ملخص
90 في المئة من المسيحيين غادروا البلاد إلى دول الجوار بحثاً عن الأمان وإلحاق أبنائهم بالمدارس
يعيش المسيحيون في السودان أقسى تداعيات حرب الخرطوم في ظل ظروف نزوح وتشرد وتوقف للأعمال التجارية، وكذلك المؤسسات التعليمية والصحية والأندية الاجتماعية، فضلاً عن تعرض الكنائس في مدن العاصمة الثلاث بحري وأم درمان والخرطوم للتدمير والتخريب.
وتعتبر المسيحية الديانة الثانية في البلاد، وانخفض عدد المسيحيين بعد انفصال جنوب السودان عام 2011 ليصل إلى نحو 1.4 مليون نسمة يتوزعون في العاصمة ومدن أخرى مثل ود مدني بولاية الجزيرة والأبيض غرب البلاد، فضلاً عن مناطق في الولاية الشمالية.
نزوح جماعي
اعتبر الأب القمص مكاريوس فيلوثاوس فرج أن "الحرب أسهمت في خروج أعداد كبيرة من المسيحيين حالهم مثل آلاف المواطنين الذين نزحوا بسبب تصاعد وتيرة المعارك، فضلاً عن أزمات قطع الكهرباء والماء والخدمات الصحية، ومنهم من غادر مدن العاصمة الثلاث بحري وأم درمان والخرطوم إلى الولايات الآمنة مثل بورتسودان والقضارف وسنار، والغالبية اختاروا اللجوء إلى دول محيطة مثل مصر وأوغندا وإثيوبيا".
وأضاف أن "عدداً محدوداً للغاية من أسر المسيحيين لم يتمكن من الخروج لأسباب صحية، وآخرين لقوا مصرعهم ودفنوا داخل منازلهم أو أمامها".
وأوضح فرج أن "غالبية الأقباط يعيشون في منطقة أم درمان القديمة، واضطروا إلى مغادرة منازلهم بعد تصاعد حدة القتال في محيط الإذاعة والتلفزيون وامتداد منطقة بيت المال، واتجهوا إلى مدينة عطبرة نظراً إلى أن أصولهم من شمال السودان ويوجد عدد من أهلهم وأقاربهم هناك".
ولفت إلى أن "المسيحيين الذين يقطنون في أحياء أم درمان التي يسيطر عليها الجيش السوداني بخاصة الثورات وود البخيت لم يغادروها حتى الآن، لا سيما أنهم لم يتعرضوا لانتهاكات من المجموعات المسلحة، علاوة على بقاء الشباب الذين تمكنوا من التعايش مع الظروف القاسية من أجل حماية المنازل والممتلكات من عمليات السلب والنهب".
تخريب ونهب الكنائس
وحول أوضاع الكنائس في العاصمة والولايات أشار مكاريوس إلى أنه "لا توجد معلومات عنها خصوصاً الخرطوم وبحري وود مدني بولاية الجزيرة بسبب صعوبة الوصول إلى تلك المناطق نتيجة الحصار وأخطار التنقل، أما الكنائس في مدينة أم درمان، فقد تعرضت كنيسة المسالمة لانتهاك طال المقدسات داخلها وعمليات تخريب نتيجة القصف العشوائي وعمليات نهب، وبعد فرض الجيش السوداني سيطرته على منطقة أم درمان القديمة عادت كنيسة المسالمة لفتح أبوابها للصلاة".
وفي شأن رؤيته لمستقبل السودان، يقول فرج إن "هناك تحديات عدة لاستعادة الوضع من جديد، والمستقبل لا يزال غامضاً، لكن السودان بلد معطاء ويملك ثقافة مختلفة، هناك تحديات، لكنها غير مستحيلة حالما توفرت الإرادة الوطنية والتكاتف المجتمعي لمجابهة تحدي توظيف تجربة الحرب المريرة وتحويلها إلى فرصة برؤية جديدة تعتمد على تطوير قدراتها ومواردها".
أضرار بالغة
واجه آلاف المسيحيين في السودان ظروفاً صعبة منذ اندلاع الحرب التي تجاوزت عامها الأول، بخاصة بعد فقدان أعمالهم في الشركات والمصانع، وكذلك مؤسسات القطاع الخاص مثل الصيدليات والعيادات ومستشفى الراهبات للولادة في العاصمة الخرطوم، فضلاً عن المدارس الخاصة، علاوة على الأندية الثقافية والاجتماعية مثل المكتبة القبطية والنادي القبطي. ومع تصاعد وتيرة المعارك بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع" وأخطار القصف والتنقل، لا أحد يعرف مصير الممتلكات الخاصة بالمسيحيين في مدن العاصمة الثلاث بحري وأم درمان والخرطوم وحجم الأضرار وعمليات السلب والنهب التي تعرضت لها.
تشريد صادم
الكاتب والصحافي نبيل غالي جرجس، وهو من الأقباط الفاعلين في المشهد الثقافي السوداني، يقول إن "90 في المئة من المسيحيين غادروا البلاد إلى دول الجوار على رغم ارتباطهم بالسودان، وذلك بحثاً عن الأمان وإلحاق أبنائهم بالمدارس حتى لا يضيع مستقبلهم بسبب ظروف الصراع المسلح. وبالمقابل فإن الـ10 في المئة الذين فضلوا البقاء تقطعت بهم السبل وباتوا نازحين في المدن الآمنة والولايات التي توجد فيها كنائس تقدم مساعدات ومواد غذائية وخدمات صحية".
وأضاف جرجس أن "هناك عدداً محدوداً من المسيحيين اضطروا إلى البقاء في مدينة بحري، ولم يتمكنوا من الخروج لارتباطهم الوثيق بالسودان الذي لا يرون غيره وطناً بديلاً نظراً إلى الخصوصية وقيم التسامح والسلام، إذ يعيش المجتمع المحلي بمحبة وسلام من دون تفرقة بين مسلم أو مسيحي".
وأشار الكاتب والصحافي إلى أن "هناك أملاً بمستقبل أفضل في السودان على رغم حجم الخراب والدمار، لكن هذه الخطوة مرهونة بالإرادة الوطنية والتكاتف المجتمعي والاستفادة من دروس الحرب".
وتابع المتحدث "مئات فقدوا أعمالهم التجارية والصناعية وتعرضوا لخسائر مالية، وكذلك أضرار بالغة لحقت بالمنازل والممتلكات الخاصة إلى جانب عمليات السلب والنهب، إضافة إلى تعرض الكنائس للتخريب والتدمير".
تعايش سلمي
بحسب إفادات سابقة لمجلس الكنائس السودانية، توجد 36 طائفة مسيحية مسجلة، ويعرف السودان منذ مئات السنين بتنوع نسيجه الاجتماعي وتحلي أهله بالتسامح الديني، وتاريخه حافل بمواقف وأحداث تعبر عن عمق التعايش السلمي والاحترام بين المسلمين والمسيحيين، إذ يتبادلون التهاني ويحتفلون مع بعضهم في الكريسماس وعيدي الفطر والأضحى.
وإبان انتفاضة ديسمبر (كانون الأول) 2018، شكلت الطائفة المسيحية حضوراً قوياً في ميدان الاعتصام ومثلت مشاركتها علامة فارقة، ليس في الأيام العادية فقط، بل حتى في رمضان شاركوا بتوفير حاجات الشهر وقاموا بتغطية المسلمين من الشمس أثناء أدائهم الصلاة داخل ميدان الاعتصام وغيرها من المواقف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
انعكاسات الحرب
جورج ماهر الذي يقطن في مدينة بحري منذ أكثر من 40 عاماً، قال إنه "لا يوجد إحصاء دقيق عن أعداد المسيحيين الذين غادروا السودان، لكن الغالبية منهم اتجهوا إلى مصر وأوغندا وإثيوبيا، وآخرين لدول مثل تركيا وإسبانيا وغيرها بحثاً عن الأمان وإلحاق أبنائهم بالمدارس والجامعات، ومن فضلوا البقاء منهم نزحوا إلى المدن الآمنة".
وأضاف "من انعكاسات حرب الخرطوم على المسيحيين من ناحية اقتصادية هو خسارة آلاف أعمالهم الخاصة في مجالات عدة مثل التجارة والخدمات الصحية والتعليمية، فضلاً عن الخسائر الفادحة للممتلكات والمنازل جراء عمليات التخريب والتدمير والسلب والنهب. كما تعرضت كنائس عدة في مدن العاصمة الثلاث بحري وأم درمان والخرطوم للقصف العشوائي، مما أسهم في تدمير بعضها وتعرض أخرى للسرقة وانتهاك المقدسات داخلها".
وأوضح ماهر أن "هناك أضراراً اجتماعية متمثلة في إزهاق الإرواح والإصابات والأمراض والمشكلات النفسية وفقدان التعليم العام والعالي والتشرد والنزوح والهجرة من دون كفالة".
وواصل قائلاً "مستقبل السودان مظلم، ولا توجد مؤشرات على أن الحرب ستتوقف قريباً، بالتالي ينبغي أن يفهم كل السودانيين بأنهم مسؤولون عن هذه البلاد وأن لهم دوراً في رفعتها ونهضتها سواء كانوا في داخل البلاد أم خارجها".