Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

القتل الرحيم... هل يجوز إنهاء حياة مريض؟

الأديان السماوية تحرمه ويوجد بدائل مثل "العناية التلطيفية"

تضع الدول التي شرعت "الموت الرحيم" شروطاً صارمة لتطبيقه (رويترز)

ملخص

شرعت دول أوروبية عديدة القتل الرحيم فيما يثير ردود فعل عاطفية ودينية رافضة. هل من حالات تبرر إنهاء حياة مريض لوضع حد لمعاناته؟

ثمة جدال كبير حول خطوة تسهيل موت المريض وإنهاء حياته، وعلى رغم ذلك يزداد هذا المفهوم انتشاراً مع ازدياد مؤيديه. وقد لجأت بعض الدول إلى وضع التشريعات القانونية التي تنظم "الموت الرحيم"، ومنها هولندا وكندا وبلجيكا وأستراليا وكولومبيا والنمسا وسويسرا وإسبانيا والدنمارك وسويسرا والسويد والنرويج من سنوات عدة. هذه الدول تجيز ما تشير إليه بـ"حق الموت". أما القانون اللبناني فيجرم هذا النوع من القتل ويعاقب عليه. وفي الوقت نفسه تتفق الأديان السماوية على أن حياة الإنسان هبة من الله ولا يجوز لأحد غيره التصرف بها أو إنهائها في أي ظرف من الظروف. إنما، هل يبرر العذاب اللجوء إلى ما عرف بـ"رصاصة الرحمة" لوضع حد لمعاناة المريض؟

في مفهوم "القتل الرحيم"

"الموت الرحيم" أو Euthanasia كلمة مشتقة من اللغة اليونانية وتعني "إنهاء حياة الإنسان عن قصد لوضع حد للألم والعذاب"، وفيه يحقن الطبيب المريض - بطلب منه - بجرعة من الأدوية المخدرة المميتة المثبطة للجهاز العصبي المركزي. ويعرف هذا النوع بـ"الموت الرحيم الإرادي الإيجابي"، وهناك أيضاً "الموت الرحيم الإرادي السلبي" أو "الموت بمساعدة طبية"، ويصف فيه الطبيب الأدوية نفسها للمريض فيتناولها بنفسه.

من عشرات السنوات هناك جدل حول العالم حول هذا الموضوع الذي يثير ردود فعل عاطفية وإنسانية ودينية ترفض بشراسة "القتل الرحيم" الذي ينهي حياة شخص، في مقابل مدافعين عنه يطالبون بتطبيق هذه الخطوة انطلاقاً من مبدأ "حق الإنسان بالموت" لإنهاء عذاباته عندما لا يكون هناك أمل في شفائه. و"القتل الرحيم" يناقض الصورة المتعارف عليها للطبيب الذي من المفترض أن يقف حتى اللحظة الأخيرة في مواجهة الموت والمرض مدافعاً عن الحياة بشتى الوسائل. يعبر الطبيب الاختصاصي في الطب التلطيفي ومؤسس الجمعية اللبنانية للعناية التلطيفية إيلي مبارك عن رفضه القاطع مبدأ "القتل الرحيم"، معتبراً أنها جريمة ضد الحياة وهي مرفوضة دينياً وإنسانياً بما أنها تهدف إلى إنهاء حياة إنسان، مهما كان الهدف من وراء ذلك. هو قتل متعمد ولا يمكن النظر إليه بطريقة مختلفة. فوجود حالة غير قابلة للشفاء لا يعني أنها غير قابلة للعلاج وهنا يأتي دور "العناية التلطيفية" التي يمزج البعض بينها وبين "القتل الرحيم"، فيما هي في الواقع تأتي من مبدأ مناقض تماماً. فدور العناية التلطيفية مرافقة المريض المصاب بمشكلة غير قابلة للشفاء طبياً ونفسياً وروحانياً واجتماعياً، لتحسين نوعية حياته في الأيام المتبقية.

العناية التلطيفية بين "التعنت العلاجي" و"القتل الرحيم"

يدعو "التعنت العلاجي" إلى الاستمرار بتقديم العلاجات أو إبقاء الأجهزة لمريض ليبقى على قيد الحياة، عندما لا يكون هناك أمل في شفائه. قد تكون هناك حالة موت دماغي فتعتمد وسائل علاجية لا تحترم إرادة المريض. ينطبق هذا على مريض السرطان الذي لا فائدة من تلقيه العلاج الكيماوي ويستمر بالخضوع للجلسات مع ما ينتج عن ذلك من معاناة ومضاعفات، وتكون النهاية معروفة وهي الموت.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما "العناية التلطيفية" فتأتي في منتصف الطريق بين "القتل الرحيم" و"التعنت العلاجي"، فتقضي بمرافقة المريض للتخفيف من معاناته، فيما يبقى على قيد الحياة بسلام وينعم بنوعية حياة فضلى. قد يعيش سنوات محاطاً مع عائلته من النواحي كافة، من دون ألم أو معاناة، بدلاً من أن يعيش حياة أطول مع علاجات تزيد من معاناته. مع الإشارة إلى أن "العناية التلطيفية" تحسن نوعية حياة المريض بوجود فريق متعدد الاختصاصات، ولا تضع حداً لحياته أبداً، كما يوضح مبارك. في هذه الحالة يمكن وقف العلاجات التي لا جدوى منها لحالته، والتركيز على أخرى تساعد على الحد من ألمه ومعاناته. ويشير مبارك إلى أنه في دراسة في عام 2012 تبين أنه في نسبة 39 في المئة من الحالات تزول فكرة "القتل الرحيم" بعد تجربة العناية التلطيفية. وهناك اتجاه متزايد اليوم نحو العناية التلطيفية مع التغيير في الذهنية السائدة.

ترفض الطبيبة المتخصصة في طب الشيخوخة وفي العناية التلطيفية في مستشفى أوتيل ديو لين عبده، بشكل تام أيضاً مبدأ "القتل الرحيم" المنافي للقانون والإنسانية والدين، وإن كانت دول معينة قد شرعته. فإذا كان المريض يعاني ومرضه غير قابل للشفاء هناك بديل ليتابع حياته بسلام من دون الاعتماد على مبدأ "التعنت العلاجي" أو"القتل الرحيم". وتقول "هناك طرق علاجية عديدة نفسية وجسدية من أدوية وعلاج بالموسيقى والفن، إضافة إلى الجانب الروحاني لمساعدة المريض. والأهم أن يعرف المريض حقيقة مرضه ليتخذ القرار المناسب بحرية وبملء إرادته ليعيش بسلام. يحصل ذلك عندما يتقبل فكرة أن الموت جزء من الحياة، ما من حاجة عندها إلى إطالة حياته بعذاب، وهنا يأتي دور العناية التلطيفية".

مع الإشارة إلى وجود حملات في فرنسا لتشريع "القتل الرحيم"، لكن في مجتمعاتنا يبقى للرادع الديني دور مهم في منع تشريع هذه الوسيلة في القتل.

الأديان السماوية ترفضه

ترفض الأديان السماوية مفهوم "القتل الرحيم" رفضاً قاطعاً بغض النظر عن الأسباب والدوافع التي تدعو إلى ذلك. فلا مكان للاستثناءات عندما يرتبط الموضوع بإنهاء حياة الإنسان، هذا ما يؤكده رئيس دائرة الفتاوى في دار الفتوى في لبنان وإمام مسجد المجيدية في بيروت الشيخ وسيم مزوق في حديثه مع "اندبندنت عربية"، فيشير إلى أن الشريعة الإسلامية تدعو إلى حفظ النفس لأنها "أمانة من عند الله سبحانه وتعالى والإنسان لا يملكها ولا يملك حق التصرف بها. وإذا وصل الإنسان إلى حالة من المرض لا يرجى شفاؤها، لا يجوز إنهاء حياته أياً كانت الوسيلة أو الدافع سواء بنزع الأنابيب أو بإعطائه وسيلة لتحقيق ذلك".

ويشير الشيخ مزوق إلى وجود ضوابط دينية معينة. فيمكن السماح بنزع الأنابيب إذا توقف القلب بشكل لا رجعة عنه، وكان المريض في حالة موت سريري ويعاني تلفاً دماغياً، وتوافر تقرير من ثلاثة أطباء من ذوي الاختصاص يؤكد أنه يعاني تلفاً دماغياً، وتحديداً في المخ، بقرار من المجمع الفقهي في مكة المكرمة. أما في غير هذه الحالة فيعمل الأطباء على الحد من معاناة المريض بشتى الطرق الطبية المتاحة، فيما لا يجوز إعطاء المريض أدوية لإنهاء الحياة.

أما رأي الكنيسة فلا يختلف أبداً. ويؤكد الأب شربل شلالا الرفض التام لـ"القتل الرحيم"، مضيفاً "بين القتل المباشر الذي يعطى فيه المريض أدوية تنهي حياته والقتل غير المباشر الذي يقضي بوقف علاج الشخص، كل الحالات كذبة تهدف للحد من وطأة الموضوع. فإذا كان الأمل مفقوداً قد يموت المريض بسلام من دون التدخل لإنهاء حياته. قد يعطى العلاجات التي تخفف ألمه، ويحاط من النواحي كافة انطلاقاً من مبدأ (العناية التلطيفية) التي تحسن نوعية حياته للفترة القصيرة أو الطويلة المتبقية له. يحق لكل إنسان أن يختار العيش بكرامة، وله الحرية في ذلك حتى آخر أيام حياته، لكن في الكنيسة حياته لا ترتبط بقدرته على القيام بأنشطة أو بنظرته إلى نفسه أو بنظرة الناس إليه، بل بمشيئة الله. من هنا أهمية التشديد على المساعدة الطبية للإنسان حتى اللحظة الأخيرة".

أما بالنسبة إلى الموت الدماغي فله شروط صارمة لتشخيصه. والمطلوب إجراء فحوص معينة تؤكد الموت الدماغي ولا يمكن الاكتفاء بغياب التفاعل من قبل المريض. وتعتمد الكنيسة على العلم لتأكيد عدم وجود نشاط في الدماغ.

وتجدر الإشارة إلى أنه حتى الدول التي تشرع "الموت الرحيم"، لا تسمح به عشوائياً، بل تزيل عنه الجرم فحسب، كما هي الحال بالنسبة إلى الإجهاض.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير