Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المجتمع يُصرّ على أن الكسل هو سبب البدانة، والعلم يُثبت الآن أن هذا مجرّد رأي متعصّب لا أساس له من الصحة

انتشار ظاهرة الخوف من البدناء واعتيادها في المجتمع ما هو إلا نتيجة اعتقادنا بأن الشخص البدين هو الذي فعل ذلك بنفسه

هل يؤدي الكسل الى البدانة؟ (غيتي)

قليلون هم الذين يسمعون كلمة "بدين" ولا يأتي رد فعلهم حيالها من عقلهم الباطن بلا وعي. فهذه الكلمة التي كان يصيح بها المتنمرون في وجهك بالمدرسة، والعبارات الضمنية التي كانت تشير بها وسائل الإعلام إليك دائمًا - جميع هذه الأفكار ستترسخ في نفسك وتصبح واقعًا بمرور الوقت، بل ربما يصبح الواقع أسوأ. فهل المطلوب منك تجنب الطعام أم تقسيمه إلى طعام "جيد" وآخر "سيئ" وأن تشغل عقلك دائمًا بما ينبغي لك تناوله من الطعام ومتى ينبغي ذلك. وكل هذا يجعلك تشعر بالذنب والخجل من نفسك وبالنقص؟

إن الكلمات المُستخدمة للتعبير عن إهانة الناس تسلك عادةً أحد طريقين: إما أن يدرك المجتمع آثارها السلبية، وهكذا فإنها تتلاشى (غالبًا) وتصبح في طي النسيان مع تراجع قبول المجتمع استخدامها ("الإعاقة")؛ أو قد تتجه المجتمعات المحلية التي ينتشر فيها اللفظ المُهين إلى التخلص من تأثير هذه الكلمة عن طريق تحسين دلالتها كشيء يدعو إلى الفخر ("تزييف الحقيقة").

يبدو أن كلمة "بدين" قد سلكت كلا الطريقين، فقد تجنّبت غالبية أفراد المجتمع هذه الكلمة في وقت ما ووضعت محلها كلمات أخرى مثل "زائد الوزن" أو "ضخم" خوفًا من أن تبدو ألفاظهم مُهينة أو جارحة، في حين كان يستخدمها بعض الأشخاص، ومعظمهم من النساء، في الحركة الاجتماعية المعروفة باسم "إيجابية الجسم" كوصف لحجم الجسم لا يُقصد من خلاله إصدار أحكام. وإلى الآن، تُستخدم هذه الكلمة كلفظ مُهين إذ لا تزال الرشاقة هي المعيار الأمثل لجمال الجسم.

إن انتشار ظاهرة الخوف من البدناء وتحولها إلى أمر عادي في المجتمع ما هو إلا نتيجة اعتقادنا بأن الشخص البدين هو الذي فعل ذلك بنفسه؛ إنه كسول ويفتقر إلى الإرادة وغير صحيح الجسم، وما نحن إلا نصحاء له نخبره بخطئه كي يعالجه. وبعد كل ذلك، يقولون لنا إن البدانة وباء. والبدناء عبء على هيئة الخدمات الصحية الوطنية. إنهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض. وهكذا لا يبدو التمييز ضدهم مقبولاً في نظر المجتمع فحسب، ولكن قد يبدو شكلاً من أشكال الحرص على المجتمع كذلك.

لا شك أن جميع هذه مفاهيم مخطئة. وقد أظهرت الأبحاث الصادرة اليوم أن النحافة ليست علامة جيدة أو صحية في الواقع، إنما مردها لدى غالبية الناس إلى الاستعداد الوراثي، مثلها مثل لون العين أو ملمس الشعر أو حجم القدمين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لقد كانت هذه الدراسة التي أجرتها جامعة كامبريدج أكبر دراسة من نوعها. وعادةً يُركّز مثل هذه الدراسات على أشخاص يُعتبرون "زائدي الوزن"، وهو المصطلح الحافل بالدلالات والذي يرى فيه الكثيرون حكمًا تعسفيًا على الآخرين. أما في هذه الدراسة، فركّز الباحثون على أشخاص نحيفين بشكل طبيعي، وكانت مقادير وجباتهم وعاداتهم الغذائية غير مناسبة إلى حدٍ كبير لأحجام أجسامهم؛ إذ وجد الباحثون أن مثل هذا الأمر كان مرتبطًا ارتباطًا مباشرًا بتركيبهم الجيني، وليس بـ "خيارات نمط الحياة" التي تُذكر غالبًا باعتبارها سبب البدانة.

اليوم يمتلك المجتمع الطبي كثيرًا من الإجابات بشأن المفاهيم التي قادتنا إلى تهميش البدناء. وقد أظهرت الأبحاث أن الأطباء غالبًا ما تكون لديهم مواقف سلبية، ظاهرة أو خفية، تجاه الأشخاص الذين يرونهم "زائدي الوزن". وهنالك أدلة لا تنتهي على ذلك، فكثيرًا ما نجد أشخاصًا بدناء، وغالبيتهم من النساء أيضًا، وقد تجاهل الأطباء مشكلاتهم الصحية واعتبروها نتيجة طبيعية لزيادة وزنهم، وطلبوا منهم اتّباع نظام غذائي وممارسة التمارين الرياضية، بدلاً من معالجتهم على النحو المطلوب.

مع ذلك، وجدت الدراسات أن ما يراوح بين ثلث وثلاثة أرباع الناس المُصنّفين بدناء ليست لديهم مشكلة صحية في عملية الأيض. كما لا تظهر عليهم أية علامات خاصة إلى ارتفاع ضغط الدم أو مقاومة الإنسولين أو ارتفاع الكوليسترول في الدم، في حين أن نحو ربع الأشخاص غير البدناء يندرج تحت ما يُسميه علماء الأوبئة "الرشاقة غير الصحية".

في العام الماضي، ظهرت تيس هوليداي عارضة أزياء الوزن الزائد وعضو في حركة "إيجابية الجسم" على غلاف مجلة "كوزموبوليتان" بلباس البحر، وكان رد فعل الجمهور فوريًا، إذ عبّر الكثير من الرجال، الذين ربما لم يشتروا نسخة واحدة من هذه المجلة طوال حياتهم، عن شعورهم بالقلق من ترويج المجلة لـ "صورة جسم غير صحي". وقد ذهب الكثيرون في ذلك الوقت إلى أن الرجال الذين يعتبرون المرأة مجرد شيء قلما يكونون قلقين بشأن صحتها؛ فهم ببساطة لا يحبون أن يروا جسد امرأة يخلُّ بالمعايير المثالية التي يستفيدون هم من الترويج لها. ومع اهتمام النساء الكبير بفقدان الوزن، قد لا يستطيعون العمل بنشاط على تغيير النظام الذكوري القائم؛ إذ لا يخفى على أحد أن للشعور بالجوع تأثيرًا جانبيًا سلبيًا على كفاءة عمل الدماغ.

هنالك نفاق جنسي واضح في الحديث المضاد في قضية هوليداي، وإن قبلنا مغالطة أن البدانة تساوي الصحة السيئة، فإن الغالبية العظمى من عارضات الأزياء اللواتي يظهرن على أغلفة المجلات وعلى المنصّات يعانين نحافة شديدة من الناحية الطبية، لكن ليس هنالك تعليقات تُذكّر بشأنهن. كذلك لم نرَ أحدًا يشكو كلما ظهر دونالد ترمب على غلاف مجلة من أنه يُمثّل نموذجًا غير صحي بسبب حميته المروّعة وعدم ممارسته الرياضة.

ولوضع حد لظاهرة الخوف من البدناء والتمييز ضدهم، فإننا بحاجة إلى قبول جماعي فكرة مفادها أنه ليس بالضرورة أن يكون لحجم الجسم أي تأثير في الصحة. وقد ثبت مرارًا أن مطالبة الأشخاص بإنقاص وزنهم كثيرًا ما تأتي بنتائج عكسية تمامًا، في حين أن مساعدتهم على حب أجسادهم وقبولها هما أفضل وسيلة لضمان حفاظهم على صحتها. كما أننا بحاجة إلى تجاوز فكرة أن لحجم الجسم علاقة بالأخلاق؛ فليس النحفاء أفضل حالاً من البدناء بأي شكل من الأشكال، كما أنهم ليسوا أفضل من أصحاب العيون الزرق أو الشعر الناعم أو الأقدام الصغيرة.

بالطبع، هنالك كثير من المال يُنفق لجعل النساء يكرهن أجسادهن. وتزدهر قطاعات مثل مستحضرات التجميل و"اللياقة البدنية" والأنظمة الغذائية، ويُقدّر حجمها معًا بمئات المليارات من الدولارات، من خلال تصدير معايير جمال مستحيلة، مع ربط مدى الاقتراب من هذه المعايير المثالية بالسعادة والرفاهية بشكلٍ مباشر. وتُمثّل النحافة جزءًا أساسيًا من هذه الرسالة الترويجية. وليس بإمكاننا إلا أن نأمل انطلاق هذا الوضع نحو التغيّر بالفصل التام بين حجم الجسم من ناحية والأخلاق أو الفضيلة من ناحية أخرى.

© The Independent

المزيد من صحة