Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عقوبة المساعدة على الموت الرحيم في بريطانيا التحقيق الجنائي

عندما أصيبت والدة ماندي آبليارد بجلطة دماغية قوية أخبرت ابنتها بأنها لا ترغب في مواصلة العيش، لكن مساعدة والدتها في الإجراءات المطلوبة لارتياد عيادة قتل رحيم في سويسرا وملازمتها في آخر لحظات حياتها فتح عليها أبواب الجحيم

"كانت أمنية أمي البسيطة هي أن تموت بكرامة وسلام" (بإذن من ماندي أبليارد)

ملخص

المساعدة على القتل الرحيم غير قانونية في المملكة المتحدة لكن هذا لا يمنع كثيراً من البريطانيين من السفر إلى سويسرا لإنهاء حياتهم، إلا أن هذا لا يحمي أقربائهم من الملاحقة القانونية في حال قاموا بمساعدتهم في رحلتهم الأخيرة

كانت رؤية والدتي بعد أن أقعدتها سكتة دماغية قوية تفطر القلب، ولا سيما أنها كانت نشيطة وتتمتع بلياقة بدنية: تحولت تلك السيدة المفعمة بالحيوية والطاقة وحب الحياة إلى حياة اعتماد تام على الآخرين، وكرهت وضعها وشعرت بحزن يفوق الوصف عند مرافقتها إلى سويسرا، إذ اختارت طريق الموت بمساعدة الغير وفضلته على حياة الإعاقة والعزلة المقيدة.

لكن تعرضي لتحقيق الشرطة طوال عامين بتهمة المساعدة في الانتحار كان بالفعل كابوساً.

لذلك عندما ناشدت المذيعة والناشطة إستر رانتزن، التي تعاني مرضاً عضالاً، النواب لكي تحضر نقاشاً في ويستمنستر حول الموت بمساعدة الغير في وقت سابق من الأسبوع الجاري، كانت تتحدث نيابة عن والدتي وعني وعن كل الأشخاص الذين شاء حظهم السيء أن ينجرفوا في دوامة قانون هذه البلاد القاسي الذي عفا عليه الزمن، والمتعلق بالمساعدة في الموت. (إنه غير مشروع في إنجلترا وويلز وإيرلندا الشمالية وقد تصل عقوبته إلى السجن 14 عاماً).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكانت أمي جانيت آبليارد تبلغ من العمر 81 عاماً وتتمتع بلياقة بدنية عالية، وفيما كانت تنتظر مجيء الباص للذهاب إلى صف الرقص انهارت في الشارع في مايو (أيار) 2019 بعد إصابتها بجلطة دماغية قوية، كما تبين لاحقاً.

خسرت بعض بصرها وجزءاً كبيراً من قدرتها على الكلام، وأصيبت بالشلل في جانبها الأيمن أي أنها أصبحت حبيسة الكرسي والكرسي المتحرك والسرير الكهربائي ورهن رعاية الآخرين، وبالنسبة إلى شخص إيجابي وقوي ونشيط مثلما كانت والدتي دائماً، شكلت حال الضعف هذه ضربة قاسية.

بدعم من مقدمي الرعاية والمعالجين الفيزيائيين ومعالجي النطق، عملت والدتي بجد لكي تتخطى إعاقاتها ومع ذلك، وكانت تخبرنا وعيونها مغرورقة بالدموع عن شعورها بأنها "عديمة النفع"، وقالت إنها تتمنى لو قتلتها الجلطة.

ذكرت أمي غالباً رغبتها في أن تقصد عيادة ديغنيتاس Dignitas للموت الرحيم وتفارق الحياة هناك، لكننا كنا نحثها، أختي وأنا، على الانتظار قليلاً بعد كي ترى التحسن الذي يمكن أن تحققه، وأملنا بأن تتقبل والدتنا محنتها وتتعايش مع إعاقاتها.

لكن عند ظهيرة أحد أيام سبتمبر (أيلول) 2020 أطلعت أمي شقيقتي على رغبتها في الموت في أقرب وقت ممكن، وتكلمت بشكل واقعي وعملي كعادتها فقالت لنا "لا يمكنني مواصلة العيش على هذا الشكل"، وذلك القرار الذي اتخذته بإنهاء حياتها انسجم تماماً مع شخصيتها، فهي المرأة الحازمة صاحبة الكبرياء العظيم، وبصفتنا ابنتيها المحبتين والمخلصتين، ولم يكن أمامنا من خيار سوى مؤازرتها في قرارها.

وخلال الأسبوع التالي أجرت أمي اتصالاً هاتفياً بديغنيتاس تبعته سلسلة من اتصالات أخرى، فالتجهيز للمساعدة في الموت عملية معقدة وتحمل تحديات كبيرة، وهو يتطلب تحضير السجلات الطبية وسجلات المستشفى والأوراق القانونية وسجلات الأسنان، واحتاجت أمي إلى الخضوع لتقييم نفسي مفصل، وتطلبت كل هذه الإجراءات عدة أشهر وكان من الضروري إنهاؤها بسرية بسبب قانوننا المتعلق بما يصنفه على أنه مساعدة في الانتحار. 

كلفت وفاة أمي بمساعدة الغير نحو 10 آلاف جنيه إسترليني، تضمنت حرق جثتها في سويسرا، واضطرت إلى السفر بطائرة خاصة (وهي الطريقة الوحيدة كي تصل زوريخ جواً بسبب إعاقاتها)، وهذا كلفها مبلغ 10500 جنيه إضافي، وأنا أشارككم هذه المعلومات فقط ولا أتذمر منها، وقد استخدمت أمي مدخرات عمرها كي تدفع كلفة وفاتها، وبعض الأشخاص لا يملكون خيار القيام بهذه الرحلة الشاقة جداً والمكلفة.

وفي فبراير (شباط) 2021 توفيت داخل شقة تملؤها أشعة الشمس بينما جلسنا إلى جانبها أختي وأنا، ومن الناحية العملية لم تكن أمي لتقدر على القيام بهذه الرحلة وحدها، ومن الناحية العاطفية كان من المحزن جداً لو أننا تركناها تواجه ذلك وحدها، فقد شربت كمية صغيرة من مشروب قاتل وأغلقت عينيها وفقدت الوعي في غضون لحظات.

راقبنا بصمت فيما أخذ صدر أمي يعلو وينخفض إلى أن توقف بعد دقائق عدة، ولم يحدث أي مشهد عاطفي انفعالي على سرير الموت لأننا قضينا عامين نودع بعضنا، وآخر ما قالته هو أنها تشعر بأن الشراب يحرق حلقها، فردت الممرضة "اعتبريه مثل الويسكي"، ثم أجابتها أمي "لا أحب سوى الويسكي الإيرلندي"، وكانت هذه كلماتها الأخيرة.

حُرقت جثتها في سويسرا وأرسل رمادها إلينا في المملكة المتحدة ثم نثرناه على الشاطئ التي أحبت أن تسير عليها رفقتي أنا وكلبي، وبعد ذلك دفنا جزءاً منه في مقبرة الكنيسة إلى جانب والدي جون الذي توفي عام 2014 بعد زواج دام نحو 60 عاماً بينهما. 

يا ليت قصتنا انتهت عند هذه النقطة وكنا ابنتين نعيش أكبر حال حداد في حياتنا، لكن في غضون 24 ساعة من عودتنا ليوركشير اتصلت بنا الشرطة ودبرت لقاء كي يحققوا بشكل استجواب رسمي حول ما حدث معنا،

وتبين أن طرفاً ثالثاً أبلغهم بالموضوع وتعاونت معهم كلياً خلال مقابلة مقلقة استمرت ساعتين، ثم طمأنوني إلى أن الادعاء سيتوصل إلى حكم سريع يُرجح أن يكون لمصلحتي، وبعدها حققت معي شرطة همبرسايد طوال عامين تقريباً ومحصوا في حساباتنا المصرفية وأخذوا إفادات شهود من الأصدقاء والعائلة، وطلبوا فيديو تتحدث فيه أمي عن قرارها إنهاء حياتها.

سجلت ذلك الفيديو على هاتفي احتياطاً كي أبين أن والدتي كانت سيدة قرارها تماماً، وطلبوا الاطلاع على التقارير النفسية من الخبراء الذين قيموا أهلية والدتي ورجاحة عقلها، وطلبوا معلومات من ديغنيتاس عن حال أمي. 

وأصبح التصرف المحب برأينا أنا وأختي قيد التحقيق باعتباره جريمة، فقد أردنا أن نعيش حداداً على وفاة والدتنا، لكن بدلاً من ذلك أعادت عملية قضائية طويلة فتح جرحنا المرة تلو الأخرى، ولم تنته سوى ببريد إلكتروني مقتضب وصلني في ديسمبر (كانون الأول) 2022 أُخطرت فيه بأن مقاضاتي لا تصب في المصلحة العامة.

وناقش النواب أواخر الشهر الماضي مرة جديدة موضوع الموت بمساعدة الغير، لكن ممثلينا المنتخبين لا يزالون بعيدين جداً من الرأي العام نظراً إلى أن أكثر من 80 في المئة من الأشخاص يدعمون إجراء إصلاح لقوانين الموت بمساعدة الغير بالنسبة للمرضى الميؤوس من شفائهم أو الذين يمرون بمعاناة تفوق التصور، وفقاً لنتائج أبحاث مجموعة الناشطين "الموت بكرامة" Dignity in Dying.

ويقدر عدد مواطني المملكة المتحدة الذين وضعوا حداً لحياتهم عبر ديغنيتاس خلال الأعوام الـ 20 الماضية بـ540 شخصاً، ولا نملك معطيات عن عدد البريطانيين الذين توفوا في منشآت سويسرا الأخرى التي تساعد في الموت، وهما منشأتين في الأقل، لذلك لا بد أن الرقم الفعلي أعلى بكثير، وكل أسبوع يتوجه شخص من المملكة المتحدة إلى سويسرا كي يموت بشكل ميسر، وهذا العدد أكثر من ضعف ما كان عليه منذ أعوام قليلة. 

في هذه الأثناء يحق لسكان أستراليا وكندا وبعض المناطق في الولايات المتحدة ودول اتحاد البنلوكس (بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ) وإسبانيا والنمسا، وضع حد لمعاناتهم في بيئة مألوفة لهم ومحاطين بأحبائهم.

إن القانون الحالي لا ينفع الأفراد ولا عائلاتهم، كما يظهر بشكل واضح من قصتنا، إذ تواجه عائلات كأسرتنا وأسرة إستر رانتزن معضلة مريعة، فإما أن يسمحوا لشخص يحبونه بالسفر والموت وحيداً أو أن يخاطروا بالسجن لمرافقته.

لكن ليس من الضروري أن يبقى الوضع على هذه الحال، فإن كانت دول كثيرة قادرة على السماح بالموت بمساعدة الغير بشكل قانوني وآمن، وباستخدام ضمانات ووسائل حماية متينة، فلم لا يمكننا أن نفعل ذلك؟ كما قالت رانتزن يتسنى للحيوانات في هذا البلد في أحيان كثيرة أن تموت بشكل ألطف من ذلك المسموح للبشر.

كانت رغبة والدتي البسيطة أن تموت بكرامة وسلام، ولم تتمكن من العيش مع الإعاقة الكبيرة التي سببتها لها الجلطة، ولو عاشت في أي من البلدان المذكورة سابقاً كان ليُسمح لها أن تحقق رغبتها بسهولة ويُسر، لكن عوضاً عن ذلك اضطرت للسفر 1000 ميل تقريباً (وهي تعاني آلاماً مبرحة وفي حال كرب وسجينة كرسي متحرك) في مقابل أكثر من 20 ألف جنيه.

وعلى القانون أن يوفر لنا الحماية والدعم، لكنه في الوقت الحالي فوضى عارمة تجرم الرأفة وتعوق طريق قرار المريض المستقل في شأن نهاية حياته، وكانت أمي لتفجع أمام ما حل بنا من كرب، أختي وأنا، بسبب قرارها، ولو عرفت فربما لم تكن لتستمر بالموضوع بل تواصل معاناتها ببساطة، وكانت أماً عظيمة من هذا النوع، وبصفتي ابنتها لم أرغب في أن أخذلها.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات