Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الراعي يتحفظ على مؤتمر الحوار خشية تعديل الدستور اللبناني

الفاتيكان والبطريركية يتخوفان من ذوبان صيغة البلد الضعيف بفعل أزمته الاقتصادية التي تجعله فريسة التسويات

الرئيس اللبناني ميشال عون مستقبلاً البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي (أ ف ب)

كان لافتاً قول البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي في تصريحه من القصر الرئاسي بعد لقائه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، إنه "ليس من الضرورة قيام طاولة حوار، إذ يمكن لرئيسَي الجمهورية والرئيس المكلف تأليف الحكومة التحاور (حول التأليف) من دون الحاجة إلى طاولة واسعة".

يخالف الراعي بذلك تلويح الفريق الرئاسي على لسان رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، بأنه سيطالب الرئيس عون بالدعوة إلى مؤتمر حوار وطني يجمع أقطاب السياسة ورؤساء الكتل النيابية من أجل البحث في أزمة تأليف الحكومة، إذا لم يتم التأليف خلال أسبوع. وهو كرر التلويح بذلك أكثر من ثلاث مرات خلال الأسبوعين الماضيين، على الرغم من معارضة فرقاء رئيسيين لهذه الفكرة لأسباب عدة.

مؤتمر الحوار الوطني: 4 أسباب ضده

ومع أن فكرة مؤتمر حوار وطني تلقى صدى لدى بعض الرأي العام، لأن مبدأ الحوار يغني عن التوترات السياسية والإعلامية التي شهدها المسرح السياسي اللبناني في الأيام الماضية، بين عون ومعه باسيل وبين الحريري وتيار "المستقبل"، والتي تجهض مبادرات إيجاد الحلول الوسط للمأزق الحكومي، فإن أسباب الاعتراض عليها متعددة. أولاً يعارضها سعد الحريري ورئيس البرلمان نبيه بري ورؤساء الحكومات السابقون، نظراً إلى أنها تصادر صلاحيات الرئيس المكلف تأليف الحكومة التي ينص عليها الدستور، بأن يشكّل الحكومة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية. وهي ثانياً تصادر صلاحيات البرلمان بمنح الثقة للحكومة، لأن الغرض من دعوة باسيل هو التأكد من أن الكتل النيابية ستمنح الحكومة الثقة، لكن تحت رعاية عون بدلاً من قبة البرلمان. وثالثاً تعتبرها أوساط رئيس البرلمان التفافاً على اقتراحه الذي طرحه خلال الجلسة النيابية التي عُقدت لمناقشة رسالة الرئيس عون في 21 و22 مايو (أيار) الماضي، بأن تجتمع الكتل النيابية على هامش الجلسة من أجل ترطيب الأجواء، وبهدف تأمين لقاء بين الحريري وباسيل طالما أن عون يشتكي من أن الرئيس المكلف يمتنع عن الاجتماع مع صهره كرئيس لأكبر كتلة نيابية. لكن باسيل رفض اقتراح بري في حينها، وأبلغه بأن الدعوة إلى الحوار الوطني هي من صلاحية رئيس الجمهورية. وهو ما رأى فيه بعض النواب رفضاً لدور رئيس البرلمان وامتناعاً عن التسليم برصيده السياسي في اجتراح الحلول، الأمر الذي ينسحب على موقف سلبي ضمني من جهود بري لإنهاء الفراغ الحكومي، على الرغم من إعلان باسيل ترحيبه بذلك بعد أن اقترح أمين عام "حزب الله" حسن نصر الله تفويضه بالتوسط. أما رابعاً والأهم، فإن باسيل يرمي من وراء مؤتمر الحوار الوطني بإدارة الرئيس عون إلى طرح تعديلات دستورية سبق أن بعث باقتراح قانون في شأنها إلى المجلس النيابي، تهدف إلى تحديد مهلة شهر لرئيس الجمهورية كي يدعو إلى الاستشارات النيابية لتسمية رئيس جديد للحكومة، ومهلة مشابهة للرئيس المكلف كي يشكل الحكومة، يعتذر من بعد انتهائها إذا لم ينجح في ذلك. وهو أمر أكد بري في الجلسة النيابية الأخيرة أنه غير متاح، فيما يطمح باسيل إلى أن يؤدي هذا التعديل إلى التخلص من الحريري.

تحفظ الراعي على مؤتمر الحوار

وإضافة إلى الأسباب المذكورة للاعتراض على مؤتمر للحوار الوطني، وبالعودة إلى ما قاله البطريرك الراعي إن لا ضرورة له، فإن الأخير، مع أنه أبدى انزعاجه من الحملة التي شنها تيار "المستقبل" على عون ورأى أن فيها "إهانات"، يخشى من أن يفتح اقتراح التعديل الدستوري من الجانب العوني باب الدخول في دهاليز الاقتراحات والاقتراحات المضادة التي تقود إلى تغيير اتفاق الطائف في شكل يؤدي إلى تقليص صلاحيات رئاسة الجمهورية مرة أخرى، بحكم وجود أكثرية نيابية ربما تنسجم مع اتفاق سنّي - شيعي على ذلك، بسبب ممارسات الرئيس عون التي أدت إلى فراغ حكومي. فبعض الأوساط السياسية المسيحية لا ينسى أن تقليص صلاحيات الرئاسة في الطائف، ونقل بعضها إلى مجلس الوزراء مجتمعاً، تم عام 1989 بسبب ممارسات العماد عون حين تولّى رئاسة حكومة انتقالية فتشبّث بها متسبباً بفراغ رئاسي، مشترطاً انتخابه رئيساً. والخوف هو من أن يؤدي استمرار تسبب عون وباسيل في الظرف الراهن بإطالة الفراغ الحكومي، إلى فتح الشهية على تقليص جديد لصلاحيات الرئاسة. ومن المخاوف الكامنة أن تُطرح المثالثة بين المسيحيين والسنّة والشيعة، بدل المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، في توزيع المناصب الإدارية العليا والنيابية والوزارية. فاتفاق الطائف كرّس المناصفة على الرغم من انخفاض عدد المسيحيين. كما أن المخاوف من تعديلات دستورية تعود إلى أن هناك توجهاً لدى بعض القيادة العونية نحو استعادة الصلاحيات التي انتزعها الطائف من الرئاسة عبر الممارسة إن تعذّر ذلك عبر تعديل الدستور.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الخشية من تعديل الدستور

وتستند المخاوف من أن يتسبب أي حوار لإجراء تعديلات دستورية في هذه الظروف بإعادة النظر بالصيغة اللبنانية، إلى بروز ملامح انقسام إسلامي مسيحي عبّر عنه بعض أوساط تكتل "لبنان القوي" الذي يضم نواب "التيار الوطني الحر" وحلفاءه، إذ أثار بعض هؤلاء مع "حزب الله" ملاحظات انتقادية للأخير بأنه فضّل التعاون مع بري والحريري خلال الجلسة النيابية التي ناقشت رسالة عون من أجل إيجاد مخرج لإعادة النظر بتكليف الحريري تشكيل الحكومة، قضى بالعكس، بتجديد هذا التكليف، في وقت كان "التيار" وعون يسعيان ضمناً إلى موقف ضاغط على الحريري كي يعتذر من أجل البحث عن غيره لترؤس الحكومة، على الرغم من إعلان باسيل في الجلسة أنه سلّم بأن تكون الحكومة برئاسة الحريري. فـ"حزب الله" أبلغ باسيل قبل تلك الجلسة بأنه يتعذّر دفع زعيم "المستقبل" إلى الاعتذار إذا لم يقدم بنفسه على هذه الخطوة. في المقابل، فإن الحريري عاد عن توجّه من هذا القبيل، وقرر الاستمرار في مهمته، خصوصاً أنه تلقّى تشجيعاً من الجانب الفرنسي كي يواصل محاولاته لتشكيل الحكومة بالتعاون مع مبادرة بري.

تحفّظ البطريركية على مؤتمر الحوار الوطني ألحقته غداة تصريح الراعي من القصر الرئاسي بتغريدة على حساب المقر البطريركي على "تويتر" جاء فيها: "نريد مؤتمراً دولياً خاصاً بلبنان، برعاية منظمة الأمم المتحدة، غايته تطبيق قرارات مجلس الأمن بكاملها، استكمالاً لتطبيق وثيقة الوفاق الوطني الصادرة عن مؤتمر الطائف (1989) بكامل نصها وروحها". فالراعي يطرح مسألة حياد لبنان بدلاً من تعديلات دستورية، ويعتبر أن سبب التأزم عدم التزام هذا الاتفاق والإحجام عن تطبيقه.

الفاتيكان يراقب تأثير أزمة لبنان في الصيغة

في المقابل، ترددت معلومات عن أن دعوة الفاتيكان القادة الروحيين المسيحيين في لبنان إلى خلوة في الأول من يوليو (تموز) المقبل لبحث الوضع في البلاد تنطلق من قلقه على الصيغة اللبنانية، الذي عبّر عنه في محطات عدة بدءاً من أواخر العام الماضي، حين حذّر من أن البلد مهدد بزوال هويته. وفي معلومات بعض الأوساط السياسية في بيروت أن دوائر الفاتيكان كانت تأمل في أن يدعو البطريرك الراعي إلى اجتماع من هذا النوع، لكن البابا فرنسيس بادر إلى ذلك من أجل استعجال تلاقي القادة الروحيين المسيحيين على رؤية تجدد الإيمان بلبنان وطناً للتعايش بين المسيحيين والمسلمين، إزاء بعض مظاهر إعادة إطلاق صراع مسيحي - إسلامي. كما أن النداءات التي وجّهها البابا إلى المجتمع الدولي من أجل مساعدة لبنان ترتكز على أن المنطقة تشهد مفاوضات بين الدول الكبرى وإيران، وبين الدول المحورية المعنية بالصراعات الجيوسياسية، في وقت يبدو لبنان متروكاً وفي أزمة اقتصادية مالية تجعله فريسة للتسويات على حساب صيغته الفريدة التي كانت وراء وصف البابا الراحل يوحنا بولس الثاني له بأنه "أكثر من بلد، إنه رسالة"، خلال زيارته إليه عام 1997.

ويأمل الذين يعلّقون أهمية على اجتماع القادة المسيحيين الروحيين في أن يخرج بوثيقة تشدد على مبدأ العيش المشترك المسيحي - الإسلامي، وأن يلاقي ذلك موقف إسلامي مماثل من بعدها، خصوصاً أن الفاتيكان يراهن على العلاقة مع الاعتدال الإسلامي.

فالفاتيكان يراقب مدى الوهن والضعف الذي أصاب البلد في كل النواحي بحيث يمكن أن يسهل الانقلاب على صيغته الراهنة التي تقوم على الشراكة بين الطائفتين الكبريين، ويهمّه الحفاظ على اتفاق الطائف من زاوية أنه يكرس العيش المشترك ويحفظ للمسيحيين حقوقهم، بدلاً من إضعافهم.

ويصنّف بعض المراقبين العارفين بهواجس البابا فرنسيس حيال مصير لبنان ما جاء في الرسالة التي بعث بها إلى الرئيس عون قبل أكثر من أسبوع، بأنها لحثه على إيجاد الحلول التي تنقذ البلد من السقوط أكثر فأكثر في الهاوية، إذ إن الحبر الأعظم جدّد فيها صلاته لكي "تدعم روح الحكمة الرئيس عون ومعاونيه، وتضيء لهم سبل قيادة لبنان على دروب السلام والحرية والهناء".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات