Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجوع يجبر سودانيين على أكل القطط وأوراق الشجر

اضطر كثير من سكان أمبدة بأم درمان إلى التغذي على حيوانات الشوارع ومخلفات السمسم المعصور

يشارك السودانيون الحيوانات علفها من مخلفات السمسم المعصور للزيت (اندبندنت عربية - حسن حامد)

ملخص

يشير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو أداة عالمية لرصد الجوع، إلى أن ما يقارب 18 مليون شخص في السودان، أي أكثر من ثلث سكان البلاد البالغ عددهم 49 مليوناً، يواجهون "مستويات عالية من الانعدام الحاد للأمن الغذائي"، وتلفت تقديراته أيضاً إلى أن من بين هذا العدد هناك نحو 5 ملايين شخص على بعد خطوة واحدة من المجاعة.

بات الوضع في محلية أمبدة بمدينة أم درمان معقداً بسبب تردي الأوضاع المعيشية والإنسانية، إذ يواجه أكثر من مليوني شخص أزمة نقص الغذاء بشكل كبير، ومنذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023 تقع المنطقة تحت الحصار بسبب الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، ولا يسمح بدخول المواد الغذائية من سوق صابرين بمحلية كرري، كما أن الحصول على البضائع من منطقة جبل أولياء في الخرطوم أمر غاية في الصعوبة نظراً إلى تعرض التجار للنهب والسلب وكذلك الاعتقال من المجموعات المسلحة.

وأدى الوضع الكارثي إلى ظهور بعض حالات الموت جوعاً بشكل مؤلم في الآونة الأخيرة، واضطر كثير من السكان إلى أكل القطط التي تجوب الأحياء لسد الرمق، فضلاً عن مشاركة الحيوانات علفها من مخلفات السمسم المعصور للزيت، وتحول آخرون صوب مقالب القمامة بحثاً عن الطعام.

أوضاع معقدة   

يقول سليمان أبكر، من مواطني أمبدة، إن "الوضع في المنطقة فاق حدود الاحتمال، وللأسف كل يوم يمر علينا نصبح أكثر إحباطاً لسوء أحوالنا المعيشية، فكل ما نملكه قمنا بصرفه، وبات شبح الجوع يحاصر السكان، على رغم وجود آلاف المواطنين الذين لم يتمكنوا من النزوح بعد نفاد مدخراتهم المالية".

وأضاف أبكر أن "معظم الجيران وخلال يوم كامل لا يتناولون وجبة واحدة، ونسمع في كثير من الأحيان صوت بكاء الأطفال من شدة الجوع، في وقت لا نستطيع فيه تقديم أي خدمة لأسرهم، وهو أمر يدعو إلى الحسرة والألم".

 

 

وأوضح أبكر أن "حركة انسياب البضائع كانت تسير بصورة طبيعية لتغذي أسواق المنطقة، لكن منذ ستة أشهر ضعفت التدفقات بشكل ملحوظ، وأصبح هناك شح في المواد الغذائية نتيجة الحصار المضروب على محلية أمبدة، فضلاً عن توقف إمدادات السلع من (صابرين) السوق الوحيد في مدينة أم درمان، وكذلك صعوبة جلبها من منطقة جبل أولياء بالخرطوم لأخطار التنقل وتعرض التجار للنهب والسلب والاعتقال".

جوع وخوف

واعتبر نجم الدين فضل، أحد الموجودين في منطقة المنصورة، أن "كثيراً من المواطنين غير قادرين على توفير الحد الأدنى من الحاجات الأسرية، والآن داخل كل بيت تجد مأساة يندى لها الجبين، ووصل الوضع إلى مرحلة أكل القطط لسد رمق الجوع نظراً إلى عدم توفر المواد الغذائية، علاوة على تقاسم مخلفات السمسم المعصور للزيت في ما بينهم، وهو في الأصل مخصص كعلف للحيوانات".

وشدد فضل على أهمية تدخل المنظمات الإنسانية بشكل عاجل لإنقاذ المسنين وأصحاب الأمراض المزمنة والأطفال من خطر الموت جوعاً حال استمرار الأوضاع على هذا المنوال.

وتابع المتحدث "الضغوط والمعاناة اليومية قادت بعضهم للإصابة بحالات الإحباط والاكتئاب النفسي نتيجة الظروف المعيشية الصعبة، إلى جانب الذعر والخوف من القصف المدفعي والجوي ودوي الرصاص".

عجز وقهر

ويعتقد عضو غرفة طوارئ محلية أمبده محمد الواثق أن "كثيراً من السكان يشعرون بالعجز لعدم قدرتهم على توفير الطعام لأطفالهم الذين يستيقظون ليلاً من النوم بسبب الجوع، مما أدى إلى تدهور صحتهم ويعاني آخرون أمراض سوء التغذية".

وأشار الواثق إلى أن "غالبية المواطنين كانوا يعتمدون على وجبات المطابخ الخيرية بصورة يومية في الحصول على الطعام، من ثم فإن توقف إمدادات السلع والمواد الغذائية من سوق صابرين في مدينة أم درمان فاقم من المعاناة وبات يهدد حياة عدد سكان المنطقة، ويتزامن كل ذلك مع انعدام السيولة النقدية وتوقف الأعمال اليومية".

 

 

ولفت عضو غرفة طوارئ أمبدة إلى أن "الوضع المعيشي وصل إلى مستويات غير مسبوقة، واضطر بعضهم إلى أكل (القطط) لسد الرمق، وفي حال استمرار المعاناة سيموت الناس جوعاً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وواصل القول "أشعر بغصة في قلبي حين أرى وضع الأسر ويبقى المسنون يسألون عن أسباب توقف عمل المتطوعين وإمكان استعادة تقديم الخدمات، هذه الأوضاع المأسوية أصعب لحظة بالنسبة إلي وجعلتني أحس بالحزن والقهر".

أوراق الشجر 

يشير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو أداة عالمية لرصد الجوع، إلى أن ما يقارب 18 مليون شخص في السودان، أي أكثر من ثلث سكان البلاد البالغ عددهم 49 مليوناً، يواجهون "مستويات عالية من الانعدام الحاد للأمن الغذائي"، وتلفت تقديراته أيضاً إلى أن من بين هذا العدد هناك نحو 5 ملايين شخص على بعد خطوة واحدة من المجاعة.

وإزاء هذا الوضع، بات شبح المجاعة يخيم على مدن سودانية عدة بسبب فشل الموسم الزراعي، فضلاً عن تداعيات الحرب، وتشهد منطقة لقاوة في ولاية غرب كردفان أزمات إنسانية قاسية، وصارت أوراق الأشجار المغلية في الماء مع بعض البهارات جزءاً من النظام الغذائي لعدد من الأسر.

 

 

يقول المواطن إسماعيل الناظر إن "ضعف إنتاج المحاصيل وعدم توفر الأموال أدى إلى تفاقم الأوضاع المعيشية والإنسانية، ودهم الجوع المنطقة وبات من الصعب الحصول على وجبة واحدة في اليوم".

 وأضاف الناظر أن "بعض الناس اضطروا إلى أكل أوراق الأشجار من أجل سد الرمق بسبب ارتفاع أسعار الذرة والقمح لأرقام قياسية، إذ بلغ سعر الجوال 200 ألف جنيه سوداني نحو (150 دولاراً)، بخلاف الحاجات اليومية الأخرى".

وناشد الناظر منظمات الأمم المتحدة العاملة في السودان بضرورة الانتباه لخطورة الوضع الحالي، والتدخل العاجل لتوفير الإغاثة الإنسانية والمواد الغذائية بشكل خاص للمواطنين المحاصرين.

بدائل محلية 

وصفت مريم الهادي، وهي أحد الموجودين في منطقة لقاوة، الوضع الإنساني بـ"الكارثي"، نظراً إلى فشل الموسم الزراعي وتوقف أعمال المواطنين وعدم صرف رواتب العاملين بالقطاعين العام والخاص لأكثر من عام، مما ترتب عليه أزمات غذائية وصحية وغياب للحلول في الوقت الراهن.

ونوهت الهادي إلى أن "ربات المنازل يعتمدن على جمع أوراق شجرة اللالوب بغرض طبخه مع إضافة بعض الملح والبهارات وتقديمه كوجبة شبه يومية، على رغم مرارة طعمه وصعوبة هضمه أحياناً".

 

 

وتابعت المتحدثة "يعتمد كثير من المواطنين في غذائهم على جمع أوراق أشجار المانغو والليمون والجوافة، مع الابتعاد عن الأشجار السامة حتى لا تؤدي إلى التعرض لأمراض قاتلة في ظل انعدام الرعاية الصحية".

تاريخ المجاعة

شهد السودان خلال الثمانينيات وتحديداً في عامي 1984 و1985 واحدة من أسوأ المجاعات في العالم، التي نجمت عن مزيج من الحرب الأهلية والجفاف، ونتجت منها خسائر بشرية ضخمة، إذ لقي ما يقدر بنحو 8.4 مليون شخص مصرعهم، كما تأثرت الثروة الحيوانية في ولايات دارفور وكردفان وشرق السودان، ولم يتحسن الوضع كثيراً خلال الفترة منذ قيام ثورة أبريل (نيسان) 1985 وحكومة الديمقراطية الثالثة، إذ حدثت خلالها مجاعة محدودة ثم جاء انقلاب "حكومة الإنقاذ" في عام 1989.

وحدوث مجاعة أخرى في 1998، بعد تعرض البلاد إلى موجة جفاف في مناطق تقع ضمن نطاق المناخ المداري المعروف بقلة الأمطار وتذبذبها، وتزامن مع موجة الجفاف تفاقم النزاع بين نظام الرئيس السابق عمر البشير و"الحركة الشعبية لتحرير السودان"، إذ حاولت الحكومة السيطرة على مدينة "واو" بجنوب البلاد ومارست سياسة الأرض المحروقة التي دمرت الزراعة المحلية.

وحدثت مجاعة أخرى بعد عام على اشتعال الحرب في دارفور عام 2003، ولا تزال تتجدد في الإقليم.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير