Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مسؤول أمني إسرائيلي سابق: بيروت يجب أن تشبه غزة إذا لم يتراجع "حزب الله" (2 - 2)

غيورا آيلاند لـ"اندبندنت عربية": بايدن لا يحترم نتنياهو ولا يثق به والولايات المتحدة تفضّل أن ترى قائداً آخر لإسرائيل

رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق غيورا آيلاند (تايمز أوف إسرائيل)

من تشابكات الميدان والأمن والسياسة الإسرائيلية في حرب القطاع إلى ملفات التوتر العسكري على الجبهة اللبنانية مع "حزب الله"، والحديث حول طبيعة المواجهة مع إيران بعد تلقي الدولة العبرية أول هجوم مباشر بعشرات الصواريخ المسيرات من جانبها، فضلاً عن مستقبل العلاقات الإسرائيلية مع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين بعد التوتر الواسع الذي أصابها بسبب سياسات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته، يستكمل رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق ورئيس قسم التخطيط السابق في الجيش الإسرائيلي والرئيس الحالي لشركة استشارات للأمن القومي والخدمات الإستراتيجية للحكومات والمنظمات المتعددة الجنسيات غيورا آيلاند حواره مع "اندبندنت عربية"، بحثاً عن "رؤية أعمق" للإجابة عن كيف يفكر الإسرائيليون ونخبهم على وقع ارتدادات "مأزق" حرب غزة المتواصلة من دون حلحلة أو تهدئة نهائية بعد، رغم مرور أكثر من ستة أشهر على اندلاعها؟

وفي الجزء الثاني من الحوار يشدد آيلاند الذي يمتلك صلات واسعة مع كبار سياسي إسرائيل وعسكريها الحاليين على أنه ورغم "انتهاء المواجهة المباشرة غير المسبوقة بين طهران وتل أبيب" فإن إيران تبقى "الخطر الأكبر والمسؤول الأول عن زعزعة أي استقرار في المنطقة"، معتبراً أنه لا سبيل أمام "جيران الدولة العبرية من العرب سوى التعاون والتنسيق مع تل أبيب لمواجهة وحوش إيران في المنطقة (يقصد وكلاءها)، وإلا سيأتي دورهم لاحقاً"، مشيراً إلى أن "تدمير لبنان وتحويل بيروت إلى غزة جديدة خيار لا بد أن يبقى على الطاولة في التعامل مع تهديدات "حزب الله"، وفق توصيفه، مع شرح مفصل لتداعيات "اهتزاز" العلاقات الإسرائيلية - الأميركية ومدى الضرر الذي ألحقه اليمين المتطرف بها، فضلاً عن أهمية خطوة تطبيع العلاقات مع السعودية.

"تدمير لبنان" خيار على الطاولة

من جبهة غزة في الجنوب الإسرائيلي إلى جبهة لبنان و"حزب الله" في الشمال، حيث تدور اشتباكات مستمرة على طول حدودها بالتوازي مع حرب القطاع، يتبنى آيلاند رؤية تجمع بين "البراغماتية والحرب الشاملة" في التعاطي مع مسألة "حزب الله" اللبناني، ويقول إن "هناك شيئان، الأول في الماضي وحتى اليوم عندما نتحدث عن اللاعبين في المنطقة أو حتى في العالم، فهناك فاعلون أو لاعبون من الدول الطبيعية وآخرون من المنظمات والحركات، ولا سيما المنظمات الإرهابية، وعادة ما تقوم المنظمات الإرهابية بأمور سيئة تسبب كثيراً من المشكلات وتؤذي وتقتل المدنيين وتبقى دوماً تهديداً لأمن واستقرار المنطقة، واليوم نحن بالتأكيد في أوضاع مختلفة وكذلك في اختبار للقيم، ليس فقط من جانبنا لكن من جانب كل الدول الأخرى".

ويستدل في حديثه ذلك على انخراط "جماعة الحوثيين" اليمنية في الحرب من جبهة البحر الأحمر واستهداف السفن في مضيق باب المندب "تضامناً مع غزة"، وتأثير ذلك في حركة التجارة العالمية، ليوضح "دعنا نأخذ على سبيل المثال الحوثيين في اليمن، هؤلاء مجموعة من الناس ليس لديهم أي من مقومات الدولة وليسوا عضواً حقيقياً مثلاً في الأمم المتحدة وغير منخرطين في أي من سياقات المجتمع الدولي أو القانون الدولي واتفاقاته، لكن في الوقت نفسه لديهم قدرات عسكرية هائلة وترسانة ضخمة من الصواريخ التي يتجاوز مداها في بعض الأحيان والقدرات حدود الـ2000 ميل، فكم عدد الدول في العالم التي تملك مثل هذه القدرات؟ ربما 10 دول أو 15 دولة في العالم هي التي تمتلك مثل هذه القدرات، وكذلك الحوثيون لديهم قدرات معقدة للغاية من الصواريخ التي لا يمكن رؤيتها ويمكنها أن تصيب كثيراً من سفن الشحن في البحر الأحمر أو أي مكان آخر، ومن ثم لديهم القدرة على تغيير قواعد الشحن العالمي والتأثير، وهو ما أثر فعلياً في حركة التجارة عبر قناة السويس المصرية، مما أثر بدوره في الاقتصاد المصري".

 

وعليه يتابع، "جماعة الحوثي ليست فقط منظمة إرهابية لكنها نوع من الوحوش لديه قدرات عسكرية توازي قدرات الدول أو حتى الدول الكبرى، ومن جانب آخر لا تخضع لأي نوع من المساءلة الدولية"، ثم يمضي في القول إن "’حزب الله‘ هو حال شبيهة بذلك، ولهذا فحين أسمي ’حزب الله‘ والحوثيين بالوحش، بينما ’حركة حماس لا، فهذا يرجع بالأساس إلى أسباب عدة منها أن قدرات ’حماس‘ العسكرية التي واجهت بها إسرائيل على مدى الأشهر الستة الماضية ليست قوية بالقدر الكافي، وفي العموم فـ ’حماس‘ تزعج إسرائيل وحدها، لكن في المقابل وبالنسبة إلى ’حزب الله‘ والحوثيين فهما يزعجان كثيراً من الدول الأخرى، ويمكن قول الشيء ذاته بالنسبة إلى الميليشيات المسلحة المدعومة من إيران والموالية لها في العراق، وهي عديدة وهاجمت دولاً في المنطقة خلال الأعوام الأخيرة ومن بينها السعودية، وأيضاً كان الأردن واحداً من بين الدول التي تقع تحت تهديد خطر الميليشيات الشيعية في العراق لأن إيران تريد اختراق الأردن والأردن يمتلك حدوداً مع العراق، والميليشيات الموالية إيران في العراق يمكنها أن تتسبب في مشكلات وتحديات في الأردن، وهذا شيء أبعد من تعريف المنظمات الإرهابية، فهذه قدرات توحش".

وبالعودة لـ "حزب الله" اللبناني يوضح آيلاند أنه "عندما بدأت هجمات ’حماس‘ على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 كان زعيم الحزب حسن نصرالله متردداً بين خيارين، الأول إما إشعال شامل للجبهة اللبنانية - الإسرائيلية والدخول مع ’حماس‘ بكامل قدراته العسكرية بشكل واضح ومهاجمة إسرائيل بآلاف الصواريخ، والخيار الثاني ألا يفعل شيئاً يرى في الأمر أنه إشكال لـ ’حماس‘ لا إشكال لـ ’حزب الله‘ لكن في النهاية اختار المُضي في خيار ما بين الاثنين، مهاجمة إسرائيل لكن بطريقة حذرة خصوصاً المنطقة القريبة من الحدود اللبنانية - الإسرائيلية على الجانب الإسرائيلي، وبالنسبة إلى إسرائيل فهذا خيار سيئ ولا يمكن التسامح معه فترة طويلة، لأنه ببساطة دفع نحو 70 ألفاً من الإسرائيليين للنزوح من منازلهم في الجبهة الشمالية".

المواجهة مع طهران انتهت لكن العداء والخصومة مستمران وآمل أن تشكل كل دول المنطقة تحالفاً لصد النفوذ الإيراني

ويتابع، "خلال الأشهر الستة الماضية رأينا حرباً تكتيكية بين إسرائيل و ’حزب الله‘ ونعتقد أن هذا الأمر تسبب في مشكلات كثيرة، ليس فقط في المنطقة لكن بالنسبة إلينا أيضاً، ومن ثم هناك نقاش حقيقي لدينا في شأنه لأن هذا وضع غير محتمل، وأعتقد أن الوقت مضى بالنسبة إلى إسرائيل أن تقول هذا انتهاك بعكس الوضع بالنسبة إلى غزة التي علينا إنهاء الحرب فيها".

ويمضي بالقول في رؤيته للتعاطي مع الجبهة اللبنانية أنه "يجب علينا القول بالنسبة إلى لبنان أنه بحلول الأول من سبتمبر (أيلول) المقبل، وهو ليس تاريخاً عابراً، بل هو تاريخ عودة الأطفال للمدارس بعد الإجازة الصيفية، ومن ثم عودة المدنيين لمنازلهم، أقصد أنه وفي الأول من سبتمبر فكل المدنيين الإسرائيليين الذين يبلغ عددهم نحو 75 ألف نسمة ونزحوا من مدنهم وقراهم في الشمال بسبب هجمات وصواريخ ’حزب الله‘ عليهم التوجه والعودة الآمنة لمنازلهم في الشمال إلى جانب الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، وبالتالي فمن الأفضل التوصل إلى تسوية سياسية معقولة بهذا الخصوص مع ’حزب الله‘ ليس فقط في ما يتعلق بوقف إطلاق النار لكن كذلك بالنسبة إلى تراجع قواته عن الحدود اللبنانية - الإسرائيلية بمسافة معقولة، ولو حدث ما ذكرته فهذا شيء جميل، لكن ما لم يحدث أو في حال رفض ’حزب الله‘ فوقتها يجب على إسرائيل أن تشن حرباً على الدولة اللبنانية، وسأوضح هذه النقطة".

ويتابع، "لو قررت إسرائيل، وربما يكون قراراً خاطئاً، أن تقاتل فقط ضد ’حزب الله‘ فسيكون ذلك سيئاً بالنسبة إلى إسرائيل، لأن الحزب يمتلك نحو 200 ألف من الصواريخ المختلفة الطرز وأنواع مختلفة، وليس لدينا الوقت أو الصبر لاستهداف كل واحد منها، فـ ’حزب الله‘ يقدم نفسه على أنه الوطني اللبناني وأنه جزء من النظام السياسي في الدولة يشارك في الحكومة والبرلمان، ويقول إننا لبنانيون وندافع عن المصالح اللبنانية ونهتم بشؤون اللبنانيين ونسعى إلى تحسين حياتهم، هذا ما يقوله، وعليه ففي حال اندلاع الحرب بين لبنان وإسرائيل سيجري تدمير كل الدولة اللبنانية وكل البنى التحتية من الاتصالات والطاقة والنقل والمطارات، وحتى قلب بيروت يجب أن يشبه ما حدث في قلب غزة، هذا هو الشيء الذي لا يمكن التسامح معه بالنسبة إلى اللبنانيين مع حسن نصرالله".

وعلى هذا الطرح يرى آيلاند أنه في هذا الحال "سيفهم كل اللبنانيين، ومن بينهم شيعتها، إذ سيأتون لاحقاً ويقولون لماذا جلبت لنا كل هذا الدمار والكارثة؟ فقط لأنك قررت المشاركة في دعم يحيى السنوار في غزة، ولهذا لدي من الأسباب المعقولة أن أعتقد أن هذا لن يكون من مصلحة العالم الذي يجب عليه أن يكون جاهزاً للدفع نحو التوصل إلى تسوية سياسية معقولة لاستعادة الهدوء والأمن على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، وعليه يجب على إسرائيل أن تكون صارمة وواضحة في عدم القبول باستمرار هذا الوضع كما هو عليه الآن".

إيران "الخطر الأكبر"

ومن الجبهة اللبنانية إلى خطر المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل التي تطورت بصورة غير مسبوقة وشهدت أكبر وأول استهداف مباشر من طهران لإسرائيل بالصواريخ والمسيرات في الـ 14 من أبريل (نيسان) الماضي، ما استدعى معه رداً إسرائيلياً محدوداً في وقت لاحق.

وعليه يوضح آيلاند الذي يرى في النظام الإيراني "الخطر الأكبر" ليس على إسرائيل وحسب بل على كل دول المنطقة، ولا سيما السنيّة منها، وذلك على رغم تقديره أن "التوتر الأخير الذي حدث خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة من استهداف إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق والرد الإيراني عليها ولاحقاً الرد الإسرائيلي، أعتقد أنه بشكله الأخير انتهى، إذ لا إسرائيل أو إيران ترغبان أو تسعيان إلى استمرار تصعيد المواجهة والتوتر".

"حزب الله" اختار مهاجمة إسرائيل بطريقة حذرة وهذا خيار سيئ لا يمكن التسامح معه فترة طويلة

وفي تفسيره لعدم رغبة البلدين في استمرار التصعيد يوضح آيلاند أن "هناك أسباباً عدة لعدم الرغبة في التصعيد، من بينها وجود إطار معين أو صيغة معينة ليس فقط أرضتنا إلى حد بعيد، بل أيضاً عبر إدارة مجابهة ومنع وصد الصواريخ الإيرانية التي أطلقت باتجاه إسرائيل والتي تجاوز عددها 300 صاروخ ومسيرة، وهذا كان غير مسبوق ولم يحدث مطلقاً في تاريخنا ولا في التاريخ بشكل عام، بما في ذلك ما يحدث في أوكرانيا، وعليه كان ردنا على هذا الهجوم محدداً ودقيقاً للغاية ضد هدف حساس للغاية في أصفهان الإيرانية".

ويتابع، "كان الإيرانيون سعداء لأن الرد جاء في حدوده الدنيا، ورأوا في هجومهم على إسرائيل أنهم أثبتوا عدم خوفهم من مهاجمة إسرائيل بكل هذه القوة، وقالوا كذلك عن الرد إن الدمار الذي خلفه الرد الإسرائيلي طفيف للغاية، وعليه لا أتوقع حدوث تصعيد متبادل آخر في المستقبل".

لكن على رغم ذلك يضيف آيلاند أن "العداء والخصومة بين إيران وإسرائيل سيستمران، إذ كما يقول الإيرانيون إنه طالما بقيت إسرائيل موجودة فإن الحل بالنسبة إليها هو إزالتها والقضاء عليها، هذا ما يقولونه، إنه الحل الوحيد لتلك الخصومة بالنسبة إليهم".

ويتابع، "من أجل تحقيق ذلك قامت وتقوم إيران ببناء حزام من النار لتطويق إسرائيل عبر وكلائها وميليشياتها المسلحة مثل ’حزب الله‘ والميليشيات الموالية لإيران في سوريا والعراق واليمن، وليس فقط ذلك بل محاولة تكرار الأمر نفسه بالنسبة إلى الأردن، فهم يعتقدون أن المواجهة مع إسرائيل ستأتي في وقت لاحق، ومن أجل تحقيق ذلك بشكل فعال يجب أن يكون عبر كل تلك الجبهات، وعلاوة على ذلك فهم يسعون إلى امتلاك السلاح النووي ليس فقط لإخافة إسرائيل لكن كل دول المنطقة، وكذلك الولايات المتحدة ستخشاهم".

 

ويمضي آيلاند أن "الخطأ الذي ارتكبه الإيرانيون حينما هاجموا إسرائيل هو أن هذا الهجوم خلق صيغة التحالف الإقليمي والدولي المناهض إيران في المنطقة، إذ من ناحية عملية لم نتحدث فقط هنا عن الجهود العسكرية العملية التي اتخذتها إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا وحلفاؤها الغربيون لإفشال الهجوم الإيراني، بل عن قاعدة التحالف المعلوماتية والاستخبارية بين إسرائيل ودول في المنطقة لصد الهجوم، والإيرانيون لم يتوقعوا أن شيئاً مثل هذا الأمر يحدث أو يظهر".

ويتابع، "هذا الأمر حدث ليس بسبب أن هذه الدول العربية قلقة على أمن إسرائيل بل لأن كل شخص يدرك أن ما تريد أن تفعله إيران مع إسرائيل يمكن محاولة فعله مع أية دولة، سواء الإمارات أو البحرين أو السعودية أو الأردن، وكل شخص يفهم ما يمكن أن يحدث إذا كانت إيران أكثر موثوقية مع امتلاكها السلاح النووي فستكون أكثر خطراً وتهديداً"، مشيراً إلى أن "هناك كثيراً من التهديدات التي يفرضها النظام الإيراني على جميع دول المنطقة، وعليه آمل أن تشكل كل دول المنطقة تحالفاً لصد النفوذ والهيمنة الإيرانية".

ويشير آيلاند في حواره إلى ما يقول إنه "مخاوف حقيقية من دول المنطقة، من أنه في حال شنت إسرائيل هجوماً أكثر عدوانية على إيران وأكثر وضوحاً فلا يمكن توقع الرد الإيراني أو مدى تهديدها، ليس للمصالح الإسرائيلية وحسب، بل المصالح الأميركية في دول المنطقة كذلك، وعليه كان هناك تفهم للمخاوف الغربية ومن دول المنطقة في شأن احتمالات اندلاع حرب شاملة"، مشدداً على أنه وعلى رغم انتهاء المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران فإنه "في ما يتعلق بالمخاوف والتهديد الذي تمثله الطموحات الإيرانية فإنه لا يزال يؤخذ بعين الاعتبار، وعلينا إيجاد صيغة حل نهائية للتعامل معه".

"أميركا وإسرائيل" في مواجهة "بايدن ونتنياهو"

ومن بين الأسئلة الكبيرة في ما تشهده إسرائيل كانت تلك المتعلقة بالعلاقات الأميركية - الإسرائيلية ومن خلفها العلاقات بين إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فمنذ أحداث السابع من أكتوبر 2023 بدا الدعم الأميركي إلى إسرائيل متجسداً في زيارات كبار مسؤولي الإدارة الأميركية طوال أشهر الحرب، ومن قبلهم زيارة الرئيس بايدن لإسرائيل خلال الأيام الأولى من الحرب، مما يعكس عمق العلاقة بين البلدين، إلا أنه ومع مرور الوقت بدت الفجوات تتسع بين بايدن ونتنياهو لصورة بدت معها احتمالات تأثر التحالف القوي بين البلدين، وذلك قبل أن تعود لزخمها مع الضربة الإيرانية لإسرائيل في الرابع عشر من أبريل الماضي.

وفي تشريحه لتلك العلاقة بين البلدين وبين بايدن ونتنياهو يقول آيلاند إن "علينا التمييز بين أمرين مهمين جداً، الأول تقليدي وهو التزام الولايات المتحدة الأميركة بأمن إسرائيل ضد أي تهديد أو أخطار أمنية، سواء من قبل إيران أو أي طرف آخر، فأميركا داعم قوي لمساعدة إسرائيل على مواجهة الأخطار والدفاع عن نفسها، وهذا التزام أميركي قديم لا يزال قائماً ضد أي أخطار تحيق بها"، ثم يتابع أنه "في الوقت ذاته فواشنطن ليست طوال الوقت تشارك معنا الأمر أو النهج نفسه في ما يتعلق الأمر بالصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وهناك كثير من الانتقادات الأميركية الدائمة لإسرائيل في هذا الشأن، وعلى سبيل المثال في ما يتعلق ببعض الأنشطة الإسرائيلية في الضفة الغربية، ولا سيما من بعض المدنيين الإسرائيليين الذين يقومون بمشكلات ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، ولا حتى بالنسبة إلى الحرب في غزة التي لا تحبذ الولايات المتحدة بعض السياسات الإسرائيلية المنتهجة خلالها".

 

ويتابع، "هذا هو الفرق الجوهري بين ما هو متصل بالصراع الفلسطيني - الإسرائيلي الذي تحاول الولايات المتحدة إيجاد بعض التوازن فيه، والآخر المتعلق بأمن ودعم إسرائيل ضد أعدائها، سواء إيران أو ’حزب الله‘ أو غيرهما من الأعداء، توجد تفرقة أميركية واضحة لا لبس فيها بين هذين البندين".

ويمضي آيلاند، "النقطة الثانية التي ينبغي أخذها في الاعتبار هي التفرقة بين علاقة إدارة بايدن بحكومة نتنياهو وعلاقة إدارة بايدن بدولة إسرائيل، وليس سراً أن هناك كثيراً من التوتر بين نتنياهو وبايدن، فالرئيس الأميركي لا يثق كثيراً به ولا يصدقه، وبايدن يشعر أن نتنياهو دائماً ليس مخلصاً بالدرجة الكافية، وفي بعض الأحيان يعد بأمور يتخلى عنها لاحقاً ولا يفي بها".

ويتابع آيلاند، "ليس سراً أن الولايات المتحدة تفضل أن ترى قائداً آخر لإسرائيل غير نتنياهو وهذا أمر حساس ومهم للغاية، بالنظر إلى تاريخ العلاقات الأميركية - الإسرائيلية على مدى العقود الماضية، فدائماً ما تكون هناك نقاشات وفي بعض الأحيان عدم توافق بين الرئيس الأميركي والحكومة الإسرائيلية ورئيس وزرائها، وبالمقارنة بين ما يحدث الآن وسابقاً فإنه في السابق كان الرئيس الأميركي دائماً يحترم ويقدر رئيس الوزراء الإسرائيلي، على العكس مما يحدث الآن، ويكون النقاش دائماً ’حسناً أنا لا أتفق معك لكني فعلاً أقدرك‘ هذا كان الحال في السابق، ومثل ’بما أنك رئيس الوزراء الإسرائيلي فأعتقد أنك ستتخذ الإجراءات المناسبة بالنسبة إلى بلدك إسرائيل‘".

الولايات المتحدة ملتزمة بأمن إسرائيل ضد أي تهديد ونتنياهو جلب كثيراً من المشكلات للعلاقات الإسرائيلية – الأميركية

أما الآن، بالنسبة لآيلاند، "فبايدن لا يحترم نتنياهو فقط بل لا يثق في الإجراءات والسياسات التي يتبعها بالنسبة إلى مصالح إسرائيل، وهذا ليس جيداً بالنسبة إلى دولة إسرائيل ولهذا لدينا نوع مختلف من التوتر بين الإدارة الأميركية ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، وهو توتر كبير ومقلق بالنسبة إلينا، ولهذا السبب، وهو ليس الوحيد، فكثير من الإسرائيليين يطالبون بضرورة استبدال نتنياهو وأنا واحد منهم.، وربما كان نتنياهو رئيس وزراء إسرائيلي جيداً قبل بضع أعوام، لكن الآن ارتكب عدداً من الأخطاء وجلب كثيراً من التوتر مع الولايات المتحدة الأميركية، وليس فقط مع واشنطن، بل مع دول أخرى مثل الأردن وغيرها".

وحول ما إذا كان نتنياهو يتعمد تعريض العلاقات الأميركية - الإسرائيلية للخطر بسبب مواقفه السابقة من بايدن وإدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، إذ كان يشغل بايدن نائب الرئيس، يوضح آيلاند "لا أريد أن أستخدم جملة ’نتنياهو أضر إسرائيل‘ ولكن دعني أتحدث عن أمرين مهمين، فقد جلب نتنياهو كثيراً من المشكلات للعلاقات الإسرائيلية – الأميركية، الأول متعلق بتحالفه الحكومي، وهو تحالف ديني يميني واضح يضم أشخاصاً لا تحبهم حقاً الولايات المتحدة (في إشارة إلى وزرائه المتطرفين مثل وزير المالية سموتريتش ووزير الأمن القومي ابن غفير)، وهو الأمر الذي تسبب في كثير من المشكلات، وبعض هؤلاء الأشخاص هم وزراء في حكومة نتنياهو والولايات المتحدة لا تحبهم ولا تفضل التعامل معهم، ولذلك فمنذ البداية والولايات المتحدة لا تفضل هذا التحالف الذي شكله نتنياهو، والأمر الثاني أن الولايات المتحدة باتت لا تحب السلوك الشخصي لنتنياهو الذي يظهر في بعض تصريحاته، وأنا أتفهم ذلك".

ثم يعود قائلاً "لكن مرة أخرى عندما يتعلق الأمر بالوضع الأمني لإسرائيل تستمر الولايات المتحدة في تقديم الدعم لإسرائيل، والدليل الواضح على ذلك هو قرارات الكونغرس الأخيرة بتقديم دعم عسكري بأكثر من 14 مليار دولار أميركي، وعليه فهم من جانب ينتقدون نتنياهو للأسباب التي ذكرناها، ومن جانب آخر يبرهن الأميركيون على دعمهم الصارم والواضح لتقديم كل الدعم الأمني والعسكري لإسرائيل، وعليه نرى هذا السلوك المزدوج لأميركا في التعامل مع إسرائيل في ظل حكومة نتنياهو".

ولا يخفي آيلاند امتعاضه من سلوك الوزيرين سموتريتش وابن غفير المتطرفين في حكومة نتنياهو، وتأثير ذلك في علاقات إسرائيل الخارجية، ويقول إن "هذين المسؤولين دائماً ما يصدران بيانات وتصريحات تؤثر سلباً وغير واعية أو تحوي معلومات مغلوطة، وكلاهما ليس لديه أية خبرة دبلوماسية أو إستراتيجية وبعض آرائهما دائماً ما تكون متطرفة، ولا أعتقد أنهما يدركان بشكل حقيقي أهمية إصدار تصريحات وبيانات باسم دولة إسرائيل، ولا أعتقد أنهما يدركان تلك الحساسات التي تنشب جراء تصريحاتهما أو حديثهما المتطرف أو ما ينبغي أن تكون عليه تصريحاتهما، وأعتقد أنهما تسببا في كثير من الضرر لصورة إسرائيل، ومرة أخرى فهذا جرى لأن نتنياهو اختارهما وليس آخرين في حكومته، وهو ما تسبب كذلك في إحداث تأثيرات سلبية عليه وعلى صورته في الغرب".

التطبيع مع الرياض "أولوية إستراتيجية"

ومن العلاقات الأميركية - الإسرائيلية إلى رغبة وأهمية تطبيع العلاقات الدبلوماسية والسياسية مع الرياض بالنسبة إلى تل أبيب، ومدى أن تسهم تلك الخطوة في حل القضية الفلسطينية وإنشاء دولة مستقلة لهم، ويقول آيلاند في حديثه إن "إسرائيل كانت وتبقى دوماً ترى في الوصول إلى التطبيع مع الرياض خطوة شديدة الأهمية، فالسعودية دولة عربية قائدة ومهمة جداً في المنطقة ولم تكن فقط لاعباً سياسياً مهماً في المنطقة وحسب، بل دولة قائدة لكثير من الدول العربية والإسلامية، ولذلك فإذا أقامت علاقات طبيعية مع إسرائيل فستمكن إسرائيل من إقامة علاقات طبيعية وجيدة مع كثير من الدول العربية والإسلامية الأخرى، وبالتأكيد فهذا سيضاف إليه كثير من المكاسب الاقتصادية التي قد تجنيها إسرائيل من تطبيع علاقاتها الثنائية مع الرياض، ولهذا تعد هذه الخطوة مصلحة مهمة للغاية بالنسبة إلى إسرائيل".

ويكشف آيلاند جانباً من تواصله مع القيادات السياسية الحالية في إسرائيل حول هذا الأمر، "دعني أقولك لك سراً أنه وبعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الحالية قبل نحو عام وأربعة أشهر، التقيت مستشار الأمن القومي الإسرائيلي الحالي تساحي هنغبي وسألته بشكل مباشر عن أبرز أهداف هذه الحكومة الجديدة التي تريد تحقيقها وإنجازها، وأجاب إن الأولوية القصوى بالنسبة إلى نتنياهو هي الوصول لتطبيع العلاقات مع السعودية، وأعتقد أنه كان صادقاً للغاية في الحديث عن هذا الأمر".

 

لكن آيلاند يعتقد الآن "أن الأمر لم يعد ممكناً بهذه السهولة نظراً إلى الحرب في غزة، وعليه أقترح أن تحدث ثلاثة أمور من شأنها أن تساعدنا في تحقيق ذلك، الأول، وهذا الحديث موجه إلى المسؤولين الإسرائيليين، دعونا نوقف الحرب في غزة فقط تحت شرط واحد وهو استعادة كل المختطفين، لأنه ليس سراً أن السعودية وكما كثير من الدول العربية تناشد إنهاء مأساة غزة، وعليه يمكن إيقاف الحرب كأحد إجراءات بناء الثقة مع السعودية سبيلاً لتحقيق مطلبها بإنهاء الحرب".

والأمر الثاني، وفق آيلاند، أنه "يتوجب علينا أن نوافق على مناقشة إطار أو خريطة طريق أو رؤية ما مع السعوديين حول كيفية حل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، ونحن نتفهم أهمية هذا الموضوع بالنسبة إلى السعودية ولا يمكن تجاهله، وعلينا أن نفتح النقاش حوله لتأكيد جدية نياتنا للمضي قدماً في عملية التطبيع"، ليضيف ثالث تلك النقاط قائلاً  "نأمل في الوصول إلى ترتيبات أو حلول يمكنها أن ترضي جميع الأطراف، وأعتقد أن الولايات المتحدة الأميركية ستدعم هذا الأمر، ولا تزال لدينا فرص جيدة للمضي في هذا المسار لما يمكنه أن يعود بالنفع على المنطقة وجميع الأطراف".

وعما إذا كانت حكومة نتنياهو ذاته يمكن أن تقدم حلاً للقضية الفلسطينية من أجل استكمال التطبيع مع الرياض، ولا سيما بعد أن تفاخر رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه "المسؤول عن تعطيل إقامة دولة فلسطينية ومنع قيامها بشكل شخصي" وهو ما تشترطه السعودية للمضي في المسار، أوضح آيلاند "بالتأكيد أتفق أنها ستكون معضلة، لكن لست متأكداً عما إذا كان نتنياهو نفسه سيبقى في منصبه، فنتنياهو قد لا يعتقد استمرار بقاء تحالفه الحكومي بشكله الراهن، وقد تحدث تطورات عندما يقرر جدياً المضي في مسار التطبيع من أجل عدد من الأسباب، أولاً إرضاء طموحاته الشخصية السياسية ومن أجل تقوية موقفه السياسي، وفي هذا الشأن عليه إزاحة الأطراف والأحزاب من حكومته التي تعارض هذه الخطوة ودعوة أطراف أخرى للانضمام إلى الائتلاف الحكومي، وأعتقد أن هذا السيناريو هو الأقرب، وبالتأكيد لن يكون سهلاً لكن لا يمكن استبعاده، لأن الإغراء بوجود محادثات مع السعودية كبير للغاية ولا يمكن التخلي عنه بسهولة، وهو ربما يخلق بعض التغييرات حتى في الداخل الإسرائيلي والسياسة الإسرائيلية، وهو أمر مهم للغاية".

ويشدد آيلاند "مرة أخرى لا أزال أؤمن أن إرادة إقامة حوار مع السعودية من شأنه أن يقود في النهاية إلى التوصل إلى اتفاق في شأن تطبيع العلاقات وإقامة علاقات سياسية ودبلوماسية، ويبقى أحد أبرز الأولويات الإستراتيجية والمصالح المهمة للغاية بالنسبة إلى إسرائيل وحتى لنتنياهو على المستوى الشخصي، الذي يرى في هذا الأمر غاية يرغب في تحقيقها".

المزيد من حوارات