ شخصية مميزة، الأنا الثانية الموجودة في الغرفة. أعتقد أن التصالح مع الذات بحسب اعتقادي كالتصالح مع أصولنا... لقد رافقتني خيبة أملي في شعري خلال رحلة تطوري، كتطور حكة طفيفة إلى طفح جلدي، انتقالي من الاهتمام بالجمال إلى الأخلاق، من الاهتمام بمجفف الشعر إلى الاهتمام بالعدل".

"عملية تجميل"

انشغل الإنسان منذ حضارات ما قبل التاريخ بالجمال، وتشكلت رؤى ومفاهيم جمالية نجدها في المنحوتات الرومانية والإغريقية. لقد سيطر هاجس الجمال الجسدي على البشر، في جميع العصور والمراحل التاريخية، وربما يتجلى هذا الهوس في شكل جلي، منذ بداية القرن الواحد والعشرين، مع شيوع جراحات التجميل، ووجود رغبة ضاغطة للحفاظ على الشباب والجمال.

تتخذ الكاتبة المصرية زينب عفيفي، في روايتها "عملية تجميل" الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، من فكرة الجمال محوراً لمناقشة عدة أفكار، في صبغة تجمع بين الواقع والديستوبيا. فالبطلة التي تنظر إلى ملامحها، وتشكو من تقدمها في السن، وكيف زوى جمالها، وتلاشت رشاقتها، لا تلبث أن تفتح النافذة، وترى في الشارع كل وجوه المارة قد تحولت إلى وجوه شابة، ولا يوجد عجائز في مدينتها.

يتشعب مفهوم الجمال في الرواية كي يطاول القفزات العصرية السريعة في طب التجميل، الذي يساوي بين الأم والابنة، وبين الجدة والحفيدة. تتأمل البطلة الساردة في كل ما حولها، تستمع إلى ما يقوله جميع أهل المدينة والوافدين إليها، عن حقهم في الحصول على الجمال والشباب مهما تقدم بهم العمر، لذا يندفعون لاهثين وراء كل الوعود التي تقدم لهم حلم الصبا الأبدي، وهذا ينطبق على الرجال والنساء، لنقرأ: "جاءني الطبيب الساحر، وروى لي عن مفعول السحر لحقنته على الوجوه، وطلب مني أن أكون أول رجل يجري له هذه العملية من حقن إكسير الشباب الدائم، لم أتردد، فمن منا يكره أن يبقى شاباً للأبد! لم تمض أيام حتى عاد وجهي الستيني إلى وجه شاب في مقتبل العمر، وأصبح المقربون مني يسألون عن سر شبابي".

تطرح الرواية بأسلوب مراوغ، تساؤلاتها عن الغد، من خلال فكرة الجمال والشباب، وصراع التقدم في السن، قدمت الكاتبة رؤيتها للمدينة التي كانت في يوم ما تنعم بالاستقرار والجمال الطبيعي، لكن زال كل شيء منها، ولم يبق إلا العجائز المتصابون الذين خرجوا إلى الساحات، للمطالبة بحقهم في البقاء في أماكنهم طالما أنهم على قيد الشباب.

"عن الجمال"

يتوسع مفهوم الجمال في رواية الكاتبة الإنجليزية زادي سميث "عن الجمال"، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ترجمة مفرح كريم، في استكشاف دقيق للصراعات الثقافية، والفكرية المتوارية خلف الطبقات الظاهرية، من خلال تناول الفروق العرقية والثقافية داخل المجتمع الأكاديمي، إضافة إلى مفهوم الجمال والصراع بين القيم الليبرالية والمحافظة. تدور أحداث الرواية في إحدى البلدات البريطانية، وتتنقل بمهارة بين تعقيدات العرق، والطبقة، والهوية الشخصية، عبر تقريب عدسة السرد من عائلتين متباينتين فكرياً واجتماعياً.

تناقش سميث مفهوم الجمال، من خلال شخصيات أبطالها، إحدى الشخصيات تدعى كيكي، وهي امرأة أميركية سوداء من أصول أفريقية، متزوجة من أستاذ جامعي أبيض، تعاني من إحساسها بالعزلة، لأنها موجودة في وسط اجتماعي يطغى عليه أصحاب البشرة البيضاء. تتعرض كيكي أيضاً لاضطراب في رؤيتها لذاتها، كانت ترى نفسها جميلة في شبابها، حين كان زوجها مغرماً بها، لكن بعد خيانته لها، ودخوله في علاقة طويلة، غمرها إحساس بالدونية ظلت تحاول التحرر منه، إلى أن تتمكن من استعادة ذاتها القديمة، والتفكير بمفهوم الجمال من زاوية أخرى، يتضافر فيها المادي والمعنوي. تدرك كيكي في نهاية الرواية أن حضورها الفكري والروحي ورؤيتها لكل القيم الروحية النبيلة أهم بكثير من الشكل الخارجي، المتغير على مدار العمر.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة