Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ترويض الشر... إيران بعدسة خصومها

المعارك الدرامية أثبتت أن ما يجري على الأرض "شو عسكري" للاستهلاك الإعلامي وعدم تجاوز الخطوط الحمراء لموازين القوى

هذا المستوى من العلاقات المعقدة بين إيران وأعدائها تجلى على الشاشات قبل أن يدركه غالبية المتابعين أخيراً (مواقع التواصل)

ملخص

دوماً صورت إيران بأنها شيطان الإرهاب في الأعمال الفنية الأميركية، لكن مع ذلك كانت هناك مساحة لترويضها والتعاون معها لتحقيق مصالح مشتركة.

يمكن التعرف بسهولة على أعداء الولايات المتحدة من خلال محتواها الدرامي، وهي عادة أميركية سائدة منذ عقود طويلة، إذ إن الأعمال ذات الطابع السياسي في الدولة الأبرز فيما يتعلق بالإنتاجات الفنية تحظى بشعبية كبيرة تضاهي نظيرتها الاجتماعية والكوميدية والرومانسية، بالتالي تابع الجماهير خطط الولايات المتحدة في التعامل مع أعدائها على الشاشات أولاً بأول.

ووفقاً للمعطيات على الساحة بصورة عامة، فمن تحاربه الجيوش تحاربه أيضاً الكاميرات، فيبدو كثير من الأعمال الفنية وكأنه مكمل لمواقف المسؤولين، فالسمة السائدة هي أن القصص الدرامي المعروض سينمائياً وتلفزيونياً يكشف دوماً كثيراً عن حقيقة نيات كبار مهندسي السياسات في البيت الأبيض وفي إسرائيل وفي العاصمة الإيرانية طهران كذلك، فحتى لو طرحت تلك الأعمال وجهة نظر معارضة ومغايرة للخطاب الرسمي، لكنها أيضاً تسهم في إظهار الطريقة التي تعمل بها الإدارة وتحرص على استعراض ما يجري في الغرف المغلقة.

ولعل مسلسل "هاوس أوف كاردز" بمواسمه الستة من أشهر الأعمال السياسية الأميركية التي حظيت بشعبية، وصنفت على أنها ترصد بجرأة خبايا ما يجري في هذا العالم بشروره وتناقضاته.

من الشيوعيين إلى العرب، مروراً بذوي الأصول الآسيوية وحاملي الجنسية الروسية، وصولاً إلى المسلمين مهما كان عرقهم، وعلى رأسهم الإيرانيون، إذ أصبحت الدولة الفارسية على رأس أعداء الدولة الأميركية منذ نحو 45 عاماً بعد الثورة الإسلامية وإطاحة حكم الشاه، بعدما باتت إيران راعية الإرهاب في المنطقة بالنسبة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل كذلك، وذلك عقب أزمات متوالية، أبرزها أزمة احتجاز الرهائن، التي تلتها تدريجاً تصعيدات عدة، بينها قطع العلاقات التجارية وعقوبات رادعة، وصولاً إلى أزمة اتهام إيران بتصنيع سلاح نووي.

وخلال تلك العقود جرى التلويح مراراً بحدوث مواجهة حامية بين الجهتين فكانت الدراما على الخط، فكثير من الأعمال اتسمت بالتهور والسذاجة، وتدريجاً بات هناك طرح متوازن لطبيعة الصراع. لكن، الثابت أن تلك المواجهات كان يمكن أن تنفجر في مواقف عديدة سابقة، لكنها ظلت مجرد تلويج وتهديد لفظي يندرج تحت بند الحرب الكلامية والدرامية، وكأن العداوة بين البلدين التي تصورها التصريحات تبدو في الواقع لها محددات خاصة، إذ يلتزم كل طرف بخطوطه الحمراء.

والمفاجأة أن الدراما الأميركية وحتى الإسرائيلية كانت سبّاقة بأن تعلن للعالم طبيعة تلك السياسة، بالتالي لم يكن مدهشاً أبداً الخمول الأميركي بعد "حرب المسيرات" التي شنتها إيران ضد إسرائيل، وبعيداً من وصفها بالمسرحية، وبأن الرد عليها من الجانب الإسرائيلي كان مجرد تحية مشابهة، إذ لم تسفر أي من العمليتين عن خسائر كبيرة، فإن الأمر بدا وكأنه تطبيق عملي شديد الدقة للتعامل الأميركي - الإسرائيلي مع الجانب الإيراني، بأنها دولة مارقة وضلع أساس في محور الشر، لكنها مروضة وتحت السيطرة بالنسبة إليهم.

معركة درامية على الشاشات

وما بين خدمات بالوكالة وأخرى نوعية على أهداف إسرائيلية - أميركية، يكون الرد عليها بحوادث اغتيالات لمسؤولين وعلماء إيرانيين في البرنامج النووي، ظلت تلك الوتيرة سائدة، وكأن هناك حرباً، لكنها على مهل أو في الظل، وعادة لا تكون على أي أرض إيرانية أو أميركية أو إسرائيلية.

 

 

كما هو واضح على أرض الواقع، فالتقدم ناحية العنف المباشر مع إيران أمر غير مرحب به أميركياً، وبالتبعية تتخذ إسرائيل نفس المنحى، كما دأبت طهران أن تتعامل بالطريقة نفسها حرفياً، هذا المستوى من العلاقات تجلى على الشاشات قبل أن يدركه غالبية المتابعين أخيراً، إذ يبدو الوضع شديد الوضوح الآن، بينما كانت مقدماته تعلن درامياً في أكثر من مناسبة، بالتالي لم تكن هناك مفاجأة في هذا السيناريو، وقد يكون أبرز الأمثلة هنا المسلسل الأميركي الشهير "Homeland" (أرض الوطن) بطولة كلير دينس في دور العميلة الاستخباراتية الميدانية السرية كاري ماثيسون.

ويصنف "أرض الوطن" بأنه سيئ السمعة بالنسبة إلى العرب والمسلمين، ويقدمهم بصورة كارتونية، مستندة إلى دعاية خيالية، على أنهم شياطين بطريقة تحمل من المبالغة وعدم الدقة ما يثير الأسى والسخرية، ومع ذلك فهو في مواضع كثيرة أيضاً يوجه انتقادات شديدة القسوة والجرأة لجهاز الاستخبارات الأميركي، ويدين الأسلوب الرسمي في التعامل مع المرتزقة في عمليات غير نظيفة.

دبلوماسية تحت الطاولات

"أرض الوطن" المأخوذ بدوره عن مسلسل إسرائيلي، عرض على ثمانية أجزاء، وتناول خفايا الدبلوماسية الأميركية، وتعقيدات العلاقات بين الدول، إذ يمر كل شيء عبر جهاز الاستخبارات المركزية "CIA"، وكان لإيران وإسرائيل حيز كبير في الحلقات.

ورغم الخطاب شديد اللهجة الذي تتبناه الشخصيات الرئيسة العاملة في وكالة الاستخبارات الأميركية تجاه إيران خلال الأحداث، فإن المشاهد مع ذلك يلمس أن هناك اتفاقات ضمنية يجري التعامل على أسسها، وأنه رغم تنفيذ عمليات تتسم بالعنف بين الجانبين من حين إلى آخر، بهدف البعث برسائل معينة، فإنه مع الاقتراب من وصول أي تصعيد لذروته يظهر بقوة حرص الطرفين على الحفاظ على التوقف عند مسافة معينة من الانفجار.

وبدا الأمر واضحاً من خلال شخصية مجيد جوادي، التي جسدها الممثل الإيراني الأميركي شاون طوب، إذ قدم دور مسؤول رفيع في الاستخبارات الإيرانية، يلتقي بصورة مستمرة نظراءه الأميركيين، الذين يظهرون بدورهم باعتبارهم رسل السلام في العالم، الذين يريدون منع أي عمليات إرهابية، أو توترات تنذر بحرب.

وعلى مستوى الندية يتحدث معهم رجل الاستخبارات الإيراني ويتهمهم بالتناقض والكذب، وبأنهم أعداء دائمون إلا أنه في كل مرة يبدي حسن النيات أيضاً، دون أن يأمن لهم بطبيعة الحال، فمرة يمنحهم تحذيراً ما، ومرة يلبي طلباً بالتواصل مع سجين على وشك الإعدام، وهي مهمة كانت شبه مستحيلة، وهكذا يمرر السيناريو تفاصيل تشير إلى أن هناك هدفاً واحداً يجمع الطرفين، وهو الحفاظ على المصالح، وتقليل الخسائر مع الاستمرار في نشر تصريحات مغرقة في العدائية للاستهلاك الإعلامي.

هذا التوجه يتماس بصورة متطابقة مع ما سماه البعض اللعبة الإيرانية - الأميركية - الإسرائيلية، إذ جرى إدارة المعركة، إن صح التعبير، بين إسرائيل وإيران برعاية أميركية بنفس طريقة إدارة المفاوضات السرية، فالطائرات المسيرة التي كانت تلمع في سماء البلدين، بدت بالنسبة لمن تابعوا الموقف وكأنه عرض اتفق على تفاصيله تحت الطاولة فحسب من أجل حفظ ماء الوجه، تلك الرؤية في التعامل مع إسرائيل وعدم وضعها في المواجهة المباشرة مع إيران جرت الإشارة إليها أيضاً في نفس المسلسل الذي عرض على مدى 8 أجزاء منذ عام 2011 وحتى 2020.

والدراما التلفزيونية عادة أكثر إسهاباً في شرح نقاط التلاقي السياسي أكثر من السينما، رغم أن إيران دوماً حاضرة في السينما الهوليوودية، ولعل أبرز ما جرى إنتاجه حولها هو "آرغو" الذي عرض عام 2012 من إنتاج وإخراج بن أفليك.

وحصل الفيلم الذي تناول حكاية واقعية حول أزمة الرهائن الأميركيين عام 1979 على ثلاث جوائز أوسكار، فيما كان فيلم "Not Without My Daughter" مطلع التسعينيات ذا طابع سياسي إنساني، وعام 2003 قدمت هوليوود فيلم "House of Sand and Fog" الذي تناول حكاية متشابكة بين السياسة والمشكلات الاجتماعية، ومن بين أبرز الأفلام كذلك "Rosewater"، و"Body of Lies"، وكثير منها تبنى الأيديولوجية المعتادة التي تصور إيران دولة راعية للإرهاب.

مواءمات سرية

لكن، تلفزيونياً تكون مساحة التناول أكثر اتساعاً، ويحضر الخيال السياسي الذي لا يبتعد كثيراً عن الواقع بقوة، مع إضافة الحبكات لجعل الأمر أكثر إثارة للحصول على انتباه الجمهور، ومن خلال قصة خيالية أخرى تتماس مع أحداث حقيقية تشهدها الساحة الدولية، عرضت "نتفليكس" العام الماضي مسلسل "The Diplomat ـ هيئة دبلوماسية" الذي يجري حالياً العمل على موسمه الثاني من بطولة كيري راسل في شخصية كيت وايلر، فالبطلة هي دبلوماسية أميركية تتمتع بقدرات ومواهب في عملها، تجد نفسها فجأة سفيرة بلادها لدى المملكة المتحدة بدلاً من الذهاب إلى أفغانستان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن خلال المهمة المفاجئة نتعرف عن قرب على عالم الاتصالات السرية والقنوات الخفية للتواصل بين ألد الأعداء، إذ تفتتح البطلة مسيرتها في الدولة الصديقة بالتعامل مع حادثة طارئة ومربكة، وهي تفجير حاملة طائرات بريطانية في الخليج العربي، الذي أسفر عن وفاة 14 جندياً.

التحدي الكبير كان البحث عن الفاعل مع الحفاظ على السلام العالمي، وبالطبع جرى توجيه أصابع الاتهام إلى الأعداء التقليديين للبلدين، وهما روسيا وإيران، والأخيرة حرص مسؤولها على إظهار عدم تورطهم في الحادث، وأن الحرس الثوري لم يتدخل أبداً في تسهيل تلك العملية.

تدريجاً نجد خلال الحلقات تواصلاً من نوع خاص يجري بين مسؤولي الولايات المتحدة وإيران وبريطانيا على أكثر من مستوى، ورغم التحفز الواضح فإن هناك مستوى من التفاهم يجعل جميع الأطراف على الموجة نفسها، والهدف كله تهدئة الأوضاع والابتعاد عن خيار الاشتباك المسلح.

وتشير الدلائل بالفعل إلى أن سرعة التواصل مع الجانب الأميركي لإرسال رسالة إيجابية، ونفي التورط في الواقعة كان ضرورياً للغاية كي لا تستغل العناصر النزقة الحدث وتجر أطرافاً كثيرة إلى تصرف يشعل الأوضاع ويزيدها سوءاً، بخاصة أن كل الظروف كانت تشير إلى أنه من الطبيعي أن تلجأ إيران للانتقام رداً على مقتل القيادي العسكري الإيراني قاسم سليماني قائد "فيلق القدس" مطلع عام 2020، من طريق ضرب مصالح أميركا وحلفائها.

وتعرض الحلقات بصورة مباشرة حجم التوافق بين الجانب الإيراني ونظيره الأميركي، إذ يقول السفير الإيراني في أحد المشاهد بشكل صريح للسفيرة الأميركية إن "بلاده هي حليفتهم"، وإنه يعمل معها لأن العقوبات المتوالية أرهقت اقتصاد بلاده، كما يثمن لها موقفها بعرقلة أي مخطط عسكري للانتقام من دولته عقب أزمة ضرب حاملة.

حلفاء أم أعداء؟

لا تبدو الدراما في توصيفها للعلاقة بين إيران وممن يفترض أنهم أعداؤها، إذ إن تعبير "حلفاء" يستخدمه أيضاً الباحث في الشأن السياسي، بسام شكري، الذي يرى أن من حق الجمهور العادي أن يتساءل عن طبيعة العلاقة التي تجمع إيران بأطراف كثيرة من المفترض أنهم يمثلون "أعداءً صريحين" بالنسبة إليها، إذ إنه يصنف إيران حليفة لإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية "دون لبس"، مرجعاً السبب إلى أن هناك ما يمكن تسميته بـ"الاتفاق الاستراتيجي الذي لا يتغير"، وهو الذي يحافظ على حدود معينة لا يمكن تجاوزها فيما يتعلق بالمواجهات.

ويشير شكري إلى أن هذه النوعية من العمليات التي تجري على الأراضي السورية أو العراقية أو حتى اللبنانية بحق أهداف إيرانية، "قد تشوبها تجاوزات من قبل الأجهزة التنفيذية المكلفة القيام بها سواء لحساب إسرائيل أو أميركا، وهنا يتم تفعيل بنود الاتفاق الشامل الاستراتيجي الذي يهدف للهيمنة على المنطقة من طريق إيقاف المنفذين عن تجاوز الخطوط الحمراء".

الحديث عن المرتزقة ومن يقدمون خدمات بالنيابة، ظهر على أشده في المسلسل الأميركي الشهير "The Blacklist - القائمة السوداء"، إذ استعرض على مدى 6 أجزاء التناقضات في مواقف الحكومات ما بين المعلن والحقيقي الذي يظهر في الاجتماعات، فبدت كبرى الإدارات في وضع الراعي للإرهاب، وبدت العلاقة المتشابكة بين الأطراف الإيرانية ونظيرتها الأميركية والإسرائيلية من خلال الموسم الثالث.

وفي المسلسل، تجد الإيرانية سمر وهي صديقة لأجهزة التحقيقات الغربية في موقف مربك، بعد كشف ماضيها وكيف تمتلك عائلتها أسباباً للثأر، فنجد مسؤولين رفيعي المستوى على علاقات وطيدة برجال جريمة مطلوبين، ومن خلال جريمة قتل عملاء للموساد الإسرائيلي على يد مطلوب إيراني، تتضح خيوط كثيرة كانت تبدو غامضة، مفادها أن العداء الظاهري قد يتحول إلى تعاون بين ليلة وضحاها، وأن المشترك بين الأطراف المتصارعة يظهر لا محالة.

من صنع الاستخبارات

كثير من الأعمال الفنية في الولايات المتحدة هي دعائية تماماً، وتهدف للترويج للسياسة الخارجية للبلاد ولتبرير المواقف التي تتبناها، وهو إن كان يحدث سراً منذ الخمسينيات فهو بات أمراً معلناً في منتصف تسعينيات القرن الماضي، حينما أعلنت وكالة الاستخبارات المركزية إنشاء مكتب للتنسيق بين عملها وبين عالم صناعة الترفيه، بالتالي فالرسائل التي تمرر في الغالب تكون لها سند ودلالة، وليست هذياناً درامياً.

الولايات المتحدة تعاونت على مدار العقدين الماضيين مع إيران، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشر، بسبب تأزم الوضع في العراق، لا سيما في فترة تفشي انتشار "داعش"، كما أن رجال إيران هم من يقدمون المعلومات الاستخباراتية شديدة الحساسية حول حركة "طالبان" في أفغانستان، وهي معلومات أسهمت في توجيه ضربات لهم من قبل العسكرية الأميركية.

والأمر لا يختلف كثيراً في الجانب الإيراني، إذ إن محمود علوي وزير الاستخبارات والأمن الإيراني السابق صرح في فبراير (شباط) 2021 بأن كثيراً من الأعمال الدرامية تنتج بإشراف من رجال الأمن، لكن حتى الآن لا تجد الرواية الرسمية الإيرانية المقدمة درامياً انتشاراً واسعاً، لأسباب متعددة، في حين تحقق الأفلام التي تأخذ سمة معارضة حضوراً دولياً قوياً، وتحظى بالجوائز، وهي عادة تحاول الغوص في المشكلات الاجتماعية والإنسانية، وتبتعد عن الخطابية والمباشرة.

لكن مع ذلك هناك بعض الأعمال المحسوبة على الجانب الرسمي خرجت من عباءة التقليدية، وبينها "غاندو" أو "كاندو" الذي يشير اسمه إلى نوع من التماثيل الصغيرة المعروفة بالبلاد، عرض موسمه الثاني قبل نحو ثلاثة أعوام، وهو من إنتاج الحرس الثوري الإيراني، وقد أثار لغطاً كبيراً في البلاد وقت عرضه ورسالته الأساسية هي التمجيد في دهاء وذكاء رجال الاستخبارات الإيرانية، وصراعهم مع الأجهزة المناوئة التي كان يديرها الرئيس السابق حسن روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف.

 

 

اللافت أن حتى المسلسل الذي يتبع بصورة مباشرة قوات "الحرس الثوري" لم ينكر تعاون بعض الهيئات مع مسؤولين أميركيين كبار في إطلاق سراح بعض المعتقلين، وكذلك وجود علاقات صداقة بين بعض كبار رجال الدولة والسفارات الغربية التي تصنف إعلامياً على أنها غير صديقة لإيران.

ووفقاً لتحليل الباحثة رانيا مكرم بعنوان "دراما الاستقطاب: كيف عكس مسلسل (كاندو) الخلاف السياسي في إيران" نشر بـ"مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية"، فقد أثار العمل حالة من الانقسام، وأصاب شباب البلاد بالحيرة هل يصدقون ما ورد بالدراما أم يتعاملون معها على أنها خيالات حتى لو استندت إلى وقائع محددة؟

وهو جدل مشابه لما أثاره المسلسل الإسرائيلي "طهران"، الذي عرضته منصة "أبل" قبل نحو أربعة أعوام، وكانت حبكته الرئيسة تدور حول عميلة استخبارات إسرائيلية يجري تكليفها مهمة تدمير البرنامج النووي الإيراني الذي حصد سخرية الشارع الإيراني نفسه، بخاصة أنه جرى تصويره في شوارع أثينا العاصمة اليونانية لتظهر في الأحداث على أنها طهران، فبدت الاختلافات الكبيرة بين طبيعة البلدين واضحة للغاية.

ورغم التعقديات التي تحصل منذ اللحظة الأولى وتعطل المهمة، لكن التقارب يحصل أيضاً، إذ تلقى تمار دعماً من خلال علاقات الصداقة التي تربطها ببعض المعارضين، إذ إن بعضاً منها يتحول إلى حكاية حب، ويتم أيضاً الإشارة إلى المشترك الإنساني من خلال حنين يهود إيران إلى وطنهم، في حين أن انتماءهم الأصلي لإسرائيل، وهو أمر يبدو واضحاً من خلال خالة البطلة التي لا تزال تعيش في دولة الخميني، في حين أن أصولها يهودية، كل هذا على الرغم من تصريح سابق لدانا إيدن منتجة العمل أكدت فيه أن سبب تقديم قصة مثل تلك هو معرفة إيران من الداخل باعتبارها العدو اللدود لإسرائيل. 

لكن من خلال الأحداث يكتشف المشاهد أن الأمور حتى بين إسرائيل وإيران تدار بطرق أكثر تعقيداً عما يصل للجمهور من خلال وسائل الإعلام، وأن الاتصال عبر القنوات السرية دائم ومتواصل، وهو الذي يضمن عادة الحفاظ على مبدأ توازن القوى.

وعلى ذكر حسابات موازين القوى يشير الباحث السياسي بسام شكري إلى أنه بحسب معطيات الواقع والتسلسل التاريخي فإن العلاقات بين إيران وأميركا، وكذلك إيران وإسرائيل تأتي في إطار "توازن القوى" الذي تعمل الولايات المتحدة على المحافظة عليه منذ نهاية الحرب بالباردة أواخر ثمانينيات القرن الماضي، فأميركا، بحسب شكري، لديها مصلحة في وضع حليف روسيا التقليدي، وهو "إيران" تحت السيطرة، مضيفاً أن إيران من جهتها تلعب لعبة مزدوجة من خلال الترويج الديني في دول عدة باستخدام عقيدة الولي الفقيه المعصوم، ثم تصل إلى مبتغاها بنشر قواتها العسكرية من طريق الميليشيات.

المزيد من فنون