Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صلاحيات السلطات في لبنان بين نص الدستور والأمر الواقع

مراقبون: حكومة تصريف الأعمال خالفت الدستور وتخطت صلاحياتها والمشكلة ليست في نصوص القانون بقدر ما هي ممارسة الصلاحيات

في مجلس النواب اللبناني اليوم جدل حول إلزامية عقد جلسات متتالية لانتخاب رئيس للجمهورية (اندبندنت عربية)

ملخص

ما يجري اليوم في لبنان هو أن كل فريق وكل سلطة تحاول أن تتفرد بالسلطات وتسعى جاهدة إلى تضييق الأفق أمام نظائرها بالبلاد

رغم تحديد الدستور اللبناني بشكل واضح صلاحيات السلطات الثلاث، التشريعية الممثلة في مجلس النواب والتنفيذية المرتبطة بمجلس الوزراء والقضائية، فإن الممارسات تعكس تضارباً بين نصوص الدستور من جهة والأمر الواقع من أخرى.

ويعتبر كثيرون أن المشكلة ليست في الدستور، المستوحى في نسخته الأولى من دستور فرنسا قبل تعديله في الطائف، بل في ممارسة الصلاحيات من خارجه بسبب الأمر الواقع المفروض بقوة السلاح والتدخلات الخارجية.

حالة القفز على الصلاحيات تفاقمت في ظل استمرار الشغور في رئاسة الجمهورية ووجود حكومة تصريف أعمال يحصر الدستور دورها في متابعة الأمور الضرورية في غياب الرئيس. ويتهم "التيار الوطني الحر" المقاطع جلسات مجلس الوزراء الرئيس نجيب ميقاتي بالتعدي على صلاحيات رئيس الجمهورية وتوسيع مروحة الضرورات بشكل غير قانوني.

في المقابل تبرز معضلة أخرى تتمثل في توظيف الصلاحيات لتعطيل انتظام عمل المؤسسات بدءاً من رئاسة الجمهورية، تلبية لمصالح فريق معين، وهذا ما يشهده مجلس النواب إذ يتسلح رئيس المجلس نبيه بري بالدستور الذي حصر الدعوة إلى جلسات انتخاب الرئيس به ليمسك بقرار الجلسات، وقد مضى على آخر جلسة انتخاب رئيس للجمهورية دعا إليها بري 11 شهراً.

وفيما يصف الخبير الدستوري سعيد مالك ما يحصل بمصادرة صلاحيات رئيس الجمهورية أيضاً، وبحجة الشغور الرئاسي، يتفرد رئيس مجلس النواب ورئيس حكومة تصريف الأعمال بالتفاوض مع الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين ومع الجانب الفرنسي حول ورقة الحل المقترحة لوقف الأعمال الحربية في الجنوب.

فوضى الصلاحيات لا ترتكز إلى الدستور

يقول الخبير الدستوري لـ"اندبندنت عربية"، إن المادة 16 من الدستور تنص على أن السلطة التشريعية هي الوحيدة التي لها حق التشريع من أي نوع ولأي جهة، أما السلطة التنفيذية الممثلة في مجلس الوزراء فقد حدد الدستور لرئيس الحكومة بعض الصلاحيات المنصوص عنها في المادة 64. وحدها رئاسة الجمهورية فوق السلطات، بالتالي فإن رئيس الجمهورية لا يمكن اعتباره سلطة إنما هو رمز وحدة البلاد عملاً بأحكام المادة 49، ولديه عديد من الصلاحيات المنصوص عنها في الدستور ابتداءً من المادة 49 وصولاً إلى المادة 62.

يتابع مالك، عملاً بأحكام المادة 62 فإن مجلس الوزراء مجتمعاً هو من يحل مكان رئيس الجمهورية عند خلو سدة الرئاسة، لكن ما يجري اليوم، بحسب الخبير الدستوري، هو أن كل فريق وكل سلطة تحاول أن تتفرد بالسلطات وتسعى جاهدة من أجل الإغلاق على نظائرها بالبلاد، خصوصاً لجهة مجلس الوزراء الذي يحاول الإحاطة بجميع صلاحيات رئيس الجمهورية وليس فقط بتلك المجاز له ممارستها بالدستور.

ويؤكد، أن الدعوة إلى جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية من صلاحيات رئيس مجلس النواب الإدارية كون المجلس منعقد حكماً عملاً بأحكام الدستور، ولا يوجد تعدٍ لرئيس المجلس في هذه الصلاحية على أحد.

يضيف، أما لجهة التفاوض حول التسوية المقترحة استناداً لتنفيذ الـ1701 نيابة عن رئيس الدولة فهذا يعتبر تخطياً لصلاحيات رئيس مجلس النواب ويعد مصادرة لصلاحيات رئيس الجمهورية كون المادة 52 من الدستور نصت صراحة أن من يتولى التفاوض بالمعاهدات الدولية والوثائق التي تعتبر معاهدات دولية هو رئيس الجمهورية حصراً، بالتالي هناك مصادرة لهذه الصلاحيات من قبل مجلس النواب وأيضاً من قبل رئيس مجلس الوزراء اللذين يستفيدان من واقع الشغور في موقع الرئاسة الأولى مما يفرض وجوب الذهاب الفوري إلى انتخاب رئيس انتظاماً لعمل المؤسسات.

لا يمكن للحكومة أن تمارس كل صلاحيات الرئيس

 من جهته يعتبر الباحث الدستوري الدكتور جهاد إسماعيل أن حكومة تصريف الأعمال خالفت الدستور وتخطت صلاحياتها. ويستند إلى اجتهاد مجلس شورى الدولة الذي استقر على أن نظرية تصريف الأعمال معدة للتطبيق لفترة زمنية لا تتعدى الأيام أو الأسابيع، بالتالي فإن تمددها من شأنه أن ينعكس على مفهومها، أي أن يؤدي هذا الأمر إلى تغيير شكل الحكومة، وإمكانيتها، استطراداً، في ممارسة صلاحيات تصرفية محجوبة في الفترة التي لا تتجاوز المهلة الزمنية المعقولة، مما يمكنها من ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية بالوكالة كمجلس الوزراء.

يوضح أن نص الفقرة الثانية من المادة 64 من الدستور دعا الحكومة المستقيلة، كهيئة جماعية في تصريف الأعمال، مما يؤول إلى عدم إمكانية حكومة تصريف الأعمال من ممارسة صلاحياتها، وتالياً صلاحيات رئيس الجمهورية من قبل الوزراء منفردين أو من قبل رئيس الحكومة وحده.

يتابع، بما أن الحكومة لا يمكنها أن تمارس كل صلاحيات رئيس الجمهورية، بالتالي لا مجال لتطبيق قاعدة "المطلق يجري على إطلاقه ما لم يتم التقييد بنص أو دلالة"، لأنه لو جرى التسليم بهذه القاعدة، فيعني بمقدور الحكومة، على سبيل المثال لا الحصر، ممارسة صلاحية تأليف الحكومة أو الاعتراض على قرار صادرة عنها، وهذا أمر مناف للمنطق.

يوضح، أن هذا المنحى من التحليل يمنحنا التسليم بعدم إمكانية الحكومة ممارسة كل صلاحيات الرئيس بما فيها رد القوانين إلى مجلس النواب، لأن الرئيس لا يشرك في العملية التشريعية على خلاف الحكومة التي يمكنها استرداد اقتراحات القوانين أو اقتراح مشاريع القوانين أو الإدلاء برأي معين أثناء التصويت، بينما حكومة تصريف الأعمال ردت قوانين إلى المجلس خلافاً للدستور.

لا نص يلزم رئيس مجلس النواب

يعترف الباحث الدستوري بأن التعطيل غير المشروع محظور بقوة الدستور. ويشير في هذا السياق إلى تخلف النواب عن انتخاب رئيس للجمهورية لكنه يشير إلى أن أحكام الدستور لم ترسم جزاء لهذا الشكل من التعطيل بسبب الفراغ الدستوري الكلي الوارد في النص، من دون أن يعني ذلك إمكانية النواب في مخالفة هذا الواجب، كون اقترافه يشكل طعناً بالوكالة النيابية المعطاة للوكيل وإساءة لحقوق الموكل.

يضيف إسماعيل، أن الدستور كما النظام الداخلي للمجلس النيابي، لم ينصا على جزاء امتناع رئيس المجلس عن دعوة المجلس للانعقاد بسبب الفراغ الوارد في النص الدستوري، لكن هذا لا يجيز تداعي النواب إلى المجلس من دون دعوة رئيسه، بدليل أن المادة 73 من الدستور كانت قد قيدت "الاجتماع الحكمي" على امتناع رئيس المجلس عن الدعوة إلى الانعقاد قبل انتهاء الولاية الرئاسية، وتحديداً في اليوم الـ10 الذي يسبق أجل انتهاء الولاية، وهو ما لا يمكن تعميمه على المادة 74، ذلك أن المادة 73 حددت توقيتاً معيناً لاجتماع المجلس من دون دعوة رئيسه بذكر عبارة "اليوم العاشر"، بينما المادة 74 لم تلحظ ذلك، ما يلزم، بموجب عبارة "بحكم القانون" الواردة في هذه المادة، العودة إلى المادة 54 من النظام الداخلي لمجلس النواب بنصها: "يعين الرئيس مواعيد الجلسات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما في موضوع التفاوض حول الورقة الفرنسية وتطبيق القرار 1701 وعلى رغم تأكيده النص الدستوري الذي يشير إلى أن قرار التفاوض على عقد الحرب والسلم، وإعلان مترتباته ومتعلقاته من اختصاص رئيس الجمهورية والحكومة بمقتضى مرسوم، وأن التصديق على هذا القرار من صلاحيات مجلس النواب حصراً، فإن الباحث الدستوري يستند إلى المادة الخامسة من النظام الداخلي لمجلس النواب ليؤكد حق بري في تسلم هذا الموضوع.

يضيف، أن المادة الخامسة تمنح رئيس مجلس النواب حق تمثيل المجلس والتكلم باسمه في شأن أي مسألة لا تتطلب قانوناً من الهيئة العامة للمجلس، من دون أن يعني ذلك جواز اتخاذ صلاحية معطاة لمؤسسة دستورية أخرى، كما يقول.

اصطفاف طائفي

وإذا كانت القراءة الدستورية لصلاحيات رئيسي مجلس النواب والحكومة ورئيس البلاد لا تختلف في الجوهر لدى معظم خبراء الدستور فإن لبعض السياسيين قراءتهم الخاصة لموضوع "تعدي" سلطة على صلاحيات سلطة أخرى، ربطاً بانتمائهم الطائفي أو الحزبي.

النائب أحمد الخير يدافع عن رئيس الحكومة ويغمز من قناة" التيار الوطني الحر" واصفاً إياهم بالمعطلين. الخير يصف في تصريحات خاصة، الرئيس نجيب ميقاتي برجل دولة مسؤول يحمل "كرة نار" في ظل الفراغ الرئاسي، ويتحمل مسؤولياته الوطنية على رأس حكومة تصريف الأعمال، فيما الآخرون، ممن يطلقون هذه الاتهامات الباطلة، يتحملون مسؤولية تعطيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ويعطلون انعقاد حكومة تصريف الأعمال، ولا يحملون في خطابهم إلا الاتهامات والمزايدات الشعبوية والطائفية التي لا قيمة لها في حسابات تحمل المسؤولية الوطنية في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة.

يضيف النائب الطرابلسي أنهم وميقاتي أحرص من يكون على صلاحيات رئيس الجمهورية، وأحرص من يكون على انتخاب رئيس جديد للجمهورية اليوم قبل الغد، وسبق للرئيس ميقاتي أن رد بما قل ودل على كل هذه الاتهامات، عندما قال للجميع تحت سقف مجلس النواب، "ينتخبون رئيساً ويرتاحون مني"، ونحن نكرر هذه الدعوة للجميع.

 

 

يتابع، الرئيس ميقاتي يمارس صلاحياته على رأس حكومة تصريف الأعمال، وفق ما نص عليه الدستور، لتسيير شؤون البلاد والعباد، وعدم تسليم كل شيء للفراغ الذي يطيلون أمده بممارستهم السياسية التي تغلب مصالحهم الشخصية على المصلحة الوطنية.

المشكلة في النصوص الدستورية

في المقابل يضع عضو تكتل "التيار الوطني الحر" النائب جورج عطا الله اللوم على النصوص الدستورية غير الواضحة التي تتضمن ثغرات لجهة استحالة الإجابة عن أي مشكلة تقع في لبنان وعند أي استحقاق.

تحت هذا العنوان الكبير يضيف عطاالله لنا، من هنا يقع التضارب في الصلاحيات وتظهر اجتهادات. ويذكر النائب "العوني" بمرحلة الشغور الرئاسي بين عامي 2014 و2016 عندما حصل تفاهم بين كل القوى السياسية قضى بحصرية الصلاحيات الموجودة برئيس الجمهورية وانتقالها إلى رئاسة الحكومة بمعناها الضيق.

وأشار إلى أنه في ظل الشغور الحالي هناك تجاوزات لهذا التفاهم وأن رئيس حكومة تصريف الأعمال يتجاوز الدستور بغطاء الثنائي (أمل- حزب الله) والوزراء المسيحيين الذين يؤمنون نصاب جلسات مجلس الوزراء. ويؤكد أن الحل في إدخال تغييرات جذرية في الدستور.

وعن صلاحيات رئيس مجلس النواب في الدعوة إلى جلسة انتخاب الرئيس يعترف عطاالله أنها تستخدم في السياسة تحت عنوان "أنا وحدي صاحب الحق الحصري وإذا  كنت غير راض أقفل المجلس ولا أحدد موعداً لجلسات انتخاب الرئيس"، بالتالي فإن حصرية هذه الصلاحية بيد رئيس المجلس تتطلب إعادة النظر بحسب النائب في "التيار الوطني الحر" ووضع آلية ثانية قد تكون بالقبول بعريضة نيابية تسمح بأن يطلب النواب الموقعون مجلس النواب إلى الانعقاد. وعن تفرد الثنائي الشيعي التفاوض حول الورقة الفرنسية وتخطي المؤسسات الأخرى ينقل عطاالله ما سمعه وفد من التيار زار الرئيس نبيه بري، حيث أبلغهم أنه لن يذهب إلى أي تعديل أو بحث بتغيير القرار 1701 من دون وجود رئيس للجمهورية، وأنه حالياً يعطي رأيه كرئيس لمجلس النواب فقط ولن تعقد أي اتفاقية برية جديدة مع إسرائيل من دون رئيس.  

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير