ملخص
مع أن ثلاثة أرباع دول العالم تعترف بدولة فلسطين التي أعلنت في الجزائر قبل 35 عاماً، فإن دول أوروبا الغربية إضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية رفضت القيام بذلك قبل التوصل إلى سلام نهائي بين فلسطين وإسرائيل.
على رغم أن إعلان إسبانيا والنرويج وإيرلندا اعترافهم بدولة فلسطين على حدود عام 1967 يعتبر خطوة مضادة لسعي إسرائيل إلى القضاء على إمكان إقامة دولة فلسطينية، فإن قرار الدول الأوربية المتزامن لن يساعد في تعزيز شعبية السلطة الفلسطينية وحاضنتها الرسمية "منظمة التحرير"، فالقرار الأوروبي جاء في ظل خوض إسرائيل حرباً ضد الشعب الفلسطيني راح ضحيتها أكثر من 35 ألفاً، وتصاعد في الإجراءات الإسرائيلية لتقويض حل الدولتين، فيما تسعى منظمة التحرير الفلسطينية إلى الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي أفشلته واشنطن الشهر الماضي للمرة الثانية خلال 13 عاماً.
ومع أن ثلاثة أرباع دول العالم تعترف بدولة فلسطين التي أعلنت في الجزائر قبل 35 عاماً، فإن دول أوروبا الغربية، إضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية رفضت القيام بذلك قبل التوصل إلى سلام نهائي بين فلسطين وإسرائيل.
نواة فلسطين
لكن تلك المقاربة التي هيمنت على صناع القرار في أوروبا الغربية على مدى العقود الثلاثة الماضية بدأت بالتحطم بعد الفشل في تحقيق حل الدولتين كسبيل للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
ويتفق محللون وسياسيون على أن اعتراف الدول الأوربية الثلاث مكسب للشعب الفلسطيني وترجمة لتضحياته"، لكنهم يفرقون بين إنجازات الشعب الفلسطيني، وبين زيادة شعبية السلطة الفلسطينية التي تعاني أزمات مالية وسياسية تسببها إسرائيل، فضلاً عن الانقسام مع حركة "حماس".
وبعد 30 عاماً على تأسيس السلطة الفلسطينية باعتبارها "نواة لدولة فلسطين"، أقام الفلسطينيون كل ما يتطلبه وجود الدولة من وزارات ومؤسسات رسمية وسفارات خارجية في العشرات من دول العالم تفوق حتى بعض أعضاء الأمم المتحدة.
لكن بقاء السيطرة الإسرائيلية على أراضي الضفة الغربية "يمنع تجسيد إقامة تلك الدولة"، ووفق عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني فإن اعتراف الدول الأوروبية جاء "نتاج جهد طويل للدبلوماسية الفلسطينية"، مشيراً إلى أن ذلك "يراكم المركز القانوني لدولة فلسطين ويقربنا من الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، ويفتح الباب أمام اعتراف دول أوروبية أخرى".
واستبعد مجدلاني أن يؤدي ذلك إلى زيادة شعبية السلطة الفلسطينية، إذ "تتحكم فيه عوامل داخلية واجتياح الجيش الإسرائيلي لمدن وقرى الضفة الغربية، والأزمة المالية، والخلاف بين حركتي ’حماس‘ و ’فتح‘".
لكن حركة حماس أرجعت الاعتراف الأوروبي إلى "المقاومة الباسلة، والصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني"، معتبرة أن هذه الاعترافات تمثل نقطة تحول في الموقف الدولي من القضية الفلسطينية.
خطوة مضادة
لكن رؤساء وزراء النرويج وإسبانيا وإيرلندا كانوا حريصين على نفي أية علاقة بين حركة "حماس" وخطوتهم بالاعتراف بدولة فلسطين، مشيرين إلى أن ذلك الاعتراف يهدف إلى "دعم القوى المعتدلة"، ومؤكدين أن "الشعب الفلسطيني ليس كله حركة ’حماس‘".
أما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يرفض إقامة دولة فلسطينية، فاعتبر أن اعتراف دولة أوروبية بدولة فلسطين "منح جائزة للإرهاب"، مشيراً إلى أن فلسطين ستكون "دولة إرهاب وستسعى إلى تكرار هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول)2023"، ومؤكداً أن "80 في المئة من الفلسطينيين في الضفة الغربية يؤيدون ذلك الهجوم".
المتحدث باسم حركة "فتح" جمال نزال وصف الاعتراف الأوروبي بأنه "خطوة مضادة لسعي إسرائيل إلى التخلص من الشعب الفلسطيني وتقويض السلطة الفلسطينية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفق المتحدث فإن السلطة الفلسطينية هي "المنارة التي تستهدي بها دول العالم التي تريد الاعتراف بدولة فلسطين".
وأشار إلى مؤسسات دولة فلسطين "قائمة عملياً لكن ينقصها الاعتراف العالمي"، مضيفاً أن اعتراف الدول الأوروبية الثلاث يأتي في ظل محاولة إسرائيل هدم أسس بقاء الشعب الفلسطيني".
واعتبر نزال أن ذلك الاعتراف يأتي "استجابة لمطلب منظمة التحرير الفلسطينية منذ عام 1988 عندما أعلنت استقلال دولة فلسطين على خطوط الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967، متهماً حركة "حماس" بأنها "لا تريد دولة فلسطينية، فمنذ تأسيسها عام 1988 وهي تسعى إلى تعطيل إقامة هذه الدولة، وهو هدف نتنياهو نفسه".
لكن "حماس" بدأت خلال الأشهر الماضية المطالبة بإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس، مع حل عادل لقضية اللاجئين.
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة "بيرزيت" إبراهيم ربايعة أن الخطوة الأوروبية "تجدد الأمل بحل الدولتين، وهي هجمة مضادة للحفاظ على إمكان إقامة دولة فلسطينية في ظل حرب إسرائيلية متواصلة تستهدف القضاء على أي إمكان لإقامة الدولة، وإنهاء أي كيان سياسي فلسطيني".
السلام المفقود
وبحسب ربايعة فإن إجراءات الحكومة الإسرائيلية "ترجمة عملية لذلك، فهي تعمل على خنق السلطة الفلسطينية مالياً وتوسع الاستيطان، وتمنع عودة السلطة إلى قطاع غزة".
ورجح أن تشهد المرحلة اللاحقة سلسلة اعترافات من دولة أوروبية أخرى بدولة فلسطين تقود إلى اعتراف أوروبي شامل، في ظل قناعة بفشل المقاربة السابقة التي تقوم على انتظار توصل الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي إلى اتفاق للسلام".
وأوضح ربايعة أن جهد اللجنة السداسية العربية أسهم في هذه الخطوة الأوروبية، متوقعاً أن تلحق واشنطن في نهاية المطاف بتلك الدول التي تعترف بفلسطين".
وأرجع خطوة الاعتراف إلى "التفاعلات في الشارع الأوروبي الرافض لما يجري في قطاع غزة"، مشيراً إلى أن الفلسطينيين لا يعتبرون ذلك نتاجاً للجهد الدبلوماسي الفلسطيني، على رغم الجهود الحثيثة التي تبذلها السلطة الفلسطينية".
ووفق ربايعة فإن "ما يقوض شعبية السلطة الفلسطينية أكثر مما يرفع شعبيتها، فهي لا تمتلك أدوات استعادة الشارع بسبب أزمتها المالية وعجزها عن حماية الفلسطينيين من هجمات المستوطنين والجيش الإسرائيلي في الضفة"، موضحاً أن الشارع الفلسطيني ينظر إلى السلطة الفلسطينية كـ "متفرج، وإن كان ذلك رغماً عنها".
واعتبر رئيس قسم العلوم السياسية في "جامعة الخليل" بلال الشوبكي أن الاعتراف الأوروبي بدولة فلسطين "لن يؤدي إلى زيادة شعبية السلطة الفلسطينية"، مشيراً إلى أن الاعتراف "خطوة مرتبطة بالحرب على قطاع غزة وتضحيات الفلسطينيين، وليس بالحهد الدبلوماسي الفلسطيني".
وأوضح أن خطوة الدول الثلاثة "لم تكن بتنسيق مع السلطة الفلسطينية، فلا توجد مؤشرات على أنها جاءت تتويجاً لعملها".
وعلى رغم أن الشوبكي شدد على أن تلك الخطوة مهمة، لكنه أشار إلى أنها تحتاج إلى استكمال لتكون ضمن برنامج سياسي للدول الأوروبية من أجل ممارسة الضغوط على إسرائيل لإنهاء سيطرتها".
أما أستاذ العلوم السياسية في "جامعة بيرزيت" أحمد جميل عزم فيرى أهمية التفريق بين الدولة الفلسطينية كفكرة وبين السلطة الفلسطينية، مشيراً إلى أن "مشروع الدولة سيقوى بفعل الخطوة الأوروبية، لكن السلطة الفلسطينية على العكس سيتحتم عليها التصرف كدولة".
ووفق عزم فإن الاعتراف الأوروبي "مكسب للشعب الفلسطيني"، مشيراً إلى أن السلطة الفلسطينية "تحتاج إلى التجديد وتحقيق الوحدة بين الفلسطينيين، وأن إسرائيل ترى أن مشروع السلطة الفلسطينية والدولة الفلسطينية يتناقض مع مصالحها، لذلك فإنها تعمل ضده".
دبلوماسية وعنجهية
وأرجع المحلل السياسي جهاد حرب الاعتراف الأوروبي بدولة فلسطين إلى عوامل عدة، منها "العمل الدبلوماسي الكبير على مدى الأعوام الماضية، ثم التضحيات الكبيرة للشعب الفلسطيني وعنجهية إسرائيل وعدم خضوعها للقانون الدولي".
وأوضح حرب أن الرأي العام الأوروبي "ضغط على حكومات بلاده لتحويل المبادئ والقيم الأوروبية إلى إجراءات تمنح الفلسطينيين حقوقهم وترفع الظلم عنهم".
وبحسب حرب فإن تلك الدول الأوروبية ترى أن أية "عملية سياسية ناجحة تتطلب وجود طرفين متكافئين، وأن تلك الاعترافات تمنح قوى السلام في الجانبين دفعة إلى الأمام"، مشيراً إلى أن "فلسطين لديها مؤسسات أفضل بكثير من بعض أعضاء الأمم المتحدة، لكن ينقصها إجراء الانتخابات العامة".
واعتبر الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن الخطوة الأوروبية "العظيمة ستسهم في تعزيز السلام والعدل وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وتعزيز تنفيذ حل سياسي على أساس قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية".
وأعرب عباس عن أمله بأن تكون هذه الخطوة مقدمة لاعتراف مزيد من الدول الأوروبية ودعم حصول دولة فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، لإعطاء الأمل وتهيئة الظروف المناسبة لصنع السلام".
وأظهر استطلاع للرأي أجراه "المركز الفلسطيني للبحوث المسحية والسياسية" قبل شهرين أن 49 في المئة من الفلسطينيين تعتقد أن حركة "حماس" هي "الأحق بتمثيل وقيادة الشعب الفلسطيني"، فيما قال 17 في المئة إن "فتح" بقيادة الرئيس عباس "هي الأحق".
وأشار 65 في المئة من المستطلعة أراؤهم إلى أن السلطة الفلسطينية أصبحت "عبئاً على الشعب الفلسطيني"، و27 في المئة فقط يعتقدون أنها "إنجاز للشعب الفلسطيني".